2,484 عدد المشاهدات
الكاتبة :مريم جمعة عبد الله
هذا الكتاب هو الترجمة العربية الأولى لرحلات يوهان شيلتبرغر، صدر ضمن مشروع (كلمة)([1]) الرائد لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة. وقد اخترته للعرض لأنه يروي قصة أسر الكاتب من قبل العثمانيين ومن بعدهم المغول، لفترة زادت على 32 سنة، يحكي فيه عن طوافه في بلدان عديدة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، (ومن بينها مصر والشام والعراق وجزيرة العرب)، ما بين السنوات 1394-1427م، في فترة عصيبة عصفت خلالها بمشرقنا العربي جائحة([2]) المغول الرهيبة في خاتمة القرن الرّابع عشر ومطلع القرن الخامس عشر للميلاد، فدمّرت ما دمّرت، ونجم عنها تغيرات سياسيّة جسيمة، حدّت نسبياً من تنامي دولة بني عثمان، وأخَّرت فتح القسطنطينية نصف قرن. كما عاصر المراحل الأولى من تأسيس دولة المماليك البرجية([3]) الجراكسة في مصر.
لم يتبع الكتاب نظام الفصول، وإنما استعاض عنها بالعناوين التالية:
1. هذا الكتاب:
قدم فيه المترجم تعريفاً لكاتب النص وطبعات الكتاب المختلفة والآليات التي انتهجها في الترجمة، وشكره لمن ساعده على الإنجاز.
2. نماذج من المخطوطات والطبعات القديمة:
أورد فيه المترجم نماذج من الطبعات القديمة للكتاب على مراحل زمنية مختلفة وبترجمات عديدة.
3. تمهيد. بقلم ج. بَخن تِلفر([4]):
المقدمة التي كتبها ج. بَخن تِلفر لترجمة الكتاب للغة الإنجليزية في لندن 18 يوليو من عام 1879م.
4. بيبليوغرافيا الكتاب:
وقد احتوت على:
1. مخطوطات الكتاب المختلفة، والتي يعود أقدمها للقرن الخامس عشر وهي محفوظة في مكتبة الجامعة بهايدلبرغ (مخطوطة هايدلبرغ).
2. الطبعات المنشورة.
3. الصعوبات التي واجهت المترجم لرصد البيبليوغرافيا من صعوبة في جمع المعلومة والتأخر في الرد، ورفض الاطلاع على بعض النسخ من قِبَل الجامعات أحياناً.
5. مقدمة:
أورد فيها المترجم ما ذكره مؤرخو الحوليات البافاريون([5]) حول ابن بلدهم شيلتبرغر ونسبه النبيل، والمؤرخون الذين استفادوا من رحلته في كتابة تاريخهم خاصة التاريخ العثماني.
كما بيَّن رأيه من أنَّ الكتاب كُتِبَ بطريقة الإملاء على غرار العديد من قصص القرون الوسطى الأخرى، وهي طريقة مناسبة لاسترجاع الذاكرة في الحوادث التي امتدت طوال ثلاث وثلاثين سنة التي أملاها إلى أن عاد إلى وطنه الأم؛ فهو يشرح في الفصل الختامي «كيف عبرت البلدان التي اجتزتها». كما احتوت المقدمة على مختصر سريع حول تحركات المؤلف خلال فترة أسره الطويلة منذ أن كان عمره أربعة عشر عاماً، ووقوعه في أسر العثمانيين (بدءاً من بايزيد) بعد معركة نيكوبوليس([6]) عام 1396م، ثم أسره أيضاً من قِبَل المغول (تيمورلنك) وتنقله في المشرق الإسلامي حتى تمكنه من الهرب والعودة إلى دياره.
6. من شيلتبرغر إلى القارئ:
هو نص المغامرات التي رواها شيلتبرغر، وقد احتوى على 67 عنواناً مع تفاوت في الطول حسب الحادثة التاريخية التي يرويها. وجاءت محتويات العناوين كالتالي:
– (13:1) الأحداث والمعارك التي دارت بين المسلمين إبان أسره عند العثمانيين.
– (27:14) الأحداث والمعارك التي دارت بين المسلمين إبان أسره عند المغول.
– (44:28) البلدان التي زارها.
– (66:45) ذكر معلومات عن الدين الإسلامي والأديان الأخرى.
– (67) البلدان التي غادرها واجتازها للعودة إلى دياره.
– أضيف للنص نقيشات جميلة منسوخة من طبعتي آوغزبورغ 1477م وفرانكفورت 1580 القديمتين من جامعتي ميونيخ وهايدلبرغ.
