3,667 عدد المشاهدات
سعد بن عبدالله الحافي – رئيس تحرير مجلة الحرس الوطني السعودية
يتضمن الشعر الشعبي دلالات عظيمة تفتح للباحثين آفاقاً جديدة تساعد على تصحيح مفاهيم وإجلاء حقائق تاريخية في فترة زمنية تمتد إلى ألف سنة، وبين يدينا قصيدة يعود تاريخها إلى مطلع القرن العاشر الهجري، وقد تضمنت دلالات مهمة، وكان لي السبق في تحقيقها ونشرها.
النص
يقول ابن عجلان بنفسٍ عزيزة
بعيدٍ منافي غيضها من قريبها
طويل الرجا قطاع الآمال كم حدا
جوال لاجي مهجتي ما فضيبها
رفيع ارتفاع الراس من روس لابه
بعادٍ عن الزهدا عزيزٍ غريبها
ثقات عدات ذات فكر عن الملا
بحور السخا من فرع الأجواد صيبها
ذرا الجار عيد الضيف في حزة القسا
الى قلّ من در الخلايا حليبها
فقلته على بيت ابن عثمان راشد
يمينه ما يشكي عياها قريبها
لهم كل درب يوجب الحمد منهج
وعن كل ضيم جارها يتقي بها
على سبّقٍ جودٍ جيادٍ طلايع
عليهن من لا يختبي عن طليبها
عليهن قوم من بني ابن هاشم
بزرقاً وخظراً باللقا يصطلي بها
تسقي بها اعدام العدا كل هيه
الى ثار من غبو السبايا كثيبها
فقلته على بيت ابن مهدي مهمل
والامثال ما تغبا فطين مجيبها
الأجواد امثال الجبال الذي بها
شراب وزبن للذي يلتجي بها
رفاع العناصر من عقيل ابن عامر
رقوا بعالي الجود عالي تعيبها
مضى ذا وياغادي على عيدهيه
جماليةٍ يطوي الفيافي خبيبها
الى سرت من هجر لك الرشد قايد
تعرض لك ارشاد المعاني وطيبها
ويممتها النجم اليماني مجنب
بداوية مجتازها يختشي بها
الى جيت بعد العشر منا جماعة
ذرا الجار والجانين عن ما ينيبها
فعمهم التسليم مني وخص لي
فتىً حاش من زين المعاني غريبها
دافي الذرا سيفٍ صحيبي وقره
سلامٍ عدد ما قاد شمس مغيبها
وقل يا حما الجانين عن كل نكبه
وراقي ذرا العليا وداعٍ خطيبها
ومن عاش ما يومٍ شنا اللوم عرضه
ولا قنع بالزهدا ولا يرتضي بها
الشاعر وعصره
لم نجد من أشار لهذه القصيدة أو شاعرها سوى هذا المخطوط لـ«جامع مجهول»، وجاء في تقديم القصيدة «مما قال ابن عجلان»، ويبدو أنه أخذ هذا من أول بيت في القصيدة، والذي وسم فيه الشاعر قصيدته بقوله «يقول ابن عجلان»، ولكن القصيدة مقاربة في أسلوبها ولغتها لقصائد القرن التاسع والعاشر الهجري، وقد تكلم الشاعر عن نفسه وأنه من رؤوس قبيلته التي تنتسب إلى بني هاشم، وبالتالي يكون اسمه ابن عجلان الهاشمي.
ثم يفهم من القصيدة أنه مجاور لبني عقيل بن عامر، وصحفت «عامر» في المخطوط إلى «ماجد»، فليس هناك قبيلة تدعى عقيل بن ماجد:
رفاع العناصر من عقيل ابن عامر
رقوا بعالي الجود عالي تعيبها
ثم بعد ذلك نجد الشاعر يخاطب المنجوب الذي ينطلق من هجر جهة الجنوب ويقدر مسيره على راحلته بمدة عشرة أيام ليصل إلى (سيف) صاحب الشاعر، وهذه المسافة تقدر بما بين 500 إلى 600 كيلومتر تقريباً، وهذا يدل على أن المنجوب سيكون مكان وصوله إلى الأطراف الغربية من منطقة الظفرة، وهي ما يعرف اليوم بالمنطقة الغربية من إمارة أبوظبي، وتشير المصادر التاريخية إلى أن عمان خضعت لنفوذ دولة بني جبر على يد سيف بن جبر في مطلع القرن العاشر الهجري، ما يؤكد أن الممدوح بهذه القصيدة هو سيف بن أجود بن زامل بن حسين بن جبر العقيلي. وما يؤكد ذلك هو استمرار ذكر بني هلال الجبريين في أحداث المنطقة حتى القرن الحادي عشر الهجري.
