الأعمال الخيرية الكويتية قديماً في المناسبات الموسمية

Business الخليج العربي مجلة مدارات ونقوش – العدد 4

 2,123 عدد المشاهدات

عرف المجتمع الكويتي، كسائر بلاد العرب والمسلمين منذ قديم الزمان، بصفات عديدة، تنوَّعت بين حبه للخير، وتمسُّكه بعاداته وتقاليده، وتميُّزه بتماسك أفراد مجتمعه وإيثار بعضهم بعضاً، رغم قساوة الحياة التي مروا بها آنذاك. ولربما سيتجلى ذلك بوضوح في هذا الكتاب الذي اخترناه لكم تزامنا مع شهر رمضان المبارك، والذي يحمل عنوان: “الأعمال الخيرية في الكويت قديماً في المناسبات الموسمية (شهر شعبان – شهررمضان – الحج – الأعياد) للدكتور خالد يوسف ربيع الشطي، الصادر عن مكتبة الكويت الوطنية سنة 2013.

مع قراءتنا لهذا العنوان المفصَّل، يدعونا الفضول إلى التساؤل: كيف يعيش الكويتيون طقوس المواسم الدينية المختلفة؟ وهل ممارساتهم الدينية وعاداتهم الاجتماعية التي كانت قديماً، لا تزال بنفس الروح والأسلوب، أم تغيَّرت مع التغيُّرات العديدة التي تطرأ على المجتمعات في كل لحظة وحين؟

اعتاد أهلُ الكويت تقديمَ كثيرِ من الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية في المناسبات الموسمية التي يزداد فيها الأجر والثواب، ويتأكَّد فيها عمل الخير وتقديم العون؛ إذ في شهر شعبان يتهيأ الكويتيون للاستعداد لشهر رمضان المبارك؛ فيقدِّمون المساعدات للأسر المحتاجة والمتعففة، لتهيئتها لاستقبال شهر الصوم والعبادة، ويتنافسون على العطاء والبذل وإخراج الزكاة والصدقات في هذا الشهر المبارك، ويزداد عطاؤهم في عيد الفطر لإيصال الفرح والسرور في قلب الكبير والصغير.

ثم تلي شهر رمضان أشهر الحج الثلاثة؛ وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، فيقدم أبناء الكويت المساعدات لإرسال الحجاج غير المقتدرين ماليًّا إلى الحج، ويتقربون إلى الله في الأيام الفاضلة من العشر الأوائل من شهر ذي الحجة بالعمل الصالح وتقديم المساعدات، كما لا يفوتهم تهيئة الأسر المحتاجة لاستقبال عيد الأضحى المبارك. ولا توجد مناسبة أو نكبة تمرُّ بها الكويت أو الأسر الكويتية إلا وتجد أبناء الكويت يقدمون فيها الدعم والعون، مؤكدين حبَّهم لفعل الخير وخدمتهم للمحتاجين. ومن أبرز المناسبات التي يولون لها اهتماماً خاصًّا:

– شهر شعبان، وهو الشهر الذي يسبق شهر رمضان المبارك، والذي يُضَاعَفُ فيه السعي وراء الأجر والثواب، والشهر الذي يتهيأ فيه المسلمون لاستقبال شهر رمضان. واعتاد أهل الكويت صيام العديد من أيام شهر شعبان، فقد سُئِلَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن فضل الصيام في شهر شعبان فقال: “ذلك شهر تُرْفَعُ فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأُحِبُّ أن يُرْفَعَ عملي وأنا صائم”.

ولقد قام أهل الكويت قديماً بتنفيذ أعمال خيرية كثيرة في شهر شعبان، من بينها إخراج زكاة الأموال التي تعدُّ الركن الثالث من أركان الإسلام، وهذا الركن ليس له وقت محدد في العام، ولكنَّ المسلم الذي لديه أموال وبلغت النصاب وجبت عليه الزكاة، ولأنَّ شهر شعبان مقدمة لشهر رمضان، الذي يتهيأ فيه المسلمون لاستقباله، فإنَّ عدداً من تجار الكويت قديماً كانوا إذا دخل شهر شعبان أخرجوا زكاة أموالهم للفقراء والمحتاجين، لتكون لهم عوناً باستقبال شهر رمضان المبارك، لشراء المواد الغذائية والملابس، وسداد ديونهم، وقضاء حاجاتهم استعداداً للشهر الكريم.

وتوزَّعُ الزكاة بطرق مختلفة؛ فمنهم من يتجه بها إلى المسجد ليستقطب المحتاجين والفقراء ويقوم بتوزيعها عليهم، ومنهم من يوزعها على أرحامه وأهله وجيرانه، ومنهم من يوزعها في ديوان منزله في وقت محدد، ومنهم من يوزعها في محله التجاري على الرجال والنساء، ويأخذ الرجل روبيتين، وتأخذ المرأة روبية كما هو متعارف عليه عند تجار الكويت في ذلك الوقت.

