مقتل 4 مواطنين من أبوظبي عام 1903على يد 3 أشقاء من مدينة طاحونة

block-2 الإمارات مجلة مدارات ونقوش – العدد 16 - 17

 1,298 عدد المشاهدات

إعداد وترجمة: فاطمة بنت ناصر*

 

رحلة مجهولة محفوفة بالمخاطر
رحلة مجهولة محفوفة بالمخاطر

 

في عام 1903 ركب 4 من صيادي اللؤلؤ الإماراتيين البحر على متن مركب الداو، غير أنَّ صاحب العمل استأجر 5 من الصيادين كعدد إضافي في موسم جمع اللؤلؤ. هؤلاء الرجال الإضافيين ينتمون إلى منطقة تسمّى “طاحونة” أو “تاوونة” في بر فارس الذي كانت تحكمه قبائل عربية لكنها تابعة للحكومة الفارسية إدارياً. ثلاثة من هؤلاء الخمسة كانوا إخوة، وكانت النية مبيتة لديهم لقتل الصيادين الأربعة والهروب باللؤلؤ الذي جمعوه إلى منطقة “طاحونة”.

 

تفاصيل الجريمة:

سنة وقوع الجريمة: 1903

نوع الجريمة: قتل مع سبق الإصرار والترصد

موقع الجريمة: في عرض البحر في موسم صيد اللؤلؤ 

الضحايا: 4 مواطنين يعملون في صيد اللؤلؤ من رعايا الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان الذي دامت فترة حكمه من (1855-1909).

القتلة: 5 من مواطني منطقة طاحونة الواقعة في بر فارس (إيران حالياً) بالتعاون مع شيخ المنطقة. ثلاثة من القتلة إخوة، ويرمز إليهم بالأحرف الأولى من أسمائهم: م – غ – أ.

مطالبات الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان (1855-1909)

وقعت الجريمة في عهد الشيخ زايد بن خليفة، الذي قام فور علمه بها في يناير 1903 بمخاطبة المقيم السياسي البريطاني وإعلامه بكافة تفاصيل الحادثة، والتي كانت، كما يبدو من الوقائع، مع سبق الإصرار والترصد؛ فالمجرمون بعد قتل الصيادين الأربعة قاموا بأخذ كل ما تمَّ جمعه من لؤلؤ والذي تقدر قيمته بنحو 2000 إلى 3000 دولار، وتقاسموه مع شيخ منطقة طاحونة. وتذكر الوثائق أنَّ الإخوة الثلاثة «م – غ – أ» هم من قاموا بالجريمة، أمّا البقية وعددهم اثنان لم يكن لهما أيُّ دور في عملية القتل. وتذكر التقارير البريطانية أنه على الرغم من رسالة الشيخ زايد المبعوثة في يناير من عام 1903 فإنَّ السلطات المحلية في بلاد فارس لم تقم بأيِّ تحرُّك تجاه هذه القضية حتى شهر مايو 1903، ما حدا بالسلطات البريطانية إلى إخطار حكومة جلالة الملكة بالهند بأمر هذه الحادثة، وذلك برسالة مؤرخة بتاريخ 22/5/1909. بعد هذه الرسالة ردّت السلطات الفارسية أخيراً بقولها إنَّ منطقة طاحونة يديرها قوّام الملك وهو المسؤول عنها وعلى السلطات البريطانية مخاطبة حكومة فارس وإخطارها بتفاصيل القضية. وبالفعل تمَّ مخاطبة الحاكم العام لفارس علاء الدولة (Ala-ed Dowleh) وتخويله لأمر السلطات التابعة له لمتابعة القضية وعرضها أمام العدالة.

بعد مماطلة وتأخير ردَّ قوّام الملك المسؤول عن منطقة طاحونة برسالة للمسؤول البريطاني في 10 / 11 1909 ينقل فيها رسالة نائب منطقة بستك – Bostak يقول فيها إنه تمَّ القبض على المتهمين بالقضية، وهم ينكرون ما ينسب إليهم. ويقترح على الشيخ زايد أن يبعث ممثلاً من طرفه إلى محكمة في بستك، وعليه التعهُّد بالرضا بأيِّ حكم تصدره المحكمة هناك. وتمرُّ الأيام بمماطلات لا تنتهي، وحتى عام 1905 لم يستجد أي شيء في القضية سوى موت أحد المحتجزين في السجن، رغم إلحاح السلطات البريطانية والشيخ زايد بالبت في القضية ودفع دية الدم، إضافة إلى قيمة اللؤلؤ المسروق وبقية المطالب التي تمَّ تقييمها وكتابة تفاصيلها، وقد وردت في الوثائق البريطانية كالتالي:

·دية الدم لكل شخص 4000 (1000*4)  =  4000

·قيمة اللؤلؤ التي طالب بها شيخ أبوظبي =  3000  دولار تعادل = 1500

·قيمة القارب التالف = 500

·مطالبات أحد رعايا التابعين للحكومة البريطانية الهندية (كان يطالب أحد الصيادين بالمبلغ 800 روبية) = 350

·مجموع المبالغ = 6320

ذكرت المبالغ السابقة بمختصر (Ts) قد تكون اختصار لـ «تالر ماريا تريزا» أو ما يعرف بالريال النمساوي.

 

 

الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان
الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان

 

 

ليلة القبض على “غيثو”

 لم يكن القبض على المتهم “أ” الملقب بـ (غيثو) بالأمر السهل أبداً وهو أبرز المتهمين في القضية وتذكر المصادر أنه هو الرأس المخطط الذي حرَّض إخوته للقيام بعملية القتل. يذكر تقرير السفينة البحرية التي أمسكت بالمتهم (غيثو) بالقرب من جزيرة داس الإماراتية، حيث كان يختبئ بين القوارب الكثيرة في موسم صيد اللؤلؤ.

كما يبدو فإنَّ موقع جزيرة داس الإماراتية هو موقع لصيد اللؤلؤ ولا تحتكره السفن الإماراتية فقط؛ لأنَّ قائد السفينة يذكر وجود قوارب فارسية من ضمنها القارب الذي كان يختبئ فيه “غيثو”. وفي الساعة الرابعة صباحاً 4/7/1909، بدأ البحث وتحديد القارب الذي يختبئ فيه غيثو وقد تمكَّن قائد السفينة البريطانية Redbreast من تحديد القارب المستهدف في الساعة الثامنة صباحاً. وبالطبع لم يتم القبض عليه بوساطة هذه السفينة الضخمة، بل أمر القائد بإرسال فريق في قارب «داو» مشابه لقوارب الصيادين. وتمَّ القبض على غيثو بصعوبة، حيث إنه قاوم ودافع عن نفسه دفاعاً مستميتاً، ولم يكتفِ عند هذا الحد بل حاول الهرب، فحين تمَّ تقييده ووضعه في القارب قام بالتقدم للأمام دون أن يلحظه أحد، حيث كان هناك فأس ينوي أن يمسك به. تنبّه الطاقم لذلك وأمسكوا الفأس من يده ورموه بعيداً، غير أنَّ غيثو تمكّن من الاستحواذ على شيء أخطر فقد أخذ مسدس w.jones أحد العاملين في السفينة البريطانية، غير أنهم أخذوا المسدس منه وتمكّنوا من إحباط جريمة أخرى كان سيقترفها. تمَّ استجواب عدد من المتواجدين في تلك المنطقة وأكدوا وجود إخوة غيثو “م” وشقيقه “أ” في موقع الصيد، لكن قاربهم وموقعهم غير محدّد. في ختام تقرير السفينة يذكر أنه لم يتم البحث عن إخوة غيثو بسبب نقص الفحم، وتمَّ التوجُّه لجزيرة kais وقد يعنون هنا كيش الإيرانية.

 

الشيخ طحنون بن زايد بن خليفة آل نهيان (1909-1912)

بعد مماطلة السلطات الفارسية في القضية وتأكد بريطانيا من زيف المعلومات التي ترد من السلطات الفارسية، حيث قالوا عبر رسائلهم أنهم قبضوا على كل المتهمين في القضية عدا متهم واحد أطلق عليه الرصاص ومات. وعلمت بريطانيا أنَّ السلطات الفارسية لم تكن جادة في القبض عليهم وسمحت لهم بالهرب. فتدخلت بريطانيا وشاركت في عملية البحث عن المتهمين الذين وردت معلومات باختبائهم في مواقع الصيد. وفي 22-7-1909 تلقى الشيخ طحنون بن زايد أول رسالة تتعلَّق بالقضية في عهده بعد وفاة والده الشيخ زايد بن خليفة. كانت تلك الرسالة من المقيم السياسي البريطاني في الخليج يبشر الشيخ طحنون بأنَّ السفينة الملكية المسماة (Redbreast) تمكّنت من القبض على أحد المتهمين في القضية، والذي كان مختبئاً في مصائد الأسماك. وتتضمّن الرسالة طلب المقيم السياسي من الشيخ طحنون حجز المتهم لديه لفترة مؤقتة. رفض الشيخ طحنون استلام القاتل وعدم ضمانه لسلامة القاتل، وأورد عدداً من الأسباب للمسؤول البريطاني وهي:

1-  إذا ما تمَّ احتجازه في أبوظبي حيث قد يتعرض للأذى بسبب رغبات الانتقام التي تسببت بها الجريمة البشعة التي قام بها هو ورفاقه، حيث إنَّ الأهالي المكلومين توعدوا بالثأر.

