1,866 عدد المشاهدات
الكاتب: محمد بابا
ونحن نعيش غمرة احتفالات الذكرى 47 لليوم الوطني للدولة الإمارات العربية المتحدة، نتابع قراءاتنا في حضور القائد المؤسِّس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، في الصحافة العربية والعالمية، ونلقي الضوء في هذا العدد على حضوره في مجلة «آخر ساعة» المصرية، التي أفردت الكثير من التقارير عن الشيخ زايد، أجمعت على وصفه براعي الأصالة والآمال الكبيرة.
في العدد 1758 بتاريخ 3 يوليو 1968، كتب الصحفي رجاء مكاوي لمجلة «آخر ساعة» تحقيقاً، عن مؤتمر صحفي للشيخ زايد، أكد فيه أنَّ أبوظبي باستطاعتها أن تذلل العقبات التي تعترض اتحاد الإمارات، وذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الثالث لحكام إمارات الخليج العربي التسع، وقال الشيخ زايد في هذا المؤتمر الصحفي: «إنَّ دعاة الانفصال يشيعون أن مساعدات أبوظبي للإمارات المجاورة مرتبطة بشروط، وذلك غير صحيح، وأكد أنَّ تيار المدنية الحديثة والنهضة العمرانية الشاملة لن تغيِّر من أصالة الإنسان العربي في أبوظبي، لأَّن الوازع الديني يحميه من كل انحراف، وأضاف أنا كإنسان.. رجل من عائلة، هو رشيدها والقائم على أمرها وواجباتها.. وشعبنا هو العائلة وهدفي دائماً هو أن أرى هؤلاء الناس وأن أعمل كل جهدي على راحتهم.. وأن أدافع عنهم فيما يتعلق بكل ما يضرهم، وأن أحقِّق لهم كلَّ وسائل الراحة ليس من المال فقط بل من راحتي وعافيتي ودمي.. وأنا أضحي بهذا؛ لأني أحس بأنَّ مسؤوليتي كمسؤولية الشخص في أسرته أو عائلته، وإذا تصورنا شخصاً له عائلة فلا يمكن أن يحس بالراحة وهم غير مستريحين، ورعايتي لأبناء شعبي هي نفس رعاية رب الأسرة لأفراد أسرته».
زعامة ومستقبل
وأوردت المجلة في العدد 1761 بتاريخ 24 يوليو 1968 تحت عنوان «4 أسباب تؤكد زعامة أبوظبي لاتحاد إمارات الخليج»، ووصفتها بالإمارة العربية التي تدخل الساحة بقوة، حيث تقوم بدور مهم في مستقبل الخليج العربي، وجاء على رأس هذه الأسباب رؤية حاكمها المستنير، والذي لديه دراية واسعة بالشؤون السياسية عربياً ودولياً، ووصفته المجلة في زاوية خاصة في نفس العدد تحت عنوان «آراء هذا الرجل»، بأنَّ الشيخ زايد بن سلطان من أكثر حكّام الإمارات ثقافة، وللرجل آراء بناها من دراساته واتصالاته واطلاعه على الواقع العربي سواء في الخليج أو خارجه، وبناء على ذلك وضع سياسات ثابتة لإمارته في المجالات الداخلية والعربية والدولية.
وكتبت في نفس العدد متابعة لتخصيص الشيخ زايد 300 مليون دينار للمشروعات الحضارية في أبوظبي، خلال خمس سنوات، وستكتمل سنة 1972 وتشمل المشروعات قطاعات الإسكان والمواصلات والزراعة والصناعة والصحة.
وتابعت تغطيات المجلة المتغيرات والمستجدات، ومن ذلك متابعة العدد 1789 بتاريخ 5 فبراير 1969، خبر افتتاح بنك أبوظبي الوطني الجديد وجاء في العنوان «دعامة مخلصة أمينة لبناء المستقبل»، وكتبت المجلة «من أبرز معالم تطوير الحياة في أبوظبي.. التي تبني الآن حياتها واقتصادها ومستقبلها.. إنشاء بنك أبوظبي الذي بدأ نشاطه في العاصمة منذ أسابيع قليلة.. وفي حفل افتتاح البنك قال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: إنَّ من واجب البنك إقراض المواطنين، وذلك بأن يموّل مشروعات من لا يملك المال لتمويل مشروعاته، وبهذا يرتفع مستواه ويتساوى مع الذي يملك المال الوفير.. كما حدَّد الشيخ زايد أنَّ البنك يجب أن يستخدم اللغة العربية في معاملاته».
