أفراح آل مكتوم.. فأل سعد وسعادة

مجلة مدارات ونقوش – العدد 16 - 17

 2,801 عدد المشاهدات

 

الكاتب: خليل البري

 

بين 25 إبريل/ نيسان 1979، و6 يونيو/ حزيران 2019، أربعون عاماً من السعد والسعادة، عاشها أهل الإمارات بصورة عامة، وسكان دبي بخاصة، ولما تزل مستمرة منذ نيف وأربعة عقود.

في إبريل 1979 احتفل أهل الإمارات بعقد قران صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، وكان يومها وزيراً للدفاع، على سمو الشيخة هند بنت مكتوم آل مكتوم “أم الشيوخ” (حمدان ومكتوم وأحمد) الذين احتفل شعب الإمارات “مواطنين ووافدين” بزواجهم الميمون يوم السادس من يونيو 2019.

وكان المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ومعهما حكام الإمارات وأولياء عهودهم في مقدمة حضور عرس الشيخ محمد بن راشد، في حين استقبل سموه جموع المهنئين في عرس الشيوخ “فرحة الوطن”، وفي مقدمتهم أخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانه أصحاب السمو الحكام وأولياء عهودهم والشيوخ وجموع المواطنين والوافدين، وفريج زعبيل تشرف بوقائع الحدثين الكبيرين.

تشرفت بحضور الحدث “السعد” الأول، وكنت حينها محرراً في مجلة “أخبار دبي”، حيث كتبت تحقيقاً عن المناسبة السعيدة في العدد 17 – السنة 14، تاريخ 26 نيسان/ إبريل 1979 الموافق الأول من جمادى الأولى 1399ه، بعنوان “مبروك ولتدم أفراح البلاد” (زفاف محمد بن راشد يتحوّل إلى عرس وطني). جاء فيه:

«محمد بن راشد، الرجل ذو القسمات العسكرية والقامة الشامخة، ذات الخطوات الموزونة، يكاد المرء لا يصدق أنه عسكري من الطراز الأول، وأنه خريج كلية “مونز” العسكرية عندما يشاهد ابتسامته المرتسمة دائماً على محياه، وعندما يستمع إلى بلاغته الأدبية في الكلام، وكأنَّ الرجل يقول شعراً، وليس أوامر عسكرية صارمة.

غلاف مجلة أخبار دبي- أبريل 1979
غلاف مجلة أخبار دبي- أبريل 1979

 

محمد بن راشد، أحبّه كلُّ من عرفه، واحترمه كلُّ من سمع عنه. لذلك فإنني لم أفاجأ عندما حضرت عقد قرانه، وزفافه الذي تمَّ يوم الأول من أمس على ابنة عمته الشيخة هند، وقد تحول إلى عرس وطني شارك فيه ليس أبناء دبي، فحسب، بل أبناء كل الإمارات، كما تجشم العديد من أبناء الدول الخليجية عناء السفر ليحضروا عرسه الميمون، الذي بات حديث الناس كافة.

 

الاحتفالات

لبست لؤلؤة الخليج حلة قشيبة من الزينات، احتفالاً بالعرس الميمون، وبذل موظفو وعمال بلدية دبي، إلى جانب المواطنين، جهوداً جبارة لإعطاء المناسبة السعيدة حقّها من البهجة والاحتفاء. كما بذلت شرطة دبي جهوداً ضخمة لتنظيم الاحتفالات وحفظ الأمن.

تحوَّلت منطقة الجميرا القريبة من قصر الضيافة إلى كتلة متوهجة من الأنوار، ولبست الأشجار الصغيرة منها والكبيرة حللاً مزركشة من الألوان الملونة الوهاجة.

أما الشوارع، بما فيها شارع المكتوم في ديرة، فقد باتت نهراً متدفقاً من الأنوار.

