2,364 عدد المشاهدات
في شهر مارس عام 1977، زار المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أخاه المغفور له بإذن الله، الشيخ أحمد بن راشد المعلا، عضو المجلس الأعلى، حاكم أم القيوين، آنذاك، فشاهد مشروع المستشفى هناك يرقد في سبات عميق على قارعة الطريق، وعندما سأل سموه عن مصير المستشفى قيل إنَّ بناءه لم يكتمل، فما كان من سموه إلا أن وجّه سمو الشيخ حمدان بن راشد وزير المالية والصناعة، رئيس هيئة الصحة في دبي، بإنجاز المستشفى وتجهيزه على نفقة سموه الخاصة، وافتتاحه بأقرب فرصة ليقدم خدماته للمواطنين.
جاءت هذه التوجيهات إيماناً من صاحب السمو الشيخ راشد بأن صحة المواطن كل لا يتجزأ في جميع إمارات الدولة، لا فرق بين مواطني دبي وأم القيوين، ولا بين مواطني أبوظبي والفجيرة أو رأس الخيمة وعجمان.
وقد تابعنا وقائع تنفيذ توجيهات صاحب السمو الشيخ راشد بإنجاز المستشفى في السرعة الممكنة من خلال تحقيق نشرتُه في مجلة «أخبار دبي»، آنذاك، تالياً نصه:
المسألة الصحية من المسائل المهمة التي تعانيها دول العالم الثالث. لذلك فهي تسعى جاهدة للارتفاع بالمستوى الصحي لمواطنيها، سعيها للنهوض بمستواهم المعيشي وتأمين رغيف الخبز لهم. بل أصبح التعليم والدواء ورغيف الخبز ثلاثية متلازمة من المسائل، احتلت مقدمة القضايا التي تسعى الدول النامية لحلها.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ومنذ قيام الاتحاد، كان تأمين العلاج المجاني للشعب، والارتقاء بمستواه الصحي في مقدمة هموم المسؤولين، فشيدت المستشفيات الكبيرة في مدن الدولة. وبنيت العيادات الطبية في القرى والمناطق المختلفة لتقديم الرعاية الطبية والصحية للمواطن بالقرب من سكنه.
في أبوظبي ودبي وأخيراً الشارقة أقيمت مستشفيات عدة ضخمة على مواصفات عالمية، تضاهي العديد من أمثالها.
وفي الفجيرة وأم القيوين، قررت الدولة من خلال سياستها في توفير الخدمات الطبية الجيدة والسريعة لكل مواطن، إنشاء مستشفيين فيهما، نظراً للحاجة الملحة في الإمارتين، ولبعدهما عن أقرب مستشفى منهما. وقد كتبنا عن مستشفى الفجيرة ضمن تحقيقاتنا عنها، وها نحن ننتقل اليوم إلى أم القيوين لنطلع على قصة مستشفاها الحزين الذي بقي مهجوراً فترة طويلة، وكان مرتعاً للبوم والغربان، إلى أن أمر صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي، بتجهيز المستشفى وإخراج خدماته إلى النور وعلى نفقته الخاصة، وإليكم القصة.
الزيارة الميمونة
ذات يوم كان صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في زيارة لأخيه صاحب السمو الشيخ أحمد بن راشد المعلا، حاكم أم القيوين، فشاهد مشروع المستشفى هناك آخذاً في سبات عميق على قارعة الطريق اليمنى، وقد تحول إلى مجمع للنفايات ومسرح للحيوانات، بسبب عدم وجود سور يحميه.
وعندما سأل سموه عن مصير المستشفى قيل إنَّ بناءه لم يكتمل، وإنَّ وزارة الصحة لم تنجزه، رغم مضي أربع سنوات على بدء إنشائه! فما كان من سموه إلا أن أمر سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، وزير المالية والصناعة، رئيس هيئة الصحة في دبي، بمتابعة موضوع المستشفى وتجهيزه على نفقة سموه الخاصة وافتتاحه بأقرب فرصة ليقدِّم خدماته للمواطنين.
وفي هذا الصدد يحدثنا سمو الشيخ حمدان بن راشد قائلاً:
إنَّ صاحب السمو الشيخ راشد كان في زيارة لأخيه صاحب السمو الشيخ أحمد المعلا، حاكم أم القيوين، فرأى لافتة المستشفى وسأل عنه فعلم أنَّ وزارة الصحة ما زالت بصدد اختبار معدات للمستشفيات، ومن ضمنها مستشفى أم القيوين، الذي تلحّ الحاجة لافتتاحه في أقرب فرصة، وعندها طلب صاحب السمو الشيخ أحمد المساعدة بسبب خبرة دبي في مجال الخدمات الطبية، أصدر لِي صاحب السمو الشيخ راشد الأمرَ بإكمال بناء المستشفى.
