2,974 عدد المشاهدات
(خاص) – مركز جمال بن حويرب للدراسات
الحديث عن مسيرة التطور في حقل الطيران بدولة الإمارات العربية المتحدة، هو حديث لا ينفك عن سلسلة من الحلقات المتوالية والمترابطة من دأب وعمل وتأسيس لبلد أضحى حديث العالم المتحضر، ومن نافلة القول أنَّ المطارات والطيران والبنى التحتية التي تحتاج إليها عملية بناء أسطول جوي متحضر، تحتاج إلى فكر وإرادة وتخطيط يتعدى حدود الزمن ويستشرف عشرات، إن لم نقل مئات السنين، ليستقرَّ على أرض ثابتة من التنافسية العالمية التي لا مكان فيها إلا للأقوياء. وهذه هي قصة الإمارات عموماً، ودبي خصوصاً، مع رحلة تأسيس كيان طيران منافس عالمياً.
وللخوض في تاريخ تأسيس الطيران المدني الإماراتي، وكغيره من المرافق الرئيسة في الدولة، يجدر بأن يقسم إلى مرحلة ما قبل الاتحاد، ومرحلة ما بعد الاتحاد، في كل إمارة على حدة، ثم يتم الحديث بشكل مستقل عن إمارة دبي، التي غدت علامة فارقة في عالم الأجواء على المستوى الدولي بلا منازع.
أهمية المنطقة بعين بريطانية
تشير وثائق الأرشيف البريطاني إلى بدايات الحاجة لإنشاء مهابط جوية تربط مختلف مناطق النفوذ البريطاني حول العالم، حيث نجد في رسالة لوزارة الطيران البريطاني ترجع للعام 1926 ما يؤرخ لبدايات التفكير في إنشاء الخط الجوي في منطقة الخليج العربي والخيارات المتاحة للبريطانيين في ذلك الوقت، وقد ورد في تلك الرسالة ما نصه: «منذ أمد بعيد اتضحت الضرورة والحاجة لإنشاء خط طيران للطائرات البريطانية العسكرية والمدنية، وذلك لربط مصر والعراق مع الهند، ومنذ نهاية الحرب العظمى، كانت المفاوضات والاستعدادات الفنية الضرورية لخدمة هذا الهدف تتقدم وتتواصل، وإن كانت هناك صعوبات عديدة تؤخر إنجاز ذلك. إنَّ تنظيم خط جوي على طول أي من ضفاف الخليج أمرٌ ممكنٌ من الناحية العملية، مع أنَّ الطريق على الشاطئ الفارسي هي الأفضل، حيث إنَّ الشاطئ العربي تدخل فيه مرحلة من الطيران فوق البحر لمسافة يزيد طولها على 360 كيلومتراً، فضلاً عن أنَّ الطريق الأخير على الشاطئ العربي يستتبعه استخدام المهابط في الأحساء والإمارات المتصالحة، وعلى هذا الأساس فإنَّ هذه الطريق توفِّرُ درجة أقل من الأمان للركاب والطائرات من الطريق الفارسية، وهذا كله في ضوء الظروف القائمة في الوقت الحاضر، ولكن ربما تتغير الظروف في المستقبل. وعلى الرغم من أنَّ الطريق الفارسية هي الأفضل للخدمة الجوية للمدنيين، إلا أن طريق الشاطئ العربي، سواء استخدم في النهاية كطريق جوي مدني أم لا، مطلوبة كطريق جوية استراتيجية للطائرات الحربية التي ربما لا تستطيع بسبب حيادية فارس استخدام الطريق الفارسية».
اتفاقيات جوية مع الحكام
نجحت بريطانيا في توقيع اتفاقيات جوية مع البحرين ومسقط، واعتقدت أنَّ مهمتها وإمارات الساحل ستكون سهلة بالمثل، وتصورت أنَّ الرسوم التي ستدفعها مقابل التسهيلات الجوية العسكرية ستكون حبل الإنقاذ الذي يُمَدُّ لحكام إمارات الساحل ليخرجهم من الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن انهيار صناعة اللؤلؤ، وستجعلهم يتدافعون للظفر بتلك الامتيازات، إلا أنَّ ما حدث بعد ذلك كان مغايراً تماماً، حيث اصطدمت تلك الرغبة البريطانية برفض حازم من حكام الإمارات وشعبها.
ففي فبراير عام 1930 قام المقيم السياسي في الخليج، القادم من المقيمية العامة البريطانية في بوشهر الليفتنانت كولونيل (هوج فينسنت بیسکو) بجولة استغرقت عدة أيام في الساحل العربي، يرافقه نائب مارشال الجو (روبرت بروك بوفام) ضابط سلاح الجو الآمر في العراق.
وانصب الاهتمام في الجولة على الخط الجوي المزمع إنشاؤه بين البصرة والهند. وقد أرسل (بیسکو) إلى وزير خارجية حكومة الهند البريطانية بتاريخ 14 مارس 1930 رسالة أنَّ الهدف من جولته أمران: أولهما: التعرُّف إلى شيوخ الساحل العربي، وثانيهما: الأماكن الملائمة لمدارج الهبوط ومستودعات البترول الخاصة بالخط الجوي المزمع إقامته على الساحل العربي بالتشاور مع ضابط سلاح الجو.
مفاوضات رأس الخيمة 1930
ومع بداية العام 1930، قررت بريطانيا بدء المفاوضات مع حاكم رأس الخيمة على إنشاء مهبط في إمارته، فبدأ المقيم السياسي في الخليج (بيسكو) بعدة زيارات متتابعة إلى المنطقة بعد أن رأى ضابط سلاح الجو الآمر في العراق (روبرت بروك بوفام) أنها المكان الأنسب.
