5,658 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
سألت المتخصصين في علم الحمض النووي عدة مرات: هل يُؤخَذُ بهذا العلم في الأنساب البعيدة؟ فاختلفت آراؤهم، لكنهم يختمون كلامهم بأنَّ فيه نسبةً من الصحة، فأقول: ما دام الفحص يحتمل الصواب والخطأ فهذا عند أهل العلم من الظن، ولا يغني الظن من الحق شيئاً، وهذا الذي دعاني إلى أن أتركه. وقد اجتهدت في جمع العينات من الإمارات والسعودية والبحرين والكويت منذ 11 سنة، وقد درستها وحلَّلتها ثمَّ قررت هجر فحص الحمض النووي لأسباب كثيرة، سأذكر بعضها في هذه المقالة، وسأستشهد بما قاله العلماء. وحديثي عن هذا الموضوع يأتي من أجل تبيين الحق وإيقاف الوهم الذي عمَّ المجتمعات الخليجية، وأدخل أبناء القبائل العريقة والأسر في حيص بيص من كثرة الأقوال والمتاهات التي دخلوا فيها بغير علم، حتى إنني وجدت أحدهم يهنئ الآخر إذا خرج حمضه النووي يشابه حمضاً معيناً يعدونه الحمض العربي! وهذا من الأعاجيب والمصائب العلمية التي ابتلي بها العامة في هذا الوقت، وليس هناك مستفيد غير شركات الفحص التي تفنَّنت في تزيين هذه الفحوصات النووية من أجل كسب المال وزيادة الأرباح والضحك على المهووسين بالأصول من العرب والعجم. ولهذا فسأجعل في مقالتي وقفاتٍ لكي نثري العلم ونستفيد من الحوار.
الوقفة الأولى
أيها القارئ الكريم، لنعلم أنَّ الحمض النووي له استخدامات متعدِّدة؛ منه ما يفيد الأمن والقضايا والصحة وعلوماً أخرى، وهناك ما أولع به الناس لمعرفة أصولهم البعيدة، وهذا فيه تفصيلٌ، وسأشير فقط إلى الباحثين فيه من العرب.
لجأ الباحثون عن تاريخ الأنساب العربية إلى علم الحمض النووي عندما لم يجدوا أجوبة عن أسئلتهم؛ بسبب عدم وجود التدوين في علم الأنساب، وانقطاعه منذ القرن الثامن تقريباً منذ الاحتلال التركي الذي أدخل العرب في ظلام الجهل، واختفاء أسماء القبائل القديمة مثل قبيلة عبس وتغلب وغيرهما لأسباب مجهولة، وتشكّل مسمّيات جديدة للقبائل العربية لم تكن معروفة في كتب الأنساب الأولى مثل سبيع وعتيبة ومطير، واختلاط الأسر والأفخاذ، والتغيُّر الجغرافي الكبير لها، ممّا يدخل أيَّ باحث في الأنساب في مرحلة الإحباط، وهذا الذي ذكره كثيرٌ من الباحثين، ومنهم الشيخ حمد الجاسر، وكم نشر في مجلته من البحوث والردود عليها، ورماه بعض الباحثين بأنَّ بضاعته في الأنساب مزجاة، والحقيقة أنَّ عدم وجود التدوين والدلالات القوية على الأنساب القديمة تجعل بضاعة جميع من دخل في هذا العلم الضعيف أصلاً بضاعة مزجاة.
ولهذا السبب وغيره وجد الباحثون في الأنساب في (علم الحمض النووي (DNA ضالتهم، وبدؤوا يفتون فيه ويؤصِّلون ويفرِّعون، واختلفوا كثيراً واقترحوا عدة مرات نوع الحمض النووي العربي ثمَّ يعودون فيغيرونه، ثمَّ وصلوا إلى طرق مسدودة فغيَّروا وبدَّلوا خلال السنوات الماضية، فكلما خرج شيءٌ جديدٌ غيَّروا.. وهكذا. وقد جمعت كثيراً من هذه الفتاوى الحمضية المتغيرة التي تضحكني كلما قرأت فيها كلامهم واستنباطهم بغير دليل، وإنما هي خطرات وهواجس لا أول لها ولا آخر.
