12,243 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
موضوعنا في هذا العدد قرَّاءَنا الكرام عن الفارس والشاعر الشيخ سلطان بن زايد الأول، الذي فرض هيبته وتقديره بين الحكَّام والعامة بحنكته السياسية وحكمته التي ورثها من آبائه الكرام. ونقول لكم، بسبب ما نعانيه من جمع هذه المعلومات لقلة التدوين، بأنه لا يمكننا أن نتركَ التاريخ ولا نرويه أو نهمله، فلا نقيده بالتدوين؛ لأنَّ الأجيالَ في كلِّ عصر في حاجة ماسة إليه، فهو أساسُ كلِّ عمل نقوم به ولا مبالغة في ذلك، وأنَّ الأفرادَ والشركات والحكومات كلها تقوم على حاضرها المؤسَّس على ماضيها، والماضي قد أصبح تاريخاً يجب عليهم أن يحفظوه ليستفيدوا منه في مستقبلهم. ومن هذا المعنى تأتي مقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله: “من ليس له حاضر ليس له مستقبل” .
التاريخ لم نكتبه متعة أو تسلية، بل هو أساس لعلوم السياسة والاقتصاد والاجتماع، وهو أحد أهم ركائز الأمن الاستراتيجي، فلا تهملوا هذا العلم لأنه مهمٌّ جدًّا كأهمية العلوم الأخرى من الطب والهندسة والرياضيات والفيزياء، وهو كذلك علم صعب يظنُّه من لا يعرفه بأنه سهلٌ ولكنه معقَّد يحتاج إلى عبقرية فذة حتى يصل إلى أوَّل أبوابه وهي لا تفتح إلا لمن كان من أهل الأمانة والصدق وتحري الحقيقة.
لهذا ندعوكم إخوتي وأخواتي إلى أن نزيد من اهتمامنا بهذا العلم المهم والمفيد “علم التاريخ”، ولا نضيِّع شيئاً من أخبارنا القديمة والحديثة ولا شيئاً من تراثنا، فقد وجدنا مقتنيات أثرية محفوظة في أماكن آمنة منذ آلاف السنين في هذه البلاد الطيبة، فكيف لا نجد مقتنيات لأشخاص رحلوا عنَّا منذ فترة قصيرة؟! إنَّ هذا لأمرٌ محزنٌ جدًّا وكما قلنا :
وما خلَّد التاريخ غير أئمة
مصابيح للمجد العظيم على المدى
أناروا سبلَ المعالي حقيقة
وقد جمعوا بالحقِّ ما قد تبدَّدا
ومن ظنَّ أنَّ المجدَ يأتي براحة
فقد ضلَّ عن دَرْبِ الهدايةِ واعتدا
ألا فاسألوا التاريخَ إنَّ حديثه
ليشفي فؤاداً لم يزلْ متوقِّدا
في البداية ننشدكم أبياتاً من شعر شاعر عمان الكبير محمد بن شيخان السالمي في مدح الشيخ سلطان بن زايد الأول رحمهم الله :
شيخٍ أمير بني فلاح جامعٍ
كرم الورى وشجاعة الشجعانِ
وتهابه أسد الشرى وتخافهُ
صيد الورى ويروعه الملكانِ
تتذلل الخيل الجياد إليه إذ
هو في ذراها أفرس الفرسانِ
كم من شجاعٍ في الوغى بحسامهِ
رغما غدا متمزق الجثمانِ
متحمل عبء النوازل قائمٍ
في كشفها بمهندٍ وسنانِ
ساس الأمور بحكمة وتجاربٍ
وبنجح تدبيرٍ وحسن بيانِ
ماذا نقول في ذكر سيرة فارس، بزّ الفرسان في وقته، وشاعر غلب شعراء عصره، وحاكم محنَّك أمسك الحكم فساس الناس بأفضل سياسة وأحكم معاملة، وأبحر بإمارته في مرحلة صعبة وحرجة من الزمن، فألقى مراسيه في مرسى بر الأمان، رغم كثرة المطامع الخارجية والاضطرابات الداخلية، ودسائس المستعمرين الإنجليز وكذبهم وخلطهم للأوراق في كل وقت، ودفعهم الناس بعضهم ببعض، ليبقوا مسيطرين على أوضاع البحر البائسة بسبب وجودهم الطويل حتى ملَّ منهم الناس، فقد كانوا يفرقون ويأتون ليصلحوا، ويفعلون كلَّ مصيبة من سرقات وحروب وقتل ويرمون بها الأبرياء، ولكنَّ هذا الشيخ المحنَّك الكريم الذي لم يدُمْ حكمه طويلاً، ولكنه استطاع أن يُثَبِّتَ دعائمَ الحكم ويشيعَ الأمن، وبدأ بالتطوير وتجميع الناس الذين فرَّقتهم الأحداث .
