3,176 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
عرضة العيالة من أجمل الاستعراضات الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بل وفي دول الخليج والجزيرة العربية. وتعني كلمة العرضة استعراض العدد والعدة، وتعني كلمة العيالة ″الغزاة″، وجاء في المصطلحات العربية المتداولة ما يثبت ذلك المعنى، فنقول: “عال فلان على رجل من الناس”؛ أي اعتدى فلان على رجل من الناس. ومن هذا التعريف يمكن أن نفهم بأنَّ العيالة تعني مرحلة من مراحل التدريب والاستعدادات العسكرية، يقوم بها الرجال لردع كلِّ معتدٍ (عايل).
ويبدو أنَّ فن العيالة يختص بسلاح محدد من الأسلحة القديمة، وعلى وجه الخصوص اختصت العيالة بسلاح الحربة عند المقاتلين في تلك الأزمنة، والدليل على ذلك ما ورد في فن عرضة العيالة الكثير من المصطلحات التي تحمل دلالات واضحة تستخدم أثناء أداء العيالة في وقت دون الآخر.
وعليه، يمكن الاستنتاج من ذلك بأنَّ العيالة صورة معبرة مستخلصة من واقع سلاح الحربة دون غيرها من أنواع الأسلحة التقليدية الأخرى.
من جانب آخر، أتى أصل انطلاقة الأناشيد (الأشعار) الخاصة بالعيالة، من نجد بالمملكة العربية السعودية، فيما يعرف بالأناشيد النجدية، لكن ذلك لا يمحو أن تكون عرضة العيالة أو عرضة الرزيف، كما كانت تسمى قديماً في الإمارات بالرزيف. ووردت أيضاً في المصطلحات العربية، فمثلاً نقول نرزف إليه بمعنى نتقدم إليه، أو أرزف القوم؛ أي أعجلوا في هزيمته ونحوها. حيث تحتفظ العيالة في الإمارات بطابعها العربي القديم من خلال تلك الظاهرة التي تبرز أثناء خروج الفتيات (النعاشات) البكر في وسط عرضة العيالة، يلوحن بشعرهن لإثارة الحماس في نفوس المؤدين الشباب، ليردوا عنهم (العيالين) المعتدين على أرض الوطن، ويذودوا عن شرفهن. وتجد الشباب يحملون الأسلحة التقليدية القديمة، مثل العصا والخنجر والسيف والبندقية مرددين النشيد الحماسي، وبالتالي فإنَّ العيالة أو العرضة تجسد لنا الروح القتالية للدفاع عن الدين والأرض والشرف.
وحيث إنَّ العيالة كما سبق القول، ذات مقاييس ومعاني عسكرية في مضمونها ومفهومها، فإنَّ ما ينطبق أيضاً على الجندية في الحياة العسكرية ينطبق أيضاً على مؤدي العيالة. فالمنهج والأسلوب والضبط والربط والسلوك والأبعاد التي تتصف بها الحياة العسكرية هي نفسها يمكن تطبيقها في أداء العيالة، إلا أنَّ تلك المظاهر لا تبدو واضحة في أداء العيالة في وقتنا الحاضر وذلك لسببين هما:
– افتقار العيالة إلى وجود وحضور العناصر الشبابية، يعكس الطابع الحقيقي للعرضة، حيث أصبحت العيالة تقتصر في وقتنا الحاضر على كبار السن، وقلة قليلة من الشباب. وبما أنَّ العيالة صورة عسكرية معبرة، فإنَّ البنية الجسمانية لكبار السن تضاءلت، وبالتالي لا يستطيعون تحقيق وإظهار البعد الحقيقي لأداء العيالة.
– التغيير الذي طرأ في مفاهيم الحياة في عصرنا الحاضر أثَّر تأثيراً بالغاً على العيالة، وظهرت عوامل الإهمال في أداء المؤدين، فنجد كلَّ مؤدٍّ يذهب في أدائه كما يريد هواه. وربما في نظرة فاحصة على مؤدي العيالة ستجد البعض منهم ما هو إلا تكملة عدد فقط.
وللعيالة ثلاثة أبعاد رئيسة؛ البعد الفكري، والبعد الاجتماعي والبعد النفسي، ففي البعد الفكري نجد أنَّ المؤدي تحتل العيالة عنصر تفكيره من منطلق معايشته لهذا الفن، فهو شديد التأثر بالعيالة وأسير غرامها مثله مثل رجل العسكرية وولعه بها. أما البعد الاجتماعي، فإنَّ مؤدي العيالة محب لمجتمعه ومستعد للتضحية في سبيله، وتلك الصفات تظهر على المؤدي في فن العيالة كما تظهر على العسكري أيضاً. وأخيراً البعد النفسي ويظهر في هدوء أعصاب مؤدي العيالة، وتمتعه بطول البال والصبر عند الشدائد، ولو ظهر في العيالة شخص مغاير لتلك الصفات النفسية، فسوف ترى أفراد الفرقة لا يحتكون به كثيراً ولا ينوطون له بالمهام الصعبة.
