1,498 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات – دبي
في أمسية رمضانية غنية بالمعلومات التراثية واللغوية نظم مركز “جمال بن حويرب للدراسات” محاضرة بعنوان ” رمضان في كتب الأدب ” أكد خلالها المستشار والمؤرخ جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة أن الكتٌاب الذين كتبوا عن شهر الصيام في كتبهم منذ القرن الرابع الهجري حتى اليوم تناولوا الشهر الفضيل من وازع ديني، دون التطرق إلى الجوانب العلمية والصحية.
وقال بن حويرب أنه اختار هذا الموضوع لأن شهر الصيام لهذا العام أوشك على الرحيل، وأنه ارتأى أن يكون موضوع الأمسية خفيفاً وطريفاً يريح النفوس ويبعد عنها العبوس.
حضر الأمسية نخبة من الأدباء والمثقفين والمهتمين، يتقدمهم محمد الدراجي قنصل عام الجزائر في دبي، الباحث والمستشار عبدالله بن جاسم المطيري، الباحث التراثي رشاد بوخش رئيس جمعية الثراث العمراني في الدولة، المستشار الإعلامي حسين درويش، الباحث التراثي راشد بن هاشم، الدكتور يوسف القصير، الأديب عادل المدفع، الأديبة غادة درغام، الأديب عبدالله الرستماني والكاتب محمد صالح بداه ” أبوعايدة ….وآخرون” .
بدأ بن حويرب حديثه قائلاً: « شهر رمضان، أصله مأخوذ من رمض الجوف، وما يعانيه عطش في الحر، والعرب في الجاهلية عرفوا هذا الشهر من خلال كتبهم “.
وأضاف … منذ أكثر من عشرين عاماً وأنا أنقب وأبحث في الكتب عما كتبه المؤرخون والكتاب عن شهر رمضان، منذ القرن الرابع الهجري وحتى القرن السادس، فلم أجد سوى الكتابة عن رمضان من باب ديني، وليس عن فقه الشهر الفضيل ، وما يحمله لنا من معان علمية ، صحية ، جمالية وأخلاقية .
واستطرد …في المائة عام الأخيرة كتبت آلاف الكتب لكنها كانت مكررة في مجملها، ولم تلامس أي إبداع علمي أو صحي. وضرب المحاضر أمثلة عدة عن كتاب وشعراء تناولوا موضوع شهر رمضان من وجهات نظر مختلفة، لكنها بالنسبة للكتاب كانت تناقش الوازع الديني لشهر الصيام، دون الغوص في الجوانب العلمية والصحية وغيرها.
ومن هذه الكتب ذكر المحاضر كتاب رمضان ليمان بن أبي يمان البندنيجي، وكتاب شهر رمضان للراضي أبو الحسن بن هارون بن علي. وكتاب رمضان لمحمد بن يحيى الصولي.
وتحدث المحاضر مطولاً عن معنى رمضان وهل هو رمضان أم شهر رمضان؟ ثم عَرَج على باقي الأشهر قائلاً …إنّما سُمِّي شوّال شوّالاً لأنّ النُّوق شالت بأذنابها فيه، فإن قال قائل: قد يتفق أن يكون شوّالٌ في وقتٍ لا تشول الناقة بذَنبها فيه، فلم بقيَ هذا الاسم عليه، وقد ينتقل ما له لزم عنه؟ قيل له: إنما جعل هذا الاسم له سمة حيث اتّفق أنّ شالت النُّوق بأذنابها فيه، فبقي عليه كالسِّمة، وكذلك رمضان إنما سمِّي لرَمَض الماء فيه وهو في شدّة الحرّ، فبقي عليه في البرد، وكذلك ربيعٌ، إنّما سميّ لرعيهم الرَّبيع فيه، وإن كان قد يتّفق هذا الاسم في وقت البرد والحر.
وفي الصحاح: يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سمَّوْها بالأزمنة التي وقعت فيها؛ فوافق شهرُ رمضان أيامَ رَمَضَ الحرّ فسُمِّي بذلك.