هذا هو الشيخ الفارس والشاعر سلطان بن زايد الأول حاكم أبوظبي، فدعونا نتعرَّف أهمَّ محطات حياته، ونقترب من قصة سيرته أكثر، فهو والد زعيمنا الخالد زايد، طيَّب الله ثراه.
قبل أن نبدأ بالحديث عن سيرة الشيخ سلطان بن زايد الأول، نعرض لكم في لمحة سريعة تاريخ إمارة أبوظبي العريقة، إذ ليس من السهل أن نختصر تاريخها، ولكن يقال إنَّ بعض التاريخ قد يدل على كله، وتاريخ دولتنا الطيبة طويل، وقد وقعت فيها كثير من الأحداث، ولهذا سندير آلة الزمن ونعود بكم إلى 130 سنة مضت، لكي نعرف الأوضاع الاقتصادية والثقافية والسياسية في ذلك العهد. يقول لوريمر عن إمارة أبوظبي: “الشيخ الحالي لأبوظبي هو زايد بن خليفة ويحكم إمارته حكماً مطلقاً وهو إلى حد كبير أقوى شخصية في ساحل عمان المتصالح في الوقت الحاضر، ونفوذه لا يسود فقط في الإقليم بل يمتد إلى ما أبعد من ذلك”، أمَّا عن الوضع الاقتصادي فقد كانت تجارة أبوظبي تزيد يوما بعد يوم، بسبب سياسة الشيخ زايد الأول الصحيحة التي عملت على تأمين التجارة، ومعظمها يعتمد على تجارة اللؤلؤ وحماية التجار الذين يتنقلون بين أبوظبي ودلما والبحرين ولنجة، وكان زايد يعزِّز من مكانة إمارته تدريجيًّا بالقوة والحزم تارةً، وبالمصاهرة والمعاونة تارةً أخرى، حتى أظهر اسم أبوظبي من جديد على الخريطة الاقتصادية في المنطقة، أمَّا باقي التجارات فإنها قليلة. يقول لوريمر: الزراعة قليلة باستثناء أشجار النخيل، أمَّا الجمال فوفيرة ولكن الماشية قليلة والحرفة الرئيسة هي غوص اللؤلؤ، حتى بالنسبة للبدو وفي المشيخة 410 من القوارب لصيد اللؤلؤ، وتوجد في قرى مزيرعة وليوا مراكز محلية صغيرة لتوزيع البضائع″.