الوقفة الثانية
إنْ سألت أحد هؤلاء الذين يخوضون في علم الحمض النووي وينافح عن دراساته فيه: هل درست الحمض النووي؟ أو هل لديك شهادة فيه؟ فسيقول لك غالباً: لا! فنقول: كيف لأناسٍ لا علمَ لهم ولا دراسَة في هذا المجال أن يُنَصِّبُوا أنفسهم مراجع فيه، ويفتون في أنساب القبائل باليقين، ولا يغمض لهم جفنٌ من الثقة التي يعيشون فيها! والأغرب في هذا الموضوع عندما نسأل علماء الحمض النووي يقولون: إنَّ نسبة معرفة المجموعات العرقية الكبرى تصل إلى 80 و90%، وهنا نسبة الخطأ 10% وهذه النسبة كفيلة بأن نقول هذا الفحص لا يعتدُّ به، فكيف بالأصول والأنساب الأقرب التي نسبة الخطأ فيها مرتفعة جداً.
الوقفة الثالثة
شركات الفحص لا تتفق على نتيجة واحدة، فعندما ترسل الفحص الواحد إلى هذه الشركات فستفاجأ بأنَّ النتائج مختلفة؛ مما يسقط حجية هذه الفحوصات، وهذا برنامج «60 دقيقة»،
وهو برنامج أمريكي شهير، قام بعمل تجارب في هذا الموضوع، وأرسل عينة لامرأة إلى ثلاث شركات تعمل في مجال الحمض النووي، وكانت النتيجة صدمة لهم، حيث كانت النتائج الثلاث مختلفة!
أذكر عندما قمت بإرسال أول فحص لي، أنني لم أنم تلك الليالي إلا قليلاً؛ خوفاً من أن أحصل على فئة غير فئة العرب التي توافق عليها الباحثون بعد اقتراحهم أولاً فئة أخرى، ولكن بعد خلاف طويل حينذاك اتفقوا تقريباً على هذه الفئة كأنهم أرادوا أن يقتربوا من الفئة التي تعارف عليها اليهود؛ لأنهم أقرب البشر لنا، كما هو معروف، ثمَّ جعلوا تلك الفئة رمزاً لجنس آخر بعد أن كانت هي فئةً للعرب.
وهكذا بقيَت التخبُّطات في ليل مظلم، وأنا معهم أدافع عن الحمض النووي وقوته بعد أن أولعت به أشد الولع ووثقت به؛ لأنني كنت أظنُّ أنه سيفتح لي كلَّ مغلق من أنسابنا وأنساب العرب، ويجيبني عن كثير من الأسئلة، ولكن مع مرور الأيام وفحصي لأناس من العرب الأقحاح، فوجئت بأنَّ عينتهم خرجت في فئات غير عربية، وجدت نفسي في وضع لا أحسد عليه، ومن فحصتهم يصرون على أن أبعث لهم نتائجهم، حيث إنَّ بعضهم خرجت نتيجتهم كنتيجتي، وبعضهم خرجوا من غير الفئة التي تعارف عليها الهواة الذين أدخلوا أنفسهم في هذا الفن بغير علم، وصنفوا الناس كما يشاؤون؛ فأخذت قراري بألَّا أرسل لأحد هذه النتائج وأتركها إلى الأبد، وآليت أن أنصح كلَّ من يسألني أن يترك هذا الفن للعلماء الذين تخصصوا فيه ودرسوه في دراساتهم الجامعية والعليا، فهم الوحيدون الذين يميزون الصحيح من الخطأ، ولديهم من القواعد العلمية الأكاديمية ما يقيهم من الوقوع في براثن الأخطاء الكبيرة.
الوقفة الرابعة
سألني مرة أحد بني هاشم، ممن لهم مشجرات معروفة توارثوها عن أجدادهم منذ مئات السنين، وكان حزيناً، عرفت ذلك من نبرة صوته، قال لي: خرج فحص الحمض النووي ولم أعد هاشمياً حسب الفحص، وأنا حزين جداً! فقلت له وأنا أضحك: في أي فئة وضعوك؟ قال: في العرب، ولكن في كنانة! فضحكت وقلت: وهل هاشم إلا من كنانة.. إن دخلت هذا الميدان الخاسر مرة أخرى فلن أكلمك ولا أعرفك.