أما أهداف عرضة العيالة فتتمثَّل في نفس سمات وأهداف الحياة العسكرية، وتتلخص تلك الأهداف فيما يلي:
– التهيؤ النفسي والميداني؛ إذ تبدأ أناشيد العيالة بأداء دور أو دورين كتهيئة نفسية لأداء الأناشيد الكبيرة الصعبة وسريعة الإيقاع، وتلك الظاهرة شبيهة في الحياة العسكرية المألوفة لدى الجميع.
– إبراز الروح القتالية لدى المؤدي، وهذه الظاهرة نراها تتجلى في إبداعات المؤدين ومهاراتهم الفردية والجماعية في العيالة، وذلك من خلال بث روح الحماس فيهم عن طريق قادتهم أو مدربيهم.
– التدريب على الفنون والمهارات العسكرية، وتكرار الأداء والأدوار في حركات وإيقاعات المؤدين في العيالة، والمقصود بها تقوية مهارات المؤدين وهي صورة مطابقة أيضاً لما يجري في الحياة العسكرية.
– العمل على نشر الوعي العسكري في عرضة العيالة، وتتجلى تلك الصورة من خلال اصطحاب كبار السن أبناءهم الصغار عند حلبة العيالة وتشجيعهم على أدائها.
– الإسهام في المناسبات القومية والوطنية؛ إذ تعدُّ عرضة العيالة تعبيراً صادقاً عن روح ومفاهيم المناسبات الوطنية وتعميقها في النفوس لدى أفراد المجتمع.
– العمل على التطوير، ويتحقق هذا بالعمل على زيادة العدد من خلال حث الناس الجدد الذين يتمتعون بروح الشباب على الانخراط في عرضة العيالة.
وتعدُّ العيالة فن الكثرة، بمعنى لا يطيب فن العيالة إلى بكثرة الرجال وحماسهم حين يصطفون في صفوف متوازية ومتقابلة، فيزداد رونق العيالة وبهاؤها. وهي نفس الصورة في الحياة العسكرية، لأنه كما هو معروف عن الجيوش تتسم بطابع الكثرة، ولو لم تكن الجيوش بكثرتها لما ظهرت هيبتها.
للعيالة أربع مقامات ومسميات مختلفة حسب الأوقات اليومية وهي حسب المواقيت؛ هي المقام الأميري ويسمى بالعامية ″العميري″، والمقام البداوي، ومقام العاشوري، ومقام الليلي أو المشي. وتبدأ العيالة بالمقام الأول وهو الأميري، ويبدأ من بعد صلاة العصر مباشرة، ويتغنى فيه بأنشودة أو أنشودتين، ثمَّ يبدأ بعد ذلك المقام الثاني؛ أي البداوي إلى قبل صلاة المغرب بربع ساعة تقريباً، ثمَّ يبدأ بعد ذلك المقام الثالث وهو العاشوري أو “التعوشير” إلى أن يحين موعد أذان المغرب، ثمَّ يذهبون بعد ذلك لتأدية صلاة المغرب، بعد ذلك يتجمعون مرة ثانية وينشدون أنشودة أو أنشودتين من المقام الليلي. وبعد ذلك ينادي رئيس الفرقة جماعته إلى وجبة العشاء، وبعد إتمام العشاء يذهبون إلى تأدية صلاة العشاء، ثمَّ يأتي بعد ذلك والد المعرس أو ولي أمره ليأمر رئيس الفرقة بتجهيز جماعته لبدأ مراسم زفة المعرس إلى بيت والد العروس، ومن هنا يبدأ مقام نشيد المشي إلى أن يصل الموكب إلى بيت العروس، وبعد أن يزف المعرس إلى غرفته الخاصة تنتهي بذلك مقامات نشيد العيالة لتبدأ بعدها مقامات “الآه هله”.
ومن أهم مقامات العيالة كما سبق أن ذكرنا، المقام الأميري وهو مقام يختلف في أدائه عن المقامات الأخرى؛ فالمقام الأميري سمِّي بهذا الاسم؛ لأن أداءه يتسم بالحماس والحيوية، والفترة الزمنية التي تشدو فيها الفرقة الشعبية المقام الأميري، غالباً ما يحضرها شيوخ القبائل وأمراؤهم، وذلك الموقف يدفع أفراد الفرقة إلى تأدية المقام الأميري بشيء من القوة والصرامة. ومن أمثلة المقام الأميري أنشودة “يا نسيم هب جدواكم” والتي تحتوي الأبيات الجميلة التالية:
يا نسيم هب جدواكم
أسهر عيوني بطاريكم
ما سخيت أنا بفرقاكم
فرحتي ساعة ألاقيكم
تبتهج نفسي برؤياكم
من مزاي تلتقي فيكم
مثل ما تهوون نهواكم
يعل تبتلي مناديكم
يا عجيب الريوم ندراكم
يعل رب العرش يحميكم
كل ما حاولت أنساكم
عادت الذكرى تناجيكم
فالعيالة إذاً جزء من تراث عريق له مكانة خاصة في نفوس أبناء الإمارات، وشعوب منطقة الخليج والجزيرة العربية؛ لأنها تتواصل مع حياتهم اليومية، وترتبط بأسعد مناسباتهم وأفراحهم التي يعيشونها عبر الأيام والسنين في حياتهم الاجتماعية.