شهدت تلك المفاوضات مراحل صعبة، فلم يستطع البريطانيون أن يحصلوا على غايتهم على الرغم من الضغط الاقتصادي الشديد على الإمارة، ومنع سفن الغوص التابعة للإمارة من الإبحار، إلا أنَّ الحاكم اضطر في شهر يونيو إلى توقيع اتفاق مع (بيسكو)، لحماية السفينة التي ترسو في رأس الخيمة حاملة وقود الطائرات، وحماية الطائرات التي تهبط في الإمارة، وكانت تلك نقطة البداية لإنشاء أول خط جوي عسكري يمر فوق إمارات الساحل.
بعد أن نجحت السياسة البريطانية في الحصول على تسهيلات جوية عسكرية في ساحل الإمارات، بدأ البريطانيون في السعي للحصول على تسهيلات لخطوط الطيران المدنية قبل انتهاء اتفاق الطيران المدني على السواحل الإيرانية عام 1932، لأنَّ تلك التسهيلات تحتاج إلى ترتيبات أكثر تعقيداً من المهابط العسكرية، فالمطارات المدنية تستلزم وجود خدمات مدنية واستراحات للركاب، ووضعاً أمنياً مستقراً.
ونظراً لأنَّ قضية الأمن في (المهابط المدنية) تختلف بشكل كبير عن المهابط العسكرية، لم يكن بإمكان البريطانيين الحصول على تسهيلات للطيران المدني في ساحل الإمارات عن طريق الضغط والإكراه، فلجؤوا إلى سبيل إقناع الحكام بالفوائد التي يمكن أن يحصلوا عليها من خلال العوائد المادية لهذه التسهيلات، مما ينعكس إيجاباً عليهم وعلى السكان، وبذلك تضمن بريطانيا سلامة مطاراتها وأمن مستخدميها.
ورد في رسالة من المقيم البريطاني في بوشهر (بيسكو) في شهر أغسطس عام 1930: «إذا أردنا القيام بإنشاء خط مدني في مشيخات الساحل، يتحتَّم علينا اتخاذ إجراءات أشد في التدخل بالشؤون الداخلية والتحوُّل سياسياً حسب الموقف».
وحسب وثائق الأرشيف البريطاني، فقد كان هناك خشية من توقُّف خط الطيران المدني إلى الهند المار فوق الساحل الإيراني، ففي الاجتماع الذي عقدته لجنة الدفاع الإمبراطورية البريطانية في الثاني من نوفمبر عام 1931، بخصوص الخط الجوي الشرقي، كان هناك اقتراح بإنشاء الخط الجوي المدني إلى الهند على طول الساحل العربي بسبب عدم رغبة إيران في تجديد الترخيص للخطوط الجوية الإمبراطورية، الذي ينتهي في مارس عام 1932، مما يعني توقف رحلات الهند المدنية بشكل مؤكد.
بدأت بريطانيا مفاوضات جديدة مع حكام إمارات الساحل، بعد أن بيَّنت التقارير الفنية أنَّ دبي والشارقة ورأس الخيمة تصلح أن تكون جميعها محطات جوية، وقد فضلت الخطوط الجوية الإمبراطورية حينها استخدام خور دبي لهبوط الطائرات المائية، بينما وجدت أنَّ الشارقة ورأس الخيمة تصلحان لإنشاء مطارات برية.
عودة إلى المفاوضات
صدرت أوامر جديدة إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج (بيسكو) في نوفمبر 1931، للمباشرة بالتفاوض مع الشيوخ والحكام هناك، وقد فشل المقيم السياسي في إقناع حاكم رأس الخيمة بإقامة مطار مدني في إمارته، كما فشل في شهر ديسمبر في إقناع الشيخ سعيد بن مكتوم بالحصول على تسهيلات جوية وجعل دبي محطة توقُّف ليلية للطائرات المدنية المائية، ونظراً للحاجة الماسة لإنهاء ترتيبات خط الطيران المدني في أسرع وقت ممكن، سافر المقيم السياسي إلى لندن لمناقشة هذا الأمر، وعرض على حكومته اقتراحاً باتخاذ إجراءات صارمة بحقِّ أيِّ حاكم يرفض إعطاء تسهيلات جوية.
الشارقة… نقطة انطلاق الرحلة
في مارس من عام 1932 كتب الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، حاكم الشارقة، إلى المقيم السياسي يعرض عليه تقديم التسهيلات المطلوبة في الشارقة لهذا الغرض، حيث كان إنشاء خط جوي في الإمارة من شأنه توسيع النشاط التجاري في الشارقة وفتح أبواب الإمارة أمام العالم الخارجي، ويذكر أحد شهود العيان أنَّ هذا العرض جاء بناءً على نصيحة اثنين من أعيان الشارقة للشيخ سلطان هما تاجر اللؤلؤ حميد بن كامل الذي أقام في باريس عدة سنوات، وعبد الله بن فارس المستشار الخاص للشيخ سلطان.
قبلت بريطانيا العرض، وبدأت فوراً في إجراء المسح اللازم الذي أرفق بصلاحية منطقة إنشاء المطار، وبمجرد تقديم العرض قامت ضد حاکم الشارقة معارضة من عدة جهات، وكان من أبرزها معارضة أشقائه الأربعة، وعبر هؤلاء عن معارضتهم من خلال إزالتهم لعلامات الموقع المحدد ليلاً، كما حاولوا التأثير في حميد بن كامل أحد أصحاب الاقتراح، وقام الوكيل المحلي بجهد كبير لإقناعهم بقبول فكرة المطار حتى يحصلوا على نسبة من عوائده، وهنا برز دور الوكيل المحلي مرة أخرى في تأثيره في كل من حاكمي رأس الخيمة والشارقة لإعطاء تسهيلات للإنجليز لتشييد المطار.