ولهذا السبب ولأسباب كثيرة أنصح كلَّ من ينتسب إلى بني هاشم من أصحاب المشجرات الصحيحة وتواتر الأمر بذلك أن يبتعدوا عن سفاسف الأحماض النووية، وليعضوا على مشجراتهم بالنواجذ، ولا يبعدوا النجعة كي لا يضلوا عن الصراط المستقيم، حتى نجدَ رفات الجد هاشم بن عبد مناف ونفحصه ونقارن به من يتصل به نسباً، ومن انتسب له كذباً، وحتى يأتي ذلك اليوم أنصح جميع أحفاده بالابتعاد؛ لأنَّ بني هاشم خرجت نتائجهم على سلالات وراثية عدة، ولا نعلم أيُّها الأصح منها كماً، وهذه السلالات الوراثية لبني هاشم كما يلي حسب ما اطلعت عليه بنفسي وما وجدته في المشاريع الأخرى: J1، J2، E، G، R، Q ولا يعقل أن تكون كلُّ هذه السلالات من رجل واحد، ولا بدَّ أن تكون سلالة واحدة، وبسبب عدم وجود الحمض النووي للجد الأول فهذا يجعل التأكيد مستحيلاً؛ فليس هناك ما يثبت أي هذه السلالة هي السلالة التي حملها جدهم هاشم، فإذا سلمنا لإحداها أنها الصواب فسيأتي آخرون ويقولون: لماذا لا تكون هذه السلالة وليست تلك؟!
لا بديل عن المشجرات
وعلى هذا، فمختصر القول: إنَّ الحمض النووي لا يمكن أن يكونَ بديلاً للمشجرات القديمة التي ورثناها عن أجدادها، أو ما تعارف عليه الناس في الأنساب شرعاً وعلماً، وإنَّ الذين ابتلوا به وأصبحوا يفتون فيه بغير علم ولا دراسة جامعية محقّقة فيه، عليهم أن يتركوه لأهله، ولا يفتنوا الناس ويبنوا أحكاماً على قواعدَ من الجهل، فإذا قام العلماء المتخصِّصون فيه، ولم يكونوا تجاراً مثل هذه الشركات، وطوروا في هذا العلم واقتربوا من الصواب، فهنالك يمكن أن يستأنس بنتائج الحمض النووي في علم الأنساب، ولكن لا يُؤْخَذُ به على سبيل القطع واليقين.
أبحاث طويلة
الحديث حول الحمض النووي والأنساب وما جرى فيه من مساجلات وتناقضات ولا تزال، يحتاج إلى أبحاث طويلة، وأنا في مقالتي هذه أحاول الوصول معكم إلى نتيجة مقنعة حول السلالات الوراثية من خلال الحمض النووي، وليس من خلال ما تعارف عليه الناس من أنسابهم وما ورثوه من مشجراتهم، إن كانت لديهم مشجرات، التي سادت لعشرات القرون حتى ابتدعت الشركاتُ فحصَ الأحماض النووية، وعاث فيها الهواة لعباً، وجنت الشركات منها أرباحاً كثيرة! وقد مضى الآن وقت طويل منذ خاض العرب هذا الوحل النووي لمعرفة أنسابهم، وخرجوا بقناعات خاصة، وبها يهاجمون كلَّ من يخالفهم أو يأتي بنتائج غير نتائجهم، ومَن يُرِدْ أن يعرف هذه الحروب بين الباحثين الهواة غير المتخصِّصين في هذا العلم الحديث جداً والدقيق للغاية، فما عليه إلا أن يدخل محيط الإنترنت و(يقوقل) ما شاء أن (يقوقل)، وسيجد العجائب خلال 14 سنة مضت، وكيف تغيَّرت أفكارهم ونتائجهم، فهي مجموعة من ظنون لا تغني من الحقِّ شيئاً.