وأقيم مسرحان كبيران، واحد للرجال والآخر للنساء لإحياء الحفلات والأمسيات الساهرة التي أسهم فيها نحو 30 مطرباً ومطربة من الوطن العربي وعشرات العازفين والملحنين.

أما الرقص الشعبي الذي تجلى في أبهى مظاهره، حيث تعانقت فيها “العيالة” مع “الليوة”، و”الرزيف” مع “العرضة” فقد احتل مساحات شاسعة من الأراضي التي عملت البلدية على تسويتها وتجهيزها لتكون جاهزة للعروض. ومقابل مركز دبي التجاري الدولي أقيم ميدان كبير لسباقات الهجن والخيل وإنزال المظليين، وقد توافرت فيه وسائل النقل التلفزيوني والإذاعي والحواجز لحماية المشاهدين. كما توافرت فيه مواقف واسعة للسيارات، حيث بذلت شرطة دبي جهوداً مضنية لتسهيل حركة المرور أمام سيل متدفق من السيارات يبدأ يومياً اعتباراً من الساعة الرابعة بعد الظهر، وهو موعد بدء الاحتفالات، وحتى ما بعد منتصف الليل، عندما يصمت آخر مزمار، ويهجع آخر طبل.

 

عرس الشعب

لا أبالغ إذا قلت إنَّ عرس الشيخ محمد بن راشد هو عرس الوطن، فقد شارك فيه أبناء الشعب صغاراً وكباراً صغيرات بعمر الورود، وعجائز كنَّ يتمايلن كأشجار النخيل. شباب يافعون بقوة الخيول الأصيلة، وكهول وجدوا في هذا العرس فرصة لتجديد شبابهم واستذكار أيام الصبا.

مع بدء نزول الشمس عن كبد السماء، وانبعاث نسيمات العصر العليلة، يبدأ الناس بالتوافد إلى ميادين الاحتفالات، مواطنين ووافدين، عرباً وأجانب، من آسيا وإفريقيا، من أوروبا وأميركا، خليط من البشر تزخر به يومياً ميادين الاحتفالات، حتى الطبيعة أسهمت في الاحتفالات، فجاءت أيام الأسبوعين الماضيين في غاية الصفاء والهدوء. الرطوبة امتنعت عن النزول، والرياح المغبرة خجلت أن تعكر صفو المحتفلين، والحرارة استحيت من أن يكون لها أي أثر سلبي في عرس آل مكتوم، فبرقعت الشمس وجهها لتخفف من أشعة حرارتها التي كانت قبل أسبوع واحد من الاحتفالات مثل لهيب شهر آب “تحرق المسمار بالباب”.

يبدأ الجمهور بالتدفق إلى ساحات الاحتفالات حوالي الساعة الرابعة عصراً، وغالباً ما كان صاحبا السمو الشيخ راشد وولي عهده الشيخ مكتوم والشيخ حمدان والشيخ أحمد أبناء الشيخ راشد في مقدمة حضور سباقات الخيل والهجن، تلك السباقات التي تعبر عن اعتزاز العرب بالفروسية، وعن حبهم لسفينة الصحراء. وكانت هذه السباقات تنظم يومياً ومنذ ما يقرب من أسبوعين من الزفاف الميمون.

ولطالما نالت سباقات الهجن والخيل استحسان وإعجاب الجميع. وكان العريس، الشيخ محمد بن راشد متألقاً في العروض والسباقات كافة، التي شارك فيها عشرات الفرسان وراكبو الهجن. ويتبع ذلك عروض ينفذها “شياطين الجو”، مظليو المنطقة العسكرية الوسطى الذين كتبوا أكثر من مرة اسم “محمد” في الجو، كما أسهمت الطائرات الحربية بتقديم عروضها الشائقة والصعبة التي كانت تأخذ بمجامع القلوب.

وإلى جانب ميدان السباق، كان المواطنون يعبرون عن ابتهاجهم بالحدث السعيد من خلال رقصات العيالة واليولة، وإطلاق الرصاص بالهواء من البنادق والرشاشات.