ونحن بالطبع أسرة واحدة ومصلحتنا واحدة، فاجتمعت بوزير الصحة وأبلغته بطلب صاحب السمو الشيخ أحمد فرحَّب الوزير بذلك.
وبدأنا العمل لتحقيق ما أراده سمو الشيخ راشد بضرورة تجهيز المستشفى ليدخل مجال الخدمة للمواطنين. فاتصلنا بالمعهد والشركة وطلبنا إعداد تقرير مفصَّل. وفي الوقت نفسه أوعزنا إلى الدكتور جمعة بلهول، مدير الخدمات الطبية في دبي، فذهب على رأس مجموعة من الخبراء والأطباء لمعاينة المستشفى، فوجد أنه يحتاج إلى بعض التعديلات، وعلى هذا الأساس اتفقنا على إحضار الأشياء المطلوبة من قِبَل وزارة الصحة، وأن نقوم نحن بإتمام النواقص.. وإلى حين وصول كافة المعدات فإننا سنجهز المطلوب من الاحتياطي عندنا.
ويضيف سمو الشيخ حمدان: نحن في خدمة جميع الإمارات، وصحة المواطنين أولوية، وما يهمنا هو الارتفاع بمستوى الخدمات الصحية لمواطنينا. ومن المتوقع أن تنتهي المباني والطرقات في المستشفى خلال ستة أشهر، وستُركَّب المعدات بعد شهرين من ذلك، وهكذا سيكون المستشفى جاهزاً للعمل قبل نهاية العام، ويجري عملنا هذا بالتعاون مع الأخ وزير الصحة دعماً للخدمات الصحية في المنطقة، إذ من المعلوم أنَّ مستشفيات أبوظبي ودبي والشارقة لا تستطيع تحمل العبء الصحي للبلاد وحدها.
وعندما سألنا سموه من يتحمَّل نفقات تجهيز المستشفى؟! أجاب: إنَّ جميع ما يصرف هو من مال صاحب السمو الشيخ راشد الخاص والحساب مفتوح دون تحديد، وهذا بالطبع خدمة واجبة للإمارات الشقيقة.
بين المنفذين ضاعت الطاسة
للوقوف على مزيد من التفاصيل والاطلاع على ما تمَّ عمله بشأن تنفيذ أمر صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بخصوص المستشفى، حملت نفسي إلى مستشفى راشد لمقابلة الدكتور جمعة بلهول مدير الخدمات الطبية في دبي.
هناك، وجدت أنه استحضر جميع ملفات ومخططات وتصاميم مستشفى أم القيوين إلى مكتبه لدراستها عن كثب، لتنفيذ أمر سمو الحاكم فأخرج واحداً من المخططات وراح يشرح:
نُفِّذَ المستشفى على مراحل لضخامته؛ إذ يضمُّ 120 سريراً. إلا أنَّ التخطيط وبالتالي التنفيذ لم يكن صحيحاً؛ لأنَّ من خطَّط ونفَّذ المرحلة الثانية من البناء هو ليس ذاته الذي خطَّط ونفَّذ المرحلة الأولى منه. وهكذا أصبح هناك بعض الاختلافات من الناحية الفنية.
– مثل ماذا؟
كثيرة منها على سبيل المثال:
أبواب غرفة العمليات نُفِّذَت بشكل ضيِّق لا تستطيع معه إدخال المعدات اللازمة إلى الغرفة، فتعيَّن علينا هدمها وتوسيعها.
– إلى من تعزو هذا الخطأ؟
كان يجب أن يكون الاستشاري من المتخصصين بإنشاء المستشفيات، إذ لا يكفي أن يكون استشارياً قديراً فقط، بل أن يكون مُلِماً بما تتطلبه أبنية المستشفيات. ثمَّ إنَّ عدم وجود سور للمستشفى عرضَّه للأضرار، وجعله يحتاج إلى ترميم يصل إلى عشرة في المائة من التكاليف الإجمالية. إضافة إلى عدم وجود مطبخ أو وحدة غسيل، بل ولا خزّان ماء أو مجمع للكهرباء أو هواتف، كل ذلك زاد الطين بلة، ولكن علينا أن نعمل. فاصطحبنا مجموعة من المهندسين في مختلف الاختصاصات بمن فيهم الاستشاريون الذين صمَّموا مراحل بناء المستشفى، وبعد زيارته والاطلاع عليه وضعنا تقريراً مفصَّلاً سنتحرَّك بموجبه، لوضع المستشفى في مجال الخدمة الفعلية في أقرب فرصة.
