2,384 عدد المشاهدات
الكاتب: علي عبيد الهاملي
«مدارات ونقوش»
عندما تولى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عليه رحمة الله، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، لم تكن هناك في الإمارات محطات إذاعة ولا تلفزيون، باستثناء إذاعة «صوت الساحل من الإمارات المتصالحة» التي أنشأها مكتب التطوير المنبثق عن مجلس حكام الإمارات المتصالحة عام 1964 وتوقفت عن البث عام 1970 لتحل محلها إذاعة دبي على التردد نفسه، وكانت إذاعة «صوت الساحل» تبث من القاعدة البريطانية في الشارقة، التي كان يطلق عليها وقتها «المحطة».
ولم تكن هناك صحف ولا مجلات، باستثناء مجلة «أخبار دبي» التي صدرت عام 1965 عن بلدية دبي، وتوقفت عن الصدور عام 1980 لتصدر بترخيصها جريدة «البيان» الحالية، ولم يكن هناك من يدرك ضرورة أن تكون هناك محطات إذاعة وتلفزيون وصحف. لكن زايد، عليه رحمة الله، أدرك أهمية هذه الوسائل والأجهزة، فقد كان يولي أجهزة الإعلام التي كانت تسعى إلى لقائه وإجراء المقابلات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية معه أهمية خاصة، منذ أن تولى الحكم في إمارة أبوظبي في السادس من أغسطس عام 1966، وحتى الإعلان عن تأسيس هذا الصرح الكبير الذي ننعم بالحياة السعيدة الهانئة فيه اليوم «دولة الإمارات العربية المتحدة» في الثاني من ديسمبر عام 1971.
كان الشيخ زايد يمنح وسائل الإعلام من وقته الكثير، يتابعها ويستخدمها لإيصال رسائل مهمة في الداخل والخارج
كلمة مسجلة
بعد أقل من ثلاث سنوات من تولي الشيخ زايد، عليه رحمة الله، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، انطلقت إذاعة أبوظبي في الخامس والعشرين من شهر فبراير عام 1969. وكانت انطلاقتها الأولى بصوت الشيخ زايد، عليه رحمة الله، نفسه وبكلمة مسجلة منه، قال فيها:
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
إنني أشعر بالسعادة وأنا أوجه كلمتي هذه إليكم، وذلك بمناسبة افتتاح إذاعة أبوظبي. وأنا واثق أنكم تشعرون نفس الشعور، وتحسون نفس الإحساس. ويجب أن تهتم هذه الإذاعة بالمعاني الإسلامية والعربية، والقيم الروحية والأخلاق، والتمسك بالدين الحنيف الإسلام، والعادات العربية الأصيلة، والتقاليد التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، فنحن أمة عربية إسلامية، ويجب أن نتمسك بالإسلام وتعاليمه، ونعلمه لأبنائنا وأحفادنا، لأن هذا حق علينا. والله الموفق».
هذه الكلمة التي وجهها الشيخ زايد، عليه رحمة الله، مع انطلاقة إذاعة أبوظبي قبل نصف قرن تقريباً، رسمت خارطة طريق يسير عليها، ويلتزم بها كل العاملين في مجال الإعلام، وليس في إذاعة أبوظبي فقط، وشكلت منهاجاً للإعلام الصحيح والملتزم الذي يجب أن يعمل وفقه كل من ينتمي إلى وسائل الإعلام الإماراتية، قبل قيام دولة الاتحاد. وقد ظل هذا المنهج قائماً بعد قيام الدولة، وقد رأيناه واضحاً في توجيهات الشيخ زايد، عليه رحمة الله، في كل المراحل. وهو منهج قائم على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والقيم الروحية والأخلاقية، والعادات والتقاليد العربية الأصيلة. ولا زال هذا المنهج مستمراً ومتواصلاً، تلتزم به جميع وسائل الإعلام الإماراتية، على اختلافها وتنوعها.