وبينما مئات بل ألوف الأعناق تكون مشرئبة في ميادين السباق، يكون مئات عدة يؤدون الرقصات الشعبية في الساحات التي أعدت لذلك مقابل قصر الضيافة.

أمّا فرق الجاليات فكانت تؤدي رقصاتها بطرقها الخاصة بها على أصوات الطبول والمزامير من جهة، وفرق الجاز والموسيقى العصرية من جهة أخرى، حيث اتخذت من الساحة ركناً وراحت تعزف وترقص وتغني.

جمعيات وفرق الفنون الشعبية في دبي، عجمان، الشارقة، رأس الخيمة، العين وأم القيوين، ومناطق الدولة كافة رفعت كلٌّ منها علمها الخاص بها وانضَّم راقصوها في حلقات لأداء مختلف أنواع الرقص الشعبي، بدءاً من العيالة إلى اليولة والعرضة والرزيف وسواها.

تستمر هذه الاحتفالات الرائعة التي تداخل فيها الزي الشعبي بالزي الغربي، وتشابكت فيها اللهجات المختلفة، وليس من موحد لها سوى الشعور الواحد، الابتهاج الواحد، بعرس الشيخ محمد بن راشد.

 

في ظل أعراس الوطن

بين عرس الشيخ الوالد وعرس الشيوخ الفرسان الثلاثة، أربعون عاماً بالتمام والكمال، انتقلت فيها دولة الإمارات، تحت قيادتها الرشيدة، وبجهود واهتمام وأفكار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي “رعاه الله ” إلى مصاف الدول الراقية والمتقدمة، شطبت كلمة “مستحيل” من قاموسها، “بلطت البحر” وزرعته أبراجاً شاهقة، استصلحت الصحراء وأنبتتها حدائق ووروداً ورياحين، وأصبحت قبلة لكل من ينشد حياة آمنة مستقرة ومزدهرة من جميع أنحاء المعمورة.

وتصدر جواز سفر الدولة المرتبة الأولى عالمياً، وبات المواطن الإماراتي يدخل نحو 170 دولة في العالم من دون تأشيرة مسبقة، معززاً مكرماً يستقبله مضيفوه بكل الود والاحترام والتبجيل.

وأصبح الهم الأول لحكومة دولة الإمارات، بقيادة الشيخ محمد بن راشد توفير السعد والسعادة لمواطنيها وللمقيمين على أرضها، الذين يتجاوز عددهم تسعة ملايين نسمة.

وراحت دول عريقة “عربية وأجنبية”، تستعين بخبرات حكومة الإمارات، والشركات الإماراتية، التي اكتسبتها خلال العقود الأربعة الماضية، وهي فترة لا تقاس بعمر الدول والشعوب عندما يكون ديدنها العمل على رفاهية مواطنيها، وتحقيق الأمن والاستقرار والكرامة لهم.

وحافظت دولة الإمارات على مكانتها ضمن أكبر المانحين الدوليين في مجال المساعدات التنموية الرسمية قياساً لدخلها القومي بنسبة 1.31% وبما يقترب من ضعف النسبة العالمية المطلوبة 0.7% التي حددتها الأمم المتحدة كمقياس عالمي لقياس جهود الدول المانحة.

صفحات من مجلة أخبار دبي
صفحات من مجلة أخبار دبي

 

واحتلت الدولة المركز الأول عالمياً كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم وفقاً للبيانات الأولية التي أعلنتها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وخلال عام 2017 بلغت القيمة الإجمالية لمدفوعات المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة من دولة الامارات 19.32 مليار درهم “5.26 مليارات دولار” بمعدل نمو 18.1% مقارنة بعام 2016 وتميزت المساعدات بأنَّ أكثر من نصف قيمتها تمَّ على شكل منح لا ترد “بنسبة 54%” وذلك دعماً للخطط التنموية التي تنفذها الدول المستفيدة.

