دور اللهجة المحكية الإماراتية في إثراء اللغة العربية

مجالس

 2,259 عدد المشاهدات

مركز جمال بن حويرب للدراسات – دبي

محمد أحمد عبيد يحاضر في مركز” بن حويرب للدراساتدور اللهجة المحكية الإماراتية في إثراء اللغة العربية

بن حويرب: أحمد محمد عبيد باحث يتميز بالدقة والحرص على جمع ما أهمله التاريخ

أحمد عبيد: لهجات الإمارات تتوزع إلى أكثر من 10 بيئات وهي امتداد للهجات عريقة

– تراث الإمارات يحمل قيماً إنسانية كبيرة توثق تاريخ الإنسان وحضوره في هذه المنطقة

 

أكد المؤرخ والباحث جمال بن حويرب المستشار الثقافي في حكومة دبي أن توثيق التراث الإماراتي واجب وطني يحتم على كل باحث توخي الدقة والموضوعية. وأن الباحث والشاعر أحمد محمد عبيد الذي نعرفه منذ زمن بعيد، ويتيميز بالدقة في أبحاثه، والحرص على جمع ما أهمله التاريخ، وهو باحث وكاتب وشاعر، يعنى بالأدب واللهجات والتراث، إضافة إلى قضايا البحث والنشر. صدر له أكثر من 58 كتاباً، وهناك مثلها قيد الإعداد والطبع.

جاء ذلك في جلسة تراثية شيقة استهل بها مركز جمال بن حويرب للدراسات موسمه الثقافي الجديد، استعرض خلالها الباحث والشاعر الإماراتي أحمد عبيد، دور اللهجة المحكية الإماراتية في إثراء اللغة العربية قائلاً: إن اللهجات في الإمارات امتداد للهجات عريقة قديمة، كانت تتحدث بها قبائل المنطقة، وبخاصة القبائل الرئيسة الثلاث، الأزد، عبدقيس، وقبيلة تميم.

ووسط حضور مميز تقدمه الأديب والشاعر الدكتور شهاب غانم ، سعيد النابودة، مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي بالإنابة ، رشاد بوخش رئيس مجلس إدارة جمعية التراث العمراني في الدولة ، الدكتورة مريم سالم بيشك أستاذة اللغة العربية في جامعة الإمارات سابقاً ، الدكتورة أحلام الزهاوي  استاذة اللغة العربية في جامعة الإمارات والكاتب والأديب محمد صالح بداه ، وجمع من الإعلاميين والمهتمين. ، تحدث أحمد عبيد عن بيئات اللهجة الإماراتية، التي تتوزع إلى أكثر من 10 بيئات لهجية، وتميز كل لهجة عن أخرى، ولفت إلى أن مصادر اللهجة هي الحديث المنطوق بين الناس، والأمثال الشعبية والأشعار، والمصدر الأدبي بصورة عامة .

شعور وطني

قال الباحث والشاعر أحمد عبيد محمد إن مشروعه البحثي حول التراث الإماراتي يأتي من شعور وطني وإنساني بضرورة استعادة هذا التراث ومفرداته، وحفظها من الضياع والاندثار، فهذا التراث يحمل قيماً إنسانية كبيرة توثق تاريخ الإنسان وحضوره في هذه المنطقة الجغرافية، والظروف التي عاشها وقدم فيها إنتاجه الاقتصادي والفكري والثقافي، ودون معرفة هذا السياق التاريخي سيفقد الإنسان الإماراتي جزءاً مهماً وأساسياً من تكوينه النفسي والحضاري.

وعن كتابه «دراسات في لهجات الإمارات»، أكد عبيد أن دراسة اللهجات الإماراتية، واجب وطني لابد من النهوض به وتوفير أقصى درجات المتابعة والاستقصاء والبحث والتحليل حوله.

وأضاف: لقد قدمتُ في هذه الدراسة مجموعة البحوث المتعلقة باللهجات المحلية، والظواهر المتعلقة بهذه اللهجات، كما حاولت إيجاد معجم للحقول الدلالية في الإمارات التي ارتبطت بطبيعية المكان أو العيش، كحقل البحر، والزراعة، وطبيعة الأرض، وكل حقل منها يحمل في طياته عشرات الألفاظ التي لم تعد تستعمل الآن.

الرقعة الجغرافية

تحدث المحاضر عن الرقعة الجغرافية المتسعة في الإمارات بين الساحل الشرقي والغربي المترامي الأطراف ، قائلاً : إن ذلك خلق تبايناً واتساعاً في اللهجات ، ربما كانت له أصول سابقة في القبائل التي سكنت هذه المنطقة في الجاهلية ، والفترات الإسلامية التالية ، كقبائل الأزد وعبد القيس وتميم وغيرها. ولعل هذه الكلمات والمفردات صدى لتلك اللهجات التي لايزال أناس ينطقون مفرداتها مع قليل من التحريف الذي اقتضاه التطور اللغوي للهجات .

وقال أحمد عبيد تتعدد أدوات الاستفهام لدى كل من الساحلين الشرقي والغربي ، حيث نجد أدوات لا تستعمل إلاّ في منطقة معينة ، كذلك نجد أدوات لا تتداول إلاّ لدى قبائل معينة ربما تنتمي إلى أصل واحد . كذلك قد نجد كلمات لم ترد لدى العرب قديماً  ، ولكنها ، باعتقادي، ذات أصول فصيحة لم يتمكن العلماء من تسجيلها في الأزمان القديمة ، لكنها بقيت حاضرة في لهجات سكان الجبال والصحارى والقرى الساحلية.