– كم سيكلف ذلك؟
من الصعب جداً تحديده بشكل دقيق، ولكنه بحدود 6 ملايين درهم وقد تزيد وقد تنقص.
– وماذا عملتم حتى الآن؟
باشرنا بعمل الصيانة والترميمات، وطلبنا تجهيزات المستشفى من الخارج، ولا شكَّ أنها تحتاج لوقت ليس قصيراً لكي تصل، ولكن نأمل أن يبدأ المستشفى بالعمل قبل نهاية العام.
– وماذا عن الكادر الطبي والإداري؟
لقد طُلِبَ مِنّا التجهيز فقط، وإذا طُلِبَ مِنَا المشاركة في تقديم الكادر والإدارة فإننا نرحب بذلك، ونحن على أتمِّ الاستعداد لتقديم كل ما يلزم؛ لأننا جزءٌ من وزارة الصحة.
مستشفى ولكن..
في اليوم التالي، سارت بنا السيارة إلى أم القيوين لمشاهدة المستشفى عن قرب ومعرفة آراء المسؤولين هناك تجاه الموضوع. قبل أن نتوجَّه إلى مكتب مديرية المنطقة الطبية، عرجنا على موقع المستشفى، فوجدته بحالة يرثى لها، وخلاصة القول، يمكن إطلاق أي اسم عليه سوى اسم مستشفى! ولو كان له سور على الأقل لبقي محافظاً على مركزه وقيمته كمستشفى.
حملت كل تلك التصورات، وبعد دقائق كنت في مكتب السيد سلطان راشد الخرجي مدير المنطقة الطبية في أم القيوين.
سألت المدير: ما الأسباب في التأخير؟ هل هي فنية أم مالية؟
فأجاب متحفظاً: يجوز الاثنان معاً. ولكن هناك اتصالات على مستوى عالٍ لدفع الموضوع إلى الأمام.
– وما تلك الجهات التي على مستوى عالٍ؟
*….. (لا جواب).
هل يمكن استغلال المباني وهي في وضعها الراهن قبل إتمام المرحلة الثالثة؟
إنَّ المباني ينقصها الكثير، وممّا زاد وضعها سوءاً هو وجود التباين بين المرحلتين الأولى والثانية بسبب اختلاف المصممين والمنفذين، ناهيك عن افتقادها لأشياء حيوية للمستشفى، وبدونها لا يمكن العمل، مثل: المطبخ، غرفة مولد الكهرباء ووحدة التنظيف.
وبناء على الاتصالات الجارية سيتمُّ عمل شيء مستعجل لتشغيل المستشفى؛ إذ سيتم بناء خزان للماء وكذلك للكهرباء، أما المطبخ فسنقوم بالطبخ في المستشفى القديم وكذلك الغسيل.
وبقية الأمور الضرورية سيجري إتمامها خلال الفترة القريبة والتي جاءت نتيجة للاتصالات المذكورة. ونأمل أن نتمكَّن من تشغيل المستشفى قبل نهابة العام.
– وماذا عن الجهاز الطبي والإداري؟
وضعت الوزارة بحسبتها هذا الأمر، رغم أنها لم تدرج ذلك في ميزانية هذا العام. وإذا تمَّ إنجاز المستشفى فإنَّ الجهاز الموجود الآن في مستشفى أم القيوين قادر على تشغيل المستشفى الجديد، إذ يوجد لدينا 13 طبيباً عاماً وطبيبان للباطنية مع استشارية أطفال واحدة وللنساء ثانية مع طبيب للعيون وجراح واحد، وإذا احتجنا للمزيد فإنَّ مجلس الوزراء سيوافق حتى لو لم يكن ذلك وارداً في الميزانية.