آمال كبيرة
وتحت عنوان «حاكم أبوظبي.. وآماله الكبيرة»، كتبت المجلة في عددها 1816 بتاريخ 13 أغسطس 1969 عن خبرة الشيخ زايد بطبيعة الصحراء، المنقطعة النظير، والتي أدهشت الخبراء، وخطته لتعمير أبوظبي وتوزيع الثروة على المواطنين بأسلوب علمي وعادل، واستهل التقرير بكلمة لزايد ودوره في صناعة الأمل، حيث قال: «لا أطمع من حياتي سوى أن أرى تلك الإمارة خير مثل وقدوة، تنهض بكل إمكانياتها الزراعية والطبيعية لتقدم من خيرها ما يحتاجه الآخرون، لقد بدأنا من الصفر، ولكن بإيمان الشعب نفَّذنا في أشهر قليلة ما كان يعمل في سنوات كثيرة.. ونحن من أجل ذلك نسابق الزمن.. لكي تكون أبوظبي مثلاً للإرادة العربية النافذة والعزم الأكيد..»، وقد اهتم زايد كثيراً بدراسة مناطق وجود المياه الجوفية في قلب الصحراء، وسخرها لسقاية الناس والزرع، وهو لا يحاول أن يعيد بناء بلده بالمعنى المفهوم عن العمران فقط، بل اهتمامه الأول مُنصب على بناء الإنسان، بل إنَّ كلَّ حضارة يحاول أن يبسطها على أرض بلده هدفها إسعاد الناس وتغيير ظروف حياتهم.
وتحدثت المجلة عن حياته مع البدو وما اكتسبه الشيخ زايد من ثقافة واطلاع، حيث عاش بين أهله وعشيرته، فتشبع بكل عاداتهم وتقاليدهم وسمع أشعارهم، واكتسب العادات والتقاليد العربية الأصيلة، التي عاشت في حضن الصحراء الأمينة جيلاً بعد جيل. وعقبت بمقولة كتبها كيلي المؤرخ الذي يعد حجة في تاريخ الجزيرة العربية، حيث كتب في كتابه «الحدود الشرقية العربية»: «منذ أن تولى الشيخ زايد بن سلطان شؤون العين وضواحيها، ظهر أمام القبائل نموذج لصنف الرجال العظام أمثال جده الشيخ زايد الكبير..».
حوار كارانجيا
وعلى مدار 3 ساعات امتد الحوار الصحفي المميز الذي أجراه الصحفي الهندي العالمي كارانجيا، رئيس تحرير جريدة «بليتز» مع الشيخ زايد، وقد نقلت مجلة «آخر ساعة» في عددها 1885 بتاريخ 3 يونيو 1970 تفاصيل هذا الحوار الصحفي الشامل، الذي تمحور حول 23 سؤالاً، قدمها هذا الصحفي الذي اشتهر بحواراته الصحفية مع المشاهير من زعماء العالم.
وقد اتسم الحوار الذي دار بين الصحفي الهندي والشيخ زايد بالصراحة التامة منذ اللحظة الأولى، سواء بالنسبة للأسئلة التي وجهت حول أدق الوسائل وأكثرها حساسية لأبوظبي بشكل خاص والمنطقة كلها بشكل عام.. أو بالنسبة للإجابات التي أدلى بها زايد.
وقد طرح كارانجيا أسئلة تنوعت بين توجهات أبوظبي ومساعيها الاتحادية، إلى الواقع الاقتصادي ومشروعات البلاد في المستقبل، ومستقبل القبيلة في المجتمع الحديث، وجهود أبوظبي بالنسبة لتطوير الإمارات الشقيقة والعلاقات بين أبوظبي والهند.
وقد استغرب الصحفي الهندي من الإنجازات التي قطعها زايد على نفسه وحققها في وقت وجيز، ووصف بأنَّ الأمة ممتنة لذلك، وحول ذلك قال زايد إنه لا شيء يرضي الإنسان أكثر من العمل والجد والإنتاجية، وهناك فارق كبير بين من يعمل لنفسه وبين من يعمل لأمة، وتساءل كارانجيا إن كانت الزعامة تحتاج إلى بعض الحظ، فأجابه زايد بأنَّ الزعامة إذا لم يمنحها الله القوة في الفكر والعقل تضعف وتتلاشى، والشيء الذي آمنت به دائماً هو أنَّ الله خلق السموات والأرض وما عليها هو وحده تعالى، يعطي الثروة ويمنح القوة، ويهب الرجال الإرادة والعزم ليؤدوا واجبهم تجاه أوطانهم.
وفي عدد المجلة رقم 1915 الصادر بتاريخ 7 يوليو 1971 كتبت المجلة، «تشكيل أول مجلس وزراء في أبوظبي»، وجاء في الخبر: «قطع راديو أبوظبي يوم الخميس برامجه العادية، وبدأ يذيع أناشيد وطنية مرحة، وكان الناس هنا في انتظار خبر تشكيل أول حكومة في تاريخ البلاد، وفي يوم الخميس، وقف أمام الميكرفون الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، نائب الحاكم وولي العهد، ووجه كلمة إلى شعب الخليج نيابة عن والده الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم أبوظبي، جاء فيها: أبناء شعبي الأعزاء في أبوظبي وفي الإمارات العربية الشقيقة وإلى إخواني العرب في كل مكان، أشكر المولى تعالى جل شأنه على ما أولانا من نعمه وأفضاله، وعلى ما وفقنا إليه من خدمة بلدنا الكريم وأبنائنا الأعزاء، لقد كان من فضل الله تعالى وبركته علينا أن وفقنا إلى أن نخطو اليوم خطوة جديدة في خدمة هذا البلد، وذلك بوضع الأسس الجديدة للحكم والتنظيم فيه، وإرسائها على قواعد علمية سليمة، تأميناً للاستقرار والرفاهية والحياة الفضلى وتمهيداً لقيام نظام ديمقراطي نيابي متكامل الأركان في وقت قريب إن شاء الله..».
