7,013 عدد المشاهدات
الكاتبة: الدكتورة مريم أحمد
أصبح من المألوف في الإمارات أن نسمع أنَّ سيدةً وصلت إلى منصب سفيرة أو وزيرة، أو أنها حصلت على ألقاب لم يحصل عليها رجل قبلها، ولقد كان للنهج الذي رسمه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، كبير الأثر في تلك الريادة وذلك التمكين، وقد جسَّدت «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسَّسة التنمية الأسرية، توجيهات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ونجحت في قيادة العمل النسائي في الإمارات العربية المتحدة، وتحقيق إنجازات كبيرة وغير مسبوقة في زمن قياسي.
كما أسهمت في رفع قدرات المرأة الإماراتية في معظم المجالات، وجعلتها تتبوَّأ مكانة مرموقة على المستوى الإماراتي والخليجي والعربي، وقدَّمت الكثير من أجل إسعاد البشرية، ولاتزال بصماتها واضحة في مجالات التطور كافَّة، منذ تأسيس دولة الإمارات وحتى يومنا الحاضر. وفي عددنا هذا من «مدارات ونقوش»، سنتحدَّث بإيجاز عن مسيرتها الكبيرة في العطاء والإنجاز، والتي نجحت فيها إلى جانب زوجها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه.
نموذج ريادي
أم الإمارات وأم الشيوخ، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، من مواليد «الهير» بمدينة العين، تربَّت على القيم العربية النبيلة وعلى مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وقد انتقلت إلى مدينة أبوظبي بعد أن تسلَّم الشيخ زايد مقاليد الحكم عام 1966. ومنذ ذلك الحين، بدأت النَّهل من موارد العلوم والمعارف بدءاً بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتاريخ، ووصولاً إلى اللغات الحية والعلوم الإنسانية. وسموها أمٌّ للشيوخ الميامين الكرام؛ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وسمو الشيخ حمدان بن زايد، وسمو الشيخ هزاع بن زايد، وسمو الشيخ طحنون بن زايد، وسمو الشيخ منصور بن زايد، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد.
ربَّت أبناءها على معاني الفضيلة والبر والإنسانية، فكانت مدرستهم الأولى التي نهلوا منها قيم الأصالة والانتماء ومبادئ التكافل والتعاون والدفاع عن الحق ومواجهة الظلم، حتى إذا كبروا أصبحوا نجوماً في سماء وطنهم، ينيرون الدروب إلى مراقي العزة والفخار.
مثَّلت الشيخة فاطمة دائماً عنوان الأصالة العربية الإسلامية، والنموذج الأفضل والأنقى والأجمل للمرأة المتشبثة بجذورها، والمتفاعلة إيجابيّاً مع العصر والتحوُّلات، وقد استطاعت خلال ثلاثة عقود من عمر الزمان أن تغيِّرَ وجه المجتمع الإماراتي إلى الأفضل، من خلال زرع الوعي بين أفراده ومجتمعه بأنه لا فرق بين المرأة والرجل إلا بما يفيد الوطن والشعب ويرضي الله ويحقِّق ذات الإنسان، كما أنَّ اهتمامها بالمسنين وذوي الهمم والمحتاجين والأرامل والأيتام جعل من سموها أُمّاً للجميع، الشيء الذي جلب لها تقدير العالم، فانهالت عليها الجوائز والأوسمة وقلائد الشرف من مختلف أرجاء العالم، معبِّرة بذلك عن احترام الشعوب والأمم، لما قدَّمته وتقدِّمه من سعي دؤوب ومجهودات موصولة وكرم منقطع النظير في سبيل إنسانية الإنسان وكرامته، كما تعدُّ مثلاً أعلى لدور المرأة النبيل والمشرف لخدمة أسرتها وقومها ووطنها وأمتها والعالم الذي تنتمي إليه.
إنها أمُّ الإمارات التي يحقُّ لكلِّ إماراتي، بل ولكلِّ عربيٍّ ومسلم أن يفخرَ بها وبدورها الريادي، رفيقة درب زايد الخير، أُمّ الشيوخ الكرام، رائدة العمل الخيري والإنساني والاجتماعي في الداخل والخارج.
وقد قال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، عنها وعن كل امرأة إماراتية في أكثر من مناسبة: “إنَّ المرأة هي نصف المجتمع وهي ربَّة البيت، ولا ينبغي لدولة تبني نفسها أن تبقيَ المرأة غارقة في ظلام الجهل أسيرة لأغلال القهر”.