يقوم أهل الكويت أيضاً بتجهيز المساجد وتهيئتها وترميمها وتوفير احتياجاتها قبل قدوم شهر رمضان، فيوفِّرون المصاحف والكتب والماء والسجاد والطيب والبخور والإنارة استعداداً لهذا الشهر العظيم الذي تمتلئ فيه المساجد بالمصلين في الصلوات الخمس وصلاة التراويح وقيام الليل.

كما يحرص الكويتيون على إحياء ليلة النصف من شعبان، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل هذه الليلة فقال عنها: “يَطَّلِعُ الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”. وكان أهل الكويت قديماً يسمونها “ليلة الناصفوه”، يقدمون فيها طعام العشاء التماساً للأجر والثواب، ويقرأ فيها الرجال القرآن، ويصلون كثيراً، ويقدمون الصدقات، ويتبرعون بالأوقاف الخيرية، وتسهر الناس في هذه الليلة حتى الصباح، ويطوف البنات الصغيرات على البيوت يَطْلُبْنَ تقديم بعض المأكولات والمكسرات لهن، وكنَّ يُرَدِّدْنَ بصوتٍ عالٍ بين البيوت هذه الأهازيج:

ناصفوه ناصفوه 

    يا الله سلم ولدهم
ناصفوه ناصفوه

      يا الله خله لأمه
ناصفوه ناصفوه

     عسى البقعة ما تخمه
ناصفوه ناصفوه

      ولا توازي على أمه

ناصفوه ناصفوه

      وعساكم تعودونه

وبعد ليلة النصف من شعبان، يبدأ الاستعداد في اليومِ الذي بعده لشهر رمضان المبارك والتجهيز له، فتقومُ النساء بغسل الملابس في البحر وترتيبها في البيت، والقيام بدق الهريس، لئلا يَنْشَغِلْنَ في شهر رمضان بمثل هذه الأمور، وليتفرَّغوا للعبادة في رمضان بقراءة القرآن وصلة الأرحام والصلاة والعبادات.

يوم “القريش” هو كذلك من المناسبات العظيمة عند الكويتيين، ويصادف اليوم الثلاثين من شعبان، حيث يجتمع أهل البيت لأكل وجبة الفطور صباحاً توديعاً لشهر شعبان وأيام الفطر، وابتهاجاً بقدوم شهر رمضان المبارك. وَسُمِّيَ هذا اليوم بالقريش أو الكريش، ويعني السخاء، حيث يكركش الناس؛ أي يسمعون صوت النقود، ويشترون ما لذَّ وطاب من أنواع الفواكه والحلويات للأطفال، كما تُعَطّلُ المدارسُ، وتضعُ النساءُ الحناءَ، وتُبَخَّرُ الغرفُ وتُكْنَسُ المنازلُ، وتحضَّرُ الأواني الخاصة بأكل رمضان، وتقوم فرقة نسائية بالطواف على منازل الشيوخ والتجار، وهن يغنين أغنية الكريش ليحصلن على القمح، وكلماتها:

أمس الضحى مرنا المحبوب

      ليلة سعد يوم لاقاني
قلنا وش عناك 

       قال عليك يا شوق ولهانِ

القريش عندكم مذكور

       يعني له الضيف والعاني

-شهر رمضان المبارك: هو الآخر يحمل الكثير من الأعمال الخيرية عند أهل الكويت، والتي يقومون بها تقرباً إلى الله َّعز وجل، ويجودون بالزكاة والصدقات والأوقاف والأثلاث والوصايا الخيرية وعامة الصدقات؛ فالجميع يفرحون بقدوم شهر رمضان، حيث يذهب الأطفال عصراً إلى مدفع الإفطار لرؤيته، ويستقبلون رمضان بالتهليل والزغاريد، ومن بين عاداتهم أيضاً:

إفطار الصائمين؛ إذ تعوَّد أهل الكويت، ولا يزالون، على إفطار الصائمين، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء″. وكان إفطار الصائمين في شهر رمضان على أشكال عدة؛ فمنها ما يكون في المساجد، ومنها ما يكون في الدواوين، ومنها ما هو موجود في البيوت، كما يوجد من يفطر في بيوت الوقف المخصصة لعابري السبيل، ولا ترتاح النفس إلا إذا أخرجت الزكاة لمن لم يخرجها في شهر شعبان، وإخراج الصدقات وقراءة القرآن وتوزيعه ونشره، وتوزيع الأطعمة والحلويات على الأهل والجيران، دون أن ننسى “النافلة” التي اهتم أهل الكويت بالقيام بها، وهي عبارة عن توزيع الطعام في ليلة الجمعة، كل يوم خميس، وهي عادة اجتماعية حميدة بالنسبة إليهم.

وتكثر الزيارت في رمضان، ويزداد التواصل بين الأرحام اقتداءً بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَه”.

