1,068 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
برثلونة، بالثاء كما ينطقها أهلها، على عادتهم بقلب السين إلى ثاء كالألثغ في العربية أو برشلونة بالشين كما ينطقها العرب وغيرهم، ولا أظن الصواب الصحيح إلا نطق أهلها لها، ولو كانت لثغة فإنها جميلةٌ عندما تسمعها منهم، كمثل شعورك عندما تسمع الفرنسيين يدللون مدينتهم الساحرة باريس فيقولون «باغِيه»، فتكون على النفس أوقع وألذّ عند نطقها.
ولو كانت لثغة، لكنها لطيفة تأسر الأسماع، وتذكرني هذه اللثغة بالشاعر العربي الذي أراد أن يهدي محبوبته الموصلية قصيدة وفيها ضمّن لثغتها بحرف الراء الذي تنطقه «غيناً» ومن ولعه بها كتب قصيدته الغينية وختمها بهذا البيت الرائع، الذي أجزمُ أنه أضحكها وطيّب خاطرها لما سمعته، يقول:
ترفقْ فشربُ الخمرِ منْ كرمِ ريقتي
يزيدكَ عند السُّكْرِ سكراً على سُكْرِ
ولأنّ القافية بالغين فليس له إلأ أن يقول هكذا وهو حكاية كلامها:
تغفّقْ فشغبُ الخمغِ مـن كغمِ غيقتي
يزيدكَ عندَ السكغِ سُكْغاً على سُكْغِ
وبعيداً عن اللثغة وجمالها للنساء، فإني سأبحر معكم لدقائق هذا اليوم في سفينةٍ برثلونية (برشلونية) منذ تاريخها البعيد حتى نادي برشلونة العنيد، الذي شهدت تغلبه بجدارة قبل البارحة على خصمه الريال، وأشهد أنه «قدْها وقدود» كما نقول في لهجتنا، وشهدت أيضاً حماس البرشلونيين وأنا في المطعم، وقد وضعوا شاشةً كبيرة فلم يأكلوا بقدر ما صفقوا ورفعوا أصواتهم، وكادت الطاولات تكسر، ولا أدري ماذا استفاد صاحب المطعم؟!!
قريباً من هذا المطعم الذي يقع في قبو الكورنيش، يقع فندق آرتز (الرتز) الذي حمدت الله أني اخترته لأني مسافر لوحدي، وقد وجدت فيه حساً فندقياً يختلف عن أيِّ فندقٍ آخر رأيته خلال الأعوام الماضية، بل لا أذكر أني رأيت هكذا معاملةً في حياتي من فندقٍ همّه جمع المال من قاطنيه بأيِّ وسيلةٍ، بل شاهدت في نفس الوقت البهجة والانشراح في وجوه كل من أقابله من الضيوف وهذا دليلٌ آخر على النجاح، وإذا أردت أن تعرف السر في آرتز فأختصره لك في قول الأول:
بنـيَّ إنّ البـرَّ شـيءٌ هيّنُ
وجهٌ طـلـيقٌ وكـلامٌ ليّنُ
نعم كل من يشاهدك يصبّح أو يمسّي عليك ويشعرك بالاطمئنان، وإذا تكلمت أعطاك جميع الوقت لكي تتكلم ولا ينصرف عنك إلا بوجهٍ بشوشٍ وكلام حسنٍ، وقد ظننتُ بدأةَ ذي بدءٍ أنها تعليمات وتمرينٌ من إدارة الفندق، ثم اكتشفتُ أنّ معظم العاملين من المتدربين أصلاً من بلدان شتى أوروبية، فهم يعكسون روح العائلة الواحدة، وكم أتمنى أن يكون حظّي موفقاً بمثل هذه الفنادق التي تشعرك بأنكَ قد عدتَ إلى البيت.
من هذا الفندق الأنيق تستطيع أن تنطلق في جولة سريعة إلى الميناء والبحر الساحر، ثم تذهب إلى بعض الأماكن المهمة كالمتحف القومي الذي كان مقراً للخليفة المسلم أبي عامر المنصور ومتحف بيكاسو وغيرها من الأماكن التي لا تنسى.
وقد كانت بداية بناء برشلونة على يد هلمسار بارسا، والد المحارب الأسطوري حنبعل القرطاجي التونسي قبل الميلاد، وإليه تنسب كما تقول الأسطورة، ثم استولى عليها الرومان ثم فتحها المسلمون، حيث دخلوها سنة 717م، وبقيت في أيديهم لأكثر من قرن، شهدت فيه برشلونة تقدماً علمياً، واشتهرت بالتسامح الديني ثم سقطت ثانية سنة 801م، حيث دخلها لويس بن شارلمان، ثم عاد أبوعامر المنصور وفتحها سنة 985م، إلى أن سقطت في أيدي الأسبان مجدداً وتلك الأيام نداولها بين الناس.
ومن المعروف أن العرب يسافرون إلى كل أرجاء الأرض، ولكن للأسف كثير منهم لا يتعرفون إلى ثقافة هذه البلدان ولا تاريخها، وإنما يكتفون بالأسواق وزيارة المطاعم والرحلات الترفيهية في البحر والأنهر، وهذا أعدّه من التقصير أبعدكم الله عنه.
نشر في البيان
بتاريخ: 20 يناير 2012