امتدت المعارضة في الشارقة لتشمل قطاعاً كبيراً من الناس، وكان أساس هذه المعارضة ينطلق من أسباب أخلاقية، حيث خاف الناس من تصرفات العاملين بالمطار عند دخولهم المدينة وبخاصة أنَّ الرجال يذهبون للغوص فترة طويلة تمتد لأكثر من أربعة أشهر وكانوا يخافون أن يحدث شر للنساء والأطفال في فترة الغياب على يد الأغراب، واعتقادهم أنَّ المطار مثل بقية مباني الوكالة الأخرى قد يصبح مأوى يلجأ إليه العبيد الفارون من ذويهم طلباً للحرية، ومن جانب آخر كان الشيوخ قلقين من أنَّ الطريق الجوي قد يعطي البريطانيين فرصة التدخل في الشؤون المحلية.
إجراءات حاسمة
كان حاكم الشارقة يرغب في توقيع اتفاقية رسمية، إلا أنه كان متردداً بسبب موقف المعارضة؛ ما جعله يبقي اتفاقه مع البريطانيين سرياً، ويعمل في الوقت نفسه على حل المشكلة، وسئم المقيم السياسي من تردد الشيخ سلطان بن صقر ومن معارضة أشقائه، فقرر اتخاذ إجراءات حاسمة، وفي الوقت نفسه طمأن الحاكم إلى أنَّ قيام المطار لن يؤثر في استقلال إمارته. وأمام إصرار الإنجليز على توقيع الاتفاقية بأي ثمن، لم يجد حاكم الشارقة بداً من توقيعها بشكل رسمي في 22 يوليو 1932.
نصَّت الاتفاقية على أن تكون مدتها 11 سنة، وأن تقدم تسهيلات لشركة الخطوط الجوية الملكية البريطانية، ويتم إنشاء استراحة من قبل الحاكم للمسافرين والعاملين في الشركة، كما يحق للشركة اختيار الأرض المناسبة لمدرج الهبوط، وبمقتضى الاتفاقية يحصل الحاكم على مقابل مادي يشمل إيجار المحطة والاستراحة ورواتب الحرس، إضافة إلى رسوم هبوط عن كل طائرة تجارية تهبط في المطار، ولا يشمل ذلك الطائرات الحربية، كما نصت على أنه لا يحق لموظفي المحطة ولا المسافرين دخول مدينة الشارقة إلا بإذن من الحاكم، ويبدو أن تلك الفقرة جاءت استجابة لتخوفات الرأي العام في الإمارة، إلا أنَّ الحاكم كان أيضاً متخوفاً من تدخل الإنجليز في الشؤون الداخلية لإمارته. ونصَّت فقرة أخرى على مسؤولية الحاكم الكاملة عن حماية موظفي الشركة والمسافرين والطائرات من المعارضين، سواء داخل المدينة أو خارجها، وبقدر ما تحمله هذه الفقرة من مسؤولية كبيرة للحاكم، فهي تعني أيضاً تصميمه على المضي قدماً لتأسيس بنية جوية قوية في الإمارة.
يتذكر رجل الأعمال والمصرفي البارز عبد الله صالح، أول طيار هبط بطائرته في الشارقة فيقول: «أول طيار هبط على مدرج المطار قبل أن يتم تشغيله رسمياً كان ضابطاً إنجليزياً رفيع المستوى يدعى اللورد توتنهام».
وقد حطت أول طائرة تابعة للخطوط الإمبراطورية في الشارقة في 5 أكتوبر 1932 وهي من طراز (هاندلي بيج إتش. بي. 42)، واختصاراً (هانو)، وكانت تحمل 24 راكباً، إضافة إلى طاقم مؤلف من أربعة أشخاص، في طريقها من جوادر نحو لندن مفتتحة بذلك رسمياً أول طريق جوي مدني، على طول الشواطئ الشرقية لشبه الجزيرة العربية.
تأسيس الحركة الجوية في دبي
في عام 1937 بدأت الخطوط الجوية البريطانية خدمة جوية في طريقها إلى الهند، وشملت محطات التوقُّف الإسكندرية وبغداد والبصرة والبحرين، وكانت البصرة أحد المواقع التي كان المسافرون يتوقفون فيها ليلاً، وكان المطلوب محطة ليلية أخرى على الساحل المتصالح، وهنا اختيرت دبي، وفي بادئ الأمر لم يكن أمام هذا الاختيار سوى معارضة محلية بسيطة، وفي يوليو 1937 وقع الشيخ سعيد آل مكتوم اتفاقية لسنة واحدة تعهَّد بموجبها أن يقدم التسهيلات المطلوبة لقاء رسوم تبلغ 440 روبية شهرياً، وبدأ وصول الركاب إلى دبي في أغسطس 1937، وكانوا يؤخذون إلى استراحة الشارقة لقضاء الليل ثم يعودون في اليوم التالي إلى دبي لمواصلة رحلتهم، وفي سبيل تأمين المرور لهؤلاء الركاب وقع حاكما دبي والشارقة اتفاقية في سبتمبر بتحمُّل مسؤولية تأمين وسلامة الركاب. وبعد مرور عام، وعندما حلَّ موعد تجديد الاتفاق طالب حاكم دبي بزيادة المبالغ المالية، وبعد مناقشات كثيرة رفعت إلى 940 روبية شهرية، إضافةً إلى 500 روبية كمنحة شهرية، وُقِّعَت الاتفاقية في يونيو 1938 لمدة خمس سنوات، وكانت متطابقة في بنودها مع الاتفاقية السابقة.
وعلى الرغم من قناعة الشيخ سعيد بأنَّ الموضوع سیدر على الإمارة إيرادات مالية كانت بحاجة ماسة إليها، نتيجة انهيار تجارة اللؤلؤ الطبيعي، وتداعيات الكساد العالمي عقب انهيار بورصة نيويورك للأوراق المالية، إلا أنه كانت لديه مخاوف من أن يؤدي الوجود البريطاني في الإمارة إلى زيادة نفوذهم، وتدخلهم في شؤونها الداخلية.
******************************
نص اتفاقية 1937 مع حاكم دبي (احتفظنا فيها بالنص كما هو بأخطائه الإملائية)
«تم الدخول في هذه الاتفاقية في اليوم الثاني والعشرين من شهر جولاي سنة ألف وتسعماية وسبعة وثلاثين بين حكومة جلالة الملك والشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي.