صلاة التراويح

صلاة اعتاد أهل الكويت أداءها بعد صلاة العشاء مباشرة في المساجد وهي كذلك في باقي الدول الإسلامية؛ إذ تمتلئ المساجد بالمصلين من الصغار والكبار وحتى النساء، أمَّا ليلة السابع والعشرين من رمضان فقد جرت العادة أن يقوم جَمْعٌ من المحسنين بتحمُّل نفقاتها وداعاً لرمضان، في عدد من المساجد، وذلك قبل انصرافه بيومين أو ثلاثة، يحضرون أحد القراء ليقرأ لهم دعاء ختمة رمضان، ويحضر المناسبة جمعٌ كبير من رجال الحي وكباره شيباً وشباباً، وحتى النساء يحضرن إلى المسجد ويجلسن في معزل خاص للاستماع، وأثناء القراءة توزع عليهم المشروبات والقهوة تبرعاً من أهل الحي والمحسنين، ثم يغادرون المسجد مع لوعة شديدة لفراق شهر رمضان.

ومن عادات أهل الكويت الجميلة كذلك عادة “القريقعان”، تبدأ ليلة الرابع عشر من رمضان وتستمر حتى ليلة الخامس عشر، حيث يكتمل القمر ويشعُّ نوره في الأحياء والسكك، ويقوم الأولاد بالطواف بعد المغرب بين البيوت لجمع المكسرات والحلويات التي تدخل السرور والبهجة عليهم، وتردد الفتيات أنشودة جميلة هي:

قرقيعان قرقيعان

         بيت قصير برميضان
عادت عليكم صيام

        كل سنة وكل عام
يا الله سلم ولدهم

        يا الله خله لأمه
عسى البكعة ما تخمه

       ولا توازي على أمه
عطونا الله يعطيكم

       بيت مكة يوديكم

يا مكة يا المعمورة

       يا أم السلاسل والذهب والتنورة

أما الأولاد فيرددون أهزجة  قصيرة هي:

سلم ولدهم يا الله، خله لأمه يا الله

فالقريقعان نوع من أنواع العطية والهدايا للأولاد، لتحفيزهم وتشجيعهم على الصيام وتحبيبهم في شهر رمضان.

وتأتي أشياء أخرى كثيرة، لكل وقتها وطقوسها، ومنها صلاة القيام في العشر الأواخر من رمضان، وإخراج زكاة الفطر بعشرة أيام قبل العيد أيضاً، وتوفير الكسوة للفقراء والمحتاجين، وإخراج عيدية الفقراء والأطفال والأيتام والذين سافر آباؤهم، كما يُعْرَفُ أهلُ الكويت بعادة حميدة هي إخراج السُّجناء بدفع ما عليهم من ديون ومساعدة الغارمين.

فيأتي عيد الفطر، ويتجهز الناس لصلاة العيد بالاغتسال والتطيُّب بالبخور، ولبس الملابس الجديدة، ويأكلون تمرات مع قليل من الماء، ويتوجهون إلى المساجد، وبعد الصلاة تبدأ التهاني والتبريكات بين الناس والأهل والجيران بالقول: “العيد عليك مبارك، أو عساك من عايده، أو يعلك من عايد العيد، أو تقبل الله طاعتك”. وبعد الانتهاء من التبريكات يتجه الناس إلى قصر السيف لتهنئة أمير البلاد بالعيد، ولا تكتمل فرحة العيد بعدها إلا بتوزيع “العيديات” على الأطفال ولعبهم ورؤية الفرحة في أعينهم.

بعد الاستراحة من مشقة الصوم، يستعدُّ الكويتيون لموسم الحج الذي يعدُّ رحلة أخرى شاقة مدتها ثلاثة أشهر عبر الجمال، أو عبر البحر من خلال السفن الخشبية التي تنتقل من الكويت إلى جدة عبر الخليج العربي، ثمَّ البحر الأحمر إلى ميناء جدة.

يقوم المحسنون بتقديم المساعدة لمن يرغب في الذهاب إلى الحج، وتحمُّل نفقاتهم أو الحج عن الغير، ودفع تكاليف الحج عن الغير، وتطوُّع أصحاب الحملات لتسيير حملات حج خيرية، وتطوُّع الحجاج للعمل الإداري في الحملات، وإرسال إحرامات وأغراض الحجاج، وإرسال الصدقات والزكاة لتوزيعها في الطريق وفي مكة المكرمة، والكثير من المساعدات الجليلة التي من شأنها أن تيسِّر هذه الرحلة التي يحلم بها الكبير والصغير، ناهيك عن الكثير من المناسبات الدينية الأخرى التي يحرص أبناء الكويت على إحيائها والمحافظة عليها، مثل صيام ستة أيام من شوال، وعاشوراء، والاحتفال بالإسراء والمعراج وغيرها.. إنها ممارسات اجتماعية تعكس طابع الحياة لديهم، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدين الإسلام، وبِسُنَّةِ رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وكذلك بالعادات الموروثة.  تلك الحياة التي تلتقي مع حياة أبناء الجزيرة العربية، وتتشابه معها في الحفاظ على كل ما يدعو إلى التماسك الاجتماعي والتضامن العضوي بين أفراد المجتمع، ويجعل منها بيئة محافظة بامتياز على رونق الماضي في عصر الحداثة.