كتاب الخمسة دراسة حول الحصان العربي الأصيل

الخيول العربية مجلة مدارات ونقوش – العدد 12

 5,578 عدد المشاهدات

الكاتب: محمد التداوي – باحث في التاريخ

لا أنسى أبداً أوّل مرة رأيت فيها حصاناً يرقص في أحد الأفراح على أنغام موسيقى إيقاعية، مبدلاً أقدامه الأربع في القفز بصورة متناسقة تلقي شيئاً عظيماً من البهجة المغلفة بالفضول، لمعرفة كيف استطاع ذلك الحصان الرقص بهذه الطريقة البديعة؟ سؤالي وقتها كانت إجابته الوحيدة والأكيدة، أنه حصانٌ عربيٌّ أصيل. ولكن ماذا يعني حصان عربي أصيل؟ ولماذا الحصان العربي دون غيره يستطيع ذلك؟ وتساؤلات أخرى كثيرة استمرت معي إلى أن طواها النسيان حتى وقت قريب وقع بين يديَّ مخطوط قديم، حيث يعود إلى منتصف القرن التاسع عشر، كاتبه غير عربي هو الأوروبي الإيطالي كلاوديو جاورماني من مدينة ليفورنو، كما ذكر على غلاف الطبعة الثانية من كتابه المطبوع في مدينة القدس سنة 1864م بطبعته الثانية المعدلة والتي سبقتها بسنتين طبعة أولى في مدينة بولونيا الإيطالية، الاختلاف بينهما يبدأ بتقديم الكتاب من قِبَل البروفيسور انسالدي الذي أثنى على الكاتب وكتابه في مقدمته التي فنَّد فيها ميزات كتاب كتبه رحّالة لم يسبق له مثيل في إتقان ما قام به، وما قام به هو مغامرة بكل المقاييس، لكنها مغامرة محسوبة لأنه تجهّز لها، وأعدَّ لها جيداً، تلك المغامرة كانت الولوج إلى عالم الصحراء والبداوة، ليس الآن، بل منذ أكثر من قرن ونصف من الزمان. لذلك استعنت بأصدقاء من متخصصي القواميس الإيطالية، وقدَّمت لهم كلَّ الشكر على المساعدة على الوصول إلى بعض المعاني المقصودة من الكاتب. ولتكن فقرة من مقدمة البروفيسور انسالدي فيليتي من بولونيا.

صورة تعود لنهايات القرن التاسع عشر لحصان عربي اصيل فارسه من سورية
صورة تعود لنهايات القرن التاسع عشر لحصان عربي اصيل فارسه من سورية

نص مترجم من الكتاب

انتقلت من مصر إلى فلسطين لزيارة الأماكن المقدسة (يقصد ما يخصُّ الكاثوليك) ونيتي من المغامرة هي التعرف إلى تلك الأماكن، وبالتالي عمل صداقة مع السيد كارلو جاورماني الساكن في مدينة القدس. كاتب الخمسة طلب مني أن أقرأ مخطوطه الذي لا يقارن، وأوكل إليَّ مهمة ترجمته لتقديمه إلى الملك فيكتور إيمانويل الثاني، ينصح بذلك من قِبَل شخصية رسمية ثمَّ في سوريا لشراء فحول الخيل. يظهر جلياً أنَّ الهدف من التعرُّف إلى ما في داخل الكتاب ما هو إلا نصائح ثمينة لمن يودُّ اقتناء الخيول العربية الأصيلة.

قصة الكتاب تبدأ بكاتبه نفسه، وهو مغامر إيطالي كان من نصيبه أن يعمل والده في الشرق تحديداً وانتهى به المطاف عاملاً للبريد في مدينة القدس، تلك المدينة التي تجمع وتقسم عالمي الشرق والغرب وما بينهما، تلك المدينة التي كانت تعدُّ واحدة من أهمِّ الأسواق التي يشتري منها الأوروبيون ما يلزمهم من منتجات العرب وصحرائهم، مع دمشق وحلب والقاهرة. هو لم يكتفِ بالسوق ولا المدينة، وإنما خرج في رحلات يستكشف هذا العالم الأسطوري بالنسبة إليه، ولم يكن تشغله الراحة كثيراً ؛ فحياة الصحراء غير حياة المدينة، أنت في الصحراء تعيش وحيداً إلا من عالمك، وعالمه بدأ يكونه بمعرفة اللغة العربية، ولهجات البلاد التي زارها والعادات، وتطور الأمر لصداقات مع بدو رحل أخذوه إلى عالمهم، وأفشوا له بعض أسرارهم، وهو فنَّد وقاس وقرأ في كتب الأولين، وتعلَّم في رحلة طويلة زار خلالها مصر وسورية وفلسطين وصحراء العرب ونجد.

