الليدي آن بلنت عاشقة الخيول العربية

Business الخيول العربية مجلة مدارات ونقوش – العدد 12

 3,576 عدد المشاهدات

 مدارات ونقوش – دبي 

كانت الرحلات الأوروبية إلى الشرق متنوعة المقاصد؛ فمنها الرحلات الاستكشافية لأغراض استعمارية، ومنها التجارية، ومنها للسياحة ومعرفة العرب والصحراء والبحث عن الخيول العربية حتى هاموا في سحر الشرق العربي، وتركوا بلادهم وأقاموا بيننا طيلة حياتهم. ومن هؤلاء الليدي آن بلنت وزوجها ويلفرد بلنت، ومن يقرأ سيرتهم وما تركوه من مؤلفات فسيعرف هذه العاشقة للخيول العربية الأصيلة، فمن هي الليدي آن بلنت؟

ولدت الليدي آن بلنت عام 1837م في بريطانيا، وعاشت في كنف والدها الذي كان من نبلاء الإنجليز، تلقّت تعليمها في المنزل، وأُولِعَت بالخيول منذ صغرها، وكان من حظها أن رُزِقَت بزوج يشاركها هذا الحب.

الليدي آن بلنت باللباس العربي مع فرس عربية
الليدي آن بلنت باللباس العربي مع فرس عربية

سحر الشرق

بعد أربع سنوات من زواجها من ويلفرد بلنت، قرَّرا عام 1873 السفر إلى الشرق، استهل الزوجان الشابان أولـى رحلاتهما الصحراوية المتعددة إلى كل من الجزائر ومصر والعراق والجزيرة العربية، وكانت هي المرأة الوحيدة من بين أفراد القافلة، ومن ثمار هذه الرحلات كتابان: «قبائل بدو الفرات» وصدر عام 1879م، و«الحج رحلة إلى نجد» الذي صدر عام 1881م، والليدي بلنت تتقن اللغة العربية، إلـى جانب إتقانها بطلاقة اللغات التالية: الفرنسية والإيطالية والإسبانية والألمانية. وفي عام 1878 قرَّر الزوجان استيراد ستة خيول عربية إلى إنجلترا.

حب مصر

وافتتحا إصطبل كرابت للخيول العربية عام 1878، وبعد أربـع سنوات وصلت هي وزوجها إلى القاهرة، وفـي عـام 1882 اشتريا مزرعة وإسطبل الشيخ عبيد بمساحة تقدَّر بـ 36 فداناً تحتوي على أشجار الفاكهة ونباتات للرعي خارج المدينة، وأقاما هناك مزرعة لتربية الخيول التي يمتلكانها في مصر.

بعد انفصالها عن زوجها أوكلت إدارة مزرعتها وإسطبلها إلى ابنتها جوديث، وغادرت بريطانيا عام 1915، وأمضت السنوات المتبقية من حياتها في مزرعة الشيخ عبيد، وتوفيت في القاهرة عام 1917م.

صورة زيتية مرسومة لليدي بلانت في مزرعتها الشيخ عبيد بالقاهرة
صورة زيتية مرسومة لليدي بلانت في مزرعتها الشيخ عبيد بالقاهرة

وقد اخترنا لكم هذا الجزء من رحلتها وحديثها عن الخيول العربية، تقول الليدي آن:

تُعَدُّ مجموعة خيول ابن رشيد الأشهر حالياً في جزيرة العرب، ولقد حَلَّت بنظر العامَّة مَحَلَّ مجموعة فيصل بن سعود، والتي رآها المستر بالغريف في الرياض قبل ستة عشر عاماً، ووصفها بمقاطع تصويرية حيَّة لا تزال تُقْتَبسُ منذ ذلك الحين، ويمكن تفسير ذلك الانتقال بالتغيرات السياسية التي حدثت عام 1865م، ولا يُعدُّ محمد بن رشيد الأمير الأقوى بين شيوخ البادية فحسب، بل الأغنى أيضاً، وقد هيَّأه ذلك ليكون أقدرهم على اقتناء خيرة خيل نجد، وقد أولى هذا الأمر عناية خاصة.

