1,892 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات
قال الباحث والكاتب البحريني أنور الحريري إن اهتمامه بموضوع الكتب العربية النادرة المطبوعة في أوروبا ينبع من كونها تؤكد أن حركة الطباعة في أوروبا، والتي ابتدأت منذ سبعة قرون ونيف، بالنسبة لتاريخنا وتراثنا العلمي والثقافي، خير شاهد على ما حققته هذه الطباعة من أثر كبير في الحفاظ على التراث العربي والإسلامي واستدامة الجسور الثقافية والحضارية بين العرب وأوروبا، كما أن تلك الكتب التي طبعت هناك، شاهد حي على استمرار التواصل الثقافي، ولا بد من استمرار تدفقها إلى دول العالم، كون هذا التواصل الثقافي بين الدول العربية والإسلامية مع شعوب الأرض، يخدم مصالحنا المشتركة.
وقال الحريري في أمسية نوعية نظمها مركز جمال بن حويرب للدراسات في دبي، مساء أمس الأحد، بحضور كوكبة من المثقفين والإعلاميين والباحثين، إن في تجميع وتصنيف الكتب العربية التي طبعت في أوروبا ، خدمة للباحثين والمهتمين بالثقافة والعلوم ، وفي فتح مجالات التعاون مع الدول الأخرى، عبر منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والتربية (اليونيسكو) .
أدار الجلسة الإعلامي والكاتب حسين درويش، وابتدأت برسالة وجهها رئيس المركز، المستشار والباحث جمال بن حويرب، المتواجد خارج الدولة بمهمة عمل، رحب فيها بالمحاضر والحضور.
البدايات الأولى
قال المحاضر إن الطباعة بالحروف المتحركة التي نعرفها اليوم والتي ابتدأت في العام 1445 م، يعود الفضل فيها إلى الألماني جوتنبرج الذي كان يعمل حداداً، وموله صديقه موهان ، وقام بطباعة الإنجيل مابين 1452- 1454م.
ويعتبر الألمان هم أول من طبع بالحرف العربي ، كتاب ” أول رحلة إلى القدس طبعت بالحرف العربي سنة 1468م.
وعن طريق ألمانيا دخلت الطباعة إلى إيطاليا عام 1469م، وشكلت البندقية بشكل خاص مركزًا للطباعة وللثقافة وتجارة المخطوطات في العالم في تلك الحقبة. ويمكن القول من شواهد المنشورات إن الغالبية من الكتب العربية التي طبعت في إيطاليا أخذت ثلاثة اتجاهات:
– كتب ذات صبغة دينية موجهة إلى الجاليات المسيحية العربية المرتبطة بالكنيسة الرومانية مثل: «الأوقات السبعة القانونية للصلاة» و«الشعائر المسيحية».
– كتب تولت الكنيسة الكاثوليكية طباعتها وتوزيعها في المشرق العربي من أجل بسط نفوذها وإخضاع الكنائس الشرقية لسيطرتها، مثل ” اعتقاد الأمانة الأرثوذكسية وكنيسة روما”.
– كتب لغوية ترجمت من العربية لدعم حركة التنصير، مثل كتاب «الأجرومية» الذي ترجمه إلى اللاتينية المستشرق الإيطالي «ريموندي» ونشره عام 1592م.
ومن (مميز أهم المطابع الإيطالية التي قدمت المنشورات العربية مطبعة «مديتشي» في روما)، حيث أصدرت ما بين 1590 و1595م سبعة كتب بالعربية.
أحد الحضور يطلع على طبعة نادرة من مجموعة أنور الحريري
انتشار المطابع
وأضاف المحاضر في فرنسا كان المسلك الذي تبنته مؤسساتها الحكومية يتجه نحو تعليم الرهبان والقساوسة للغة العربية، لذلك فقد تكفّلت (مميز «المطبعة الملكية في باريس» بنشر كتاب «في صناعة النحو» 1613م، وكتاب «الفلاسفة العرب».) مما يبرهن على ذلك المسلك التنصيري بعموميته أن أول كتاب عربي طبع في فرنسا هو «القواعد العربية» عام 1538م.