وكذلك باقي الشهور. نقول في المحرم: محيرم. تحذف إحدى الراءين حتى تصير على مثال جعفر. فإن عوضت قلت: محيريم، وفي صفر: صفير، وفي ربيع: ربيع، وفي جمادى أنت مخير: إن شئت قلت: جميدى وهي أجود، وإن شئت قلت: جميد وتفسيره كتفسير حبارى، وفي رجب: رجيب، وفي شعبان: شعيبان. وكذلك رمضان: رميضان، وفي شوال، شويويل، لأنه فعال مثل حماد، وفي ذي القعدة: ذوي القعدة؛ لأن التصغير إنما يقع على الاسم الأول؛ ألا ترى أنك لو صغرت غلام زيد لقلت: غليم زيد. فكذلك هذا وما أشبه
تسعسع
تسعسع: فني وذهب. يقال: قد تسعسع الشهر، ومنه حديث عمر رضي الله عنه حين ذكر شهر رمضان فقال: ”إن هذا الشهر قد تسعسع“
على غرة أو جهرة من مكاثر
أطال نزال الموت حتى تسعسعا
عقب رمضان
قال أبو زيد: جئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد مضى الشهر كلّه، وجئت على عقب رمضان وفي عقبه إذا جئت وقد بقيت أيامٌ من آخره (الأمالي).
السمر في رمضان
وتطرق بن حويرب إلى أمثلة عدة للسمر في رمضان قائلاً …عن أبي عرادة قال: كان علي رضي الله عنه يفطّر الناس في شهر رمضان، فإذا فرغ من العشاء تكلم، فأقل وأوجز، فأبلغ.
فاختصم الناس ليلة حتى ارتفعت أصواتهم في أشعر الناس، فقال علي رضي الله عنه لأبي الأسود الدؤلي: قل يا أبا الأسود. فقال أبو الأسود، وكان يتعصب لأبي دؤاد الإيادي: أشعرهم الذي يقول:
ولقد اغتدى يدافع ركني
أجولي(أعوجي) ذو ميعة إضريجُ
مخلط مزيل مكر مفرٌ
منفخ مطرح سبوح خروجُ
سلهب سرحب كأنّ رماحا
حملته وفي السراة دموجُ
فأقبل رضي الله عنه على الناس و قال : كلّ شعرائكم محسن و لو جمعهم زمان واحد و غاية واحدة و مذهب واحد في القول لعلمنا أيّهم أسبق إلى ذلك ، و كلّهم قد أصاب الذي أراد و أحسن فيه ، و إن يكن أحد أفضلهم فالذي لم يقل رغبة و لا رهبة امرؤ القيس بن حجر فانّه كان أصحّهم بادرة و أجودهم نادرة .
وأتي المحاضر على ذكر من سخط على دخول رمضان فقال ..
شهد المأمون ليلةً مع أصحابه وهم يتراءون هلال شهر رمضان وأبو عيسى أخوه معه وهو مستلقٍ على قفاه، فرأوه وجعلوا يدعون. فقال أبو عيسى قولاً أنكر عليه في ذلك المعنى. كأنه كان متسخطاً لورود الشهر فما صام بعده وكان من قوله:
دهانـي شـهـر الـصـوم لا كـان مـن شـهـر
ومـا صـمـت شـهـراً بـعـده آخـر الـدهـــر
فلـو كــان يعـــيدنـــي الإمـــام بـــقـــدرةٍ
على الشهر لاستعديت جهدي على الشهر
فناله عقب قوله هذا الشعر، صرعٌ، فكان يصرع في اليوم مراتٍ إلى أن مات، ولم يبلغ شهراً آخر.