1- هذه الاتفاقية هي لأجل محطة طيران بحرية تجارية لطيارات شركة الامبيريل اير ويز ليميتد.
(آ) ستحدد المنطقة من قبل شركة الامبيريل ايرويز ليمتد ويضعوا فيها بويات وعلامات كما ينبغي.
(ب) وسيدخل في الاجار معاش الحراس وهو مبلغ اربعماية واربعين روبية وهذا المبلغ هو عدی رسم النزول واجار البناء وغير ذلك الذي يقرر عندما تصل خريطة الشركة ويكون ذلك بحسب كبر البناء وغير ذلك.
* (آ) المباني والمؤسسات التي تحتاج لها المحطة البحرية يؤسسها الشيخ طبقا لخريطة الشركة وتكون ملكيتها له ويكون المبلغ المطلوب دفعه له بصفة اجار للمحل بحسب كبر البناء.
(ب) البناء والمؤسسات يجب أن تكون في أراضي راجعة ملكيتها للشيخ.
(ج) جميع ما يحتاج إليه البناء من صخور وجص يكون مما يستخرج من المقاطع الموجودة بدبي.
(د) يكون للشيخ الحق بأن يطلب من الشركة بأن تشيد بنائها ومنشآتها وفي تلك الحالة يتقاضا اجارا على المواقع وعند انتهاء العقد تصبح جميع الأبنية والمنشآت غير المنقولة ملكا له.
– وخدمة الاسكلة والقودي اذا ما قدر الشيخ على بنيانها فعلى الشركة أن تبنيها.
– إذا لزم هذه المحطة البحرية بعض الاصلاح من الحفريات ولوازمها فذلك يكون على الشركة مجانا بدون أي تعويض من الشيخ للشركة.
– العمال الذين تحتاج إليهم هذه المحطة البحرية يكونون وطنيين من أهالي دبي.
– إذا أجرم أحد من موظفي الشركة فيقدم الشيخ شكاية عليه عند رئيس منطقة الخليج، الذي سيحقق في الأمر ويتخذ الاجراءات التي يراها مناسبة.
– لا يحق لأي شخص (أجنبي) من رجال المحطة دخول البلد ليلا وإن خالف هذا أحدهم ودخل فحدث لا سمح الله أي ضرر فالشيخ ليس مسؤولا عن ذلك.
(آ) حرس المحطة ورجال المحافظة فيها يعينون من قبل الشيخ.
(ب) معاش الحرس ورجال المحافظة يدفع إلى الشيخ.
– عدم قبول أي ملتجىء إلى المحطة.
– لا يجوز التعرض إلى أي شيء من أمور الشيخ الداخلية.
1- يدفع للشيخ رسم خمس روبيات عن كل طيارة تنزل.
2- اذا لا سمح الله جرى من العدو مضرة في الطيارة وأهلها واحتاج لامر ضروري فعلى الدولة المساعدة للشيخ بكل وجه من الوجوه.
3- اذا وجد من أهل البلد من به الكفاية أن يشتغل في بعض وظائف المحطة البحرية ينبغي أن تعينه الشركة.
4- يبقى هذا العقد في بداية الأمر مؤقتا إلى مدة سنة، ويمكن تمديده إلى مدة يتفق عليها فيما بعد على أن تبقى مواد هذا العقد بها بدون تغيير
امضاء ومهر سعيد بن مكتوم
حاكم دبي».
***********************
اتفاقية تزويد الطائرات المائية بالوقود
في شهر مايو عام 1939 وقَّع الشيخ سعيد مع شركة النفط الإنجليزية الإيرانية المحدودة اتفاقية تقوم الشركة من خلالها بتزويد الطائرات المائية التي تهبط في خور دبي بالوقود.
وفيما يلي نص الاتفاقية (حرفياً كما وردت).
«عقدت هذه المقاولة في اليوم العاشر من شهر مايو 1939 بين شركة النفط الإنجليزية الإيرانية المحدودة التي سوف تسمى فيما يلي الشركة وبين صاحب السعادة الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي الذي سيدعى فيما بعد بالمؤجر.
– يوافق المؤجر بالتأجير للشركة قطعة أرض واقعة على ساحل الخور التي هي جزء الملك المعروف بالحمرية ومساحة تلك الأرض هي ثلاثمائة وأربعين قدم في مئة وأربعين قدم ووجهتها هي الخط الذي يعين أعلا صعود الماء أثناء المد.
– يوافق المؤجر بالسماح للشركة بتشييد هكذا أبنية التي يحتاج إليها على تلك الأرض للقيام بأشغالها كمجهزة للمحصولات النفطية في دبي ولاعطاء الوقود للطائرات المائية وكذلك يوافق المؤجر بأن يسمح للشركة لتشيد أسكلة تمتد من المدخل إلى المخزون ومن ثم إلى الخور وذلك لمساحة كافية كان لاعطاء ستة أقدام من الماء على رأس الأسكلة عند وقت الجزر الكامل. وكذلك يوافق المؤجر بأن تضع عوامة (بويية) في الخور لربط الزورق البخاري الذي يستعمل لأجل الطائرات المائية.
– ويوافق المؤجر على تجهيز كافة الأحجار والجص التي يحتاج إليها لتشييد أبنية المخازن مجانا.
– ومقابل ما سرد أعلاه فإن الشركة توافق بأن تدفع للمؤجر إجارا شهريا قدره مائتين روبية للأرض. وتوافق الشركة أيضا بتسليم كافة الأبنية المشيدة على ملك المؤجر بعد اشغالها مدة عشر سنوات وذلك ما عدى العوامة (بويية) والاسكلة.
وإن هذا العقد ممكن تمديده إلى مدة يتفق عليها فيما بعد بين الطرفين المتعاقدين على أن تبقى مواد هذا العقد معمولا بها بدون تغير.