وقد وجدت هذه الرؤية التقدُّميَّة العميقة للمرأة ودورها في المجتمع تجسيداً حقيقيًّا في الواقع، من خلال التجاوب الفكري وتطابق المواقف والرؤى بين زايد الخير وسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، السيدة الكريمة والحكيمة التي شاركته الحياة والعمل، ووقفت معه منذ بدايات العقد السادس من القرن العشرين، حيث ساندته في كل المواقف والأحداث الكبرى منذ توليه سدة الحكم في إمارة أبوظبي عام 1966، وعند قيام الكيان الاتحادي وتأسيس الدولة عام 1971. وفي الثامن من فبراير 1973 انطلقت الحركة النسوية الإماراتية بجرأة وقوة وامتياز، عندما تمَّ الإعلان عن مولد جمعية النهضة الظبيانية، لتكون أوَّلَ تجمُّعٍ نسائيٍّ في هذا الوطن، برئاسة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله.
نصف المجتمع
آمنت أمُّ الإمارات دائماً بأنَّ المرأة نصف المجتمع، ومربية النصف الثاني، وهي القلب النابض للشعوب والأمم، وقد تلاقت رؤيتها مع رؤية الشيخ زايد الذي يعدُّ نصير المرأة والمدافع عن حقوقها، وقد شكَّلا معاً ثنائيًّا مشرقاً على أعلى هرم السلطة بما تربَّيا عليه من قيمٍ ومبادئ، وما آمنا به من قناعات مشتركة، وما اطَّلعا عليه من الإرث الحضاري العظيم للأمتين العربية والإسلامية، حيث إنَّ المرأة دائماً إلى جانب أخيها الرجل، تعمل وتبدع وتناضل وتدافع عن الحق، وتصمد في أقسى الظروف، وتقوم بدورها في كافة المجالات التي تلجها.
وانطلاقاً من أبوظبي، بدأت الحركة النسوية تتشكَّل في مختلف الإمارات العربية المتحدة، إلى أن تمَّ في السابع والعشرين من شهر أغسطس عام 1975، الإعلان عن قيام الاتحاد النسائي العام برئاسة سمو الشيخة فاطمة، وقد تبرَّع المغفور له الشيخ زايد بتكاليف إنشاء المقر الدائم للاتحاد في أبوظبي والمقرات المحلية للجمعيات في بقية الإمارات.
ومن أهداف الاتحاد التي استلهمت من فكر زايد وحكمة أم الإمارات، نذكر:
– النهوض بالمرأة العربية روحيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، لتكونَ قادرة على المشاركة في نهضة وطنها بما يتناسب مع طبيعتها، مستهدية في ذلك بقيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
– مد النشاط النسائي في البلاد ليشمل إمارات الدولة كافة.
– دعم النهضة الوطنية الشاملة التي تعمُّ الدولة والاهتمام بنجاحها في تحمُّل المسؤوليات وأداء المهام التي تلائم المرأة باعتبارها أختاً وزوجةً وعضواً فاعلاً ومؤثراً في المجتمع.
– إقامة علاقات وطيدة مع الجمعيات والاتحادات النسائية في بلدان الخليج والبلاد العربية.
– متابعة نشاط الهيئات النسائية بالدولة، والتعاون معها في الأمور التي تتوافق مع طبيعة الاتحاد وأهدافه وتقاليده الخاصة.
وبمرور الوقت اكتسب الاتحاد عضوية الاتحاد النسائي العربي العام، ولعب دوراً مهمًّا في تعزيز مكانة المرأة التي اتسعت من خلال مشاركتها في الأنشطة الثقافية والتعليمية في المجتمع الإماراتي، إضافة إلى مساهمتها في محو أمية المرأة وتأهيلها مهنيًّا، وإعدادها للمشاركة الإيجابية في برامج التنمية الشاملة، وقد استطاعت الحركة النسائية الإماراتية أن تثير إعجاب العالم من خلال المؤتمرات والندوات والملتقيات الدولية التي أثنت على ما بلغه المجتمع في هذه الدولة الفتية من تطوُّر ورقي، ومن تفاعل مع العصر دون إخلال بالموروث الحضاري والثقافي العظيم للشعب والأمة.
يد العطاء
وإضافة إلى ذلك، كانت يد سمو الشيخة فاطمة تمتد بالخير والكرم والعطاء والعون إلى العرب والمسلمين جميعاً، حيث يتذكَّر الجميع مواقفها الخيرية والإنسانية في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والصومال والسودان وباكستان وكوسوفو، وغيرها من البلدان. كما أنَّ الجمعيات الخيرية لا تتوقَّف عن الإشادة بعطاءاتها السخية ومكارمها الجزيلة التي تسهم في رفع المعاناة عن المحتاجين والمحرومين وذوي الاحتياجات الخاصة. وهكذا أضحت أمُّ الإمارات مثلاً أعلى ورمزاً عظيماً للمرأة العربية والمسلمة، وللإنسانية المتشبعة بقيم الكمال الإنساني.