وتطرق إلى مثال آخرى بقوله…قدم أعرابيّ على ابن عمٍّ له بالحضر، فأدركه شهر رمضان؛ فقيل له: أبا عمرٍ ولقد أتاك شهر رمضان. قال: وما شهر رمضان؟ قالوا: الإمساك عن الطعام. قال: أبا لليل أم النهار؟ قالوا: لا بل بالنهار. قال: أفيرضون بدلاً من الشهر؟ قالوا لا قال: فإن لم أصم فعلوا ماذا؟ قالوا: تضرب وتحبس. فصام أياماً فلم يصبر، فارتحل عنهم وجعل يقول:
يقول بنو عمّي وقد زرت مصرهم
تهّـيأ أبـا عـمـرٍ ولـشـهـر صــيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومـزودي
سلامٌ علـيكـم فـاذهـبـوا بـسـلام
فبادرت أرضاً ليس فيها مسـيطـرٌ
علـيّ ولا مـنّـاع أكــل طـــعـــام
الهجاء في رمضان
وتطرق المحاضر إلى موضوع الهجاء في رمضان قائلاً…كان الشاعر عبد الصمد بن المعذل يستثقل رجلاً من ولد جعفر بن سليمان بن علي يعرف بالفراش، وكان له ابنٌ أثقل منه، وكانا يفطران عند المنذر بن عمرو – وكان يخلف بعض أمراء البصرة – وكان الفراش هذا يصلي به، ثم يجلس فيفطر وهو وابنه عنده، فلما مضى شهر رمضان انقطع ذلك عنهما، فقال عبد الصمد بن المعذل:
غَــدَرَ الزمــان وليـتـه لم يـغـدر
وحَـدَا بـشـهـر الصّوم فطر المفطرِ
وثــوتِ بـقـلبـك يـا مـحـمّـد لوعـة
تــمــرى بـوادرَ دمـعـك المـتـحـدرِ
وتــقــسـمـتـك صـبـابـتـان لبـيـنـه
أســفُ المــشــوق وخَـلَّة المـتـفـكِّرِ
فـاسـتـبـقِ عينك واحش قلبكَ ياسَهُ
واقرا السلام على خِوُان المنذرِ
ســقــيــاً لدهـرك إذ تـروح يـومـه
والشــمـس فـي عـليـاء لم تَـتَهَـوّرِ
إلى إن يقول:
ود ابـــن فـــرَّاش وفـــرَّاش مـــعــا
لو أنّ شــهــر الصـوم مـدة أشـهـرِ
يُـزري عـلى الإسـلام قـلّة صـبـره
وتــراه يــحــمــد عِـدَّة المـتـنـصِّرِ
لا تـهـلكـن عـلى الصـيـام صبابةً
سـيـعـود شـهـركَ قـابـلاً فـاستبشرِ
لا درَّ درّك يــا مـحـمـد مـن فـتـىً
شَـيْـنِ المـغـيب وغير زَيْنِ المحضرِ
طرائف رمضانية
قال بن حويرب … إن للعرب طرائف كثيرة عن شهر رمضان منها …دخل رجل من الحمقى على الشعبي وهو جالس مع امرأته، فقال: أيكما الشعبي؟ فقال: هذه. فقال: ما تقول أصلحك الله في رجل شتمني أول يوم من رمضان، هل يؤجر? قال: إن كان قال لك: يا أحمق، فإني أرجو له.
وفي مثال آخر دعا موسى بن جناح جماعة من جيرانه ليفطروا عنده في شهر رمضان.
فلما صلوا المغرب، ونجز ابن جناح، أقبل عليهم ثم قال: لا تعجلوا، فإن العجلة من الشيطان. وكيف لا تعجلون وقد قال الله جل ذكره: وكان الإنسان عجولاً، وقال: خلق الإنسان من عجل – اسمعوا ما أقول، فإن فيما أقول حسن المؤاكلة، والبعد من الأثرة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة المحمودة. وإذا مد أحدكم يده إلى الماء فاستسقى – وقد أتيتم ببهطة، أو بجوذابة، أو بعصيدة، أو ببعض ما يجري في الحلق ولا يساغ بالماء، ولا يحتاج فيه إلى مضغ، وهو طعام يد لا طعام يدين، وليست على أهل اليد منه مؤنة، وهو مما يذهب سريعاً – فأمسكوا، حتى يفرغ صاحبكم؛ فإنكم تجمعون عليه خصالاً: منها، أنكم تنغصون عليه بتلك السرعة، إذا علم أنه لا يفرغ إلا مع فراغكم. ومنها، أنكم تخنقونه ولا يجد بداً من مكافأتكم؛ فلعله أن يتسرع إلى لقمة حارة فيموت وأنتم ترونه. وأدنى ذلك أن تبعثوه على الحرص، وعلى عظم اللقم. ولهذا ما قال الأعرابي حين قيل له: لم تبدأ بأكل اللحم الذي فوق الثريد؟ قال: لأن اللحم ظاعن، والثريد مقيم! وأنا وإن كان الطعام فإني كذلك أفعل. فإذا رأيتم فعلي مخالف قولي، فلا طاعة لي عليكم.
واختتمت الجلسة بنقاشات شارك فيها كل من محمد الدراجي، عبدالله المطيري، راشد بن هاشم ، عادل المدفع ، يوسف القصير وغادة درغام .