سعيد بن مكتوم حاكم دبي».
الطائرات المائية على مياه خور دبي
بعد توقيع هذه الاتفاقيات بدأت رحلات الطائرات المائية تحلِّق في أجواء دبي، بعد أن تحطَّ على مياه الخور في رحلة الذهاب والعودة، مما أحدث تغييراً جوهرياً في حياة الناس. ويروي كتاب «الطيران المدني في دبي.. النشأة والمستقبل»، شهادة حية من رجل الأعمال جمعة الماجد، الذي تحدث عن هبوط الطائرات المائية، حيث عاصرها وكان طفلاً، لكنه يتذكر كيف كانت الطفولة تأخذهم إلى مصدر الصوت الهادر، حيث لم يكن هبوط تلك الطائرات حدثاً مألوفاً، فيقول: «كان الأطفال يركضون لمشاهدة الطائرات المائية تهبط على خور دبي وكان صوتها يجذبنا، فكنا نتساءل: ما سرُّ هذا الهبوط؟ وعندما دخلنا معترك الحياة العملية أدركنا أهمية هذا الهبوط والنتائج المترتبة على إقلاع الطائرات مجدداً من دبي إلى العالم الرحب».
وقد شهدت دبي نقلة نوعية عقب تجديد اتفاقية منح الامتيازات الجوية للخطوط الإمبراطورية لمدة خمس سنوات إضافية، وعن تلك الفترة يعود عبد الله صالح بذكرياته أكثر من 50 عاماً إلى الوراء، حيث يقول: (نقلاً عن المصدر السابق نفسه): «ما زلت أذكر تلك اللحظات السعيدة في حياتي، حيث كان والدي يأخذني وأنا طفل صغير إلى جانب الخور لمراقبة هبوط الطائرات البريطانية على سطح المياه».
كان خور دبي يستقبل في أواخر الثلاثينيات نحو ثلاث إلى أربع رحلات أسبوعية بواسطة طائرات مائية تابعة للطيران الإمبراطوري، حيث كانت تهبط بالقرب من جسر آل مكتوم (قبل بنائه)، قادمة من لندن إلى عدن حيث القاعدة العسكرية البريطانية هناك، ثم إلى قاعدتها العسكرية في منطقة الحبانية في العراق، ومنها إلى خور دبي.
وكانت الرحلات تستخدم لأغراض مدنية في بعض الأحيان حاملة على متنها بعض التجار والبريد. وفي رحلة العودة كانت الطائرة تقلع من خور دبي مروراً بالمدن العربية التي حطت فيها قبل وصولها إلى لندن، محملة بالبريد والمسافرين في بعض الأحيان، وقد أسهمت هذه الرحلات في إضافة إيرادات مالية جديدة إلى خزينة الإمارة.
***************************
قواعد ومحطات
مع بداية الحرب العالمية الثانية في 3 سبتمبر 1939 كان للبريطانيين قواعد عسكرية ومحطات للتزوُّد بالوقود، إضافة إلى التسهيلات الجوية الأخرى من مهابط برية وبحرية في أنحاء متفرقة من إمارات الساحل، يمكن حصرها فيما يلي:
– في الشارقة: مهبط للخطوط الجوية الإمبراطورية، واستراحة محصنة ومخزن للوقود ومحطة للأرصاد ومخزن للأسلحة والذخيرة، وقاعدة جوية، ومعسكر للقوات.
– في دبي: مهبط لنزول الطائرات المائية التابعة لسلاح الطيران الملكي البريطاني على خور دبي، إضافة إلى مخزن للوقود والأسلحة.
– في أبوظبي: مهبط، وموقع للنزول الاضطراري ومخزن للوقود في جزيرة صير بني ياس.
– وفي رأس الخيمة: كان هناك مهبط للنزول الاضطراري ومحطة للتزود بالوقود.
********************************
دور محوري
لم يكن في منطقة الخليج منافس للخطوط الإمبراطورية البريطانية سوى شركة (كي إل إم) الهولندية، التي كانت تسعى للوصول إلى الهند، وفي العام 1938 تمَّ الاتفاق بين الشركتين على القيام بثماني رحلات أسبوعية إلى أستراليا، حتى دخلت الحرب العالمية الثانية، ولعب الخط الجوي التابع لساحل الإمارات دوراً كبيراً في التفوُّق الجوي البريطاني، فأسهم في الربط بين أرجاء الإمبراطورية البريطانية الشاسعة، ونقل الإمدادات والاحتياجات الضرورية لقوات الحلفاء، وبالتالي لعب دوراً محورياً في انتصار بريطانيا وحلفائها في الحرب.
ومارست الخطوط الإمبراطورية خدماتها الجوية لأنحاء الإمبراطورية الواسعة الممتدة من بريطانيا إلى جنوب إفريقيا، ثم الشرق الأوسط والهند وأستراليا، كما كانت قد أبرمت اتفاقيات مع شركات نقل جوية وطنية مثل (كوانتاس) في أستراليا، و(تيال) في نيوزيلندا، وكانت البضائع التي يتم شحنها في الطائرات والسفن في الثلاثينيات عبر المنطقة تشمل المواد الغذائية والخضراوات والملبوسات وكيروسين الطهي وأدوات حفر الآبار الارتوازية واللؤلؤ والبخور والبهارات والأسمنت والمبيدات الحشرية وغيرها من المنتجات.
وفي العام 1939 أعلنت الحكومة البريطانية دمج الخطوط الإمبراطورية مع الخطوط البريطانية المحدودة التي كانت خدماتها تغطي داخل أوروبا بهدف إعادة هيكلة الناقل الوطني وتعزيز قدرة هذا الناقل على وضع استراتيجيات جوية موحدة لمواجهة التحديات والمنافسة الدولية، وضمان مصالح بريطانيا حول العالم. ونشأ عن هذا الدمج ما سمي في تلك الفترة «الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار» (بريتش أوفرسيز إيروایز کوربوريشن BOAC).
تجديد الاتفاقية مع دبي
أثناء الحرب العالمية الثانية، وافق الشيخ سعيد آل مكتوم في العام 1942 علی مرابطة طائرات وأفراد سلاح الجو الملكي البريطاني في دبي، وعلى إنشاء مطار ومعسكر دون مقابل مالي. وورد في الأرشيف البريطاني رسالة مؤرخة في 1 مايو 1943 يبلغ فيها المقيم السياسي (القبطان تندي) حاكم دبي الشيخ سعيد برغبة الحكومة البريطانية بتجديد اتفاقية محطة الطيران البحرية التجارية بدبي مع هيئة الخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار لمدة خمس سنوات بموجب النصوص التي اتفق عليها الطرفان بتاريخ 22 يونيو 1938، وقد جاء رد الشيخ بالموافقة على التجديد.
ومع هذه التطورات، أصبحت للخطوط الجوية البريطانية لما وراء البحار إحدى عشرة رحلة أسبوعياً، عبر أجواء إمارات الساحل؛ ثماني رحلات تقوم بها الطائرات المائية التي تحط في خور دبي، وثلاث طائرات عادية منها (هیرون) و(دوف) و(دي سي 3) تستعمل مطار الشارقة.
مرحلة جديدة
ومع توقف الحرب العالمية الثانية، بانتصار الحلفاء في مايو من العام 1945، بدأت مرحلة جديدة من نمو النقل البحري والجوي، وعاودت الحكومة البريطانية تعزيز وجودها في المنطقة لمواجهة المنافسة القادمة إلى عقر دارها، من قبل بعض دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، التي كان لها هي الأخرى مصالحها السياسية والاقتصادية مع المنطقة، خاصة أمريكا التي ظهرت كلاعب رئيس على خريطة السياسة العالمية بعد توقُّف العمليات العسكرية.
وحسب الوثائق البريطانية عن الحياة الاقتصادية في دبي، عاد الانتعاش التدريجي إلى تجارة دبي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ووصل عدد رحلات الطائرات المائية عبر الإمارة إلى 466 رحلة، 239 منها اتجهت غرباً و227 إلى وجهات شرقية. وقامت بهذه الرحلات طائرات من طراز (انساين وداكوتا وساندرلاند)، إضافة إلى طائرات تدريب ورحلات خاصة.
وفي العام 1945 ظلَّت رحلات شركة الخطوط الجوية البريطانية عبر البحار المتجهة شرقاً وغرباً منتظمة طوال هذا العام باستثناء فترات بدأت من 20 نوفمبر فصاعداً، عندما توقَّفت خدمات شركة انساين. ولم يستطع سكان دبي السفر على متن الطائرات التي كانت تهبط في الشارقة بسبب عدم قدرتهم على الحصول على التلقيح ضد الحمى الصفراء التي ضربت المنطقة. غير أنه أعدت ترتيبات مع قيادة النقل التابعة لسلاح الجو الملكي لنقل الركاب المحليين خلال هذه الفترة.
انتعاش صناعة الطيران
في العام 1945 شهد العالم ولادة ما يُعرَف بالاتحاد الدولي للنقل الجوي، أو منظمة الأياتا (IATA)، ومقرها جنيف بسويسرا، من أجل تنظيم أنشطة شركات الطيران وتطوير أدائها، والحفاظ على سلامة النقل الجوي عبر العالم، وقبول عضويات وكالات السفر، ومنحها حق بيع التذاكر نيابة عن شركات الطيران الأعضاء لقاء عمولة محددة بلغت 6 % من القيمة الإجمالية لسعر التذكرة في ذلك الحين.
في العام 1946 ونتيجة لتوقيع حكومة بريطانيا على اتفاقيات شيكاغو الجوية، أصبح من الضروري الطلب إلى جميع حكام الخليج بما فيها دبي، منح حقوق الهبوط للطائرات الأجنبية، والموافقة على قيام الحكومة البريطانية بمنح مثل هذه الحقوق نيابة عنهم، فتمت الموافقة على هذا الإجراء، كما تمَّ رفع أجور هبوط الطائرات المدنية، ومنح حاكم دبي زيادات في أجور استخدام التسهيلات الجوية.
وفي إحدى وثائق الأرشيف البريطاني التي تعود إلى التاسع من يناير عام 1946 هناك رسالة إلى المقيم السياسي في بوشهر بخصوص تطبيق اتفاقية شيكاغو الجوية على إمارات الساحل، إضافة إلى رسالة من معتمد الدولة البريطانية في البحرين إلى الشيخ سعيد يطلب فيها السماح بأن تنوب حكومة بريطانيا عن الشيخ سعيد في منح حقوق الطيران للطائرات الأجنبية، وقد جاء في رسالة بتاريخ 17 مارس 1946 رد الشيخ سعيد بالموافقة
كما ما یلي:
«… بخصوص طيران أو نزول الطيارات الأجنبية في مقاطعتنا. نوافق عليه وعلى جميع ما تعتبره الحكومة البريطانية مصلحة لها».
كما نجد رسالة مماثلة من دار الاعتماد البريطانية إلى الشيخ سعيد بخصوص موافقة بريطانيا على السماح لطائرات شركة (إير فرانس) الفرنسية أن تمرَّ فوق دبي أثناء طيرانها. وبعد الحرب بدأت أهمية الخط الجوي البريطاني فوق الساحل العربي للخليج بالتراجع مع تزايد التطور التقني الذي شهدته عملية تصنيع الطائرات بعد الحرب الثانية، مما جعل الطائرات المائية، المدنية والعسكرية التي كانت مستخدمة قبل ذلك، في طريقها إلى الزوال، في ظل البدء بصناعة طائرات متطورة لا تحتاج مثل سابقاتها إلى التوقُّف في محطات متقاربة المسافة للتزود بالوقود.