عملت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، من منطلقات فكرية عميقة، على تمتين وتوطيد دور المرأة في خدمة المجتمع، لتنتقل المرأة من موقعها في ظل الأسرة إلى موقع يدعم دور الأسرة في المجتمع، ويربط الصلة بين الأسرة ومحيطها، ويعطيها ما هي جديرة به من احترام وتقدير وإجلال في ظل راية المجتمع الواحد القائم على كل طاقات أبنائه وبناته.
وهكذا استطاعت المرأة الإماراتية أن تلج وتتقدَّم في مختلف المجالات العلمية والأدبية والحضارية، وأن تكون السند الكامل لأخيها الرجل في ساحات البذل والعطاء، وحسب دراسة لدائرة شؤون الموظفين الاتحادية في شهر أغسطس عام 2000، بلغت نسبة مشاركة المرأة نحو 59 % من حجم قوة العمل في الدولة، من بينها 30 % من الوظائف القيادية المرتبطة باتخاذ القرار، و60 % من الوظائف الفنية وتشمل التمريض والصيدلة والتدريس، إضافة إلى أنَّ المرأة تشغل نحو 15 % من مقاعد هيئة التدريس في جامعة الإمارات، كما انخرطت في صفوف القوات النظامية بالجيش والشرطة والجمارك.
لقد حرصت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، على توفير كلِّ الفرص التعليمية أمام المرأة، بدءاً من محو الأمية من خلال المراكز المتخصصة لتعليم الكبار والجمعيات النسائية البالغ عددها 87 مركزاً يدرس فيه نحو 75 ألف امرأة. وقد دفعت هذه التجربة الرائدة، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، لتمنح جائزة محو الأمية الحضارية إلى الاتحاد النسائي العام، تقديراً لجهوده المتميزة في مجال محو الأمية وتعليم الكبار.
إنَّ هذا التطوُّر المهم في تعليم المرأة، أعطاها فرصة الانتساب إلى كل مجالات العمل بما في ذلك العمل السياسي، وقد شهدت سنة 2004 دخول أول امرأة إلى الحكومة، حيث شغلت معالي الشيخة لبنى القاسمي منصب وزيرة الاقتصاد، وفي فبراير 2006 أعلن عن دخول سيدتين إلى التشكيل الحكومي الجديد لتمثِّل دولة الإمارات بذلك نموذجاً متفرِّداً في محيطها الإقليمي، ومثَّلت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك صورة المرأة الإماراتية المتميزة خليجيًّا وعربيًّا وعالميًّا، وكانت نموذجاً يحتذى به للأجيال القادمة.
تمكين المرأة
قال عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «إنَّ سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، قيادة نسائية تاريخية تفخر بها الإمارات، حيث وقفت بجانب مؤسِّس الدولة خلال رحلته لبناء الوطن، وعملت طوال أكثر من ثلاثة عقود على دعم وتمكين المرأة في الإمارات، واستطاعت إلى جانب مسؤولياتها الكبيرة، تربية وتخريج قيادات وطنية وسياسية نفتخر بهم وبإنجازاتهم».
وقالت عنها الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا: «إننا ننظر بإعجاب إلى ما وصلت إليه المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة الصديقة، وإصرارها وجديتها في العمل والعطاء، للوصول إلى أعلى مواقع العمل في مختلف الميادين، وإنَّ ما نشاهده من تقدم ونجاح للمرأة الإماراتية هو حصيلة جهد متصل لسمو الشيخة فاطمة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، استهدف تأهيل جيل قادر على النهوض بدولة الإمارات في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والعلمية والحضارية».
أما الملكة رانيا العبدالله قرينة ملك المملكة الأردنية الهاشمية فقالت في سموها: «سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك حفرت اسمها في صفحات التاريخ بعمل دؤوب وحرص على تقديم الأفضل لأبناء وبنات الإمارات، وهي أم الإمارات. إنَّ سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك تقوم بجهود كبيرة لدفع العمل النسائي إلى الأمام، وتوفير كل الإمكانات اللازمة للمرأة العربية من أجل النهوض بالأعباء المطلوبة منها لخدمة أسرتها ومجتمعها».
وقد منحت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الكثير من الأوسمة عرفاناً وتقديراً لدور سموها الرائد في خدمة الأهداف الإنسانية النبيلة، وإشادة بجلائل أعمال سموها وإسهاماتها الكبيرة، وجهودها الرائعة من أجل رقي المرأة الإماراتية والعربية، ومن ضمنها؛ وسام الأثير، أرفع الأوسمة الجزائرية، من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رئيس جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية.
الكثير من الشهادات المحلية والعربية والعالمية جاءت في سموها، عرفاناً بدورها الإنسائي الذي زخرت به مسيرتها العظيمة في ظل سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة.