1,898 عدد المشاهدات
الدكتور محمد يوسف – أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة والتصميم بجامعة الشارقة
الشيخ زايد هو صاحب اللوحة الأولى في التشكيل الإماراتي المعروف، ويكفي أننا نعيش هذه اللوحة الجميلة ونستظل بظلها ونستمتع بهذا الجمال، ومن حقنا أن ندرك أنه لولا هذا الرسام لما كانت الإمارات العربية المتحدة تاريخ الأمس والحاضر على الأرض و«خليفة سات» في السماء، إنها الإمارات، فبعد أن جلس على الأرض وخططها بعصاه بخطوط رملية أصبحت الإمارات على ما هي عليه الآن.
والتشكيل الإماراتي يبدأ من تلك الخطوط والرحلة البسيطة إيماناً بالدور الذي يلعبه الفنان الإماراتي في تسجيل واقعه الذي فرضته موجات التحضر والانتقال من حياة بسيطة شعارها العيش الكريم إلى حياة تسابق الزمن، فهو إنسان يتعدى الحدود في تنفيذ أحلامه وهو حقٌّ مشروع لكل البشر.
زايد هو باني نهضة الإنسان الذي يتكامل مع الآخرين في العلم والثقافة والفنون والاجتماع مع تأكيد الحضور السياسي المسالم ليحمل رسالة المساواة مع الآخرين نهجه التسامح واحترام الطرف الآخر.
وما يهمني هنا كوني شاهد عصر بين قرنين على الثورة الثقافية التي بدأناها لا من الصفر، ولكن من حيث انتهى الآخرون معتمدين على الإرث الذي تركه الأجداد، ومكملين مع الأسلاف في شتى المجالات الثقافية.
حراك وانطلاقة
والتشكيل في عهد الشيخ زايد له نصيب بارز في التحرُّك الفني المحلي والعربي والدولي وذلك من التشجيع، والمشاركات الخارجية والدولية في انتشار الإمارات دولياً، حيث التشكيل الوزاري الأول ودور وزارة الثقافة والإعلام واهتمامها بالتشكيل الإماراتي، ودور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في ذاك الوقت على تحقيق الإشهار لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية ودورها الكبير في نشر الوعي الفني، التأسيس والتكوين والانتشار على مستوى الدولة في تكوين الفروع، خاصة لو عرفنا أنَّ الدولة كانت حتى الأمس القريب تسارع الزمن من أجل اللحاق بالركب على كل المستويات، وكانت الثقافة العنوان الأبرز في هذا السباق.
مع إشهار الجمعية في أواخر السبعينيات وعودة الخريجين إلى الدولة من شتى الجامعات العربية والأجنبية، أصبحت الحاجة ملحة لتأسيس هذا الكيان لتعدد التخصصات، وبعد الإعلان عن قيام الدولة بخمس سنوات ومع البعثات التعليمية الرسمية من قبل الدولة، وإن كان هناك فنانون قد سبقوا الخريجين وممن كان لهم الأثر الطيب حتى يومنا هذا، مثل الفنان القدير الأستاذ عبدالقادر الريس، والفنان الراحل حسن شريف، والمكتبة العامة في دبي في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، والفنان عبدالرحمن زينل، وفاطمة لوتاه وبعض الأسماء التي توقَّفت عن التشكيل إلا من البدايات مثل محمد أمين غياث. وفي النشاط نفسه كانت هناك حركة نشطة على مستوى المعلمين الأوائل بالدولة من قبل الاتحاد، والذين قاموا بتدريس التربية الفنية كالفنان ضاعن جمعة، والأستاذ ناصر الشامسي، والدكتور عبيد الهاجري، والمرحوم المهندس عبدالمحسن النومان بالشارقة.
