خلاف «أبل» و«سامسونغ» وبني «سهوان»

مقالات متنوعة

 711 عدد المشاهدات

الكاتب: جمال بن حويرب

قال لي أحد الفضلاء: لن تجد في الخلاف من خيرٍ ولا نفعٍ بل الخلاف كلّه شرٌّ، بعد أن قرأ بعض ما كتبته في مقهى «تويتر» العالمية قبل أمس، حيث حاولت أن أصل مع الإخوة والأخوات إلى مفهوم الخلاف النافع، ونميّزه عن الضار الذي هو نفسه الذي يعنيه المعترض على قولي، ولكنه استعجل النقد قبل أن يقرأ مجموع ما كتبته.

ولا ألومه في ذلك لأنّ مفردة «الخلاف» تثير خوف بعض من يحبُّ الهدوء ويكره إثارة الإحن والفتن، فهو من سموّ أخلاقه لا يريد أن يُحزن قلباً ولا أن يجرح نفساً، ولهذا تراه أبعد الناس عن هذه الكلمة ويخشاها ويزداد خَشاةً عندما يقرأ قول الله تعالى: {وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب}، فترى هذا المسلم الصالح ينفر من الخلاف ويحسبه كله واحداً.وليس الأمر كذلك، فقد فسّر العلماء هذه الآية وما شابهها من الذكر الحكيم وقالوا بأنّ خلاف أهل الكتاب خلاف بغيٍ وظلم، وليس خلاف معرفةٍ وعلمٍ وفائدة.
ومن جميل التفاسير قول العلامة التونسي الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره القيّم «التنوير والتحوير» (وأنصحكم باقتنائه): «في ذكر هذه الأحوال الذميمة من أحوال أهل الكتاب، تحذيرٌ للمسلمين أن يقعوا في مثل ما وقع فيه أولئك، والمسلمون وإن اختلفوا في أشياء كثيرة لم يكن اختلافهم إلا اختلافاً علمياً فرعياً، ولم يختلفوا اختلافاً ينقض أصول دينهم، بل غاية الكلِّ الوصول إلى الحق من الدين، وخدمة مقاصد الشريعة».مقولة «رأيي صواب»:
ينسبُ إلى الإمام الشافعي أنه قال: «رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، وهي مقولة لو صحّت عن الشافعي لحُقّ لها أن تكتب بماء الذهب، ولكني بحثت عنها في مظانّ الكتب ولم أجد لها أصلاً، ولا أعلم متى بدأ الناس ينسبونها إليه.
ويحتاج هذا الأمر إلى بحثٍ طويل، وهنالك ما هو أولى ببحثه ودراسته، وقد تكون هذه المقولة قالها أحد تلاميذه الذين ينتسبون إلى مذهبه، وظُنّ أنها له كما وقع في الأشعار المنسوبة إليه وقد بيّنت ذلك في مقالة سابقة.

وعلى أيّة حالٍ فإنّ المقولة من أجمل ما قيل في باب «الخلاف»، حيث يظهر جليّاً من نفسية القائل أنه صاحب بحث وتعمّق، ولا يجزم بالأمور بل يقرّب الأصوب إليه، ولا يلغي كلام الآخرين وإنما يأخذ بأقوى الحجج والدلالات، فإن بان له عكس ذلك تركه وأخذ بالأقوى، وهذا في فروع العلم الديني وليس في أصوله لأنّ الأصول واحدة، أما في باقي العلوم فلا مانع من الخلاف في أصله وفرعه.

الخلاف النافع

إذا تعلمنا احترام فكر الآخرين والأخذ باحتمال الصواب والخطأ كما جاء في المقولة السابقة، فعلينا أن نعلم أنّ الخلاف في الآراء الفكرية والعلمية كان ولا يزال مثار اهتمام العلماء العظام، لأنهم يعلمون حق المعرفة أنّ هذا الخلاف سيؤدي لا محالة إلى التقدم والتطوير وحل المشكلات، وإلى زيادة المنافسة بين العلماء من أجل خدمة البشرية، كما حصل في العصور الإسلامية الأولى وهو نفسه الذي نراه حاصلاً بين علماء الغرب اليوم، لأنه نتيجة حتمية للتنافس العلمي من أجل الفوز بالسبق، ولم يكن أبداً عند من تقدم من علمائنا ومن تأخر من علمائهم، إلا لغايةٍ واحدةٍ وهي الفائدة العامة وتكملة البحوث العلمية وتسلسلها.

تغريداتٌ من أجل فهم الخلاف

مما كتبته في «تويتر» عن الخلاف وأحببت أن أذكره لكم هنا، قبل أن يضيع بين مليارات التغريدات ولا أستطيع استرجاعه، قلتُ:
– ما أجمل الخلاف إذا كان من عاقلٍ لبيبٍ يفيدك ويستفيد منك.
– لم يكن الخلاف يوماً مصدر ضررٍ أو غيظٍ أو حزنٍ لي، بل هو من مُتع العلم ومن أهم أسباب بقائه وزيادته.
– ثقافة الخلاف قد تكون نادرةً في مجتمعنا العربي والإسلامي، فمن يخالفنا نصنفه مباشرة عدوّاً، وهذا لا يصحُّ في قياسٍ ولا قانون ولا شريعة.
– لولا الخلاف لَما وصل علماؤنا الأوائل لِما وصلوا إليه، ولولا الخلاف لما وصلنا إلى هذا التخلّف المحزن.. فهل تعرفون الفرق بين خلافهم وخلافنا؟
– هناك خلاف صاحب العلم، وهذا ناقشه واستفد منه إن كنت أهلاً لذلك، أما خلاف طالب السلطة والفتنة فهذا انفر ونفّر منه، أما خلاف الجهّال حاشاكم فلا تأبهوا له لأنه لا يزيدكم إلا غبناً.
– إذا عرفتم الفرق بين الخلاف المحمود والمذموم فقد صعدتم أول درجات سُلّم العلماء!
– شُغل كثير من العرب بالخلافات والمناقشات الطويلة في ما لا فائدة فيه من أحزابٍ وفتن وسبابٍ، وتركوا العلم يتناهبه النجباء من جميع الأمم.
– ما الفرق بين خلاف شركتي «أبل» الأميركية و«سامسونغ» الكورية؟.. هما مستويان متقاربان، لكنه يحكي قصة نجاحٍ كوريةٍ عظمى، أما الأعمام العرب فهم من بني «سهوان» سهواً عن وصية الإسلام لهم بالأخذ بالأسباب، فهم في خبر كان لا يدرون ماذا يصنعون ولا ماذا يفعلون؟ ويكتفون باستماع الأخبار!
– مرحى لقومٍ اختلفوا في الرأي واتفقوا في البناء والنماء والازدهار، وبرحى لقوم لا يفقهون من الخلاف إلا العداوات وجلب أضغان ألف سنة من جديد.. اللهم يا كافي.

نشر بتاريخ: 03 سبتمبر 2012