7. التعليقات على النص:
احتوت على توضيحات المترجم لبعض الحوادث والأماكن والأعلام، وقد تناولها باستفاضة وتدقيق وتحقيق وتفنيد لبعض الآراء والحوادث التي أوردها شيلتبرغر والمؤرخون الآخرون.
ملاحظات على الكتاب:
– لم يكن شيلتبرغر رحّالة كغيره من الرحّالة، ولم يختر مصيره أو تنقلاته إبّان تلك الفترة من تلقاء نفسه، بل عانى من الأسر والعبودية طويلاً، وعبّر عن آلامه وشوقه إلى بلاده وقومه.
– يعدُّ شاهد عيان يمتاز بالعفوية والصّدق، فصوّر ما رأى وسمع وشهد، أو ما وصل إليه بالمشافهة، تصويراً حياً شائقاً وممتعاً، بأسلوب تغلب عليه البساطة والعامية.
– أجاد شيلتبرغر التركية لا العربية، وهذا انعكس على المسميات الواردة، حيث يأتي لفظها وفق اللغة التركية، وهو عندما يذكر المسلمين يعني بهم الترك العثمانيين تحديداً، إذ كانت إقامته أول الأمر بينهم.
– أصاب شيلتبرغر عند وصف رحلته في أشياء، وأخطأ في أشياء ارتكز فيها على الأقاويل كالمعطيات التي يوردها عن الإسلام، فقد أورد أقاويل عامية عجيبة حول الإسلام فيها خلط كبير، استقاها من العوام، وهي بالطبع غير صحيحة البتة، لكن أُبقي عليها على اعتبار الكتاب نصاً قديماً لا يجوز الحذف منه أو التصرف فيه، منها:
– الخطأ في بعض جوانب سيرة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، مثل أنه زار مصر للتجارة.
– يذكر مثلاً أنَّ هناك مذهباً في الإسلام يتبع فيه بعضهم المولى، ويبدو أنه يشير إلى المتصوفة المولوية، نسبة إلى جلال الدين الرومي، الذين يشيرون إليه بلقب (مولانا)، وهذا ليس مذهباً دينياً، بل مجرد طريقة في التصوف.
أهمية كتاب شيلتبرغر التاريخية:
– على امتداد 542 عاماً ومنذ عام 1474م صدر لكتاب شيلتبرغر العديد من الطبعات الألمانية وظهرت له ترجمات عديدة.
– مرجع مفيد في أحوال ذلك العصر.
– أتحف المهتمين بنص مرجعيّ ثمين، لا غنى عنه لمن يبحث في تاريخ الفترة ورسوم دولها وأحداث قادتها وملوكها.
– للكتاب أهمية لاتصاله بتاريخ مشرقنا العربي الإسلامي بشكل مباشر، وهو يكمّل ما بين أيدينا من نصوص للمؤرخين المسلمين الذين تناولوا أحداث تلك الفترة المذكورة من أمثال: نظام الدّين الشامي، ابن تَغري بَردي الأتابكي، ابن قاضي شُهبة، ابن عَرَبْشاه، ابن خلدون، ابن الصيرفي، الذين استفاضوا برواية أخبار الغازي المغولي تيمورلنك.
– تتفق بعض الأحداث التي يذكرها شيلتبرغر كلياً مع بعض الروايات التي ذكرها المؤرخون المسلمون مثل ما ذكره عمّا قام به تيمورلنك من حرق دمشق وأهلها.
– يمكن الاستفادة من الكتاب في الدراسات التي تهتم بتلك الفترة وفي فروع علم التاريخ المختلفة.
– ما رواه شيلتبرغر في مغامراته يعدُّ أنثروبولوجيا أصيلاً، فهو لم يقتصر على ذكر مجريات الأحداث السياسية والحروب التي عاصرها وشهدها، بل تجاوزها إلى رصد العادات الاجتماعية للشعوب التي عاش في كنفها، فضلاً عن طبائعها الثقافية والدينية، إضافة إلى المعلومات الجغرافية البيولوجية وأشكال العمران في بلاد المسلمين.
الجزيرة العربية والخليج العربي في كتاب شيلتبرغر:
– على الأرجح أن شيلتبرغر اجتاز أرض الحجاز في جزيرة العرب عبر سوريا وفلسطين، فقد وصف من مشاهداته الشخصية البجع وهو طير يتردد على حدود فلسطين وجزيرة العرب وحتى في المناطق القاحلة من جزيرة العرب، وذكر أنَّ: «قبر النبي في مكان يُدْعَى المدينة»، وبيّن موقعه وزخارفه بوضوح وبدقة استثنائية، وهكذا أصاب شيلتبرغر بكون قبر الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة لا في مكة المكرمة، كما كان يظن جميع الرحالة الأجانب في العصور الوسطى، وبهذا يعدُّ سابقاً لفارتيما (1503م) على هذا الدرب، وسيكون أول أوروبي عرف عن زيارته لديار الإسلام.