الاتفاق مع أبوظبي
اتبعت بريطانيا مع إمارة أبوظبي السياسة ذاتها التي استخدمت مع الإمارات الأخرى، وهي التعويضات المالية، وكان الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان قد عارض إعطاء تسهيلات جوية في أبوظبي بعد أن تقدم الإنجليز بطلب إنشاء مستودع للوقود في جزيرة صير بني ياس.
كانت سياسة الحكام واحدة في الرفض أو التردد، ويبدو أنَّ التخوُّف الأساسي يعود إلى احتمال تدخل الإنجليز في السياسة الداخلية بعد أن ظلوا بعيدين عنها في الفترة الماضية، كما أنَّ المشروع بحد ذاته يعدُّ شيئاً جديداً ومجهولاً، والموافقة عليه تحمل في طياتها نوعاً من المغامرة لاحتمال وجود توابع غير معروفة آنياً، لذا حاول الحكام مواجهة هذا المشروع بإمكاناتهم الضئيلة المتمثلة في الرفض أو محاولة عرقلة تنفيذ ذلك المشروع المفروض عليهم.
مخاض البنية التحتية
في أوائل الستينيات، تم إنشاء مسارات طيران بين أبوظبي والشارقة، وأبوظبي والبحرين من قبل شركة الخليج للطيران، وهي الشركة التي سبقت طيران الخليج، واستخدمت طائرات داكوتا وهورونز التي يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية، وتحمل من ثمانية إلى اثني عشر راكباً في أولى الرحلات المنتظمة من وإلى أبوظبي، كانت هذه الطائرات صاخبة جداً وتسبب الصداع للركاب بسبب هدير المحركات المستمر، ورغم ذلك، كانت الطائرات دائماً محجوزة بالكامل، وكان الحصول على مقعد على الطائرة يستلزم مشقة وجهداً عظيماً، ناهيك عن الصعود إلى الطائرة التي كانت تقلع وتهبط من أرض سبخة، وفي الوقت الذي كانت فيه المطارات حول العالم تركب أحدث أجهزة الطيران وتقنيات الملاحة، لم يكن في المطار سوى هذا المهبط للطائرات، وكان هناك عاملان أنيطت بهما مهمة رش الماء المستمر لجزء من الأرض السبخة بطول كيلومتر للمحافظة عليه مدمكاً وقاسياً لتمكين الطائرات من الهبوط بسهولة نسبية، وعلى الرغم من هذه الطريقة لنظام صيانة المدرجات، كانت الطائرات تعلق أحياناً في الرمل الناعم، وعندما كان يحدث ذلك، كان يتم تسخير كل رجل قادر على السحب، وكل دابة في المدينة تسحب الطائرة، وكان مشهداً عجيباً، وتقابلاً فريداً بين القديم والجديد، حين كان 100 حمار أو نحوها، وجميع الرجال القادرين يحاولون تحريك الطائرة.
مرحلة ما بعد النفط
أعلن عن اكتشاف النفط في أبوظبي عام 1958، وبدأت أولى شحنات النفط من الحقول البحرية عام 1962 ومنذ ذلك الوقت، تحول هذا المبنى الصغير للمطار لخلية نحل يستقبل العمال القادمين للعمل في شركات النفط ومختلف المهن التي بدأت تتوافر في أبوظبي، ويستقبل أيضاً رجال الأعمال وغيرهم. ومنذ عام 1961 بدأ تدفق رجال الأعمال في المنفذ الوحيد للإمارة على العالم الخارجي.
يشير تقرير بريطاني إلى أن أعداداً كبيرة من رجال الأعمال وفدت إلى أبوظبي خلال ذلك العام، وحصلت 14 شركة وبعض التجار على موافقة شخصية من الشيخ شخبوط للشروع بإقامة أعمال في أبوظبي، وبدأت بعض شركات الطيران في النزول في مطار أبوظبي الصغير رغم عدم وجود مدرج مسفلت، ويشير تقرير عام 1961 إلى أنَّ هناك رحلتين تصلان إلى أبوظبي كل أسبوع، ويبدو أنهما من قبل شركة الخليج للطيران التي تغير اسمها إلى شركة طيران الخليج، وأبرمت اتفاقاً مع الحاكم نالت فيه حق العمل وخدمات الطيران مع مطار أبوظبي لمدة ثلاث سنوات.
في 1964 حدث أول اختراق عربي للحصار البريطاني على الإمارات، عندما قررت جامعة الدول العربية إرسال وفد للإمارات للاطلاع على احتياجاتها، وقدم في البداية عضو الوفد بدر الخالد البدر، وهو كويتي، وكان ممثل حاكم الكويت في إمارات الخليج، وأصبح أيضاً عضو وفد الجامعة لدى زيارته الإمارات، وكان قدوم البدر بغرض التمهيد للزيارة.
زايد… مرحلة التطوير والنهوض
خلال النصف الأول من الستينيات، استمر مطار أبوظبي بمبناه البسيط، وممر الطائرات غير المسفلت في استقبال الأعداد الكبيرة من رجال الأعمال والمسؤولين البريطانيين والعمال القادمين للعمل في أبوظبي، ولا تشير الوثائق البريطانية لأية عمليات تطوير في مبنى المطار أو مرافقه، وعموماً لم تكن حركة الطيران بمستوى مطار دبي الذي كان يخدم بقية الإمارات منذ افتتاحه عام 1960 وبمجرد تولي الشيخ زايد حكم أبوظبي في أغسطس 1966 بدأ يسعى نحو تطوير حركة الطيران المدني، وتشييد مبنى جديد للمطار، ونظراً لكون أبوظبي في تلك الفترة تحت الحماية البريطانية، كان الأمر يتطلب موافقة السلطة البريطانية على توسيع حركة الطيران الذي يعني الانفتاح على العالم، وعقدت اتفاقية بين حكومة أبوظبي ممثلة في المغفور له الشيخ زايد والحكومة البريطانية في 19 يناير 1967، وقد نصت الاتفاقية في بندها الأول على الآتي: سوف تقوم الحكومة البريطانية بتقديم المشورة بشأن إنشاء وصيانة وتشغيل المطارات في أبوظبي، وصيانة وتشغيل المرافق الملحقة، وتعيين أشخاص مسؤولين يخولون صلاحيات، وتناط بهم مهام فيما يتعلق بالملاحة الجوية وتنظيماتها. وكانت تلك الاتفاقية أول إجراء نحو الانفتاح على العالم.