تُعدُّ حيازة الأفراس الأصيلة مصدراً للقوة والسيادة بين العرب، وإذا تحرَّينا الحقيقة فإنَّ المتبقي من مجموعة الخيل القديمة في الرياض هو أقل من عشرين في المائة.

ولعلَّ مجموعة (الإمام) فيصل كانت الأفضل في جزيرة العرب آنذاك، وقد لا توجد مجموعة أخرى

تضاهيها، إلا أنَّ ذلك لا يستدعي القول باختلافها عمّا رأيناه بأنفسنا، ولا بأن خيولها تتميّز عن تلك التي تملكها القبائل البدوية المختلفة، بل دلَّت استقصاءاتنا على ضد ذلك. على أنه من الخطأ الافتراض أنَّ خيل الأمراء في الرياض كانت من أرسان متميزة، أو أنها محفوظة في مُدُن العارض منذ زمن بعيد، أو أنها تختلف عن أيَّة أرسان أخرى في وسط الجزيرة العربية، بل كانت مجموعة فيصل كما أُكِّدَ لنا مراراً قد جُمِعَت من مختلف قبائل صحراء النفود، ولا شكَّ بأنها كانت ذات مستوى عالٍ، إلا أنَّ مصدرها في النهاية هو الجمع من البدو، وكنَّا كلما سألنا بدوياً؛ ضَحِكَ من فكرة وجود أرسان نجديَّة.

ثم أُخْبِرْتُ بأنَّ البعثات من الرياض في زمن (الإمام) فيصل كانت تُرْسَلُ في طلب الأفراس أينما

وُجِدَت، كما أنَّ الأمير كان يقوم بغزو بعض القبائل بهدف الحصول على رأس من رسنٍ مُعَيَّن، ولقد حصل فيصل على أفضلها، وهي: الحمدانية السَّمْرية، وكحيلة كروش من قبيلة مطير وتسمّى أحياناً الدُّوشان، بينما كانت قبائل بني خالد والظفير وشمَّر تُمِدُّهُ بأنواع عادية، ولا يزال خَلَفُهُ عبدالله بن سعود يمتلك بعضها، إلا أنَّ معظم المجموعة قد اختفى، ووصل أَفْضَلُها إلى أيدي متعب وبندر سَلَفَيْ محمد بن رشيد.

ويَتَّبِعُ محمد بن رشيد الطريقة نفسها، فهو يشتريها من كل القبائل المجاورة، ومع أنَّه يُزاوجها في المدينة فهو يجلب المزيد لمجموعته من الخارج، ولا شكَّ في أنَّ هذه الأنواع ستفقد أصالتها، نظراً لأنَّ الخيول المستولدة في مدن الجزيرة تُغَذَّى في مرابطها، ولا تُمارس أي نوع من التدريب، وتكاد لا تصلح للكثيرين.

وهناك انطباع خاطئ بأنَّ الواحات، كالتي في جبل شمَّر والعارض، هي مناطق مهيَّأة لتربية الخيل، وأنَّ القفار الرملية خالية من المراعي، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً.

سلالات خيل ابن رشيد

أمّا بالنسبة إلى مجموعة خيل ابن رشيد في حائل، فقد قمنا بزيارتها في إصطبلاتها لثلاث مرات أو أربع، وشاهدناها مرةً واحدةً في الاحتفال، حيثُ عُنِيَ بكل رأسٍ ليظهر على أتمِّ حال، وهناك الآن أوصافاً لبعض الأفراس المتميزة، كتبتها بعد واحدةٍ من زياراتنا إلى الإصطبل، وستقدم هذه الأوصاف فكرةً أفضل من أي ملاحظاتٍ عامَّة، وإليك مقتطفات من دفتر الملاحظات:

1 – كحيلة كروش الشقراء.

محجّلة الثلاث، مُطلقة اليمين، بارتفاع ( 14 ) أو ( 14.1) قبضة، وتساوي ( 56.4 – 56 ) إنشاً،

قويَّة جداً، رأسها أكثر بساطة من أغلب الخيل هنا، ويُعدُّ هذا النوع من الرؤوس الجيدة في إنجلترا، ولها رقبةٌ عريضة، وأكتافٌ جميلة، وحاركٌ مرتفع، وقوائم كالفولاذ، وقطاتها غليظة بلا جدال، وعلى كعبيها شعر كثيف.