راشد المعلا يضع النقاط على الحروف
كان تحفُّظ السيد سلطان الخرجي في حديثه دافعاً لي للوقوف على المزيد، ومعرفة شيء عن طبيعة الاتصالات التي أثارت فضولي. فقصدت ديوان سمو الشيخ راشد بن أحمد المعلا، ولي عهد أم القيوين، لمقابلة سموه أو مقابلة سمو الشيخ سعود بن راشد رئيس الديوان. وعندما وجدت أنَّ هناك عدداً كبيراً من المراجعين من مختلف الجنسيات ينتظرون دورهم لمقابلة سمو الشيخ راشد، أدركت أنه لا مجال لمقابلته.
وعندما ذهبت لمقابلة سمو الشيخ سعود فوجئت بقوله: إنَّ سمو الشيخ راشد هو الذي يريدك، بهذا الخصوص، وستدخل إليه فوراً وقبل الجميع، فكدت لا أصدق. نظرت إلى وجوه المنتظرين وهي تحدّق بي باستغراب.
قال لي الشيخ سعود: إياك أن تطيل الحديث مع الشيخ؛ لأنَّ كلَّ هؤلاء ينتظرون، وأنتم الصحفيون لا يشبع فضولكم شيء. فقلت له باسماً: إنَّ طبيعة اللقاء هي التي تحدِّد الوقت يا سمو الشيخ.
وبعد لحظات كنت أبسط أوراقي أمام سمو ولي العهد، الذي استقبلني بشكل لافت للنظر، وبعث في نفسي الراحة والسرور. وبعد المقدمات بدأ سموه الحديث لقد أصبح موضوع المستشفى معروفاً لدى الجميع فقد بدأ تنفيذه منذ أكثر من 4 سنوات.
ولم ينتهِ حتى الآن، وقد طالبنا الوزارة عدة مرات بضرورة إكماله، ولكنها لم تنفذ ذلك. وأخيراً طلبنا تسليم المستشفى لإكماله، وعرضت ذلك برسالة مني لمجلس الوزراء، فجاءني الرد أنَّ الوزارة ستقوم بإكماله، وبعد طول انتظار لم يحصل شيء من هذا القبيل، فطلبت من صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة حاكم دبي، المساعدة لإكماله، فلبّى ذلك على الفور، مشكوراً. حيث أرسل لجنة من مستشفى راشد مكونة من خبراء وأطباء للاطلاع على احتياجات المستشفى، فرأت أنه يحتاج إلى صيانة وإجراء بعض التغييرات بسبب أخطاء فنية تجعله غير صالح للاستعمال. وقد تكفل صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد بتقديم كل ما يحتاج إليه المستشفى من صيانة وبناء سور ومطبخ وعنابر وتجهيزات وأعطى أوامره للبدء بذلك. وبالفعل فقد حضر المهندسون والخبراء، واستأجر مستشفى راشد لهم مساكن للإقامة فيها، وهم الآن يواصلون أعمالهم. وسيصبح هذا الهيكل بعد أربعة أشهر إلى خمسة مستشفى بكل معنى الكلمة، إن شاء الله.
– ما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء التأخير؟
والله لا أعرف، ومجلس الوزراء لم يوضح لي الأسباب. ولكن قيل إنَّ وزارة المالية لم تدفع الميزانية، ولكني سألت سمو الشيخ حمدان بن راشد وزير المالية والصناعة، فقال إنه لم يصله إخطار بذلك من مجلس الوزراء، وأنا أثق بكلام الشيخ حمدان فلو جاءه أمرٌ لما تأخر أبداً.
وأحبُّ أن أشير إلى أنَّ ما صرفته وزارة الصحة على المستشفى حتى الآن بحدود 3 ملايين درهم، أما تكاليف الصيانة والتجهيزات التي أمر الشيخ راشد بن سعيد بعملها فوراً فتقدر بـ 10 ملايين درهم. ونحن هنا لا يسعنا إلا أن نقدِّمَ جزيل شكرنا لصاحب السمو الشيخ راشد على هذه اللفتة الكريمة التي سترفع المستوى الصحي للمواطنين والمقيمين في أم القيوين ومناطقها، علماً بأنَّ هذه اللفتة ليست الأولى التي يقدمها الشيخ راشد بن سعيد للمواطنين في أم القيوين، فقد سبق وأمر قبل عامين بتجديد شبكة أنابيب المياه في المدينة، وإقامة العديد من المساكن الشعبية من جيبه الخاص، كل ذلك من أجل إخوانه مواطني أم القيوين. ورغم قناعتنا بأنَّ ما يقدمه راشد هو لإخوانه ومواطنيه في أم القيوين فلا يسعنا إلا أن نجدِّد شكرنا الجزيل لسموه.