1,039 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
جبل «طويق» من أهم وأعز الجبال في نجد، يمتد من الربع الخالي جنوباً وإلى الزلفي وما حوله شمالاً، وتضرب فيه الأمثال، وهو عارض اليمامة الذي ذكره عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته:
فأعرضت اليمامةُ واشمخرّت
كأسيافٍ بأيدي مصلتينا
ومن وقف تجاه جبل طويق سيرى هذا المنظر وكأن فرساناً يشهرون سيوفهم لأي غازٍ معتدٍ على نجد وأهلها الكرام، ولهذا وظّفه الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، أفضل توظيف، فشبّه همّة السعوديين به.
وهم كذلك حكومةً وشعباً، وفقهم الله ورعاهم، فأخذ سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، هذا التشبيه البليغ، فافتتح به أبياته الأخوية التي أرسلها إلى أخيه ولي العهد السعودي بُعيد انتهاء المؤتمر الاستثماري الاستثنائي الذي نجح بكل المقاييس في هذه الظروف الصعبة التي يشهدها الشرق الأوسط عامة.
والمملكة العربية السعودية خاصة، بعد الحادث الأليم الذي تعرض له الإعلامي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، فأخذت المملكة على عاتقها محاكمة المتهمين وقدمتهم للعدالة، وأظهرت شجاعة منقطعة النظير، فلم نسمع في التاريخ أن حكومة تحاكم منتسبي أجهزتها الاستخباراتية علناً، ليعلم العالم وليتيقن بأن المملكة أسست على العدل.
وستبقى كذلك جيلاً بعد جيل، فألجمت بهذه الشفافية ألسنة الأعداء الحاقدين، ولم تأبه لكل الأبواق الناعقة في شرق الأرض وغربها، ومضت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في طريقها المتفرد، الذي أعلن عن ملامح صورته ولي العهد السعودي في اليوم الثاني من «دافس الصحراء»، فاستحق الأمير أن يكون استهلال الشيخ محمد بن راشد به، فسماه جبلاً فقال:
يـاجـبـل مـــا يـهـزك ريــح
كـلـنا فــي صـفك اخـوانك
وكذلك أهل الصدق والحكمة والعزم، إخوان في السلم والحرب، متعاونون لا يحتاجون إلى وصية ولا يكعّون ساعة الزحف، يحمي بعضهم بعضاً، ويعلون شأنهم فيكونون درعاً حصينة للأوطان، وكذلك هم قادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وشعوبهما؛ يدٌ واحدةٌ على من عاداهم، وخيرٌ عميم على الشعب ومن يحتاجهما.
ثم أكد سموه معنى البيت الأول، فاستخدم مفردات من علم البلاغة فجعلها في مكانها الصحيح، فما للبلاغة نفع إن لم ننفع إخوتنا ونعضد من شأنهم فقال:
مـعـك بـالتصريح والـتلميح
نـبذل المجهود في شانك
التصريح في علم البلاغة ضده التعريض، وهو الإيحاء والتلميح، أورده هنا الشاعر الكبير ليقول لأخيه: إننا لن نتوانى عن نصرتك والوقوف معك في السر والعلن، وليكن قولنا وعوننا تصريحاً أو إيحاء، فجميع مجهودنا ادخرناه لك كما كنّا وسنكون لأنّك:
يـا محمد مـن جفاك ايٌطيح
نــاصــرك الله ع عــدوانـك
وهو النداء الثاني في القصيدة؛ فالنداء الأول: «يا جبل»، والنداء الثاني ناداه باسمه ليشعر السامع والقارئ للأبيات بأنه قال له «يا جبل يا محمد»، لن يفلح أعداؤك لأنهم سيسقطون؛ لأنك الجبل وهم لا شيء أمامك، ولو دققنا في شطر البيت نجد أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ذكر الجفاء، وهو نقيض الصلة والمودة، ولم يذكر العداوة فيه، وكأنه يقول إنه من يجفيك يا محمد يسقط ويطيح، فكيف بمن يفعل أكبر من ذلك من العداوة والبغضاء؛ لأن الله ناصرك وممدك بعونه على كل شانئ لا يخاف الله وكل عدو لا يريد بك ولا للمملكة الخير.