ويُخَيَل للمرءِ إذا رآها عند معلفها أنها قويَّةٌ أكثر من كونها جميلة، ومع ذلك فعندما نراها تخبُّ والأمير على ظهرها لا يسعنا سوى إبداء الإعجاب بها، كما أنَّها الفرس المفضَّلة للأمير في الحرب، وتعدُّ من أنقى الدماء في نجد، وكان ابن رشيد يحصل عليها من إصطبلات ابن سعود في الرِّياض، وهي أصلاً من خيل مطير.

2 – الحمدانيَّة السَّمْرِيَّة الحمراء.

وهي أيضاً من مجموعة ابن سعود، رأسها جميل لكن ليس فيها أي ميزات أخرى، وتعود هذه الفرس وفرسنا شريفة للرسن نفسه، لكنها أدنى مرتبة من شريفة.

3 – الصَّقْلاوِيَّة الشعيفِيَّة الزرقاء.

تبدو عاديَّة للوهلة الأولى، لها أرداف منحنية مترهلة، ورأسها عادي، لكن أكتافها جميلة، وتمتلك هذه الصقلاوية الشعيفِيَّة شهرةً واسعةً هنا، وتعدُّ ذات قيمة، لكونها الأخيرة من رسنها.

وقد بِيعَت آخر بنات هذه الفرس المشهورة إلى عبَّاس باشا، والذي أرسل عربةً تجرُّها الثيرانُ من مصر خصيصاً لنقلها، إذ كانت كبيرةً في السن، وغير قادرةٍ على السفر مشياً، وهذه القصة معروفة هنا، ورُوِيَت تماماً كما سمعناها في الشمال، إضافة إلى أنَّ فرس ابن رشيد هي الممثلة الوحيدة المتبقية للرَّسَنِ في جزيرة العرب، وتروي الأخبار أنَّ فرس عباس باشا قد أنجبت مُهْرَيْن في مصر، مات أحدهما، وأُهْدِيَ الآخر إلى ملك إيطاليا، وبقي نتاجه في حوزته.

4 – كحيلة العجوز الكميت.

يبلغ ارتفاعها (14.2) قبضة، وتساوي (56.8) إنشاً، لها رجلٌ محجلة، وهي رائعة بمجملها، بأكتافها وقطاتها، ولها أجمل رأس وأوسع عينين هنا، وحركتها مثاليَّة، وحركة رأسها وذيلها تبلغ حدَّ الكمال، وتذكرنا هذه الفرس بفرس بطين ابن مرشد إلا أنَّ رأسها أجمل.

وهي ملك حمود الذي يفتخر بها جداً، وقد روى لي قصة ورودها من شمَّر الجربا، يفاجئنا وجود فرسٍ من الفرات هنا، لكن قيل إنَّ تبادل الخيل بين منطقتي شمَّر الجنوبية والشمالية لم يكن نادر الحدوث.

5 – كحيلة العجوز الكميت.

ليست محجّلة تماماً، فحجم حجلها إنش فوق الحافر فقط، رأسها جميل، ومظهرها رائع، وتعدُّ الأفضل من حيث طريقتها في العَدْو رغم أنَّها أقلُّ قوةً من فرس الأمير الشقراء وفرس حمود الكميت، وإنَّه ليصعبُ حقاً اختيار الفُضْلى بين هذه الثلاث.

ويعدُّ شويمان سَبَّاح هو الأفضل من بين ثمانية أفحل، فهو يمتلك قوة فائقة، ورأساً جميلاً، وإنَّه ليذكرنا بفرس فارس الجربا التي تنتمي إلى ذات الرَّسن؛ وقد يكونان قريبين نظراً لنقاط التشابه الكثيرة بينهما، مقدمة الجسم متكاملة، والقطاة قويَّة لكنها أقل تميُّزاً، وقد تمَّ إنتاجه في نجد.

وهناك أيضاً صقلاوي جدران أزرق من ابن نديري من عشيرة القمصة العنزيَّة، إنه مثال متواضع لذلك الرَّسن الرائع، إلا أنَّ البدو يحترمونه لشيوعه هنا بالرغم من عدم وجود صقلاوي جدران صافٍ في نجد اليوم.