وبين المحاضر أن إمارة رأس الخيمة وحدها، تضم ثلاث لهجات مختلفة. وكلباء في الشارقة ومع صغر مساحتها، تشتمل على لهجتين. ولم يغفل الباحث الاشارة الى ان هناك إبدالاً للأحرف في اللهجة الاماراتية، ويفعل كل ذلك حسب لهجة منطقته.

الدراسة الصوتية

الظواهر الصوتية هي الخاصة بالكلمة المنطوقة من حيث مواضع الحروف في الكلمة، وطريقة نطقها وحذفها وزيادتها وقلبها وإبدالها .

وضرب على ذلك أمثلة عدة تتعلق في الثراء اللغوي وتنوع لهجات الإمارات في اختلاف المفردات من لهجة إلى أخرى. وكذلك في استعمال كلمة مفردة للجمع مثل : ” الحريم ” في الساحل الشرقي و”الحريمات” في المناطق البدوية.

وتحدث عن قلب الحروف بين لهجة وأخرى ، وعن الإمالة بالياء ، وإمالة الألف واواً ، وعن التفخيم والحذف والزيادة ، وعن الإبدال ( أمثلته كثيرة) .

معجم الألفاظ الزراعية

أكد أحمد عبيد أنه حان وقت الاستعانة بالمعاجم المتخصصة في شأن مسألة اللهجة الإماراتية وتدوينها وحفظها. ولفت في الصدد، إلى أنه أصدر معجم الألفاظ الزراعية. وهو حاليا في طور الإعداد لآخر متخصص في الألفاظ البحرية. كما طالب بتبني مشروع إنشاء أبجدية صوتية للهجة الإماراتية، لتعلم النطق الصحيح لأحرفها .

وعن كتابه «النخلة في دولة الإمارات: مقدمة تاريخية تراثية لغوية»، قال: «إن النخلة رمز كبير وجزء لا يجزأ من التاريخ الحضاري للإمارات، وفي هذا المشروع حاولت التطرق إلى العديد من الجوانب التراثية التي تستحق التوثيق والوقوف عندها وتأصيل هذا الموروث؛ خوفاً عليه من الضياع، حيث تعتبر النخلة أحد أبرز وأهم العناصر التراثية في حياة المجتمع الإماراتي، و يأتي هذا الكتاب كجزء من دراسات عدة تتعلق بالنخلة سوف أصدرها قريباً وهي: «معجم أصناف النخيل في دولة الإمارات»، «معجم الألفاظ الزراعي في دولة الإمارات» والذي يركز في المقام الأول على الألفاظ الخاصة بالنخلة، و” زراعة النخيل في دولة الإمارات: مقدمة تاريخية “.

وأضاف أن هذا الكتاب حوى دراسات عدة اعتمدت على جوانب ثلاث هي: الجانب التاريخي، التراثي، و اللغوي اللفظي الخاص بالنخلة، فزراعة النخيل والعناية بها في الإمارات ليست حديثة العهد، وهي لا تنفصل في سياق وجودها التاريخي عن تاريخ وجود النخل ونشأته في الجزيرة العربية، خاصة أن الإمارات محاطة بمناطق مذكورة في التاريخ بوصفها عامرة بالنخيل كعمان والبحرين ومعظم أجزاء الجزيرة العربية، وهي تقع على أكبر شريط للتمر معروف في العالم القديم.

وقد ساهم التوزيع الجغرافي والمناخي للإمارات في تنوع أصناف النخل حسب المناطق بين الساحلية والجبلية والصحراوية، فيوضح عبيد أن البيئة الساحلية في الساحل الشرقي مثلاً، تتنوع فيها الأصناف أكثر من غيرها بسبب كثرة المزارع واعتماد الناس على التمر اعتماداً كبيراً، فانتشر صنف «شهل» انتشاراً كبيراً في دبا وضدنا وخورفكان وقدفع ومربح، وكان صنف «أم الندا» من أكثر الأصناف حضوراً، وقد صار الآن نادراً، وفي ضدنا أيضاً لا يزال يبدي المزارعون اهتماماً بصنف «قش بن زامل» المعروف باسم «آخرة ضدنا»؛ لكونه من أكثر أنواع النخيل تأخراً وجودة، أما الفجيرة وكلباء فانتشر فيها صنف «أم السلة» بسبب قربها من مناطق سلطنة عمان التي ينتشر فيها هذا الصنف بشكل كبير.

وفيما يخص الجانب اللغوي، أكد عبيد أنه وثق فيه الألفاظ الدالة على النخيل في مختلف لهجات الإمارات من المنطقة الشرقية وحتى المنطقة الغربية، وذكر فيه اختلاف اللهجات حول المسمى أو اللفظة الواحدة، وهناك إشارات تاريخية إلى الأصناف الموجودة حالياً التي لها أصول تعود إلى العصور القديمة، وعموماً يتميز المعجم اللهجي الخاص بالنخلة في الإمارات بالثراء والتنوع الذي فرضه تنوع القبائل التي انتشرت قديماً في هذه المنطقة من الجزيرة العربية، وبقيت الأجيال محافظة على أصوله الفصيحة التي ساعد على بقائها استمرار اهتمام الأجيال بالنخلة والعناية بها.

أحمد محمد عبيد في سطور

يعد الشاعر والباحث أحمد محمد عبيد واحداً من أبرز الباحثين الإماراتيين الذين اهتموا بالتراث العربي والإماراتي، فعبر اجتهاداته البحثية على مدى ثلاثين عاماً قدم مجموعة كبيرة من الدراسات والبحوث في التراث الثقافي للإمارات.

صدر لعبيد مؤخراً ثلاثة كتب، تنوعت بين الشعر والدراسات التراثية وهي: «دراسات في لهجات الإمارات»، «النخلة في دولة الإمارات: مقدمة تاريخية تراثية لغوية». و ” فراشات عابرة“.