ولم تبعد إسبانيا عن إيطاليا في أن دخول الطباعة إليها كان على يد الألمان المهاجرين، إلا أنها أحرزت الأسبقية في طباعة الكتب العربية نتيجة تأثرها بالثقافة الإسلامية العربية على مدى ثمانية قرون، فكان كتاب «فن تعلم اللغة العربية بسهولة» أول كتاب يطبع في غرناطة عام 1505م.
أما هولندا فقد كانت الطباعة العربية فيها متأخرة عن غيرها من دول أوروبا، وكانت أكبر ثلاث مطابع فيها في أوترشت وأمستردام وليدن. وفي المدينة الأخيرة (ليدن) شكلت جامعتها عام 1575م لجنة لدراسة العربية والعبرية ونشر آثار هاتين اللغتين.
وفي بريطانيا كانت أشهر مطبعتين بالأحرف العربية فيها هما: (مطبعة «أكسفورد» و«مطبعة لندن» وكان اسم «إدوارد بوكوك» من أبرز الأسماء التي ظهرت في مجال النشر العربي، من خلال تأليفه كتاب «نظم الجوهر» بالتعاون مع المستعرب سلديتي، وتحقيقة كتاب «تاريخ مختصر الدول» لابن العبري في 1663م، ونشره نصًا تاريخيًا لابن العبري بعنوان: «ألمع من أخبار العرب». ومع كل ما ذكر يبقى «قاموس اللغات الشرقية» الذي طبع في عام 1669م وحوى سبع لغات أهم ما أسهم به البريطانيون في هذا المجال.
وظهرت أول طبعة للقرآن الكريم في مطبعة بمدينة البندقية و صدرت عام 1537 وقام بطباعة المصحف «باغانينو دي باغانينو» وابنه السندرو وهما مطبعيان أصيلان، وقد اقدمت هذه العائلة على طباعة المصحف لأنها كانت على علاقات تجارية مع المدن العربية والتركية حول البحر المتوسط، وتحديدا في صناعة وترويج الورق، وأرادت ان تجد لها سوقا رائجة وكانت تلك مجازفة كبرى نظراً للجو المشحون بالصراعات بين المسلمين والمسيحيين.
كتب تعليمية
ومن حيث الموضوعات كان ثلث هذه الكتب يتعلق بالنحو وتعليم اللغة العربية وثلث يتناول الدين، خاصة العقيدة المسيحية بما فيها النصوص المقدسة ونصوص في الدفاع عن المسيحية وكتب الطقوس والصلوات اما بقية الكتب فتناولت المعارف الانسانية المختلفة من طب وفلك ورياضيات وفلسفة وعلوم، فضلا عن التاريخ والجغرافيا· وغلب الطابع الديني و الجدلي على المطبوعات الايطالية والفرنسية وبدرجة اقل على الكتب الالمانية والهولندية والانجليزية.
وأضاف المحاضر … لقد أسهم الكتاب العربي المطبوع في أوروبا في التعريف ببعض المؤلفات للعلماء المسلمين في الاوساط الجامعية والاكاديمية الاوروبية وأدى إلى الاهتمام بالتراث الاسلامي كله فيما بعد، لكن هناك من يرى ان الطباعة العربية الاوروبية لعبت دورا في تغذية الصراع والجدل بين الكاثوليك والمذاهب المسيحية الاخرى بالشرق.
عربياً وإسلامياً
واستطرد الحريري … لم يكن العالم الإسلامي غائبا عن تطور الطباعة في بلاد أوروبا، حيث واكب المسلمون التحولات التي عرفها فن الطباعة منذ استخدام الالواح الخشبية حتى اختراع الطباعة بالأحرف المنفصلة وظهور مطبعة جوتنبرج وجرت بعض محاولات مبكرة لإدخال المطبعة الى مصر مع نابليون عام 1798 ونشرت مطبعة نابليون عددا من الكتب العربية وذكر الجبرتي انهم طبعوا بها نص محاكمة سليمان الحلبي، ولكن هذه المطبعة خرجت ثانية مع عودة الحملة عام 1801 ، الى ان جاء محمد علي وفكر في تأسيس مطبعة عربية فكانت مطبعة بولاق التي فكر في انشائها عام 1815 وتأسست بالفعل عام 1820 واعتبرت المطبعة العربية الاولى لأنها نشرت كتبا في مختلف التخصصات ، وكانت موجهة للطلاب وللجمهور العادي ولاتزال هذه المطبعة قائمة الى اليوم وتحمل اسم المطبعة الأميرية.