هواة الخيل

بدأ كتابه بنقد ما هو متداول من أخبار مغلوطة ومعلومات تستند إلى الرواية أكثر من التجربة بين الأوروبيين، عن العرب والخيل العربي. بالطبع هذا المقال ما هو إلا مقدمة بسيطة لكمٍّ هائلٍ من المعلومات والتفاصيل والأسماء والحكايات، وستمتع حتماً من يقرأه من هواة الخيل والأدب والتاريخ والمغامرات. وهناك حقيقة لا يجب إنكارها، هي تميُّز وتفرُّد كلاوديو جاورماني بمهارات خاصة جعلته يصحِّح معلومات قديمة بالية كانت متداولة في أوروبا في تلك الفترة وما سبقها، وتلك المهارة وهذا التفنيد جعل الحديث عنه كجاسوس مثل باقي الرحَّالة الذين زاروا الشرق في عصور الجهل والتراجع شيئاً طبيعياً، ولم يلتفت أحد لما ضمَّه مخطوطه من معلومات قيمة حول الحصان العربي الأصيل، إلى أن استقرَّ رأي الكاتب والمؤرخ جمال بن حويرب على ترجمته ونقله إلى العربية عبر مركز جمال بن حويرب للدراسات. ومن مقولة: «ليس بحق من لم يعترف بحق»، أثنى هو على كتّاب سبقوه بالحديث المتخصِّص عن الخيول وخاصة العربية منها، وأوّل من تكلَّم بعلم تجريبي من وجهة نظره، العربي أبوبكر بن بدر، كبير بياطرة إسطبلات السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون، وصاحب كتاب «كامل الصناعتين في البيطرة والزردقة»، وكتاب أبوبكر شهير أيضاً باسم آخر هو «الكتاب الناصري»، نسبة إلى السلطان المملوكي. وذكر أيضاً كاتباً آخر شهيراً عايشه، هو الجنرال الكساندر دوما، الذي ذكر عنه تأليفه لكتاب مهم أسماه «خيول الصحراء» وذكر فيه أسرار حول الخيول العربية أفضى بها إليه الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري 1808 ـ 1883م. ودوما هذا، المقصود به الأب وهو الأشهر، وصاحب رواية الكونت دي مونت كريستو. وأعتقد أنَّ كتابه عن خيول الصحراء سيكون حتماً مهماً لما يحويه من معلومات تاريخية، وعلاقة لأول مرّة أسمع عنها بينه وبين الأمير عبدالقادر الجزائري. أحد أهم الأسرار والنصائح التي وجهها لمن أحبَّ أن يشتري الخيل العربي الأصيل نقي الدم، كما يكتبها هو، إن ترجمناها ترجمة حرفية، فإنَّ العظام الكبيرة للحصان هي دليل ضعف، وإنَّ صِغَرَ عظام الحصان العربي هي ما يميزه، وهي ما تعطي عضلاته مساحة أوسع للتمدُّد، وبالتالي سرعة في الحركة على خلاف أصحاب العظام الكبيرة مثل الحصان الإنجليزي.

لوحة حصان عربي أصيل
لوحة حصان عربي أصيل

والحقيقة أنَّ جاورماني ذكر في الجزء الأول من الكتاب، أنه أخذ الاسم من حديث مشهور وقتها نسبه للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن لم يذكر متن الحديث صراحة في كتابه ولا حتى ترجمة عنه، وإنما ذكر فقط ما يؤكد أنَّ الخمسة تخصُّ السلالات.

غلاف كتاب الخمسة
غلاف كتاب الخمسة

هنا سأقدم لكم فقرة من مقدمة كتاب جاورماني مترجماً، وهو مكتوب بإيطالية قديمة واستخدم في كتابته مفردات غير مستعملة الآن، تقديم كارلو جاورماني للطبعة الثانية حينما عدت العام الماضي إلى مدينة القدس (ذكرها دائماً أورشليم) من رحلتي إلى نجد ووسط الصحراء العربية، الطبعة الأولى من كتاب (الخمسة) والذي طبع في مدينة بولونيا 1862م، ولم تتأخر بعض النسخ في الوصول إلى يدي، قرأت وأعدت قراءة عملي هذا بكل الاهتمام الذي يحيي الدراسة دائماً بطريقة تجعلني أحاول النقد كما لو لم أكن أنا الكاتب. بهذه الفقرة المثيرة من مقدمة الكاتب لطبعته الثانية، أترككم إلى شغف الانتظار حتى نصدر ترجمته كأول من ينقله للعربية، حيث بحثت عن أي ترجمة لهذا الكتاب المميز ولكني لم أجد غير ترجمات إلى لغات أخرى مثل الإنجليزية.

في النهاية أود أن أورد صفات ظاهرية للحصان العربي، ولنبدأ بالرأس وهي أعلى ما فيه وتميزه عن باقي الأنواع، وهي ناعمة الملمس ويستدل بها على أصالته، إضافة إلى أذنيه المنتصبتين وعرض جبهته وطول عنقه وتقوسه البسيط، وصدره الواسع مقارنة بجسده الصغير، وضيق الخصر به رشاقة يلاحـظها حتى غير متخصص في أنواع وسلالات الخيل، وكما ميزه الرأس، ميَّزه أيضاً ذيله المرتفع الذي ينتهي بخصلة شعر طويلة، وجمال الحصان العربي جعله مادة دسمة للرسامين عبر العصور وتزدان بلوحات الخيل العربي غالبية متاحف العالم.