ولاشك أن أول ذكر لمنطقة الظفرة في النصوص الشعرية ورد عند الشاعر راشد الخلاوي من أهل القرن الثامن الهجري، في قصيدته البائية الشهيرة، حيث يصف راحلة النجاب التي تعود في أصولها إلى إبل الظفرة، والتي اشتهرت في ذلك الوقت بسرعة الجري ونجابة الأصل، وفي هذا دلالة على حرص أهل شمال الجزيرة العربية (الصحراء الشامية)، حيث كان يقيم راشد الخلاوي، على اقتناء هذا النوع من الركائب:
فيا راكبٍ من فوق علكوم كورها
خرسا اللسان ومشخص العين قاطبه
حمراً من الظفره طوالٍ ضلوعها
وفج ٍ نحرها والمحاقيب شايبه
على كورها حرٍ تقل باز ناصب
شمحوط حيٍ طال بالخال ناجبه
قليل الكرى بدر السرى باز من سرى
شق الورى يشفي حشا قلب نادبه
تلقاه يا “عواد” عجلٍ وقل له
يقول الخلاوي حاضر الراي غايبه
معاني النص
بدأ الشاعر مفتخراً ومعتزاً بنفسه وبني قومه بني هاشم الذين هم أهل عزة ومروءة وشجاعة ورأي صائب وأهل كرم وحسن جوار، في سنين الشح والجدب وأن هذه هي صفات أجواد العرب وكرمائهم، وهذا يتفق مع وصف الشاعر مهمل بن مهدي للأجواد، وكذلك مع ما ذكره الشاعر راشد بن عثمان من مراعاتهم للأقرباء وحمايتهم، وأن أقرباءهم يأمنون جانبهم ولا يخشون غدرهم، ثم يذهب الشاعر إلى مخاطبة النجاب الذي يمتطي ناقة قوية (عيدهيه) وهو اسم نوع من الإبل كان شائعاً في القرون السابقة (الإبل العيدية) وأن هذا النجاب سينطلق من الاحساء باتجاه نجم سهيل (الجنوب)، وسيقطع الصحراء الخالية الموحشة إلا من قطعان النعام وريم المها (البقر الوحشي) وستستغرق رحلته عشر ليال، على ظهر ناقته حتى يصل وجهته، حيث يقيم بني عقيل بن عامر، ثم يخص برسالته وتسليمه صديقَهُ سيف ويمتدحه.
دلائل النص
تحتوي القصيدة على دلالة مهمة، نعتبرها كشفاً جديداً في معرفة عصر الشاعر مهمل ابن مهدي، والذي يسميه البعض محمد المهادي، والذي لا تعرف له سوى قصيدة واحدة ارتبطت بقصته مع جاره، ولم نجد قبل اليوم من حدد عصره، ولكن الشاعر ابن عجلان ذكره في القصيدة بقوله:
فقلته على بيت ابن مهدي مهمل
والامثال ما تغبا فطين مجيبها
الأجواد امثال الجبال الذي بها
شراب وزبنٍ للذي يلتجي بها
فالشاعر ابن عجلان استشهد بما قاله مهمل ابن مهدي في ذكر الأجواد من قصيدته ذائعة الصيت:
الاجواد شروات الجبال الذي بها
ملاذ ومرعى والذرا ينلقابها
ومن هذه الدلالة المهمة يتضح لدينا أن عصر الشاعر مهمل ابن مهدي سابق لعصر ابن عجلان الهاشمي أو معاصر له، ولكن قصيدة ابن مهدي سابقة لقصيدة ابن عجلان، وسيكون لنا وقفه مع الشاعر مهمل في أعداد قادمة بمشيئة الله تعالى.
ومما ورد في قصيدة ابن عجلان:
فقلته على بيت ابن عثمان راشد
يمينه ما يشكي عياها قريبها
لهم كل درب يوجب الحمد منهج
وعن كل ضيمٍ جارها يتقي بها
فلدينا شاعر اسمه راشد ابن عثمان، وهنا نتساءل من يكون هذا الشاعر؟ عسى أن نجد إجابة شافية، وقد بحثت في قصائد راشد الخلاوي عن بيت بهذا المعنى ولم أجده فيما اطلعت عليه، خاصة وأن عصر راشد سابق لعصر ابن عجلان.