2,265 عدد المشاهدات
الكاتب: د. علي بن ذيب الأكلبي باحث سعودي
التحكُّم في الأدوات والأجهزة والكائنات الحية من إنسان ونبات وحيوان، أصبح واقعاً مطبّقاً بأشكالٍ وأساليبَ متنوعةٍ عبر تزويد تلك الأشياء والكائنات بمستشعرات متصلة بالإنترنت، ولها معرّفات خاصة ومحدّدة يتم تثبيتها عبر وسيط ملحق بالأشياء من أشخاص وجمادات ونباتات وحيوانات، ليتم استقبال وإرسال البيانات من وإلى تلك الأشياء، وبالتالي التحكُّم التام فيها من دون الحاجة إلى الوجود معها أو في محيطها، ومن دون الحاجة إلى رؤيتها أو لمسها عبر ما اُصْطُلِحَ على تسميته إنترنت الأشياء (Internet of Things) أو اختصاراً IoT، وهذا المصطلح يعني أنه سيكون بمقدور الأشياء أن تكون أكثر فائدة من خلال تمكين الأشياء من التفاهم البيني لها عبر اتصالها بالإنترنت، ومن دون عناء أو جهد، وأحد التعريفات لإنترنت الأشياء، قد وصف بأنه أشياء مزودة بأجهزة استشعار مناسبة، ويمكن الاتصال بها والتحكّم فيها من خلال شبكة الاتصال لإنجاز مهام معينة. (Magdalena 2016 )
ولأنَّ البشرية بشكل عام في سباق حثيث نحو التحوُّل الرقمي في كافة أساليب ومتطلبات الحياة، فقد كثَّفت مراكز الدراسات جهودها البحثية والتجريبية لتوفير التطبيقات المسرعة للتحوُّل الرقمي، ومن أهم وسائل ووسائط التحوُّل الرقمي ما يعرف بتطبيقات إنترنت الأشياء التي بدأت في الظهور تحت هذا المصطلح للمرة الأولى كما هو معلوم لدى أهل الاختصاص في العام 2000م، قدمها كيفن أشتون KEVIN ASHTON لتضيف فصلاً جديداً من فصول التطوّر في تقنيات المعلومات، ولتنتقل بيئة الإنترنت من كونها إنترنت اتصالات لتصبح إنترنت الأشياء، من أجل توظيف إمكانيات إنترنت الأشياء لتلبية احتياجات الحياة المعاصرة، وتقديم أفضل الخدمات وتطويرها بما يحقّق أفضل العوائد، وأجود الخدمات التي تُقَدَّمُ للمستفيدين، (Pujar; Satyanarayana 2015)
والأشياء التي يمكن أن تتفاهم عبر الإنترنت هي كلُّ شيء يقبل الاتصال واستيراد وإرسال البيانات، بشرط أن يتوافر على عنوان محدَّد وثابت بمعرف خاص على شبكة الإنترنت، سواء من خلال موقع حقيقي أم عبر توصيل شريحة ذكية أو سوار ذكي به مستشعر خاص، حيث يكون بمقدور الشيء الآخر الاتصال والتفاهم معه عبر عنوانه بواسطة الإنترنت، لترسل البيانات وتستقبلها من خلال المستشعرات الموجودة في الشيء أو القطعة الذكية المضافة إليه، والإنسان نفسه يمكن أن يكون من ضمن تلك الأشياء بمجرد وجود شريحة ذكية خاصة به وملاصقة له على شكل ساعة أو سوار أو ما شابه ذلك.
ومع ظهور الكثير من المعدات والأجهزة الطبية المتصلة بالإنترنت، صار بالإمكان تفعيل تطبيقات إنترنت الأشياء بما يسهم في تطوير الرعاية الصحية؛ إذ يمكن تحقيق التواصل بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية ومتابعة الحالات المرضية عن بعد في بعض أنواع المرض التي لا تتطلّب الحضور في مقر العيادة بشكل مستمر، كما هي الحال في مراقبة أمراض السكر وأجهزة التحكُّم بالأنسولين؛ إذ أصبح بمقدور المستشفى أخذ القراءات اليومية عبر الاتصال بالجهاز الذي تمَّ تزويد المريض به وهو في بيته، كما يمكن استثمار إنترنت الأشياء وتقديم الإرشادات الطبية وتلافي بعض الإجراءات الخاطئة عبر تطبيقاتها.
أمّا في قطاع الصناعات، فتزداد الحاجة إلى توظيف إنترنت الأشياء في أعمال الإنتاج والتوزيع والتشغيل، والتحكُّم بهذه الصناعات المتعددة لضبط العمل والتحكُّم في مستوى الجودة وزيادة الإنتاج، كما يمكن لإنترنت الأشياء أن تقوم بخدمات جليلة في النقل والزراعة والسفر والسياحة وإدارة المنزل والتحكُّم به، وتشغيل وإطفاء أجهزة التكييف والإضاءة وكاميرات المراقبة، وفتح وإغلاق الأبواب والنوافذ، وتحريك الكثير من الأجهزة، والتجهيزات المتصلة بإنترنت الأشياء القابلة للتحريك بوجود الإنسان، أو حتى قيامه بإرسال الأوامر في كلِّ مرة؛ إذ يكفي أن يتمَّ تجهيز الإعدادات الضمنية على البيانات، لتقوم في كلِّ مرة حسب الجدول الزمني، أو بناءً على الأسباب المتوافرة بتنفيذ الطلبات المراد القيام بها، وهكذا ستكون إنترنت الأشياء القلب النابض في التحكُّم بالكثير من أمور الحياة، نظراً لمساهمتها في توفير الوقت والجهد والمال بما تحقِّقه من اتصال وتحكُّم بالأشياء عن بعد، كما تساعد على تحرُّر الإنسان من قيود الزمان والمكان، حيث يستطيع إدارة الأشياء والتحكُّم بها من خلال برتوكول الإنترنت دون الحاجة إلى وجوده في نفس المكان.