لم يكن هناك مدارس تعليمية نظامية في إمارة أبوظبي ما عدا الكتاتيب المنتشرة في أماكن متفرقة من الإمارة، والتي كانت تعلِّم القرآن والقراءة والكتابة وشيئاً من علم الحساب، ولكن إمارة أبوظبي كانت مقصداً للعلماء والقضاة والشعراء والأدباء؛ إذ توارث آل نهيان تقدير العلم وأهل الشعر وكانوا يتلقونهم بكل حفاوة، بل وقام الشيخ زايد بن خليفة، رحمه الله، بطلب القضاة إلى إمارته؛ فانتقل الشيخ أحمد الكندي بن مجرن ليكون من قضاة الشيخ زايد الأول وغيره، وهذا يدلُّ على بعد نظره في وجوب وجود الحكم العادل لاستتقرار الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وتدلُّ المخطوطات العلمية التي وجدناها وتعود إلى تلك الفترة وما قبلها إلى أنَّ إمارة أبوظبي كانت تشهد اهتماماً كبيراً بالعلم الشرعي
كانت سياسة الشيخ زايد الأول منذ توليه حكم الإمارة سنة 1845 حتى وفاته في سنة 1909 غاية في الحكمة والحزم والتقدير، وقدَّر الله له أن يكونَ الشيخ الأكبر في المنطقة بسبب وفاة من سبقوه من كبار قادة المنطقة، فتهيَّأ له الحكم القوي والنفوذ في جميع الأقاليم المحيطة به، وصدق مبارك العقيلي في قوله يصف أبوظبي ويثني على الشيخ زايد الأول:
بلاد بها روض الندى أثمر الجدا
وسحب العطايا ما يوني مطيرها
بلاد بها يسلم من الروع من لجا
ويأمن على نفسه حوال تذيرها
بلاد تناصاها على شقة المدى
وفود على الآمال يغني فقيرها
بلاد الإمام الصدق زايد على التقى
حميد الفعايل للمعالي صهيرها
إمام لأمره تخضع عمان كلها
وتخشاه آساد مهيب زئيرها
إمام يطيعه حضرها والبوادي
وهاداه من يدعى بمكة أميرها
إذا قيل شيخ عمان فالقصد زايد
منيع الحمى جابر بجوده كسيرها
في هذه الإمارة الطيبة إمارة أبوظبي وُلِدَ الشيخ سلطان بن زايد الأول في سنة 1881م، ووالدته الشيخة الكريمة مريم بنت محمد بن سيف الفلاحي، وكانت نعم المرأة المربية، ويكفينا دلالة عليها تاريخ أبنائها الشيوخ فقد كانوا أهل بأس وشجاعة وكرم مشهود لهم بين الناس، فهي أنجبت قبله الشيخ حمدان بن زايد جد صاحب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وكذلك الشيخ سعيد والشيخ هزاع، وتربطني بالشيخة مريم بنت محمد علاقة قرابة من جهة جدتي مريم الفلاحية؛ فهي خالتها رحمهم الله .
نشأ الشيخ سلطان بن زايد في ظل والديه الكريمين وفي وقت كان مستقراً نوعاً ما، ما عدا بعض المناوشات والغارات من هنا وهناك، ولكنها كانت بعيدة عن بيت الحكم، وكانت هيبة الشيخ زايد وحكمته وسياسته الرشيدة وسرعة ردات فعله جعلت من أبوظبي مكاناً آمناً مع كثرة القلاقل المحيطة به في كل مكان.
لا بدَّ أنَّ الشيخ سلطان تعلَّم قراءة القرآن والكتابة والقراءة كعادة أبناء الشيوخ آنذاك، ولكنهم كانوا ينتقلون مباشرة إلى تعلُّم الفروسية والرماية وفنون الحرب؛ لأنَّ الحاكم الوالد يريدهم أن يقفوا بجانبه في أيِّ حادث قد يعرض للحكم. وكان الشيخ سلطان فارساً قديراً ومن أمهر الرماة وقد أولع بالشعر منذ صغره حتى فاق فيه أقرانه، وقد كان شاعر والده الأول.
الشعر في سلالة آل نهيان يتوارثونه من أجدادهم؛ فليس غريباً أن يتفوَّق الشيخ سلطان بشعره، فقد كان جده الشيخ خليفة بن شخبوط الأول شاعراً من كبار شعراء عصره وكذلك جده الأكبر ذياب بن عيسى، له قصيدة مشهورة تشهد بقوته في الشعر الذي يقول في مطلعها :
دنيا ما بك نداره
ارجوعك للحسف
ثر زينك للفشاره
تالي شربك عدف
خلي لى له وقاره
أجفاني واعتزف
إلى آخر هذه القصيدة المؤثرة.
ومن شعر الشيخ سلطان بن زايد الأول الجزل الجميل الذي أصبح من أشعار الحكمة:
إلا السلام يرد ويعاد
ولا الموده مضمحله
لو لك بنينا قصر شداد
ما لك عذر ما تستجله
لول تساوي ملك بغداد
والشام وارض عمان كله
واليوم ما تسوى لك اقناد
لى ينحذف من راس دله
غيرك سكن في لب لفواد
استملكه والعقل شله
عاش الشيخ سلطان بن زايد في كنف والده الشيخ الكبير زايد بن خليفة الذي بلغت في عهده إمارة أبوظبي مكانة كبيرة في الجانب السياسي والاقتصادي، وقد تعرَّضت لحوادث كثيرة إبَّان حكم الشيخ الطويل الذي دام قرابة أربعة وخمسين عاماً، رافقه فيه ابنه الشيخ سلطان في ثمانية وعشرين عاماً منها، فتعلَّم منه الكثير وكان الشيوخ أبناء زايد لا يكادون يفارقونه إلا إذا رحلوا في صيد أو يرسلهم أبوهم في متابعة أمور الإمارة .