زهو الثقافة
لقد ازدهر التشكيل في عهد الشيخ زايد كما ازدهرت الثقافة كلها، فبرزت مؤسَّسات كثيرة ومن أهمها: وزارة الثقافة والإعلام وكان دورها داعماً للفنون من خلال المعارض الخارجية لنشر الحياة التشكيلية الإماراتية وتدعيم الحياة السياحية، والعمل على تقديم صوت الإمارات ليصل إلى الآخرين موصولاً بالصورة الحضارية، وكان للفنون التشكيلية جناح خاص في كل محفل تشرف عليه الوزارة إلى جانب الفنون الأخرى، كما أنَّ الدعم المادي السنوي للجمعيات لعب دوراً مهماً في هذا المجال، وكذلك الدعم المعنوي، فقد عمل سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان على جعل اللوحة الفنية المحلية خير سفير للإمارات داخل وخارج الدولة، وهذا ما أكدته عمليات الاقتناء لأعمال الفنانين تشجيعاً لدورهم الحضاري. كما نخص بالذكر الأستاذة حصة العسيلي، وعلى مستوى الإدارات نذكر الأستاذ عبيد القصير، وعبد الوهاب الرضوان، وعبدالرحمن الصالح، والشيخة ميسون القاسمي وآخرين، وكان على رأس هذه الوزارة أسماء كبيرة مثل المرحوم الشيخ أحمد بن حامد، والمرحوم خلفان الرومي، ومن الوكلاء سعادة الدكتور عبد الله النويس وصقر غباش.
لقد اهتمت الوزارة بالمطبوعات الفنية، وعملت على نشر التشكيل من خلال الورش الفنية واستضافت العديد من الفنانين المرموقين في ذلك الوقت.
وأيضاً اهتمت وزارة الثقافة بإنشاء المراسم الفنية وافتتاح فروع لها في أنحاء الدولة، وعملت على إرسال الفنانين في دورات وورش تدريبية خارج الإمارات، ما كان له الأثر الإيجابي في تطوُّر الحركة التشكيلية ونموها السريع.
شغف الفنون
كما أثرت وزارة التربية والتعليم في تنشئة جيل محب للعمل الفني من خلال مادة التربية الفنية، وأدى هذا إلى ازدهار المعارض المدرسية ونشطت على مستوى الدولة، والتنافس أصبح واضحاً في المناطق التعليمية في ذلك الوقت ونخصُّ بالذكر الشارقة ودبي ورأس الخيمة وأيضاً العين.
وقد ركزت التربية الفنية على الفنون اليدوية كالفخار والسيراميك والمشغولات الطينية، بل تعداها الأمر إلى اكتشاف طينات محلية كما هو في البقعة الحمراء بالشارقة وغيرها من المناطق.
وقد حصدت مشاركات الفنانين الصغار بعض الجوائز الدولية، ومن أهمها شنكار وغيرها من الجوائز في كوريا واليابان، إضافة إلى المشاركة في المسابقات العربية والدولية الأخرى.
ويستمر التشكيل في عهد زايد بالازدهار، حيث أفرزت جامعة الإمارات العديد من المواهب الفنية عبر المرسم الحر الذي لعب دوراً واضحاً في تعزيز التشكيل المحلي، من أمثال الفنان محمد الأستاذ، وعبد الله العامري، وعبد الله بوقيش وغيرهم، وتحت إشراف خبراء منهم الأستاذ الفنان محمد عزيز الخاني.
وحين نذكر المراسم لا بدَّ من الإشارة إلى مراسم أبوظبي التي تمكَّنت من احتضان العديد من المواهب وكانت تتبع المجمع الثقافي، القلعة النشطة في ذلك الوقت في فترة الثمانينيات إلى أواخر التسعينيات، حيث تمكَّنت من تنظيم العديد من الدورات والورش، ونخص بالذكر الأستاذة شاهينة أجمل، وعلى الرغم من أنَّ غالبية أعضائها المنتسبين من الأجانب والمقيمين بالعاصمة ومن الجاليات، فإنها أيضاً سجلت وجوداً لمجموعة من المواطنين مثل الفنان محمد الأستاذ، والفنانة خلود الجابري، وفهد الجابر وعبد الله العامري، وعلى مستوى الخط العربي وفنون الزخرفة كان للخطاط الفنان محمد مندي دور كبير في إشرافه على الدورات التي تعنى بالخط العربي وزخرفته، وعلى مستوى المعارض الفنية كان للأستاذة ريم متولي جهد كبير في تنظيم المعارض المحلية والدولية.
ويستمر التشكيل الإماراتي في التطور خلال عهد الشيخ زايد، طيَّب الله ثراه، متجلياً داخلياً وخارجياً.
ولا بدَّ لنا من ذكر الراحل الفنان حسن شريف، حيث أشرف على اكتشاف العديد من الفنانين عندما كان مشرفاً على المرسم الشبابي، ومن أهمهم محمد كاظم، وخليل عبد الواحد وحسين شريف وغيرهم.