واستفاد من هذه المساعدات أكثر من 120 دولة حول العالم، من بينها 48 دولة من الدول الأقل نمواً، فيما تركز المساعدات على التنمية والاستثمار بالدول النامية.

وإذا كان المجال يضيق لسرد ما وصلت إليه الدولة منذ تأسيسها، بفضل الله أولاً، ثمَّ اهتمام قيادتها الرشيدة، والتفاف شعبها حولها، وهذا ما لمسناه في احتفالات أعراس الشيوخ، التي تحولت إلى “أعراس الوطن كله”، فإنني أسوق هذه الحقائق والأرقام رداً على أحد الزملاء (صحافي عربي معروف – يكتب في صحافة الإمارات أحياناً) الذي قال لصديق مشترك بعد أن قرأ تغطيتي لعرس الشيخ محمد في إبريل 1979: إنَّ كاتبها “يقصدني دون أن يعرفني” يبالغ كثيراً في وصفه إلى درجة النفاق!

 

خاطرة الأسبوع.. أيام زمان!

في العدد 16 من مجلة “أخبار دبي” الصادر يوم السبت 21 إبريل 1979، كتب الأستاذ عمر الديسي، رئيس التحرير، في زاوية “خاطرة الأسبوع” وتحت عنوان “أيام زمان” مقالة جاء فيها: «وأنا في طريقي عبر حي الجميرا في دبي، شدتني هذه الأنوار المتلألئة الملونة المنتشرة في الموقع الرحب للاحتفال بعرس الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وزير الدفاع. ولقد سعدت بهذه الأنوار المتلألئة، وفرح قلبي، حتى إنني صرت في كلِّ مساء أمرّ بذلك الحي خصيصاً لاجتلاء تلك الأنوار التي شهدتها بالأمس. وقفزت إلى ذهني المفارقة، وتذكرت أقوال الكثيرين!

لقد اعتاد كلُّ إنسان أن يحنَّ إلى الماضي ويذكر أيام زمان بكل الخير. وإذا صحَّ ذلك على المستوى الفردي، فإنه يصحُّ أيضاً على المستوى الجماعي، حيث مازال الناس يذكرون مهرجانات الأعراس التي كان يغمرها الكرم، ويفيض منها العطر، وكان الناس يعايشونها حتى الفجر، وتستمر أياماً وليالي لا يمحوها الزمان.

تلك كانت صورة الأعراس عندنا معشر العرب من الخليج إلى المحيط، وإذا اختلفت التفاصيل، فإن الأصل يظل هو هو. حيث تعدُّ الأعراس أعياداً ومناسبات اجتماعية كبرى، تجمع القلوب وتبعث فيها السعادة، فالعرس هو عرس كل المجتمع.

وفي مقابل هذه الصورة البهيجة أذكر مرة أنني كنت في ألمانيا أطوف في أحد شوارع مدنها مع قريب لي، وإذ به يوقفني أمام درج هناك، ويقول لي: إنَّ هذا الدرج اسمه “درج السعادة” ذلك لأنه يؤدي إلى مكتب “الكاتب العدل” الذي يحرر عقود الزواج. فكل شاب وفتاة في المدينة يرغبان في الزواج هنا يصعدان هذا الدرج لينزلا زوجين بعد خمس دقائق بلا ضوضاء ولا حتى “حبة ملبس”!

وتساءلت أمام هاتين الصورتين: كم مرة يتزوج الإنسان في حياته؟ ثمَّ لماذا لا نصر على عناصر الجمال والسعادة التي ورثناها عن أسلافنا الذين عرفوا بالتأكيد كيف يعيشون أيامهم أكثر منا!