واستخدام مفردة «طاح» لها معنـى عميق تدل عليه معاني هذه المفردة في الفصحى والعامية، يقـــول صاحب القاموس: «طاح يطـــوح ويطــيح: هــــلك أو أشْرف على الهلاك، وسقط وتــاه في الأرض»، كل هذه المعاني تدل عليها هذه المفردة القوية الواحدة، فجاءت في محلها، وقد رأينا هذا بأنفسنا، وقرأناه في تاريخ أجداده، رحمهم الله، خاصة جده موحد المملكة عبد العزيز، طيب الله ثراه.
رجــح قــدرك ولـك تـرجيح
بـالـعقل ربـك عـطا وزانـك
خـطـة الـتطوير والـتصحيح
بـيدينك بـين العرب شانك
لا يشك عاقل في أن رجاحة العقل واتزانه أغلى وأعز المنح الربانية التي يهبها الله لمن يشاء من خلقه، وهي التي تجعلهم أهلاً للرأي واتخاذ القرار الصائب؛ فكيف إذا كان راجح العقل صاحب قدر كبير راجح مثل هذا الممدوح الأمير محمد بن سلمان، الذي قام منذ توليه بأعمالٍ جليلة ومنجزاتٍ عظيمة في سنين قليلة على صغر سنه، لكن قدره الراجح وعقله جعلاه في مصاف القادة الكبار، وهي عطية ربانية، ولا أدل على ذلك من هذه الخطة الطموحة لتطوير المملكة والشرق الأوسط كله، مع تصحيح المسار الذي لا بد من تغييره، لأنه لا يصلح في هذا الوقت ولا في المستقبل، والعرب يحتاجون إلى مد يد العون من أجل النهضة الكبرى بهم وجعلهم في مصاف الدول العظمى، وهو الذي وعد به الأمير محمد بن سلمان في خطابه في المؤتمر وخلده هنا الشاعر الكبير؛ لأن التطوير والإصلاح شأن الأمير محمد بن سلمان وعمله، كما بدأ هذا التطوير العالمي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ولا يزال، رعاه الله وسدد خطاه، وأذكر هنا أبياتاً للمتنبي يذكر الرأي ورجاحة العقل ويقدمها على الشجاعة، إذ يقول:
الرأيُ قبل شجاعة الشجعانِ
هو أولٌ وهي المحلُّ الثاني
وإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ
نالت من العلياءِ كل مكانِ
لولا العقولُ لكان أدنى ضيغمٍ
أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
ثم يتابع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، ويفصّل في هذه الأبيات القليلة في عددها الكثيرة في معانيها أعمال هذا الأمير الشاب، فذكر مؤتمر «دافس الصحراء» الناجح بكل المقاييس التي أراد لها أعداء المملكة الفشل؛ فنجحت نجاحاً باهراً، وتم عقد صفقات بمئات المليارات من أجل اقتصاد حر سعودي وإقليمي قوي يغيّر من حالة الأمة العربية، ويرفع من شأنها، ويجعلها خلال السنوات الخمس المقبلة في مصاف الدول المتقدمة، يقول رعاه الله:
ودافـس الصحراء لها تربيح
والاقـتـصاد الـحـر مـيـدانك
ثم يختم هذه القصيدة بنصيحة بالغة الأهمية في هذا الوقت الصعب الذي تكالبت علينا فيه بعض الأعادي بإعلامٍ خبيث وتشويهٍ للحقيقة، ولكن الشمس لا تغطى بغربال، والأسود لا تهـــاب المواجهة؛ فمن يُرِدْ أن يصيح ويصرخ أو يتباكى على تطور المملكة وسبْقها في مجالات الحضارة، فلا يهمك يا محمد شأنه، فإنه لن يضر إلا نفسه، ولتمضِ سالماً غانماً منتصراً في جميع ميادين سباقات العلا:
مـايهمك لـي يصيح ايٌصيح
وعشت سالم فايز أرهانك
نشر في البيان
بتاريخ: 26 أكتوبر 2018