4,421 عدد المشاهدات
الكاتب : حسين درويش
أمضى المخرج والممثل والمؤلف المسرحي الكويتي صقر الرشود، في الإمارات قرابة عشرة أشهر كانت كافية ليضع بصمته كمسرحي قدير على الحركة المسرحية الإماراتية، حيث أرسى قواعد أساسية في الحياة المسرحية منذ وصوله إلى الإمارات في مارس 1978 وحتى رحيله في 25 ديسمبر 1978 إثر حادث سير.
واجه الرشود فى مسيرة حياته القصيرة أزمة شخصية بسبب وفاة ابنه “نضال” عام 1969، ثمَّ كانت المأساة الثانية بفقده ابنه الثاني “فراس” عام 1975 أثناء استعدادات المسرح الأهلي لعرض مسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفة) فى مهرجان دمشق، وقد سافر فى نفس يوم وفاة ابنه وقدم مسرحيته مع رفاقه دون علم منهم بما حدث إلا بعد انتهاء العرض
وفى 25 ديسمبر 1978 تعرَّض الرشود لحادث سيارة تسبب فى وفاته عن عمر يناهز السابعة والثلاثين، وترك ثلاث بنات وولداً واحداً (سلمان توفي عام 2008) وفقد المسرح الكويتي والخليجي والعربي برحيل صقر الرشود، واحداً من أنشط الذين عملوا فى هذا الحقل. وتمَّ دفنه فى الكويت واشترك فى تشييع جثمانه نخبة من رفاق دربه وعشَّاق فنه وقد تقدَّم موكب التشييع الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح
10 أشهر
لم تكن فترة عمل صقر الرشود في الإمارات طويلة (كان خبيراً لشؤون المسرح فى وزارة الإعلام) كما أنه لم يترك إبداعات مسرحية مكتوبة، جراء انشغاله بتعرُّف التربة المسرحية المحلية عبر أسماء المسرحيين المحليين والفرق المسرحية الناهضة في بقعة جغرافية متعطشة لعموم الثقافة وفي مختلف الحقول، ومازال حضور صقر الرشود يسحب ظلاله على واقع المسرح المحلي إلى اليوم، ومازال المسرحيون في الإمارات يرفعون القبعة له عالياً.
يذكر أنَّ وزارة الإعلام في الإمارات العربية المتحدة استقدمت، عدداً من المخرجين المسرحيين العرب، الذين أثروا الساحة خلال فترة عملهم التأسيسية المهمة، منهم: خليفة العريفي، عبدالكريم عوض، فاروق أوهان، فاضل الزعبي، الريح عبدالقادر، الأمين جماع، يحيى الحاج، فتحي دياب، إبراهيم جلال وصقر الرشود، الذي كان واحداً من المسرحيين العرب القلائل الذين تصدوا لنقد الواقع الاجتماعي بكل جرأة وحرفنة من خلال فهمه لمعطيات المسرح، وخاصة أنه كان مخرجاً لجميع ما قام بتأليفه من مسرحيات.
سندباد المسرح
ولد صقر الرشود في 11 يونيو 1941 في منطقة شرق بالكويت، وقد قضى طفولته متنقلاً بين عدد من الدول فغادر إلى البحرين والهند وباكستان والسعودية، تلقى تعليمه في السعودية في المدينة المنورة عام 1950 واستقر فيها مع عائلته هناك، وفي عام 1956 عاد إلى الكويت والتحق بكلية الصناعة ولكنه تركها، وفي عام 1967 حصل على الشهادة المتوسطة بعد عودته إلى الدراسة، ثمَّ حصل على الشهادة الثانوية من البحرين في عام 1969، والتحق بجامعة الكويت قسم العلوم السياسية وحصل على شهادته الجامعية في عام 1974 بتقدير جيد جداً.
لعب الرشود دوراً بارزاً في المسرح الكويتي تلك الفترة، حيث أخرج وألَّف ومثَّل 23 مسرحية، وقد شارك صديقه المسرحي الكويتي عبد العزيز السريع في تأليف مسرحية «بحمدون المحطة»، وإضافة إلى المسرح، كان يعمل في وزارة التربية والتعليم، ثمَّ وزارة الإعلام في الكويت، وقد قام بكتابة أول مسرحية كويتية غير ارتجالية في عام 1960 وهي مسرحية “تقاليد” التي تعدُّ أول مسرحية مكتوبة بعد التخلي عن المسرح الارتجالي.
