الرحلة السرية للضابط الروسي عبد العزيز دولشتين إلى مكة المكرمة

الخليج العربي المستجدات ١ معارف

 2,056 عدد المشاهدات

هذه نبذة عن تقرير أعده ضابط روسي مسلم يُدعى عبدالعزيز دولشتين أرسلته حكومته لكتابة تقرير سري عن أوضاع الحج لأغراض استخباراتية وقد حالفه الحظ فنجح في مهمته وكان قبله رحالة روس فتكت بهم الأمراض هناك ولم يعودوا كالضابط الروسي عباس قولي آغا باقي خانوف الذي مات بسبب الكوليرا ودفن في وادي فاطمة عام ١٨٤٦.

نعود لعبدالعزيز الذي ولد في ٢٤ يونيو ١٨٦١ في عائلة ضابط في الجيش الروسي. وكانت هذه العائلة التترية المحترمة تتمتع بتأثير كبير بين أبناء قوميتها ؛ وقد شغل والد المؤلف مناصب هامة في إدارة مناطق الأورال الجنوبية في روسيا. وعلى الرغم من انتماء والده إلى فئة النبلاء ومهنته العسكرية لكنها لم تؤثر سلبا في روح التقوى الإسلامية السائدة في عائلته.
بعد تخرج عبدالعزيز من مدرسة الامبراطور بافل العسكرية المتميزة في بطرسبورغ ، خدم خمس سنوات في قلعة دينابورغ غير بعيد عن دفينسك ، وتعلم في سنوات ١٨٨٧ ـ ١٨٩٠ في صفوف اللغات الشرقية لأجل الضباط لدى الدائرة الآسيوية في وزارة الخارجية.
وأمام الضابط المسلم الشاب عبدالعزيز الذي اتقن اللغات العربية والتركية والفارسية والإنجليزية والفرنسية مع لغته الأم واللغة الروسية ، انفتحت آفاق رائعة أمامه للترقي في الميدان العسكري والديبلوماسي الروسي. ولكن دولتشين ، بحكم طبعه ، لم يسع وراء الوظائف العالية فرحل بهدوء من بطرسبورغ إلى وظيفة غير كبيرة في أعماق آسيا الوسطى ، في ناحية قره قلعة ، غير البعيدة عن عشق آباد. وأثناء إقامته هناك سبع سنوات ، تفهّم جيدا القضايا التي تشغل بال الناس القاطنين في الأراضي الخاضعة لإدارته ، وامتلك ناصية اللهجات المحلية ، وبحكم عمله ، تقابل غير مرة مع رئيس مقاطعة ما وراء قزوين أ. ن. كوروباتكين الذي سرعان ما صار وزيرا للحربية. وقدّر كوروباتكين كفاءة النقيب المسلم. وهناك جملة من الوقائع توحي بأنه نشأت بينهما علاقات صداقة ؛ وعندما وردت مسألة ضرورة ترشيح ضابط في الجيش الروسي لأداء فريضة الحج وتفهم ما إذا كانت هذه الممارسة تشكل خطرا على مصالح روسيا العسكرية والسياسية في الشرق ، تذكره كوروباتكين ورشحه لهذه المهمة وشعر دولتشين أن إمكانية إداء فريضة الحج هي منحة من الله ، ومهمة المأمورية كفرصة لمساعدة الآلاف من إخوانه في الإيمان ، من المسلمين من رعايا روسيا ، مساعدة فعلية من أداء فريضة الحج ، الأمر الرئيس على الأغلب في الحياة الروحية لكثيرين منهم ، وأدائها في ظروف وشروط لائقة بالبشر. ومع ذلك ظل من رعايا الامبراطورية الأوفياء.
قامت السلطات الروسية بإرسال عبدالعزيز إلى أراضي الحجاز بشكل سري؛ لجمع معلومات وتقارير عن مشاهداته للعالم الإسلامي، بجانب أدائه لفريضة الحج التي كانت بين عامي 1898 و1899، وقد استفاد دولتشين في عمله من مصادر متنوعة باللغات العربية والتركية والاوروبية ، فضلا عن ملاحظاته ومراقباته الشخصية. وعلاوة على المعلومات المفصلة عن الحج عموما ، بما في ذلك ترجمة آيات من القرآن تتحدث عن الحج إلى مكة ، ووصف المراسم والشعائر بالتفصيل ، حلل دولتشين بدقة وعناية القضايا المتعلقة بحج المسلمين من رعايا روسيا وكذلك بالحجاج من الدول الأخرى ، وتناول الوضع الصحي الوبائي في الحجاز ، وساق قائمة الإجراءات الصحية ، الضرورية برأيه ، وأعطى وصفا مفصلا عن مكة والمدينة وسبل الحجاج. إن باب «معلومات أولية عن الحجاز» ينطوي على معلومات في غاية التنوع من وصف النباتات والحيوانات إلى مواد تتعلق بالميزانية والتقسيم الأداري. وتضمن «التقرير» معلومات طريفة ومفيدة ذات طابع عسكري وسياسي واثنوغرافي وتاريخي واقتصادي تتعلق بالجزيرة العربية والحج في أواخر القرن التاسع عشر. كذلك عكس «التقرير» جملة من القضايا التي اثارت الاضطراب بين المسلمين من رعايا روسيا. ومن هذه القضايا ، الدعاية لنزوح المسلمين من روسيا إلى البلدان الإسلامية. وبتأثير هذه الدعاية نزح ، مثلا ، من القرم إلى تركيا ، مئات الناس.

9966565


بعد العودة ، أعد دولتشين خلال بضعة أشهر «التقرير» للطبع.وحكى الضابط في تقريره تفاصيل تكليفه بالمهمة، وكيف كان الحج مصدراً لانتشار الأوبئة والطاعون خصوصاً، والتيفوئيد والكوليرا المشؤومة على حد وصفه، ويضيف: كانت السلطات الروسية تعد العائدين من الحج كابوساً مرعباً بسبب هذه الأمراض ومما جاء في هذا التقرير:

وباء فتك بالحجاج


ذكر عبدالعزيز في تقريره أن أشهر الأوبئة التي أصابت موسم الحج كان سنة 1831، وجاء من الهند إلى الحجاز ومات بسببه ثلاثة أرباع الحجاج، ونشب الوباء التالي سنة 1834، ثم سنة 1837، وسنة 1840، ثم عاثت الكوليرا فساداً طوال خمس سنوات على التوالي من سنة 1846 حتى 1850، ثم أطل الوباء برأسه مجدداً في سنة 1865 وكذلك فيسنة 1883.

نهب وسلب

وقد رصد التقرير أيضا معاناة الحجاج الكبيرة من عمليات النهب والسلب والتي يقوم بها بعض سكان البادية وأسماهم “البدو”، ويتحدث عن اعتداءاتهم على القوافل، كما وصف المقاومة المسلحة التي تُبديها بعض القبائل لمرور القوافل في أراضيها.

المصدر :
الرحلة السرية للعقيد عبدالعزيز دولتشين إلى الحجاز