وفي إيران والمغرب، لا تتوفر تفاصيل كافية عن محاولة المغرب ولكن المتصور انه بسبب القرب الشديد بين المغرب واسبانيا ووجود كتب عربية للتنصير في اسبانيا كان لابد من الانتباه ومحاولة الأخذ بتلك التقنية·
لكن محاولة إيران كانت في مدينة اصفهان وذكر الرحالة الفرنسي آن شاردين ان العلماء المسلمين قدموا اقتراحا بإدخال المطبعة في اصفهان الى الشاه عباس الثاني «1624 – 1666 م» واستحسن الفكرة وبدأ تنفيذها، لكن المشروع توقف· ولم يكتمل بل مات تماما حين انتقل الشاه عباس الى رحاب الله وانتقلت السلطة الى ابنه صافي سليمان الذي أهمل المشروع ولم يعره أي اهتمام.
وأضاف الحريري ..في حيدر آباد بالهند هناك «المطبعة العثمانية»، وقد نجح الإيرانيون في أخذ كل مطبوعاتها، وأنشأوا «مكتبة شمس» ، ونسبوا مطبوعاتها لهم.
من مجموعة أنور الحريري الخاصة
صفات الكتب النادرة
وقال المحاضر: من المهم أن ندرك أن الكتاب العربي المطبوع في أوروبا، أو في الدول الأخرى له مواصفات، مثله مثل الكتب الأخرى المهمة ، ويمكن تحديد هذه المواصفات بالآتي :
1- الندرة ، من حيث تاريخ طباعة الكتاب. في أميركا، مثلأ، يعد الكتاب نادراً إذا كان مطبوعاً قبل العقد الثاني من القرن التاسع عشر ميلادي ، وفي إنجلترا، إذا كان مطبوعاً في منتصف القرن السابع عشر.
2- عدد النسخ المطبوعة ، إذا كان مطبوعاً لأول مرة بأعداد محدودة جداً “من نسخة واحدة إلى 300 نسخة” .
3- شكل الكتاب، إذ يعد نادراً إذا كان مطبوعاً على نوع قديم من الورق ، كورق البردي ، أم جلد الغزال ” الرق” ، أو إذا كان مجلداً تجليداً غريباً ، أو مطبوعاً بأحجام تختلف عن الأحجام المعتادة مع قلة النسخ.
4- شكل الخط أو الطريقة التي كتب بها ، إذ يعد نادراً إذا كان يحتوي على صور ورسومات وخرائط قديمة أو نادرة .
5- التقادم، وتعني الأسبقية في تاريخ الطباعة والنشر.
6- التميز والفرادة، ويشمل ذلك قلة النظر للكتاب ذاته، أو من النسخ المتاحة أو الطبعات المتوافرة.
وفي ختام الجلسة دارت حوارات عدة، شارك فيها كل من الدكتورة رفيعة غباش ، د. شهاب غانم، ود . خلدون علي أبا حسين، المدير السابق لمركز عيسى الثقافي في البحرين، والذي جاء من البحرين ليشهد الأمسية، ورشاد بوخش، والكاتب والإعلامي علي عبيد، وراشد بن هاشم، والباحث أحمد ناصر، وبعض الإعلاميين. وقد أبدى د. شهاب غانم رأيه بضرورة قيام مسح شامل عن المخطوطات العربية في روسيا والصين واليابان والهند وإيران.
ثم قام الأديب والباحث بلال البدور بتقديم درع المركز للمحاضر أنور الحريري، نيابة عن المستشار والباحث جمال بن حويرب، رئيس المركز.
إضاءة
الباحث أنور منصور غانم الحريري، من مواليد 1963، يحمل شهادة بكالوريوس إعلم وسياسة من جامعة الإمارات في العين ، متقاعد من المجلس الأعلى للبيئة في البحرين، وعمل مستشارا للتنسيق والمتابعة في مكتب الرئيس الأعلى للبيئة، ومديراً لإدارة الثروة السمكية، ومدير إدارة البرامج الاجتماعية في المحافظة الجنوبية، رئيس العلاقات العامة في الهيئة العامة للحياة الفطرية، واختصاصي علاقات عامة في وزارة الداخلية البحرينية، وهو شغوف بجمع الكتب القديمة وتتجاوز مجموعته الخاصة أكثر من 350 كتاب.