1,357 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
مع الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1971، والبدء بتشكيل الهيئات الاتحادية المنظمة، وتدعيم أسس الدولة الحديثة وتجهيز كافة مرافقها، كان من الضروري التفكير في جهاز سيادي ينظِّم التعاملات المالية والمصرفية والائتمانية، وبعد مرور سنتين من إعلان الاتحاد، ظهر هذا الجهاز كَهُوِيَّة وطنية سيادية.
وقد مرّت البنوك عموماً في تاريخها بتطوُّرات واسعة، وظهرت من بينها البنوك المركزية كسلطات سيادية منظَّمة، ولفظ المصرف المركزي لم يكن معروفاً قبل بداية القرن العشرين، فظهرت بحكم التطوُّر لتكون مركزاً للنظام النقدي والمصرفي، وتنفرد بامتياز الإصدار النقدي، ثمَّ لتتحوَّل فيما بعد إلى ما عُرِفَ باسم المصارف المركزية.
وليس هناك تاريخٌ محدَّدٌ يشير إلى نشأة البنوك المركزية في دول العالم، إلا أنَّ معظمها نشأ في البداية كبنوك تجارية مملوكة للقطاع الخاص، ومع التطوُّر الاقتصادي والمالي في المجتمعات، ونشوء كثير من المشكلات المرتبطة بجشع رأس المال والاحتكار والأضرار المالية المجتمعية، نشأت فكرة ضرورة وجود كيانات تمكِّن الحكومات من تنظيم العمليات المالية، وحماية النظام المالي حفاظاً على الصالح العام.
ومن أقدم وأهم تلك البنوك المركزية في العالم بنك السويد الذي أُسِّسَ في عام 1656م، كبنك تجاري مملوك للقطاع الخاص، وبعد أحد عشر عاماً تحوَّل إلى بنك تابع للدولة في عام 1667م. ويُعْرَفُ البنكُ المركزي في الأدبيات الاقتصادية بأبي البنوك، وبنك البنوك، وتتلخّص مهمته في تنظيم التعاملات النقدية على مستوى الدولة، وتحقيق التوازن والاستقرار المالي أو النقدي في الدولة، وتنفيذ سياساتها المالية والاقتصادية.
مجلس النقد
والمتابع للتاريخ الاقتصادي في الإمارات، يرى أنه مرَّ بتغيُّرات كبيرة، قبل تحوُّله من اقتصاد تقليدي قائم على الريع والغلة، إلى اقتصاد حديث وفق أسس التعاملات المالية الجديدة، بمختلف أشكالها وآلياتها، وفي 19 مايو من سنة 1973، أُعْلِنَ عن تأسيس مجلس النقد لدولة الإمارات العربية المتحدة بموجب القانون الاتحادي رقم (2) لسنة 1973، وذلك من أجل إصدار عملة وطنية لتحلَّ محلَّ العملات الأخرى التي تمَّ التداول بها قبل قيام الاتحاد وبعده، وقد خصَّها قانون إنشاء مجلس النقد بالذكر في الباب الأول «المادة الثانية».
وعمل المجلس على تنظيم القطاع المصرفي في الدولة، وتمَّ إعداد وجمع الإحصاءات عن القطاع من قِبَل المجلس بالاستعانة بصندوق النقد الدولي؛ إذ قام المجلس بنشر تقرير سنوي ونشرة اقتصادية نصف سنوية، لكن من أهم المهام التي كُلِّفَ بها بداية تأسيسه إحلالُ العملة المحلية الجديدة «الدرهم الإماراتي»، مكان عملات التداول السابق، وقد شرع في ذلك مباشرة بعد افتتاحه؛ إذ تمَّ طرح الدرهم الإماراتي لأول مرة في اليوم نفسه الذي بدأ فيه المصرف العمل، وبهذا توقَّف عن التداول بريال قطر ودبي في كل من قطر ودبي، والدينار البحريني في باقي إمارات الدولة خلال بضعة أسابيع مع استبدالهما بالدرهم.
وقد تمَّ طرح 260 مليون درهم لاستبدال 131 مليون ريال، وصُرِفَ بسعر درهم واحد مقابل الريال، و12.9 مليون دينار بسعر صرف 10 دراهم مقابل الدينار. وكان على المجلس تأمين التغطية الكاملة للدرهم بالذهب والعملات الأجنبية، وتحدد مكافئ الدرهم من الذهب بواقع 0.186621 جراماً، وربط بالدولار الأمريكي على أساس 3.94737 درهماً لكل دولار.
المصرف المركزي
في 10 ديسمبر من سنة 1980 تمَّ تحويل مجلس النقد إلى مصرف الإمارات العربية المركزي، بموجب القانون الاتحادي رقم (10) لسنة 1980، وبصدور القانون تمَّ إعطاء المصرف صلاحيات واسعة، يتمتّع بها إلى هذا اليوم، وكانت دولة الإمارات في ذلك الوقت بحاجة إلى جهة مسؤولة عن هذا القطاع المصرفي؛ إذ بلغ عدد البنوك الوطنية 21 بنكاً، وبلغ النقد المتداول 2.143 مليار درهم في 31 ديسمبر 1980.
وأوعز إلى المصرف المركزي تنظيم السياسة النقدية والائتمانية والمصرفية، والإشراف على تنفيذها وفقاً للخطة العامة للدولة وبما يساعد على دعم الاقتصاد القومي واستقرار النقد.