2- يقول الشيخ إنَّ حرارة الجو قد تعرضه للموت إذا تمَّ تقييده، وإذا لم يُقيَّد فقد يتمكّن من الهرب. وفي الحالتين لا يمكن قبول احتجازه في أبوظبي.

3- كما أنَّ الشيخ رفض استقبال المتهم “غيثو” لوحده وطالب السلطات البريطانية بجلب كل المتهمين في القضية.

بعد رفض الشيخ طحنون استلام المتهم “غيثو”، تشير المراسلات البريطانية إلى أنَّ المتهم تمَّ احتجازه في البحرين لدى المقيم السياسي هناك. أمّا إخوته فقد تمكنوا من الهرب إلى داخل الأراضي الفارسية. وتذكر مراسلات المسؤولين البريطانيين أنَّ السلطات الفارسية متمثلة في شيخ منطقة جارك – چارك، لا يعول عليها في الإمساك بالمجرمين الهاربين وهي على الأرجح سوف تسمح لهم بالهرب كما فعلت في السابق. تبيّن للسلطات البريطانية لاحقاً أنَّ السلطات الفارسية لم تكتفِ بالتواطؤ والسماح للمجرمين بالهرب، بل أعطوا السلطات البريطانية معلومات كاذبة حول جهودهم في هذه القضية. ففي رسالة مؤرخة بتاريخ 22-7-1909 مرسلة من المقيم السياسي البريطاني في الخليج الفارسي إلى المستشار العام والمقيم البريطاني في بوشهر يذكر بأنهم اكتشفوا عدم صحة ما قالته السلطات الفارسية من أنهم تمكنوا من القبض على كل الضالعين في الجريمة عدا واحد منهم قالوا إنه مات، وآخر أصيب برصاصة. والحقيقة أن 3 من القتلة  كانوا يختبئون في أماكن صيد اللؤلؤ، ومن قالوا إنه أصيب برصاصة وهو بخير وجرحه طفيف، أمّا المسجون الذي قالوا إنه قضى في السجن، فقد كان مسجوناً فعلاً في شيراز وسمح له بالهرب. بعد فشل التعاون بين السلطات البريطانية والحكومة الفارسية اضطرت بريطانيا إلى محاولة البحث والعثور على المجرمين.

 

 

السفينة الملكية المسماة (Redbreas)
السفينة الملكية المسماة (Redbreas)

 

استمر بحث السلطات البريطانية سنتين، وبتاريخ 31-1-1911 كتب المقيم السياسي في بوشهر إلى وزير الملك في طهران أنَّ السفن الملكية البريطانية التي كلفت بالبحث عن المجرمين المختبئين في مصائد اللؤلؤ خلال موسم الصيد من 1910 و 1911 فشلت في إلقاء القبض عليهم.  ويضيف أنه من غير الممكن محاكمة (غيثو) المحتجز من 1909 دون وجود أدلة ودون العثور على بقية المتهمين. في أواخر عام 1911 بدأ اليأس يخيم على المسؤولين البريطانيين، خاصة بعد الرسالة التي بعث بها مسؤول الشؤؤن الخارجية حول القضية والتي ذكر فيها أنه بعد الاطلاع على شهادة أقرباء المتوفين، وبعد الاطلاع على شهادة الحكيم الشرعي لأبوظبي الشيخ أحمد بن سلطان المؤرخة في شهر شوال من عام 1322هـ (ديسمبر 1904م) والتي يؤكدون فيها مقتل 4 من أقربائهم على يد 3 إخوة، وذكروا أسماء اثنين منهم غيثو وشقيقه “م”. ويذكر المسؤول أنَّ منهم من مات بالكوليرا أثناء احتجازه، ومنهم من مات أثناء القبض عليه. ويذكر أنَّ الحكومة الفارسية لا تملك المبلغ اللازم الذي تطالب به أبوظبي. بهذه الرسالة تنتهي المراسلات في فترة حكم الشيخ طحنون بن زايد – رحمه الله.