يصلي ويوقع البيان
وفي عدد «آخر ساعة» رقم 1936 بتاريخ 1 ديسمبر 1971، أوردت المجلة تحقيقاً كاملاً عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت عنوان «من الفكرة إلى الدولة»، بدأت هذه الفكرة سنة 1967 باتحاد ثنائي بين أبوظبي ودبي، وفي 1971 أصبحت دولة تضم مجموعة من إمارات الخليج العربي، حيث أصبح اتحاد الإمارات العربية حقيقة واقعة وتحقَّق الأمل الكبير الذي عاش ينبض في قلوب أبناء الخليج، والذي على طريقه استمرت المحاولات أكثر من أربع سنوات، بكل الجهد وكل الحماس، وكل الإيمان بمستقبل أكثر إشراقاً في المنطقة.
وتحت عنوان «زايد يصلي ثمَّ يوقِّع البيان» كتبت المجلة عن اجتماع دبي، حيث بعد المداولات التي مهدت للاتحاد، اتجه زايد إلى حجرة صغيرة مجاورة لقاعة المؤتمر، وسجد يصلي لله شاكراً، وفي الساعة الثانية عشرة ظهراً انعقد مؤتمر الحكّام، وبعد نحو نصف ساعة من الانعقاد خرج حاكم أبوظبي وبصحبته الشيخ صقر القاسمي حاكم رأس الخيمة، واجتمعا معاً في غرفة مجاورة لمدة 20 دقيقة، ثم عادا إلى اجتماع الحكّام، وبعد دقائق خرج الشيخ راشد بن سعيد، حاكم دبي، ومعه حاكم رأس الخيمة ودخلا معاً في غرفة مجاورة، وعقدا اجتماعاً منفرداً لمدة نصف ساعة أيضاً ثم عادا إلى قاعة المؤتمر.. وفي داخل القاعة كانت المناقشات مستمرة بحماس وقد تمكن الحكّام خلال هذه المناقشات التي استمرت خمس ساعات كاملة من الوصول إلى اتفاق حول قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.. كما وافق الحكّام على الدستور المؤقت للدولة، وكان أول الذين وقَّعوا على اتفاق قيام دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد نفسه.. الرجل الذي نذر حياته للدعوة إلى لمِّ الشمل وخلق الدولة المتحدة على ضفاف الخليج.. وعندما تحقَّق الحلم الذي كافح من أجله كان أول الذين وقعوا على الاتفاق، كما وقّع على وثيقة الدستور الشيخ راشد وكذلك حكّام الشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين، ليخرج أحمد خليفة السويدي وزير شؤون الرئاسة في أبوظبي ليقرأ على العالم كله – ممثلاً في صحافته وإذاعاته – البيان التاريخي الذي يعلن مولد الإمارات العربية المتحدة.
وكتبت المجلة في عددها 1937 بتاريخ 8 ديسمبر 1971: «أول اتحاد على ضفاف الخليج وسط الأفراح بعيد جلوس زايد»، وفي الصفحة المقابلة عنوان عريض: «أم كلثوم تشارك في فرحة أبوظبي بالاتحاد»، حيث أحيت سيدة الغناء العربي حفلين كبيرين بمناسبة عيد جلوس زايد وإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، فوسط ترحيب هائل من حكام وجماهير الخليج وقفت أم كلثوم تشدو فوق خشبة المسرح الكبير حتى الساعات الأولى من الصباح.
وكتبت المجلة عن مباحثات زايد والرئيس السوداني جعفر النميري، ووصفته بلقاء النيل والخليج الذي يتكرَّر في أبوظبي، وحمل العدد الذي تابع هذه الزيارة الرقم 1958 وصدر بتاريخ 3 مايو 1972 وكان محور هذا اللقاء نقاش الموقف العربي العام والعلاقات الثنائية بين الإمارات والسودان، وفي عدد المجلة 1972 بتاريخ 22 نوفمبر 1987 رصدت تحركات زايد الدبلوماسية وكتبت «زايد ورحلة العواصم الثلاثة» في تقرير عن زياراته لبعض البلدان العربية، بحث خلالها العلاقات المشتركة وقضايا التضامن العربي.
يشار إلى أن مجلة «آخر ساعة» مجلة مصرية أسبوعية، أسَّسها سنة 1934 الصحفي محمد التابعي وتصدر عن دار أخبار اليوم التي أسَّسها سنة 1944 مصطفى وعلي أمين.