قصيدة نادرة لجري الشريف

block-2 مجلة مدارات ونقوش - العدد 3 مجلة مدارات ونقوش – العدد 6

 7,044 عدد المشاهدات

الكاتب : سعد بن عبد الله الحافي

يقول جريٍ في ذرا راس مرقب
     بنته الذواري في تقيزي مريره(1)

بنته الذواري صوب هجرٍ من النيا

     وهجر النيا ماهوب يبرا كسيره( 2 )

ليت الليالي لا نوتنا ابغاره

     يجي قبل غارات الليالي نذيره(3 )

يا ليت بقعا خيرها كف شرها

     يا ليت حلاويها تلقا شريره( 4 )

تمر على ذولي وذولي تعسهم

     وذولي مواردها وذولي صديره( 5 )

تمر على الاثنين تاخذ حداهم

     وهي على الثاني سريعٍ مريره( 6 )

تمر على ما باليدين وتنثني

     على الروح يا ويل الفتي من شريره( 7 )

يا من  لعينٍ تهمل إهمال شنه

     بعيدٍ مرواها مجونٍ بعيره( 8 )

لو يركز المشتاق فيها غرايس

     على موق عيني طول الماء قصيره( 9 )

وراريد ليلٍ يا وراريد اردوا

     على حجر عيني وارتووا من نظيره( 10 )

وقلبٍ يشادي لكمة الرجل بالشتا

     الى طقها شيٍ تلوا ظميره( 11 )

يا مل كبدٍ تطحن الغيظ كنها

     رحى عاجزٍ ما فيه حيلٍ يديره( 12 )

قلت اطحني يا الكبد غيظٍ ودققي

     على صاحبٍ ما بالبرايا نضيره( 13 )

لكن القرون الشقر فوق ام ضيغم

     الى كشفت أو طار عنها خديره( 14 )

كما ازرجاناتٍ بوادٍ  نواعم

     سقاهن من نو الثريا مطيره( 15 )

وإلا بريض أثلٍ الى هبت الصبا
     يحت الندى من راس عالي شكيره( 16 )

هيض جوابي صوت ورقا حمامه

     اتمزع من بين الثنادي زفيره( 17 )

تلعي تحسب البين ما صاب غيرها

     والبين صاب اصغيرها مع كبيره( 18 )

تزج الغنا في راس ما ناف مرقب

     لا وا على أدري ما خفا من سريره( 19 )

دعت مستكناتٍ من الورق حولها

     الى زعرت جاوبنها في زعيره( 20 )

ابا العيس يا تالي صديقٍ نخيته

     يا كاتم أسرار الفتى عن غريره( 21 )

حامي عقاب الخيل في ذارع القنا

     الى سن من روس العريني شطيره( 22 )

أنا مثل سدايٍ سدى عند خير

     ولا كل من يسدي سداتٍ ينيره( 23 )

أنا اليوم في ضحضاح رقراق نيه

     وهفيت من ضحضاحها في غزيره( 24 )

لكن بعيني ساق دفانة الضنا

     أو الشب يقلا في محاجر نظيره( 25 )

ضحى شفتها بالسيل في عرصة النيا

     تخوض مع البيض العذارى غديره( 26 )

يخوضن خوض الوز بالماء وبان لي

     حلايا مجمول الحلا من ستيره( 27 )

قالت لهن مجمولةٍ غضة الصبا

     هبيتن ما غطا بريمي غزيره( 28 )

تقافن يمشن الهوينا حواسر

     تثنى على خمص المكالي حريره( 29 )

ترا العين عن من لا تود مصده

     وهي صوب من تهوى حديدٍ نظيره( 30 )

حلا ما يلم الشوق حضن ام ضيغم

     صغيره واحسن كل شيٍ صغيره( 31 )

ترا عمرها لى فات خمسٍ مع اربع

     وثنتين مع ثنتين ما اقول غيره( 32 )

صغيرة ميلادٍ كبيرة نظره

     يا طول ما تليتها في جريره( 33 )

وصلوا على خير البرايا محمد

     طبيب الخلايق بالهدى هو بشيره( 34 )

 
 

تخريج النص:

– ورد في مخطوط فهد الخالد الصويغ من أهل حائل والمنسوخ عام 1307هـ  وجاء النص في ثلاثة وعشرين بيتاً.
– ورد في مخطوط عبد الرحمن بن إبراهيم الربيعي من أهل عنيزة والمنسوخ عام 1368هـ وجاء النص في أربعة وثلاثين بيتاً.
– ورد في مخطوط محمد بن عبد الرحمن بن يحيى من أهل المجمعة والمنسوخ عام 1387هـ وجاء النص في أربعة وثلاثين بيتاً.