طيران الخليج
حرصت أبوظبي في عهد الشيخ زايد على أن يكون لها طيرانها الخاص، أو أن تنضمَّ لشركة طيران خليجية، فإنشاء المطار الجديد، كان يستوجب تطوير خدمة الطيران المدني، وتوفير خط وطني لأبناء إمارة أبوظبي وبقية الإمارات، ووجود ناقلة وطنية يتم التحكم في إدارتها، وترتيب نقل الركاب بسلاسة أكبر من أن تقوم به شركة أجنبية. ولا شك في أن ذلك لم يكن متاحاً قبل إنشاء المطار الجديد بخدماته الكاملة، وممراته الحديثة المواصفات، وكان الانضمام إلى شركة طيران الخليج هو الخيار الأفضل في السبعينيات، فالشركة معروفة وقديمة، وهي أول شركة استخدمت مطار أبوظبي لنقل الركاب في بداية الستينيات، وشركة طيران الخليج تأسَّست في مارس 1950 في البحرين، وبدأت العمل بطائرة واحدة من طراز «أنسبت» ذات السبعة مقاعد، وكانت تسير رحلاتها إلى الظهران، ثم توسع الأسطول إلى أربع طائرات وعام 1951 دخلت الخطوط الجوية البريطانية كأكبر مساهم في الشركة بنسبة 26%، وتولت إدارة الشركة التي كان رأسمالها آنذاك 25 ألف جنيه إسترليني، وامتدت شبكة خطوط طيران الخليج لتشمل الدوحة والشارقة إضافة إلى الظهران. وتواصل تطوير الشركة وأصبحت تمتلك أسطولاً من 8 طائرات عام 1961. ويعدُّ عامُ 1973 عامَ التحوُّل في تاريخ الشركة، إذ قررت أربع سلطات خليجية شراء حصص المساهمين في شركة طيران الخليج، هذه السلطات هي البحرين وقطر وسلطنة عمان وأبوظبي، وتم شراء ملكية الشركة بالتساوي، أي بنسبة 25% لكل منها، وبدأ العمل بعد تسجيل الشركة في يناير 1974 باسم طيران الخليج، وبانضمام أبوظبي للشركة، أصبحت طيران الخليج الناقل الرسمي لمعظم دول المنطقة، باستثناء السعودية والكويت اللتين أسستا طيراناً خاصاً بهما.
الطيران العسكري
خلال فترة إنشاء المباني الجديدة لمطار أبوظبي الدولي عام 1969 بدأ الشيخ زايد في عقد اتفاقيات لضم طائرات عسكرية للقوة العسكرية الجديدة للإمارة الناشئة، فالمدرجات الجديدة التي سيشتمل عليها المطار الجديد، ستكون مناسبة لنزول مختلف الطائرات المدنية والعسكرية، وكان من الضروري وجود طيران عسكري يرفد الوحدات العسكرية الجديدة التكوين، وفي بداية تأسيس المطارات في منطقة الخليج، كان من الشائع رؤية بعض الطائرات العسكرية رابضة في ركن من أركان المطار المدني، وكانت خطوة الشيخ زايد خطوة مهمة لتأسيس طيران عسكري في مرحلة مبكرة من تأسيس البنية التحتية في أبوظبي، ويشير تقرير كتبه تريدويل المعتمد البريطاني في أبوظبي في بداية عام 1969 إلى أن شركة كوميرس إنترناشيول البريطانية عرضت على أبوظبي 12 طائرة هنتر بأسعار مخفضة، ويطلب في رسالته الموجهة إلى وزارة الخارجية البريطانية عدم التشدد مع الشيخ زايد في طلباته من الطائرات، ويقول إذا تشددنا فسوف يذهب إلى مكان آخر، ويستطيع أن يحصل على أسلحة متقدمة ببساطة من دول أخرى. وأبدى الفرنسيون رغبة في تزويد أبوظبي بطائرات ميراج، وقد استطاع الشيخ زايد استغلال فرصة تنفيذ المباني الجديدة لمطار أبوظبي في تأسيس طيران عسكري مصاحب لتطورات الطيران المدني، وتم افتتاح مطار أبوظبي المدني بعد تلك المباحثات بسنة واحدة.
***************************************
وثائق التأسيس
نجوم تزين أجواء الإمارات
تحفل خزينة الإمارات بوثائق في غاية الأهمية، تؤرخ لمعاهدات واتفاقيات أسَّست من خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة، في مرحلة ما قبل التأسيس، بنيةً جوية متماسكة، لعلَّ من أهم ثمارها ما يلاحظه القاصي والداني من تفوق في هذا المجال الاقتصادي الذي أضحى علامة فارقة في التنمية والنهضة الإماراتية الحديثة.
الاتفاقية الجوية في العام 1937.
****************************************
المصادر
الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إمارات الساحل، 1945-1971، د. راشد علي سعيد بن علوان، مركز الخليج للدراسات، دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر.
راشد… قائد استشراف المستقبل، إشراف ومتابعة: ظاعن شاهين، هيئة دبي للثقافة والفنون.
راشد… المسيرة والبناء، ضاحي خلفان تميم ونصر الدين حمد، القيادة العامة لشرطة دبي، 1990.
الطيران المدني في دبي.. النشأة والمستقبل (1937-2020)، غسان سليمان أمهز، شركة ند الشبا للعلاقات العامة وتنظيم المعارض.