وفي السادس من أغسطس عام 1969، الذي وافق عيد الجلوس الثالث للشيخ زايد، عليه رحمة الله، تم افتتاح «تلفزيون أبوظبي»، ليكون أول تلفزيون يبدأ بثه في الإمارات قبل قيام الاتحاد، وتبعه بعد شهر واحد تقريباً، في التاسع من شهر سبتمبر 1969 «تلفزيون الكويت من دبي» الذي تم إنشاؤه من قبل دولة الكويت الشقيقة، بناء على طلب من الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي وقتها، عليه رحمة الله. وقد كان افتتاح تلفزيون أبوظبي بحضور الشيخ زايد، عليه رحمة الله، وكان في هذا إشارة إلى اهتمامه بوسائل الإعلام، وإيمانه العميق بدورها في نشر الوعي، ومواكبة التطور الذي كانت تشهده الإمارة. وقد تبع افتتاح التلفزيون صدور صحيفة «الاتحاد» في العشرين من شهر أكتوبر عام 1969 في إمارة أبوظبي. وهنا نلاحظ رمزية اسم الصحيفة التي سبق صدورها قيام الدولة، إذ يدل دلالة واضحة على مدى إيمان الشيخ زايد، عليه رحمة الله، بفكرة اتحاد الإمارات، وتصميمه على تحقيقه، وتفاؤله الذي لا حدود له. وقد صدرت الصحيفة في البداية بشكل أسبوعي، ثم تحولت إلى الإصدار اليومي اعتباراً من 22 إبريل 1972.
اهتمام
هكذا اهتم زايد، عليه رحمة الله، بالإعلام، وانطلقت أجهزته المسموعة والمرئية والمقروءة في عهده الميمون قبل قيام دولة الاتحاد، ثم مضى بعد ذلك يدعم هذه الأجهزة بمختلف الوسائل والأشكال، ويتابع إنتاجها؛ يرصد أداءها ويوجهها عندما يرى أنها بحاجة إلى التوجيه، ولا يبخل عليها بالدعم عندما يرى أنها بحاجة إليه، فتم إنشاء وزارة للإعلام في أول تشكيل وزاري للدولة إيمانا من الشيخ زايد، عليه رحمة الله، بأهمية الإعلام. وقد قامت الوزارة بدور كبير في دعم وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، وقدمت لها العون المادي والأدبي، وعملت على تسهيل مهمتها في مختلف المحافل، وأوصلتها إلى مصاف أجهزة الإعلام العربية، التي كانت تسبقها من حيث النشأة والتطور، حتى تفوقت عليها، وأصبحت تحتل المراكز الأولى بينها، بل إنها وضعتها على طريق العالمية من حيث الأجهزة والإمكانات والأدوات.
وكان الشيخ زايد، عليه رحمة الله، يمنح وسائل الإعلام من وقته الكثير، يتابعها ويستخدمها لإيصال رسائل مهمة في الداخل والخارج، من خلال الأحاديث التي كان يدلي بها إلى الصحف والمجلات، ومحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية والعربية والعالمية، والتي ما زلنا نستعيدها حتى يومنا هذا، ونأخذ منها الدروس والتوجيهات والعبر. وقد وضع، عليه رحمة الله، لوسائل الإعلام الإماراتية قيما ومبادئ ما زالت تسير عليها حتى اليوم، وأهم هذه المبادئ والقيم، المصداقية وتحري الدقة، والمهنية، والبعد عن المهاترات، وعدم تزييف الحقائق وإذكاء النزاعات وإثارة النعرات. كما كان، عليه رحمة الله، يحترم الإعلاميين، ويصطحبهم معه أثناء زياراته الرسمية للدول العربية والأجنبية، وعند مشاركته في مؤتمرات القمة.
رحم الله الشيح زايد رحمة واسعة، فقد كان المؤسس الأول لإعلام الإمارات، مثلما هو مؤسس هذه الدولة وباني نهضتها.