 

الشاعر:

هو الشاعر جري ويسمونه مرة جري الجنوبي، ومرة جري الشريف، وهناك من يقول إنه جري بن شرعان بن عمر بن عون الشريف، وينسب له أبيات أوردها كمال منها:

يا ديرتي مكة خذوها النصارى
     غديت أنا ما ازحف من الشمس للفي
سلام يا مكة وبيت القرارا
     والشعب والبيت الذي كان يلوي
إن كان أبو عابد لبس ثوب عارا

     اما تمدد فيه والا انطوى طي

 
 

وأحداث هذه الأبيات جرت في القرن الثالث عشر الهجري، كما أن أسلوب الشاعر ولغته يختلفان عن النصوص الثلاثة المعروفة للشاعر جري، كما أن شاعرنا يذكر في نصوصه النير ووادي الرشا وأماكن في عالية نجد، وهذه الدلائل تتنافى مع أنه من أهل مكة كما يذكر في نصوصه اسم (السقيفي) و(أبا العيس) وهما أسماء لم تكن لتجهل في القرن الثالث عشر الهجري لو كانت موجودة، وبالتالي قد يكون هناك شاعر آخر اسمه جري بن شرعان من أهل مكة وزمنه متأخر، ولكنه ليس هو شاعرنا صاحب هذا النص، أما إطلاق اسم الجنوبي عليه فقد ورد في بعض الروايات بأنه حصل بين جري وبين أمير بلدة الروضة في حائل موقف، وقد عرف عن أهل تلك الديار إطلاق صفة الجنوبي على كل قادم من جهة عالية نجد والطائف، كما لم أجد من حدَّد زمن الشاعر على وجه الدقة، ولكن بالنظر في دلائل الأسلوب واللغة الشعرية لنصوص الشاعر مقارنة بشعراء الفترات الزمنية السابقة يرجح لديَّ أنه من شعراء القرن الحادي عشر الهجري وما قبل.

 

مناسبة النص:
نجد بعض الروايات الشفوية التي تتقاطع مع روايات أخرى شائعة عن مجنون ليلى وغيره، ويدخل فيها جانب أسطوري لا نجزم بحقيقته خاصة أنه يتنافى مع دلالات النص. وتتلخَّص الرواية في أن “جري” كانت له زوجة فائقة الجمال تسمى ليلى، وقد جمع بينهما الحب، وصادف أن خرج “جري” للغزو مع قومه، وأثناء غيابهم هاجم الحي أحد الشيوخ الأقوياء واسمه السقيفي؛ فأعجبته ليلى فسلبها وذهب بها إلى دياره، فكتم أهل الحي خبرها خوفاً من وقع الصدمة على “جري”، واتفقوا على أن يكتموا الخبر ويدَّعوا أنَّ ليلى ماتت، وقد حفروا قبراً ووضعوا فيه جذع شجرة على أنه قبر ليلى، وحينما عاد “جري” وعلم بالخبر أصابه الحزن، وتبدلت حاله، وقد لازم القبر يبكي ليلى، فرأت إحدى النساء من كبيرات السن أن تخبره الحقيقة؛ فأوعزت إلى الفتيات صغيرات السن أن يذهبن إلى “جري” ويغنين عنده هذا البيت:

عين ليلى يوم راح ابها السقيفي

     عين ظبيٍ شاف قناصٍ وذاره

 
 

عند ذلك سأل الصغيرات عمَّن قال هذا البيت فأخبرنه، فذهب إلى كبيرة السن التي أخبرته فحفر القبر وعرف الحقيقة، فذهب إلى ديار السقيفي التي كانت في النير، وادَّعى أنه درويش، فشكُّوا في أن يكون هو “جري” ثمَّ رحلوا وتركوه، وكلفوا أبا العيس بمراقبته خفية، وقد استمع له يقول هذا النص، وعندما اكتشف أمره صارت بينهما صداقة وقرر أن يأخذه معه إلى السقيفي، ومكَّنه من مقابلة ليلى التي أدخلته في صندوق كبير، وأمرت الخدم بإحضار حليب الإبل له حتى استعاد عافيته، وكانت ليلى تقوم بإخراج “جري” من الصندوق ليلاً ويتسامران، ثمَّ يعود في النهار إلى الصندوق، وهكذا حتى اكتشف السقيفي أمرهما فقتل “جري” وألقت ليلى نفسها من أعلى القصر فماتت.