فإلى الذين يحنون إلى أيام زمان، أقول لهم: تعالوا إلى عرس الشيخ محمد، وأغنوا أنفسكم بساعات لا تنسى من تقاليدنا العريقة. إنَّ أعراسنا القديمة تلك التي تتمتع بالأبواب المشرعة، وتجرى في الهواء وحيث لا يحتاج المرء إلى بطاقة للدعوة!

وبالتأكيد أنَّ من سيشهد هذا العرس سيصرُّ على الاعتزاز بكل ما يشهده، ويصرُّ على التمسك بكل مظاهر هذه الأعراس التليدة السعيدة.

قد يكون عرس الشيخ محمد واسع الإشهار، فهو عرس شيخ، ولكن المبدأ هو مبدأ التمسك بهذه التقاليد الجميلة سواء أجريت على نطاق واسع، أم على نطاق ضيق وفق ما تطوله اليد».

 

المرأة والمهور والزواج المبكر

المرأة هي الوجه المضيء للحياة وهي الصدر الحنون الذي يحتاجها أيُّ رجل ليريح عليه رأسه.

أعظم النساء هي الأم الصالحة ثمَّ الزوجة رفيقة الدرب ثمَّ البنت التي يحتاجها الأب عندما يشيخ.

 

أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أنَّ المرأة هي الوجه المضيء للحياة، وهي الصدر الحنون الذي يحتاجه أيُّ رجل ليريح عليه رأسه، وأعظم النساء هي الأم الصالحة، ثمَّ الزوجة رفيقة الدرب، ثمَّ البنت التي يحتاجها الأب عندما يشيخ؛ فالبنات أكثر حناناً من الصبيان إذا ما احتاج إليهم الوالد المسن. وأكد سموه أنه من أنصار الزواج المبكر بشرط أن يكون الشاب تأهل لذلك من كل النواحي حتى يكون أهلاً لمسؤولية البيت والزوجة والأولاد.

 

جاء ذلك في حوار أجراه مع سموه الزميلان عمر الديسي ومحمد نوراني (رحمه الله)، ونشر في العدد 16 من “أخبار دبي” بتاريخ 21 نيسان / إبريل 1979. نقتطع تالياً جزءاً منها:

 

  • (العرس الذي يقوم على الرغبة الشخصية والتراضي). هكذا تقول أنت.. وأنا كصحفي أفسر ذلك بالبنط العريض «وزير الدفاع ينادي بالحب».

 

  •  ولماذا بالبنط العريض؟! ولماذا رجعت إلى مخاطبة الشخصية العسكرية؟ ألم أقل لك إنَّ الوزارة قيد ثقيل! لماذا إذا قال شخص عادي إنَّ الزواج يجب أن يقوم على الحب.. كان حديثه عادياً لا يلفت الانتباه، وإذا قاله وزير.. وزير دفاع على وجه التخصيص كان مادة صحافية مثيرة؟! إنني أسألك أنت نفسك لماذا؟

 

  • لأنَّ صرامة أي وزير دفاع هي ضد وداعة الحب وشفافيته.. وزير الدفاع أبداً منتصب القامة ممنشق لكبريائه.. في حين أنَّ الحب هو المعبد الذي يسجد فيه جميع المحبين.. وتذل فيه الجباه إذلالاً مستطاباً!

 

  • لا أعرف لماذا تفصلون للشخصية العسكرية زياً صارماً وسلوكاً جافاً بين الناس.. كأنما خلق لوظيفته العسكرية فقط!

محمد بن راشد متحدثاً إلى عمر الديسي ومحمد نوراني “رحمه الله”
محمد بن راشد متحدثاً إلى عمر الديسي ومحمد نوراني “رحمه الله”

 

  • هل أفهم من هذا أنك لست عسكرياً بطبعك.. وأنَّ منصب وزير الدفاع فرض عليك وقبلته؟!