من المثير للاهتمام تقدير هذا الحصان هنا، إذ تُثْبِتُ الحقائق شِدَّة اعتبار خيل عنزة في نجد، وكلما شاهد المرء خيل نجد زاد اقتناعه بتفوُّق خيل عنزة من حيث السرعة، وبالرغم من افتخار الجميع هنا بكحيلان النجدي، فإنَّ المُسَلَّم به هو تميُّزُ خيل عنزة عليه، ويُنْظَرُ إلى أفراسنا العنزيَّة على أنَّها أعجوبةٌ في سرعتها.

أجزمُ تماماً بأنَّ قِلَّةً من الناس خارج جزيرة العرب يمتلكون فكرةً عن التفاصيل المهمة في شكل رأس الحصان، لذلك سأعطي هنا تفصيلاً لها.

الليدي آن بلانت وابنتها ونتورث
الليدي آن بلانت وابنتها ونتورث
الليدي آن بلانت
الليدي آن بلانت

 

الليدي آن تصف الخيول العربية

ينبغي أن يكون الرأس كبيراً لا صغيراً؛ فالعرب لا يحبون الرأس الصغير لكن اتِّساع الحجم يجب أن يكون كله في الأجزاء العليا من الجبهة، ولا بدَّ من اتِّساع المسافة بين الأذنين والعينين، والمسافة بين العينين، ولا يشترط الاتساع في المسافة بين الأذنين، كذلك ينبغي أن يكون الجبين وما بين العينين وتحتهما محدبين، وأن تكون العينان بارزتين، لكن ينبغي أن لا يوجد لحم حول نتوئيهما، وأن تكون كل عظمةٍ محددة بوضوح، أمَّا الجبين المسطح فهو غير مرغوب فيه، وينبغي أن تكون المنطقة التي حول العينين خالية من الشعر ليظهر الجلد الأسود تحتها، والذي لا بدَّ أن يكون حول العين أسودَ ولامعاً.

وينبغي أن تكون عظمة الوجنة عميقة وناعمة، وعظم الفك واضحاً، ثمَّ يضيق الوجه فجأة، وينتهي في أسفله بنقطة تقريباً، ولكن ليس كما نُشاهد في خيول السِّباق الإنجليزية، التي يبدو منظرها الجانبيُّ منتهياً بفتحة الأنف، بل حتى طرف الشفة، في حالة السكون ينبغي أن تكون فتحة الأنف منبسطة على مستوى الوجه، وتبدو كشق طولي، وتكون متضيِّقةً ومُجَعَّدة، وكذلك بالنسبة إلى الفم ،حيث ينبغي أن تكون الشفة السفلى أطول من العليا مثل البعير كما يقول البدو، أما الأذنان فينبغي أن تكونا طويلتين خصوصاً عند الأفراس، لكن تكونان رقيقتين وناعمتين كأذني الغزال.

ولا بُدَّ من تأكيد أنَّ الرأس والذيل هما النقطتان المُعَوَّل عليهما في حكم العرب على الحصان، فبواسطتهما يستطيعون اكتشاف العلامات الأكيدة لكل رسن، وتعدُّ ذيول خيل نجد متميزةً كرؤوسها، وهي أساسيَّةٌ في جمالها، ومع ذلك قد تختلف بعض الصفات.

وقد سَأَلَنا الأميرُ يوماً عن اللون الذي نفضله في إنجلترا؟ ولما أجبناه بأنه اللون الأحمر والأشقر وافقَنا تماماً، ولعلَّ أغلب العرب يُفَضِّلون الكميت، مع أنهم يفضلون الأصفر الخالص، الجلد والحوافر شديدة السواد، ولا اعتراض على الحُمْر والشُّقر إذا كانت محجَّلة الثلاث، والقاعدة في حائل أنَّ اللون ليس مهماً جداً، لكن الرَّسن الأصيل فوق كل اعتبار.

بيع الخيول في بومبي

أَخْبَرَنا الأمير بأنه يرسل في كل ربيع مئةً من الأمهار الحوليَّة إلى الكويت بإمرة أحد عبيده، ليبيعها في أسواق بومبي بمئة جنيه للرأس الواحد، وهي الآن في أسوأ حالاتها، لكن أمامها بضعة أشهر مستقبلاً ترعى خلالها قبل أخذها إلى السوق.