 
 

المعنى الإجمالي للنص:
بدأ الشاعر بوضع الوسم الذي اشتهر به فيما وصلنا له من نصوص، حيث يتكرر في جميع مطالع نصوصه:

 

يقول جريٍ واشرف اليوم مرقب

    طويل الذرى للريح فيه زليل

 
 

وكذلك في نص ثالث للشاعر:

يقول جريٍ واشرف اليوم مرقب

     طويل الذرى للريح فيه فنون

 
 

ثم إنَّ الشاعر يصف ارتقاءه للمرتفع الرملي الذي بنته الرياح، ويتمنى لو أنَّ النذر تسبق مصائب الدنيا، أو أن يكف خيرها شرها؛ فهي لم تترك أحداً إلا وقد أصابته بغاراتها، ثمَّ يصف حالة البكاء التي انتابت الشاعر في هذا المرتفع مشبهاً انهمار دموعه بانهمار الماء من (الشنة) أداة حفظ الماء التي وضعت على ظهر جمل كثير الحركة والجمحان، لتتمزع ويفيض منها الماء، وقد بعدت عنهم الموارد فتجتمع عليه الحسرة والعطش، وكيف أنَّ الشاعر يقاسي ألم فراق حبيبته (أم ضيغم) ذات الجدائل الشقراء المنسدلة إلى الأسفل، وأنَّ ما حرَّك قريحة الشاعر هو هديل الحمامة (الورقاء) ذات الصوت الحزين، فيخاطبها بألا تعتقد أنَّها الوحيدة التي تعاني لوعة الفراق، ثمَّ يخاطب صديقه (أبا العيس) ممتدحاً فروسيته، وأنه آخر الأصدقاء الذين بقوا معه، وكيف أنه يشعر وكأنَّ رجل جرادة مملوءة بالشوك، أو أن (الشب) الحارق قد وضع داخل عينه فلا تكف دموعها، ثمَّ يذكر الشاعر كيف تعلَّق قلبه بتلك الفتاة التي شاهدها تخوض في ماء الغدير حاسرة مع صويحباتها وهي صغيرة سن لم يتجاوز عمرها ثلاثة عشر عاماً، إلا أنَّ لها عقلاً رزيناً وكثيراً ما كان الشاعر يقود مجموعة من الغزاة ليتتبَّع أثرها حينما ترتحل مع قبيلتها.

 
 

الجمع بين دلالات النصوص والرواية:
1-  إنَّ ما يتداوله العامة من أساطير حول (ليلى) وتكرارها في أكثر من قصص وأساطير، وتقاطعه مع اسم ليلى في نص الشاعر كما في مخطوط الصويغ:
لكن القرون الشقر بيني وبينه
     الى انجال عن لبات ليلى خديره

كان سبباً للبس وأعطى مجالاً لخيال الرواة في اختلاق مناسبة النص.

2-   إن من سماه الشاعر (أبا العيس) في أبيات النص يدل على أنه صديق قديم وفيٌّ للشاعر الذي يشاكيه تباريح الغرام بعد أن شاهد تلك الفتاة (أم ضيغم) صغيرة السن التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة عشر عاماً:
ترا عمرها لى فات خمسٍ مع اربع
     وثنتين مع ثنتين ما اقول غيره

 ثمَّ يسرد قصة تعلقه بها بعد أن شاهدها تخوض في الماء مع صويحباتها، وكيف أنه يقود الغزو دائماً متتبعاً منازلها مع قبيلتها، ممَّا يعني أنها بدوية، بينما في الرواية يختلف الموضوع في أنَّ (ليلى) زوجة الشاعر وقد سلبها السقيفي وأسكنها قصراً، وأن “أبا العيس” من أعوان السقيفي، وكيف ساعد الشاعر على الاجتماع بها، ولكن لا يوجد أي دلالة في النص على صحة رواية المناسبة.


مقارنة روايات النص:
نجد أنَّ ما جاء في مخطوط ابن يحيى ومخطوط الربيعي يكاد يتطابق، فيما عدا بعض الاختلاف، في تراكيب بعض الجمل والمفردات، وقد اعتمدت في النص هنا على ما جاء في مخطوط الربيعي وأكتفي بمقارنته بما جاء في مخطوط الصويغ كما يلي:
(1)عند الصويغ:
يقول جري واشرف اليوم مرقب
     بنته الذواري في تقازي مريره