 

  •  لا، ليس بهذا التحديد الذي في السؤال! إنما أنا في دخيلة نفسي منضبط، عشت الانضباط العسكري وأنا في سن التأهيل، فتطبعت تصرفاتي بنوع من الجدية والخطوات النظامية، لذلك عند تقسيم الحقائب الوزارية كانت وزارة الدفاع أنسب وزارة لي.

 

  • لكنك من الداخل؟!

 

  • أنا من الداخل شخص عادي، وأحب الشخص الذي يكون على سجيته، وكثيراً ما أجالس نفسي؛ أخاطبها، تارة أسمعها كلمات شعرية، وتارة أحكي لها وتحكي لي بعض النكات. فأضحك وتضحك معي.. وكثيراً ما أستمتع بتلك الخلوة، وأحلق بعيداً عن دنيا الناس وعن الضوضاء، حيث أخترق نتف السحاب، وأطارد عين الشمس.

 

  • بما أنني صحافي سأقول أيضاً: إنَّ وزير الدفاع شاعر شريد الخيال.

 

  • لماذا لا تستطيع أن تنسى أنك صحافي؟ فأنا أريد أن أسترخي، واستطعت أنت أن تدخل عليَّ من الباب المضيء. أنا فعلاً أحاول كتابة الشعر من وقت لآخر.. والشعر الغنائي على وجه الخصوص.

 

  • إذاً أنت تؤمن بالحب؟

 

  • دلني على شخص لا يؤمن بالحب! الحب ليس عيباً، وكلُّ نفس إنسانية معافاة مفطورة على الحب، لكن المجتمع الضيق والبيئة المتزمتة وتصرفات كثير من شباب اليوم الذين يستوردون ويطبقون ما يرونه في الأفلام السينمائية والتلفزيونية.. كل ذلك جعل بعض الناس يتحدثون عن الحب وكأنهم يتحدثون عن خطيئة.

 

  • هل أستطيع أن أسأل هل أحببت من قبل؟!

 

  • إنني أحب ألف مرة في اليوم الواحد؛ أحب العمل، أحب الواجب، أحب الناس.. وأحب وأحب. والحب أنواع كثيرة، ونحن نضيِّق المعنى الواسع للحب إذا قصدنا به حب الشاب للشابة، الذي يجب أن يؤدي إلى الزواج، ولولا التعامل بالحب في مختلف الأوجه لما أمكن احتمال الحياة.. والحب كالماء يختلف في شكله حسب المحيط الذي يكون فيه الحب اتصال روحين من شأنه أن يوفّر الثقة، الاطمئنان النفسي، والحياة المستطابة.

 

  • وكيف ترى المرأة؟!

 

  • المرأة هي الوجه المضيء للحياة، وهي الصدر الحنون الذي يحتاجه أيُّ رجل ليريح عليه رأسه، وأعظم النساء هي الأم الصالحة، ثمَّ الزوجة رفيقة الدرب، ثمَّ البنت التي يحتاجها الأب عندما يشيخ؛ فالبنات أكثر حناناً من الصبيان إذا ما احتاج إليهم الوالد المسن.

 

  • وكيف ترى الشاب؟

 

  • الشاب يجب أن يكون طموحاً، ساعياً إلى هدف بعينه، وأن يوصف بأنه شاب يحاول دائماً؛ فذلك يعني أنه متجدد الطموح، وأنَّ طموحه وثّاب لا يقف عند حد، وأنه متطلع دائماً للأفضل والأحسن، وأن يحاول بجانب ذلك رفع مستوى الذين من حوله.

 

  • وكيف ترى الفتاة؟

 

  • أولاً الفتاة يجب أن تأخذ قسطاً وافراً من التعليم؛ فهي التي تربي جيل المستقبل، وهي فوق ذلك يجب أن تحافظ على شرفها، وأن تصون سمعتها وسمعة أهلها من كلِّ ما يخدش كرامتها وحياءها.