بصمة واضحة
وأثناء وجوده في الإمارات قدَّم العديد من الأعمال المسرحية من بينها: “شمس النهار” في إمارة أبوظبي، وأخرجها بناءً على دعوة من عبدالرحمن الصالح، وكانت المسرحية الأولى التي تُبَثُّ على الهواء مباشرةً على شاشة تلفزيون أبوظبي، كما قدَّمها مع مسرح الشارقة الوطني أثناء وجوده في الشارقة، وكذلك مسرحية “السندباد” التي قدمتها فرقة مسرح الإمارات القومي، مثلما قدَّمت له أيضاً “الأول تحول”. ومن بين أعماله التي اشتهر بها على نطاق عربي واسع، مسرحية “حفلة على الخازوق” التي أعاد إخراجها أكثر من مرة، و”علي جناح التبريزي وتابعه قفة” التي حازت جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان دمشق المسرحي الخامس عام 1975، وهي مسرحية مصرية من تأليف الكاتب المصري الراحل الفريد فرج، وقد عرضت أول مرة على خشبة المسرح القومى بالقاهرة عام 1969، وقد كان طاقم العمل بها مكوناً من عبد المنعم إبراهيم، أبوبكر عزت، فيفى يوسف، مجدى وهبة، مكرم المصرى، عبد الغنى ناصر، عبد الوهاب خليل ، عبد الهادى انور وقام بأخراجها محمد أبو الفتوح و سعد اردش .ومُثلت مرة أخرى في الكويت من قبل فرقة مسرح كويتية وعرضت في الكويت عام 1975 وكانت من بطولة غانم الصالح ومحمد المنصور وسعاد عبد الله وإبراهيم الصلال ومريم الغضبان، ومن إخراج صقر الرشود، واحتلت المسرحية وكاتبها مكانة في الخليج العربي، وتتناول المسرحية شخصيتان من شخصيات ألف ليلة و ليلة صاغ منهما المؤلف قصة مستقلة ليعالج بها غرضاً معيناً. وكان صقر قد حاز جائزة أفضل مخرج مسرحي في دورة سابقة من المهرجان نفسه.
شغف مبكر
ويعود شغف الفنان الرشود بالمسرح إلى بدايات عام 1958، حيث أخذ يتردد على مسرح محمد النشمي الذى كان يقدِّم المسرحيات بصورة مرتجلة، وهو لم يتجاوز الـ17 عاماً. وعندما بلغ 19 عاماً بدأ أولى خطواته المسرحية بكتابة مسرحية (تقاليد) للمسرح الشعبي، وذلك فى عام 1960. وكانت مسرحية (تقاليد) أولى أعماله المكتوبة حيث سجَّلت نهاية المسرح المرتجل، وقد تولَّى الرشود إخراج المسرحية أما دور البطولة فقد اضطلع به الفنان الراحل النشمي.
وسعى الرشود إلى تشكيل فرقة مسرحية خاصة به، وتعاون معه نخبة من زملائه بتأسيس فرقة المسرح الوطني حيث قدَّم الرشود ثاني أعماله وهى مسرحية (فتحنا) عام 1962، إلا أنَّ الفرقة انتهت بعد تقديم هذا العمل. وفى عام 1963 شارك الرشود فى تأسيس مسرح الخليج العربي، وقدَّم له كلَّ جهده وفنه، حيث كان المؤلف والمخرج والمعد لأعماله طوال سنوات التأسيس.
من أبرز أعماله الإخراجية: بحمدون المحطة، الأسرة الضائعة، الخطأ والفضيحة، أنا والأيام والجوع، المخلب الكبير، الطين، لمن القرار الأخير، بخور أم جاسم، الجرة الأول تحول، شياطين ليلة الجمعة، حفلة على الخازوق، علي جناح التبريزي، شمس النهار، عريس بنت السلطان، و”4،3،2،1 بم”، وهي من تأليف عبدالعزيز السريع، عرضت على مسرح كيفان، وشاركت في مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 1972، وهي من إنتاج موسم فرقة مسرح الخليج العربي وعرضت مرة ثانية في بداية عام 1979. تصدت المسرحية لمشكلة الصراع بين المحافظة على العادات والتقاليد القديمة، وبين التغير الاجتماعي ومواكبة الواقع ومعاصرة التقدم والتطور الحضاري.
ازدهار الحلم
كان المسرح فى عهد صقر الرشود زاهراً، والفرق المسرحية الكويتية تقدِّم عروضها فى العواصم والمدن العربية، واستطاعت فرقة مسرح الخليج العربي أن تعرض مسرحية (الحاجز) فى القاهرة عام 1966 و(نعجة في المحكمة) و(بخور أم جاسم) في البحرين عام 1970 و(الدرجة الرابعة) في دمشق والقاهرة عام 1971 و(1.2.3.4 بم) فى البحرين والإمارات ودمشق عام 1972 و (شياطين ليلة الجمعة) في مهرجان المغرب المسرحي عام 1974 ومسرحية (الواوي) فى الإمارات والبحرين وقطر عام 1976 و(حفلة على الخازوق) في مهرجان دمشق المسرحي عام 1977، ثمَّ في القاهرة فى العام التالي، ومسرحية (عريس لبنت السلطان) ضمن الأسبوع الثقافي الكويتي فى كل من الجزائر وليبيا عام 1978.
وفي شهادة للأديب المصري الراحل يوسف إدريس وردت في سلسلة مقالات حواها كتاب له عنوانه «شاهد عصره» تحدَّث إدريس بإعجاب شديد عن النهضة المسرحية في الكويت آنذاك، والدور التنويري الذي يضطلع به المسرح، متوقفاً، خاصة، أمام اسم ودور صقر الرشود، حيث أشار إلى مسرحية «الطين أو الإسمنت» من تأليف الرشود الذي وصفه بأنه «شاب لم يتعدَّ الثلاثين ممتلئ بالحيوية والحماس، شديد التطلع والطموح».