والعجلة تستمر في التطوير والتغيير؛ فقد بدأ إنترنت الويب يلامس الأسماع، وهو مصطلح يستخدم لوصف المقاربات والأساليب المعمارية للبرمجيات وأنماط البرمجة التي تسمح للأجسام الواقعية بأن تكون جزءاً من شبكة الويب العالمية. وعلى نحو مماثل لما توفّره طبقة التطبيقات على الإنترنت، حيث توفِّر Web of Things طبقة تعمل على تبسيط إنشاء تطبيقات إنترنت الأشياء من خلال ثلاث طبقات، هي طبقة إمكانية وصول الأشياء إلى الإنترنت والتأكُّد من أنها تعرض خدماتها عبر Web APIs ، والطبقة المشتركة التي تضمن إمكانية مشاركة البيانات الناتجة عن الأشياء بطريقة فعّالة وآمنة، وطبقة التركيب التي تعمل على دمج الخدمات والبيانات التي توفِّرها الأشياء في أدوات الويب عالية المستوى، ما يجعل من السهل إنشاء تطبيقات تتضمّن أشياء وخدمات ويب افتراضية.
ولأنَّ مؤسسات المعلومات بشكل عام، وفي مجتمعاتنا العربية تحديداً غير مستعدة لتفعيل تطبيقات إنترنت الأشياء على نطاق واسع، وذلك مردُّه عدم جاهزية البنية التقنية من شبكات اتصالات خاصة لإنترنت الأشياء، إلى النظم الآلية القادرة على استيعاب هذه التطبيقات. وانطلاقاً من ذلك أدعو المتخصصين في علوم المعلومات والذكاء الاصطناعي، والمستثمرين المهتمين، إلى المبادرة في التعرُّف إلى هذه التطبيقات واستثمار إنترنت الأشياء في تصميم وتنفيذ تطبيقات في الكثير من المجالات التي يمكن لإنترنت الأشياء العمل في تطويرها مثل:
• تسريع عمليات التحوُّل الرقمي في أعمال مؤسسات المعلومات، لتتمكّن من تطوير خدماتها عبر تزويد الأشياء التي تقع ضمن دائرة اهتمام واستخدام المستفيدين وموظفي مؤسسات المعلومات بأجهزة استشعار مناسبة. ويمكن لأجهزة الاتصال الوصول إلى هذه الأشياء من خلال شبكة الإنترنت للقيام بالمهام المطلوبة من استعلام وحجز واستدعاء وإرجاع لأوعية المعلومات التقليدية والإلكترونية، إضافة إلى العثور على ما يفقد منها أو ما يوضع في غير مكانه، وكذلك ما يتعلّق بالتحكُّم بالبيئة الداخلية من إضاءة وتكييف، وفتح واغلاق الأبواب والنوافذ، ورصد إعداد الزوَّار، والتعرُّف إلى نوعياتهم، إن كانوا طلاباً أو باحثين أو أعضاء هيئة تدريس، وكذلك تخصُّصاتهم العلمية والساعات التي يفضِّلون الزيارة فيها عبر اقتفاء أثر كلِّ زائر يحمل بطاقة عضوية ذكية تتضمَّن معلوماته الشخصية والعلمية والمهنة، وسيكون بمقدور المكتبة التعرُّف إلى المجال الموضوعي لكلِّ زائر، كما يمكنها تقديم الخدمة والإرشاد القرائي له عن بعد. ويتم اقتفاء الأثر منذ دخول المستفيد عبر بوابة المكتبة الذكية لتحسين الخدمات المقدمة، والمساعدة على صناعة القرارات، بالاعتماد على تحليل البيانات الضخمة الخاصة بالمستفيدين والمقتنيات والأجهزة والبرمجيات، وأثاث المكتبة وبواباتها، وكل شيء ذي صلة بها.
• ويمكن تحديد موقع المستفيد داخل المكتبة لتقديم الخدمة التي طلبها عن بعد أو الإجابة عن تساؤله أو تسليمه الكتاب الذي طلبه.
• كما يمكن تحميل خريطة موقع الكتاب الذي بحث عنه المستفيد من الفهرس الآلي، وتمكينه من العثور عليه على الرف عبر خاصية تتبُّع الأشياء.
• ويمكن القيام بالخدمات الذاتية المتعلقة بعملية طلب الكتب وعمل الاستعارة أو الإعادة ذاتياً من دون تدخُّل بشري، سواء عبر الأجهزة التي توفِّرها المكتبة أم من خلال التطبيق الخاص بها المحمَّل على هاتف المستفيد الذكي.
• كذلك بالإمكان مساهمة إنترنت الأشياء في خدمة البحث العلمي، وتكوين مجموعات تعاون بحثية من خلال القدرة على تحديد هوية وأماكن وجود النظراء الذين يلتقون معك في اهتمامات بحثية أو تخصُّص علمي؛ فتبدأ بالتعرُّف إليهم والتواصل وتكوين مجموعات عمل معهم من دون معرفة سابقة.
ومعظم مؤسَّسات المعلومات قد دخلت فعلاً في خضم البيئة الرقمية، التي لن تكون بمعزل عن تطبيقات إنترنت الأشياء. ولذا فالمؤسَّسات التي ستبادر للبدء باستثمار تطبيقات إنترنت الأشياء في أعمالها وخدماتها وحيازة قصب السبق، هي التي ستقود مسيرة التحوُّل الرقمي في مؤسسات المعلومات.