راشد بن سعيد ومحمد بن راشد وحمدان بن راشد والشيوخ يتابعون فعاليات العرس
راشد بن سعيد ومحمد بن راشد وحمدان بن راشد والشيوخ يتابعون فعاليات العرس

 

  • محمد بن راشد.. هل هو من أنصار الزواج المبكر؟

 

  •  بشرط أن يكون الشاب قد تأهل لذلك من كل النواحي حتى يكون أهلاً للمسؤولية؛ البيت والزوجة والأولاد.

 

  • قد تكتمل شخصية الشاب من النواحي الأخرى.. لكن الناحية المادية تظل دون الحد الأدنى المطلوب للزواج وتأسيس بيت، خصوصاً إذا كان الشاب موظفاً محدود الدخل!

  • يغالي بعض الشبان في ميزانية الزواج ويعتقدون أنهم لكي يفكروا في الزواج لا بد أن يكون لديهم عشرات الآلاف.

 

  • إذا سمحت لي، إنَّ الذين يغالون هم الآباء الذين يطلبون مهراً غالياً لبناتهم، وليس الأبناء؟

 

  • بالتأكيد ليس هناك من يدافع عن الأب الذي يطلب مبلغاً كبيراً في مهر ابنته؛ لأنه بذلك يثمنها كأيِّ بضاعة لديه، والآباء بذلك يسهمون في دفع كثير من شبابنا للزواج من الخارج، وأنا ضد ذلك، لكن إذا كان مستطيعاً مالياً لظروفه الشخصية أو ظروف عائلته، أو عائلة العروس التي تقدَّم إليها، فلماذا نمنعه من أن يبسط يده في عرسه؟! فالشاب يتزوج مرة واحدة، وليلة زواجه أعظم الليالي، كما يقال.

 

  • أنا معك، أن يتزوج الإنسان مرة واحدة، خصوصاً في هذا العصر الذي أصبح الناس فيه يلوذون بالحكمة التي تقول: إنَّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!

  • أنت الذي تقول هذا وعليك أن تتحمَّل مسؤولية هذا القول. أما أنا فإنني أعود لأذكر بالحديث النبوي الشريف الذي يقول: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه».

محمد بن راشد يشارك في سباقات الخيل بمناسبة عرسه
محمد بن راشد يشارك في سباقات الخيل بمناسبة عرسه

 

العيالة.. رقصة الرجولة
العيالة.. رقصة الرجولة

 

 

ففي هذا الحديث توجيه واضح بعدم النظر إلى المادة في إقرار الزواج، وإلى نبذ العقبات المادية التي أوجدتها التقاليد في سبيل تهيئة العش الزوجي السعيد. ولا شك أنَّ إرهاق العريس بنفقات الزواج، حتى قد يستدين من أجل ذلك، قد يقلب سعادته شقاء ويؤثر في علاقته بزوجته، ويؤدي إلى أوخم العواقب. وأعود أيضاً إلى التذكير بحديث نبوي آخر معناه: «أكثر الزوجات بركة أيسرهن مهراً».

  • هنا لا بدَّ لي من مقاطعتك صحافياً، وكم دفع محمد بن راشد مهراً؟!

 

  • قد لا تصدق، إنني لم أدفع غير المهر الشرعي الذي باستطاعة أيِّ شاب في دولتنا أن يدفعه. ولكني لا أخفي أنه كان يتحتَّم عليَّ أن أقدِّم أشياء أخرى من هدايا وغيرها تنسجم مع التقاليد وتوفِّر جو العرس الذي يرغب كلُّ أبناء مجتمعنا في أن يعيشوه ليالي عدة.. فمن المعلوم أننا هنا مجتمع متآلف، والعرس فيه هو عرس للجميع ويشارك فيه الجميع، وكان علينا أيضاً أن نظهر نعمة الله علينا بهذه المناسبة وأن نوفِّر المشاركة الشعبية على أسعد ما نستطيع.