 

الشيخ حمدان بن زايد بن خليفة آل نهيان (1912 – 1922) 

لم تزل المطالبات بدم المواطنين قائمة مع تغيّر بعض التفاصيل، فبعد ما ذكر من عدم امتلاك الحكومة الفارسية المبلغ اللازم لإغلاق هذه القضية. قامت الحكومة البريطانية بالتواصل مع الشيخ حمدان بن زايد والاتفاق على أمرين:

1- عدم التنازل عن معاقبة الضالعين في هذه الجريمة.

2- تخفيض المبالغ المطالب بها إلى 40٪.

بعد الاتفاق قام المقيم السياسي في بوشهر بالتواصل مع المسؤولين في طهران وإبلاغهم بهذه المستجدات، وحثهم على السعي لإنهاء هذه القضية بعد كل هذه التنازلات الكبيرة والمُهل الطويلة التي مُنِحَت لهم من شيوخ أبوظبي طيلة السنوات التسع الماضية (عبر رسالة مؤرخة بتاريخ 9-3-1912).

دخلت سنة 1913 ومازالت الجهود قائمة، وفي رسالة مؤرخة في 12-5-1913 من المقيم السياسي في الخليج العربي إلى وزير الخارجية البريطاني في حكومة الهند يثني فيها على شيوخ الإمارات، ويذكر الشيخ الراحل طحنون بن زايد والشيخ الحالي حمدان بن زايد وتعاونهم تجاه هذه القضية واحترامهم للقانون. ويقول إنَّ من حق الشيوخ التساؤل عن سبب عجزنا عن حل هذه القضية في مقابل تعاونهم ودفع ما نحكم به لصالح غيرهم (ويشير إلى قضية تعويض لصالح قطر من بعض القراصنة، حيث قامت أبوظبي بالتعاون التام ودفع التعويضات دون مماطلة).

بتاريخ 28-3-1913 قام الشيخ حمدان بن زايد شيخ أبوظبي بإرسال رسالة إلى المقيم السياسي في بوشهر يقول فيها: «إنَّ الحكومة البريطانية كانت ومازالت تمنح الوعود والأماني لمن سبقني من الشيوخ ولي أنا شخصياً وتعهدت بمعاقبة من قتلوا رعايا بلادي الأربعة ودفع التعويضات المالية والخسائر التي نالتنا من هذه القضية، وللأسف مرت سنوات عديدة دون الوصول إلى حل لهذه القضية الغامضة.

 

الشيخ حمدان بن زايد بن خليفة ا نهيان ( 1912-1922)

 ونحن لم نتوانَ في دفع ما حددتموه تجاه مواطني قطر المتضررين من القرصنة. فكيف لا يتم إنصافنا نحن أيضاً؟! وددت توضيح ذلك وإبلاغكم برضانا التام عن أيِّ قرار تتخذونه بشأن هذه القضية».

بهذه الرسالة تنتهي المراسلات المحفوظة لهذه القضية، التي طالب بها ثلاثة شيوخ متعاقبين لمدة 10 سنوات من أجل إنصاف رعاياهم وإثبات أنَّ دمهم غالٍ لا يعوَّض ولا يتقادم فيُنسَى عبر الزمن. كما أنَّ هذه القصة درس آخر في احترام القانون والرضا بالحكم من طرف محايد دون الشروع في أخذ الثأر باليد، رغم أنَّ الفرصة أتيحت عدة مرات، خاصة حين رغب المسؤول البريطاني بوضع المتهم (غيثو) في سجن بأبوظبي، فقال الشيخ إنه لا يضمن سلامته وإنه لا يريد أن يقتل بيد أهالي الضحايا الذين يتوعدون بقتله.

لم تنتهِ القضية بخسارة مالية؛ فالخسائر المالية عوّضها الله بالرزق الذي منَّ به على الإمارات وشعبها، ولا نحسب أنَّ الأرواح البريئة ذهبت دماؤها هدراً، بل أرقت مضاجع 3 شيوخ لمدة 10 سنوات لم يتوانوا فيها من المطالبة بدمائهم، ويبقى الله المنصف الأول والأخير والذي سيرد مظالم كل البشر.

 

المراجع :

·ملف رقم 2108 لسنة 1908 جزء 3-4 الخليج العربي: القرصنة (المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات مكتب الهند)

·ملف رقم 3208 لسنة 1908 جزء 3-4 الخليج العربي: القرصنة (المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات مكتب الهند)

·مذكرة معلومات وردت في شهر أغسطس 1909، بخصوص الشؤون في بلاد فارس، وعلى الساحل العربي من الخليج (المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات مكتب الهند)