(2) عند الصويغ:
ذرته الذواري صوب صرفٍ من النيا
     وصرف النيا ما قط يبرا هجيره

نلاحظ هنا أنَّ جملة (يبرا هجيره) ليست واضحة المعني، والأصح ما جاء عند الربيعي(كسيره).
كما أنَّ هذا البيت عند الصويغ يليه بيتٌ لم يرد عن الربيعي، وهو استطراد في وصف المرقب الرملي الذي بنته الرياح:
ذرتها الذواري بين عصرٍ وجهمه
     وعيا على ذاري الذواري زبيره


(3) عند الصويغ:
وليت الليالي كل ما غارن غاره
     يجي قبل غارات الليالي نذيره

نلاحظ أنَّ ما جاء عند الربيعي (لا نوتنا ابغاره) أدق وأجمل في المعنى، فالنذير يأتي عند النية أفضل وليس بعد حدوث الغارة، كما أنَّ البيت اختلف ترتيبه في النص عند الصويغ.

(4) عند الصويغ:
ياليت بقعا خيرها يكف شرها
     وعسى حسانيها اتلقى شريره

نجد اختلاف الترتيب في النص عند الصويغ وتقدمه على البيت السابق أيضاً.

(5) و(6) و(7) لم يرد عند الصويغ.
(8) عند الصويغ:
ويامن لعينٍ تهمل إهمال شنه
     بعيدٍ مرواها دنونٍ بعيره

(9) و(10) لم يرد عند الصويغ.
(11) عند الصويغ:
وكبد بتقادي لكمة الصبح بالشتا
إلى طقها شيٍ تلوا ضميره

نلاحظ أنَّ مفردة (بتقادي) غير واضحة المعنى، ممَّا يدل على أنَّ الناسخ قد نقل عن مخطوط غير واضح، والأصح ما جاء عند الربيعي (تشادي) أي تشبه.
(12) عند الصويغ:
يا من لنفس تطحن الغيظ كنها
     رحى عاجزٍ ما فيه حيلٍ يديره

وترتيبه عند الصويغ يأتي قبل البيت السابق.
(13) لم يرد عند الصويغ.
(14) عند الصويغ:
لكن القرون الشقر بيني وبينه
الى انجال عن لبات ليلى خديره

(15) عند الصويغ:

ثمر  زجاناتٍ بوادٍ نواعم
     سقاه من هرفي الانوا مطيره

ويليه عند الصويغ هذا البيت الذي لم يرد عند الربيعي:
ركاب الهوى باقصى ضميري منوخه
     ولا جا من الطرشان من يستثيره

(16) عند الصويغ:
أو اثلةٍ طلها كل هبها الهوى
     يهل الندى من راسها لا شكيره

يلاحظ ارتباك الوزن في الشطر الأول، كما أنَّ ترتيبه عند الصويغ يأتي قبل البيت السابق، كما يليه عند الصويغ هذا البيت الذي لم يرد عند الربيعي:
صبت وانصبت وصب ماها وصبصبت
     كما انصب من زورا زعوجٍ غديره

(17) عند الصويغ:
منكن ورقا واشرفت راس خروع
     حنا الريش من بين الفنادي سحيره

(18) عند الصويغ:
هو تحسب أن البين ما صاب غايره
     ولا أصابت الأكوان إلا ضميره

(19) لم يرد عند الصويغ.
(20) لم يرد عند الصويغ، وإنما جاء هذا البيت:
ألا يا حمامات الوقيع وواصط

     مركا هضاب النير مربى صغيره

(21) عند الصويغ:

أبا العيس يا دارٍ درا في شكيتي
     يا كاتم أسرار الفتى عن خبيره

(22) عند الصويغ:
حامي عقاب الخيل في ذارع القنا
     الى كل من ضرب العريني طريره

(23) لم يرد عند الصويغ.
(24) عند الصويغ:
أبا العيس أنا لي في ضحى ضاح نيه
     وقعت من ضحضاحها في غديره

ويليه هذا البيت الذي لم يرد عند الربيعي:
أبا العيس شمس اليوم تمشي مريضه
     وإن كان قبل اليوم عجلٍ مسيره

(25) عند الصويغ:
لكن بعيني ساق دفانة الظنا
     أو الشب يدحى بجنح ليلٍ نظيره

 
 
 

(26) و(27) و(28) و(29) لم يرد عند الصويغ.
(30) عند الصويغ:

ترا العين عن من لا توده مصده
     وهي صوب من تهوى حقوقٍ نظيره

 
 

ويليه هذا البيت الذي لم يرد عند الربيعي:
يا لايمٍ بالحب حب أم ضيغم
     تبلاك من بين الليالي شريره

 

(31) و(32) و(33) و(34) لم يرد عند الصويغ.