لا شكَّ أنَّ الشيخ سلطان كان مشاركاً في الأحداث التي جرت في عهد أبيه، فهو فارس لا يشقُّ له غبار، وقد تولَّى بعض المسؤوليات الإدارية من مثل إمارة جزيرة دلما في أواخر عهد أبيه الشيخ زايد، واستقر بها فترة من الزمن، واختيار الشيخ زايد للشيخ سلطان ليقوم بهذا العمل دليل على رغبته لتعليم نجله وتدريبه على أعباء الحكم. وهكذا ينبغي لأبناء الشيوخ أن يأخذوا بعض الأعمال ولو كانت صغيرة فترة من حياتهم؛ لأنَّ أيَّ شيخ منهم قد يكون حاكماً يوماً ما إذا وقع الاختيار عليه، كما هي العادة بين أبناء الملوك والأمراء والشيوخ.
كانت جزيرة دلما مركزاً تجاريًّا مهمًّا، كما كانت تعجُّ بأهل اللؤلؤ، تقول فراوكه هيرد: “تقع جزيرة دلما على بعد مائة وستين كيلومتراً غربي مدينة أبوظبي وتتمتَّع بأهمية حيوية بالنسبة لمجتمع الغوص في أبوظبي، وفي كل سنة كانت محور نشاط أسطول الغوص التابع لبني ياس وللمراكب الأخرى، وذلك لتمكّن الغواصين من الحصول على مياه عذبة هناك”، ثمَّ تقول هيرد عن أهميتها: “نشأت في الجزيرة سوق موسمية، وكان عدد من تجار اللآلئ يزورون الجزيرة بأنفسهم خلال موسم الغوص، وكانت تعهد إدارة تلك الجزيرة نيابة عن حاكم أبوظبي إلى أمير كان مسؤولاً عن مختلف الجزر الأخرى التابعة لإمارة أبوظبي، وكان يقيم عادة فيها لبضعة أشهر ويتقاضى راتباً، وكان يشترط أن يكون الأمير شيخاً قبليًّا أو شخصية سياسية.″
من كلام هيرد نستطيع أن نعرف أنَّ اختيار الشيخ زايد الكبير لابنه، ليكون أميراً على هذه الجزيرة الاستراتيجية لدخل الإمارة لم يكن إلا لمعرفته بقدرات ابنه وبحزمه ومعرفته بتدبير الأمور، وكذلك ليتعلَّم ويختلط بأهل التجارة، وكان في ذلك الوقت في أوائل العشرينيات من عمره.
يحدث في بعض المرات أنَّ شيوخ القبيلة يتركون أرضاً ليعيشوا في أرض أخرى إذا أغضبهم أمر ما أو لم يجدوا تجاوباً من الحاكم، وهذا أمر طبيعي قد يحدث في جميع دول المنطقة، خاصة في تلك الأوقات العصيبة، وقد حصل أنَّ الشيخ بطي بن خادم القبيسي- رحمه الله- رحل هو وبعض من قبيلته نحو منطقة العديد الإماراتية، وقد حاول الشيخ زايد إرضاءهم ولكنه لم ينجح، وبعد رحيلهم أرسل لهم الشيخ رسله ليعودوا، وفي يناير من سنة 1880 أرسل الشيخ زايد نجله الشيخ الفارس خليفة ورجعوا معه، وفرح الشيخ بقدومهم، ثمَّ بعد سنوات من عودتهم تزوج الشيخ سلطان بن زايد الأول من الشيخة سلامة بنت بطي بنت شيخ القبيسات القبيلة الياسية المشهورة، فكانت نعم الاختيار ونعم المرأة والزوجة، ونعم الأم المربية التي لا يمكننا أن نذكر ما لها من صفات، ولا أن نروي لكم قصصها العظيمة، فهي والدة كريمة من سلالة طيبة كريمة أنشأت أولادها على الخير والأخلاق الحميدة، وقد أنجبت للشيخ سلطان ابنه البكر الشيخ شخبوط في سنة 1903 تقريباً في زمن حكم والده الشيخ زايد الكبير، ثمَّ أنجبت له هزاع وخالد، ثمَّ أنجبت له زعيمنا الخالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- طيَّب الله ثراه- مؤسِّس دولة الإمارات وباني دولة الاتحاد والنهضة الكبرى.