كما حدّدت المادة الخامسة من قانون إنشاء المصرف المركزي مجموعة من الآليات في سبيل تحقيق هذا البنك لأغراضه، منها ممارسة امتياز إصدار النقد وفقاً للأحكام المنصوص عليها في هذا القانون، وكذلك العمل على دعم النقد وتحقيق ثباته في الداخل والخارج وضمان حرية تحويله إلى العملات الأجنبية، والعمل أيضاً على توجيه سياسة الائتمان بما يساعد على تحقيق النمو المتوازن للاقتصاد القومي، وكذلك تنظيم المهنة المصرفية وتطويرها ومراقبة فعالية الجهاز المصرفي وفقاً لأحكام هذا القانون، علاوة على القيام بوظيفة مصرف الحكومة ضمن الحدود المنصوص عليها في هذا القانون، وتقديم المشورة للحكومة في الشؤون النقدية والمالية، والاحتفاظ باحتياطي الحكومة من الذهب والعملات الأجنبية، إضافة إلى العمل كمصرف للمصارف العاملة في الدولة، وأيضاً القيام بوظيفة الوكيل المالي للحكومة لدى صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وغيرهما من المؤسَّسات وصناديق النقد العربية والدولية، وتولّي جميع معاملات الدولة مع تلك الجهات.
سعى المصرف المركزي منذ إنشائه إلى تحقيق الواجبات والمسؤوليات المنوطة به وفق قانون إنشائه، ولا سيما المادة الخامسة منه المذكورة آنفاً، كما عمل على تحقيق أهداف السياسة النقدية والمصرفية والائتمانية بما يخدم الاقتصاد الوطني في دولة الإمارات. وقد حتمت الظروف آنذاك بسبب التوسُّع الكبير ونمو قطاع المصارف في الدولة إلى إنشاء المصرف ليعالج أوضاعاً مصرفية، ويطوِّر من هيكل القطاع المصرفي في الدولة، وخاصة أنه أُعْطِيَ الصلاحيات وتوافرت له الإمكانات التي كانت تمثِّل متطلبات أساسية لهذه المرحلة. وبوجود إدارة مميزة وخطة استراتيجية محكمة حقَّق المصرف المركزي ما أنيط به من أعباء كبرى، واستطاع من خلال سياسة مصرفية وائتمانية أن يحقِّق نمواً فاق التوقُّعات في القطاع المصرفي خلال مدة وجيزة.
الإنجازات
للمصرف المركزي كثيرٌ من الإنجازات الكبرى التي تحسب له، ومن أهمها إصدار النقد الجديد ودعم استقرار الدرهم، فقد جاءت أولى خطوات المصرف لإعادة إصدار الأوراق النقدية المتداولة والصادرة من مجلس النقد، فأصدر أوراقاً نقدية جديدة تحمل اسم المصرف المركزي وذلك من الفئات 100، 50، 10، 5 دراهم، وذلك جنباً إلى جنب مع تلك المتداولة والصادرة من قبل مجلس النقد، وتشكِّل هذه الفئات، القديم منها والجديد، نسبة 37.00، 3.0، 8.2 و1.2 في المائة على التوالي من إجمالي الأوراق النقدية المتداولة. أمّا المسكوكات المعدنية التي كان الجزء الأكبر منها من فئة الدرهم؛ فقد شملت 1.3 في المائة من إجمالي العملة المتداولة في نهاية 1998.
ومع استكمال تنظيم دائرة الخزينة، قام المصرف المركزي بسحب النقد الصادر من قبل مجلس النقد بمختلف فئاته وذلك على مرحلتين؛ المرحلة الأولى من 1 أغسطس عام 1983 وحتى 31 يناير 1984 تمَّ سحب فئات الدرهم الورقي و 10 دراهم و 50 درهماً. وفي المرحلة الثانية التي امتدت من 30 أكتوبر عام 1984 إلى 30 إبريل عام 1985 تمَّ سحب بقية فئات العملات الورقية وألغيت أوراق النقد الصادرة عن مجلس النقد مع نهاية عام 1985، حيث ارتفع في نهاية هذا العام النقد المتداول من إصدارات المصرف المركزي إلى نحو 3.4 مليارات درهم مقابل 3.2 مليارات درهم في نهاية عام 1984. ثمَّ واصل الارتفاع في عام 1987 ليصل إلى 3.8 مليارات درهم، ثمَّ في ديسمبر عام 1992، بلغ حجم النقد المتداول نحو 5.1 مليارات درهم، فيما سجَّل في نهاية عام 1998 ارتفاعاً ليصل إلى 8.19 مليارات درهم وذلك بزيادة قدرها 653 مليون درهم وبنسبة 8.7 في المائة من السنة السابقة حيث كان 7.4 مليارات.
هذا، وعلى الرغم من المهمات الكبرى التي يقوم بها المصرف المركزي في الدولة، فإنه لم ينسَ إصدار مسكوكات تذكارية؛ احتفاءً ببعض المناسبات الوطنية ليشارك ببضاعته فيها، وتضمَّنت هذه المسكوكات شعارات عن هذه المناسبات، ويكون لهذه المسكوكات البراءة القانونية، ولها قيمتها المادية والمعنوية. ويحرص المواطنون والمقيمون على شراء هذه المسكوكات التي يطرحها المصرف المركزي من خلال المصارف التجارية، بهدف تخليد مثل هذه المناسبات بالمسكوكات المعدنية والذهبية.