– لكنه عاد فأخطأ، إذ ظنَّ أنَّ الكعبة المشرفة موجودة أيضاً في المدينة المنورة؛ لأنه لم يتوغل إلى هناك.
– ذكر شيلتبرغر جزر الخليج العربي قشم وهرمز وكيش (قيس)، ووصف هرمز قبل مئتي عام تقريباً من الغزو البرتغالي لها، وهذا يبين أنَّ سمعتها كمركز تجاري عظيم، كانت راسخة في زمن شيلتبرغر.
الخاتمة:
– على امتداد 542 عاماً ومنذ عام 1474م صدر لكتاب شيلتبرغر العديد من الطبعات الألمانية وظهرت له ترجمات عديدة.
– للكتاب أهمية لاتصاله بتاريخ مشرقنا العربي الإسلامي بشكل مباشر.
– أصاب شيلتبرغر عند وصف رحلته في أشياء، وأخطأ في أشياء ارتكز فيها على الأقاويل كالمعطيات التي يوردها عن الإسلام.
– يمكن الاستفادة من الكتاب في الدراسات التي تهتم بتلك الفترة وفي فروع علم التاريخ المختلفة.
الكاتب والمترجم
وُلِدَ الرّحالة الألماني يوهان شيلتبرغر في عام 1380 لعائلة بافارية نبيلة، نُسِبَت لميونخ، وتوفي عام 1440م. عاد إلى ألمانيا بعد فترة أسر طويلة دامت 32 عاماً ونيف في عام 1427م، أمضى خلالها فترة حافلة بالأحداث في المشرق ترك حولها كتابه الثمين، ليغدو واحداً من فرائد أدب الرّحلات الألماني.
مجموعة من الإصدارات المترجمة لأحمد إيبش
د. أحمد إيبش: درس التاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت، وتابع دراساته العليا في تركيا وألمانيا. وهو باحث ومتخصِّص في مجالي التاريخ والفيلولوجيا والطبوغرافيا التاريخية لجزيرة العرب. صدرت له مؤلفات في تاريخ بلاد الشام وآثارها وخططها القديمة، وله دراسات لبعض النصوص الدينية القديمة: إنجيل متّى، التلمود البابلي، إنجيل بارْنبا. قام منذ عام 2008م بتحرير سلسلة لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تعنى بترجمة نصوص الغربيين في العالم العربي، وخاصة جزيرة العرب، تحت عنوان: (روّاد المشرق العربي)، وهو يجيد سبع لغات أجنبية.
المراجع:
1. «كلمة» مشروع إماراتي يدعم ترجمة المؤلفات العالمية إلى اللغة العربية، وفي كل عام يختار 200 كتاب من أهم المؤلفات العالمية الكلاسيكية والحديثة ومن مختلف اللغات ليقدمها للقارئ العربي بلغته. وهي مبادرة مستقلة ومشروع غير ربحي يتبع هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، ويحظى بدعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
2. الجائحة: المصيبة العظيمة التي تحل وتجتاح.
3. الدولة المملوكية البرجية، أو الدولة المملوكية الشركسية (أو الجركسية)، هي الفرع الثاني للدولة المملوكية في مصر، بدأت بعد الدولة المملوكية البحرية بعد سلطنة الظاهر برقوق أول سلاطين الدولة البرجية في مصر، التي استمرت من عام 1381 حتى حكم الدولة العثمانية لمصر عام 1517م.
1. ج. بَخن تِلفر: كوماندر بريطاني قام بترجمة كتاب شيلتبرغر للغة الإنجليزية عام 1879، وأضاف لها تعليقات مفيدة ومهمة.
2. نسبة إلى بافاريا، وهي من الولايات الاتحادية الألمانية الست عشرة، وتعرف باسم جمهورية بافاريا، وعاصمتها مدينة ميونخ الواقعة في الجهة الشمالية من جبال الألب، وتحتلّ المرتبة الأولى من بين الولايات من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحة أراضيها 70,551كم².
3. معركة نيكوبوليس: وقعت سنة (800هـ/1396م) بين العثمانيين بقيادة السلطان بايزيد الأول وبين التحالف الصليبي (التحالف المجري البلغاري الويلزي الفرنسي البرغندي الألماني وقوات متنوعة) بقيادة الملك سيجسموند ملك المجر، وكان النصر فيها لصالح المسلمين.