5,733 عدد المشاهدات
بقلم: محمد الخيال – باحث في التاريخ السعودي
تقع الدرعية في شرقي مرتفعات جبل العارض، شمال غرب مدينة الرياض بمسافة خمسة وعشرين كيلومترا، وحيث إنَّ وادي حنيفة الجميل يخترق أحياءها، فلا بدَّ من الحديث ولو باختصار عن هذا الثلاثي الجغرافي المترابط؛ جبل العارض ووادي حنيفة والدرعية الزهراء.
أولاً – جبل طويق: عارض اليمامة هذ اسمه في كتب البلدانيات القديمة وقد ذكره الفارس الشهير عمرو بن كلثوم حيث قال:
وأعرضت اليمامة واشمخرت
كأسياف بأيدي مصلتينا
ومن الشعر الشعبي:
وخشوم طويق فوقنا كن وصفها
صقيل السيوف اللي تجدد جرودها
ويبلغ طول عارض اليمامة 1200 كم من طرفه الشمالي الواقع في الثويرات شمال الزلفي إلى طرفه الجنوبي المسمّى جبل هويمل بالقرب من نجران. وتسيل أودية عارض اليمامة باتجاه الشرق، ويتميَّز وادي حنيفة شيخ أودية العارض عنها، فيسيل جنوباً ثمَّ يميل إلى الشرق.
ثانياً – وادي حنيفة
ويسمّى عرض اليمامة أو عرض بني حنيفة في كتب البلدانيات القديمة. ويبلغ طوله في العصور المطيرة 540 كم، يبدأ من رحبة الهدار بالقرب من بلدتي سدوس والعيينة مارّاً بالسهباء وحرض وينتهي بسبخة الحمر ببطن الطرفاء جنوب منفذ البطحاء بالقرب من الخليج العربي. أمّا في العصر الحديث فطوله 160 كم فقط ويقف الوادي عند رمال الدهناء.
سدود الوادي
توجد عدة سدود في وادي حنيفة، منها سد كبير بأعلى الدرعية يختزن ما يقرب من مليونين ونصف المليون متر مكعب من مياه الأمطار. كما تقع على ضفتي وادي حنيفة عدة ملحقات تابعة لمحافظة الدرعية هي: العودة، والعلب، والملقى، والمغيدر، والوصيل، وأبا الكباش والعمارية.
ثالثا – الدرعية الزهراء
الدرعية الحديثة التي أعاد عمارتها عام 850 هجرية الأمير الجليل مانع المريدي جد الأسرة المالكة الكريمة على آثار بلدة قديمة اسمها «غبراء»، سمّيت باسم سكانها «بنو غبراء» من بني حنيفة. حيث قال ابن بشر في تاريخه «عنوان المجد» 2/12: «ومن بكر بن وائل أيضاً: بنو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، أهل حجر من وادي اليمامة، ومنهم بنوغبراء أهل غبيراء المعروفة في الدرعية. وبنو قران أهل القرينة وما حولها المعروفة قرب بلد حريملاء، وبنو يشكر من بكر بن وائل أهل ملهم». كما قال الأستاذ محمد الفهد العيسى في موضوعه القيم عن الدرعية في مجلة العرب: «من هذا نرى أنَّ بلدة الدرعية، كان يطلق عليها قديماً اسم «غبراء» ثمَّ أصبحت فيما بعد تعرف بالعودة، وترك الاسم القديم لأنَّ مدلوله عند أهل نجد غير مستحسن».
وبلدة غبراء هي التي عناها الشاعر طرفة بن العبد في معلقته حين قال:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت أفراد البعير المعبد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني
ولا أهل ذاك الطراف الممدد
وطرفة هنا واضح وصريح العبارة في ثنائه على أهل غبراء وأهل الطريف الذين آووه وأكرموه بعد أن تجنبته العشيرة كلها نتيجة لإسرافه وتبذيره للمال.
وتعذر على بعض الشرّاح اللغويون فهم معنى البيت؛ لعدم معرفتهم بديار البكريين في عارض اليمامة، حيث إنَّ هناك مجموعة من بلدان العارض سميت باسم أهلها، منها قران وسدوس والسحيمية وغبراء وبئر بني سحيم. وطرفة بكري وائلي من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وقد ذكر طرفة بلدة ملهم أيضاً التي اشتهرت بنخلها، حيث يقول:
تظل نساء الحي يعكفن حوله
يقلن: عسيب من سرارة ملهما
وبعد مرور الزمن وتعاقب الأجيال تغيَّر اسم بلدة غبراء إلى العودة، ومن ثمَّ إلى الدرعية التي أصبح لها شأن كبير قبل وبعد نصرة الإمام محمد بن سعود، رحمه الله، لدعوة التوحيد.