بهذا الزواج المبارك للشيخ سلطان، واقترانه بهذه الشيخة الفاضلة الكريمة، تمَّ تقوية الصلات بين العائلتين، وهكذا تقوى الأواصر وتثبت بين القبيلة الواحدة؛ فقبيلة بني ياس قبيلة واحدة أصلاً وتاريخاً وماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وترتبط مع كلِّ القبائل الأخرى الكريمة بصلات الخؤولة والقربى والجيرة منذ قديم الزمان.
في الرابع من فبراير وصل الرحالة الألماني هرمان بورخارت إلى أبوظبي وزار الشيخ زايد، وقام بالتقاط الصور له ولأنجاله وبعض مجالسه، وكذلك صور خيول الشيخ زايد والفرس التي أهداها له شريف مكة والتي ذكرها العقيلي في قصيدته:
وهاداه من يدعى بمكة أميرها
وهي هذه الهدية التي يعنيها العقيلي.
يقول بورخارت في مذكراته عن الشيخ زايد الأول: “هو رجل كريم مضياف إلى أقصى حد، وسنة بعد أخرى يحلُّ عليه الكثير من الضيوف”، وقد قام الرحالة الألماني بالتقاط صور تذكارية لقصر الحصن في أبوظبي الذي هو مركز الحكم منذ قرون، وصور أخرى، ولولا بقاؤها في متحف برلين منذ 1911 لضاعت وخسرنا صوراً لا تقدَّر بثمن.
في التاسع عشر من مايو سنة 1909 انتقل الشيخ زايد الكبير إلى جوار ربه، واختير الشيخ طحنون خليفة له؛ فنهج نهج والده واستمرَّ على سياسته.
وفي سنة 1910 عمَّر الشيخ سلطان بن زايد قصره في العين، وجعله مقرًّا إداريًّا وسكنيًّا له، وكان يستقبل فيه الضيوف وعامة الشعب في مجلسه وقد سجَّل على باب هذا القصر:
لاح نجم السعد في باب العلا
مجده باق على رغم المعاند
أشرق التاريخ باليوم السعيد
شاد بيت الملك سلطان بن زايد
وهو بحساب الجمل 1328 الموافق لـ 1910م.
في الحادي عشر من أكتوبر من عام 1912 انتقل الشيخ طحنون بسبب مرضه إلى جوار ربه وتولى الشيخ الكريم حمدان بن زايد زمام الحكم وسار بالناس سيرة عادلة، أحبه كل الناس وازدهرت أبوظبي في عهده.
وفي سنة 1922 توفي الشيخ حمدان، وخلفه الشيخ سلطان بن زايد على سدة الحكم، حكم الشيخ سلطان بالعدل والحكمة، وتميزت سنوات حكمه بالعلاقات الطيبة مع جيرانه الحكَّام وتبع نهج والده، ومرَّت في عهده أحداث جسام تحتاج إلى كثير من الحنكة السياسية وحسن التدبير، ولكنه نجح فيها وبدأ بتطوير إمارته واستطاع أن يزيد من مواردها، وأبدى اهتماماً كبيراً بالمناطق الصحراوية الداخلية، ووفد إليه معظم القبائل لمساندته والوقوف معه ضد المخاطر الخارجية، وقد ركَّز في مدة حكمه على تشكيل إدارة قوية وتنشيط الحركة التجارية، واهتم كثيراً بالزراعة والري، ومن هذا الاهتمام أمره بحفر فلج المويجعي في مدينة العين.
بعد أقل من خمس سنوات من حكم الشيخ سلطان بن زايد حكم فيها بكل ما ينفع شعبه، وحاول جهده ليقوم بالتطوير والارتقاء بإمارته، ومن ثمَّ انتقل إلى جوار ربه، رحمه الله وأدخله فسيح جناته.