وقد دار حديث بيني وبين بعض الإخوة الباحثين حول الأنساب بالحمض النووي في مجلس أخي المؤرخ راشد بن عساكر في مكتبته العامرة في الرياض بمنطقة منفوحة التاريخية، فأخذنا في مسائلَ كثيرةٍ، وكان بينهم قاضٍ فاضلٌ يعمل في محاكم مكة، وسأختصر لكم ما جرى من نقاش، ومنه أنني قلت لأحدهم: هل هذا الفحص النووي يقينيٌّ أم ظنيٌّ؟ فقال: ظنيٌّ لكنه يميل لليقين! فقلت له: إذا لم نفحص عينات ممثلة لقبيلة ما ونفحص الحمض النووي للجد الجامع فإني أعدُّه تخبطاً؛ لأننا لا نملك عينة الجد الأول الجامع، ولم نفحص معظم القبيلة، والفحص كلُّه ظنيٌّ فهذا لا يقطع به، وإن جاريتك فسأقول: إنه يستأنس به ولكن لا ينفي ما توارثناه من مشجرات، أو ما تعارفت عليه القبائل والأسر. ثمَّ سألت القاضي الفاضل فقلت: هل يسقط الحمض النووي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش»، أي ما وُلِدَ في فراش الزوجية من الأولاد يُنسَب إلى أبيه. فقال القاضي: الحديث قاعدة شرعية وقانون نتحاكم إليه، والشرع مقدَّم على مثل هذه الفحوصات إلا إذا حصل اللعان، فهذا أمر آخر كما بيّن الشارع الحكيم. فقلت: إذا كان الحمض النووي لا يخرج الولد من فراش الزوجية، فكيف نخرج أناساً وأسراً من قبيلتهم إذا خرجت نتيجة الفحص مخالفة لباقي أفراد القبيلة!
ثمَّ اتجهت بالسؤال لآخر من الحضور: فقلت لو دقَّ عليك شخص من عرق آخر، أبيض أو أسود أو من الهند والصين، أو من أي مكان في العالم من غير قبيلتك البدوية المعروفة بعراقتها بين العرب فقال: يا فلان أنا من أبناء عمومتك، وقد تشابهت نتيجتي بنتيجتك، فهل ستقبل قوله وتجعله من أبناء العم؟
فضحك وقال: لا، لن أفعل، ومن يقبل هذا؟! فقلت: إذاً ما فائدة هذه الفحوصات التي تؤمن ببعضها وتكفر ببعض؟ ثمَّ قلت: أيها الإخوة إنَّ لنا أنساباً قريبة لا نصلها إلا بشقِّ الأنفس، فماذا سنفعل بنسب مشكوك فيه منذ قرون أو آلاف السنين، وماذا سنستفيد من كلِّ هذا ولن نجنيَ شيئاً إلا زيادة في الظَّنِّ كما قال الرازي:
نهاية إقدام العقول عقالُ
وغاية سعي العالمين ضلالُ
ولم نستفِدْ من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
متاهات وظنون
السنوات التي قضيتها وأنا مجدٌّ في جمع عينات من دول خليجية شتى من أجل الوصول إلى الضالة المنشودة، وهي التعرُّف إلى الأنساب المفقودة منذ قرون ووصل ما انقطع منها، وليس هناك من وسيلة غير الحمض النووي (في ظني حينها)، لأنه يصل إلى 10 آلاف سنة، وأنا لا أريد أكثر من 800 سنة ضائعة، تلك السنوات أدخلتني في متاهات عديدة جعلتني أتوقَّف وأقلب لفحوصات الحمض النووي ظهر المجن، خاصة بعد أن شاهدت برنامجاً في «بي بي سي» يذكر الضيف وهو عالم في الحمض النووي يعمل محاضراً في جامعة تل أبيب، وكان الحوار يدور حول واقعية معرفة السلالات اليهودية من خلال هذه الفحوصات، فأجاب: لا يُعتد بها الآن، ولكن قد نعتد بها بعد سبعين سنة!
قلتُ: هؤلاء اليهود الذين بدؤوا هذا العلم يقولون نحتاج إلى سبعين سنة لتأكيد هذه الأنساب النووية، الآن يجب عليَّ أن أتوقَّف وأخبر من يعمل في هذا المجال أن يعيدَ حساباته؛ لأنَّ الأمر إذا خالطه الشك، فعلينا أن نتركه ولا نشغل أنفسنا به، خاصة ونحن العرب لدينا الموروث المتعارف عليه من أنسابنا وإن انقطعت سلسلة أسماء الأجداد، وأيضاً هناك عائلات كثيرة لديها مشجرات توارثوها منذ مئات السنين مثل الأشراف، فماذا سيضيف لنا هذا العلم سوى الشك والعمل بالظن؟!