الدرعية قبل نصرة دعوة التجديد
في القرن الحادي عشر الهجري، وقبل نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بمائة سنة، اعتبر الجغرافي العثماني أبوبكر الدمشقي (توفي 1102 هـ) مؤلف كتاب «مختصر الجغرافيا الكبير» – مدينة الدرعية – بلدة محورية مركزية في إقليم اليمامة.
واختصها بالذكر حيث قال إنَّ قصبة الدرعية تقع في أعلى وادي حنيفة، وشيوخها يسمون آل مريد. ونسب لها معظم مسافات الطرق بينها وبين بلدان إقليم اليمامة وعالية نجد. وذكر أنَّ الدرعية تقع على طريق الحاج القادم من الشرق ومن الأحساء. انظر كتاب «مختصر الجغرافيا الكبير» الصفحات (282-287).
كل هذه الإشارات الجغرافية لمدينة الدرعية، إضافة إلى الوثيقة العثمانية المؤرخة في عام 981 هجرية إبان إمارة – جد الأسرة الكريمة آل سعود – إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي، التي تسلط الضوء على الدور التاريخي التي تولته الدرعية في تأمين الحجاج والسابلة، وتوحي للباحث بتنامي أهمية الدور السياسي والأمني لإمارة الدرعية في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين.
مؤرخون وتاريخ
أمّا تاريخ الدرعية الجهادي، بعد قيامها بنصرة دعوة التوحيد وبذلها للغالي والنفيس، والتضحية في سبيل الدعوة بالنفس والمال والولد، بقيادة الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله، فقد تناوله جمع غفير من المؤرخين العرب، والمسلمين، والغربيين بدءاً من نيبور وحسين بن غنام وعثمان بن بشر وإبراهيم بن عيسى، حتى زمن عبد الله فيلبي وعبدالله بن خميس ومحمد الفهد العيسى، وكوكبة أخرى من المؤرخين والباحثين.
وممّا يدلل على ضخامة التضحيات في تاريخ الدرعية الجهادي فقدان الإمام محمد بن سعود اثنين من أبنائه في معارك المرحلة الأولى من تأسيس الدولة السعودية الأولى هما فيصل وسعود. وبهدف ضم مدينة الرياض التي أصبحت عاصمة الدولة السعودية الثانية، فيما بعد تكلّفت الدرعية خلال عشرين عاماً من الجهاد والتضحية خمساً وثلاثين غزوة لضم الرياض.
وبين عامي (1157-1232 هجرية) بلغت رقعة الدولة السعودية الأولى في الجزيرة العربية من بادية الشام والعراق شمالاً حتى الربع الخالي واليمن جنوباً ومن الساحل الشرقي وعمان شرقاً حتى الساحل الغربي.
تخريب الدرعية: في عام (1232هـ) تداعت قوى إقليمية وذلك بقيادة محمد علي باشا حاكم مصر الذي سخَّر جيشاً جراراً مؤخرته في مصر ومقدمته في نجد وبدعم مادي قوي من الدولة العثمانية لمحاربة الدولة السعودية الأولى. وقد ارتكب الجيش الغازي عدة مجازر في نجد أدت إلى سقوط الدرعية وهدمها. ولكن الله أراد نهوض الدولة السعودية الثانية بقيادة وحكمة الإمام البطل تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود مؤسِّس الدولة السعودية الثانية الذي اختار مدينة الرياض عاصمة للدولة ومقراً للحكم فيها.
المشروع السياحي لبوابة الدرعية
لا بدَّ من التنويه أنه في يوم 20 يوليو 2017م، وافق الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على إنشاء هيئة تطوير بوابة الدرعية.
ومشروع بوابة الدرعية، مشروع سياحي ثقافي حيوي ضخم يقام على مساحة 1.500.000م2، يضم أكبر متحف إسلامي في الشرق الأوسط، وسيشمل مدينة طينية متكاملة تضمُّ مكتبة الملك سلمان، إضافة إلى أسواق ومجمعات تجارية ومطاعم ومواقع احتفالات.