شريان الفن
شكَّلت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية شريان الحياة التشكيلية بالدولة، والتي أخذت على عاتقها نشر الوعي التشكيلي في الدولة واكتشاف المواهب، وذلك من خلال الورش والدورات التدريبية خاصة، وتكوَّنت بعد عودة الخريجين من العراق ومصر وسوريا وبريطانيا والولايات المتحدة، والتي تحمَّلت الجزء الأكبر في هذا المجال، وذلك لعدم وجود الجامعات والكليات المعنية بهذا الخصوص.
فأقامت العديد من الدورات وبإشراف أعضاء الجمعية من الفنانين، والذين تخرجوا حديثاً في الجامعات والكليات الفنية المتعددة، وهنا أيضاً لعبت الجمعية، بكامل أعضائها، دوراً مهمّاً خاصة الإخوة الأعضاء المنتسبين من العرب والموجودين على أرض الدولة، حيث قدَّموا عصارة جهدهم وخبراتهم كما هي الحال بالنسبة إلى الفنان إحسان الخطيب، ويوسف الدويك وياسر الدويك، وخالد الفيروز، وعدنان الساجر والفنان الراحل عبد اللطيف الصمودي، والأستاذ حسن المبارك، ومحمد مختار والدكتور صلاح شيرزاده، حيث أشرف على الفنانين محمد عيسى خلفان، وماجد المازم، فضلاً عن الفنان حيدر إدريس الذي اهتمَّ بتدريس الخط الزخرفي، وأيضاً الفنان الخزاف محمود حسن والفنان سالم جوهر.
لقد لعبت الجمعية دوراً كبيراً في تطوُّر الفنون من حيث المعارض الفنية والورش التدريبية، حتى كان معرضها السنوي ملتقى لكل المبدعين والعاملين بالحقل الفني، حيث يحرص الجميع على المشاركة في هذا المعرض، كما أنَّ معارض الجمعية تطوَّرت من معارض محلية إلى خارجية تستضيف أجنحة خليجية وعربية وأجنبية حتى وصلنا إلى تكوين بينالي الشارقة للفنون، وهو نافذة دولية تعنى بالفنون الحديثة، وهذا ما يبين مدى التطوُّر الفني التشكيلي في الدولة.
ومن أهم منجزات الجمعية في عهد الشيخ زايد طيَّب الله ثراه، أنها تفرَّعت منها جمعيات عدة مهمّة حالياً على أرض الدولة منها جمعية الإمارات للتصوير الضوئي، وجمعية الإمارات للخط العربي والزخرفة، كما تكوَّنت بها جماعات فنية عدة كان لها أطيب الأثر في تطوُّر الفنون مثل جماعة 4+1، وجماعة الجدار وجماعة أبيض وأسود كما برزت المعارض التخصصية.
ومن المؤسَّسات الثقافية التي أسهمت في رصد التشكيل الإماراتي مؤسَّسة سلطان بن علي العويس، التي أقامت المسابقات الفنية، وخاصة جائزة الفنون التشكيلية، وكانت رافداً في التسابق لنيل هذه الجائزة، كما أسهمت باستضافة العديد من الفنانين العرب المميزين، إضافة إلى المحليين وكانت لها بصمة واضحة في إتاحة الفرصة للجمهور لمتابعة العديد من الفنانين في مقرها في شارع الرقة.
ومن العوامل التي ساعدت على تطوُّر الفنون التشكيلية، وخاصة في الشارقة، تطوُّر فنون النقد، حيث رصدت لها جائزة سنوياً ضمن منهج دائرة الثقافة والإعلام، كما أنها عملت على تأكيد مهرجان للفنون الإسلامية، وكذلك بينالي للخط والزخرفة الإسلامية.
وواكب تطوير التشكيل بروز العديد من الغالريات الفنية ما بين دبي وأبوظبي والتي تقدم العديد من الأسماء العالمية لعرض أعمالهم على أرض الإمارات، التي تجتمع ضمن «آرت أبوظبي» و«آرت دبي» ما أسهم كثيراً في هذا التطور الواضح.
ولا يخفى على أحد أن وجود فرعين لمتحفي اللوفر وجوجنهايم في الإمارات هو دليل واضح لما بذره وأعطاه الشيخ زايد لهذه الأرض وفنانيها.
فالتشكيل في عهد الشيخ زايد كان مؤسساً لثقافة تصادق الفنون وتحتفي بالفنانين، حتى باتت المعارض والبيناليات لا تخلو من حضور إماراتي لافت ومميز.