الوقفة الخامسة
سئلت كثيراً عن مصداقية شركات فحص الأحماض النووية وكيف تكوَّنت؟ وهذا جواب مختصر وأصله طويل:
ذكرت سابقاً بأنَّ هذه الفحوصات تحتمل الصواب والخطأ، وقد أثبتت التجارب بأنه إذا قام شخص بإرسال عينته لعدة شركات فإنه قد يحصل على نتائج مختلفة مما يدل على عدم توحيد هذه الشركات لفحوصاتها مما ينتج عنه نتائج مختلفة، كما حصل للسيدة في برنامج «60 دقيقة» الشهير، وهذا الأمر يشكك في مصداقية هذه الشركات جداً، وإن كان بعضهم لا يزال يعتقد فيها إما من باب البحث العلمي، وإما من فضولية العلم بالشيء.
هذا وقد تكوَّنت هذه الشركات في العقدين الماضيين على أساس تجاري ربحي ولا علاقة له بالأبحاث، كما يظنُّ كثير من الناس، ثمَّ تطورت جداً وأصبحت تباع بالمليارات بعد أن جمعت كثيراً من المعلومات من الناس في معظم دول العالم، وتوسَّعت أنشطتها كثيراً كشركة أنسستري التي بدأت في النشر، وأصبحت من كبرى الشركات في مجال الحمض النووي للأنساب وللصحة ولغيرها، وقد عرضت للبيع بمبلغ خيالي وصل إلى 4.7 مليارات دولار في هذا العام، مما يدل على أنَّ أعمال هذه الشركات تجاريٌّ بحت ولا علاقة لها بالأبحاث. وهناك أمر آخر يجب عدم التغافل عنه، وهو هذه العينات الكثيرة ماذا يُصنَع بها؟ وكيف تستفيد منها الشركات بعد الفحص؟
إذا سبق لك إرسال الحمض النووي الخاص بك إلى شركة فحص صحية أو سلالة لتحليلها، فمن المحتمل أن تتمَّ مشاركة بيانات الحمض النووي الخاصة بك مع أطراف أخرى لإجراء البحوث الطبية، أو حتى لحل لغز جريمة ما، إلا إذا طلبت من هذه الشركات عدم استخدامها مع طرف ثالث فإنها لن تفعل هذا، وقد لاحظت شركة (كي بي إم جي) في تقرير العام الماضي، أنَّ سوق الاختبارات الجينية المباشرة إلى المستهلك يزدهر عبر السنوات، ولهذا فإنَّ الجدل حول قضايا الخصوصية والموافقة والتنوع والمنفعة لا يمكن أن يحده قانون بسبب رغبة الناس بمعرفة سلالاتهم الغابرة، أو صحتهم المستقبلية، وقد بيعت هذه البيانات بمئات الملايين من الدولارات إلى شركات تعمل في الأدوية أو مؤسَّسات تعنى بالتحقيق الجنائي!
الوقفة السادسة
وجدت وأنا أفحص العينات في الخليج العربي لعرب أقحاح من قبائل شهيرة، أنَّ سلالاتهم يختلف بعضها عن بعض، فكنت أفسرها بالطفرات، ومرة أقول: هذا من أخطاء الشركة الفاحصة، ويجب أن أعيد الفحص أو أرسله إلى شركات أخرى، ثم وجدت نفسي في متاهات علمية بعد قراءتي مئات الأبحاث في هذا الموضوع، ووصلت إلى أنَّ هذه الفحوصات ليست إلا ظنوناً لا يعتدُّ بها، ولا يجوز إضاعة المال فيها؛ لأنها شركات قائمة على التجارة والربح كما ذكرت، أو نأخذ بقول أخي الباحث فايز البدراني الذي ناصر فحوصات الحمض النووي في أول خروجها، ولما كثُر اللغط والتلاسن والتشكيك في الأنساب نشر مقالة أخرى في صحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ 6 يونيو 2016 اخترت لكم منها قوله:
«بات من الواضح أنَّ السلالات J1 و Eو Tو J وكذلك g وC، كلها سلالات قديمة في جزيرة العرب، وكلها تنتمي لها أرومات عربية عريقة، وأنَّ السلالة J1 وما تفرَّع عنها سلالات عربية قديمة التمركز في اليمن والجزيرة العربية، ولها انتشار واسع في العراق والشام وآسيا الوسطى. وأنه ربما قدم بعض فروعها إلى الجزيرة في وقت لاحق، لتشارك في تشكيل السلالات المكونة للقبائل العربية». إلى آخر ما قال مما يسقط التحاليل النووية كلها من قائمة الاحتجاج في علم النسب، بسبب هذا التنوع الكبير في السلالات.