1,587 عدد المشاهدات
واحتار المجتمعون على تسمية هذا الوليد، إلى أن اقترح الراحل محمد عبد الله تسميتها بمجلة الرولة، نسبة إلى الشجرة المعمّرة التي كانت تتوسَّط مدينة الشارقة، والتي كانت مركزاً للأفراح والتجمُّع في الأعياد والمناسبات، ولأنها كانت قد سقطت حديثاً بشكل تراجيدي إثر مرور شارع العروبة واضطرار المهندس في إسقاطها بالبلدوزر وإحراقها لكبر حجمها؛ فهجم عليه أهل الشارقة لينتقموا منه لتعديه على واحدة من رموز الشارقة التراثية كان مكانها في المريجة قرب الحصن شارع البنوك حالياً، ما إن احترقت شجرة الرولة حتى هجم أهل الشارقة للانتقام من المتسببين في سقوطها وإحراقها، إلا أنَّ أهل الخير اقترحوا أن يتمَّ تصنيع نصب يحتفظ بداخله السيقان المتبقية من الشجرة، وتتحول إلى ساحة وحديقة واسعة سمِّيت باسمها وما زالت، وعليه اتفق المجتمعون على تسمية المجلة بالرولة اعتزازاً بالشجرة.
مرحلة التأسيس عام 1979 إلى 1980 وصدر منها على «الرونيو» عددان، وقد قرَّر مسرح الشارقة إصدار العدد الثالث مطبوعاً بدخول المغفور له الشيخ أحمد بن محمد القاسمي رئيساً فخرياً لمسرح الشارقة الوطني وقد تشكَّلت إدارة المجلة من:
المغفور له الشيخ أحمد بن محمد القاسمي رئيساً للتحرير
المغفور له عبد الواحد الإمبابي مديراً للتحرير
المغفور له محمد عبد الله سكرتيراً للتحرير
وشكلت هيئة التحرير من ماجد بو شليبي، ومحمد يوسف، وسيف الغانم، وعبد الله المناعي، وسعاد جواد.
وكان العدد يشكِّل قفزة نوعية بالنسبة للعددين السابقين من خلال المواضيع والطباعة والإخراج، ولكن توقفت التجربة أيضاً بصدور العدد الثالث ودخول الطباعة الفنية، وكان قد صدر عام 1980، إلا أنَّ التجربة الحديثة عانت من المبالغة في زيادة الكلفة المادية التي لم تتحملها ميزانية المسرح. في عام 1983 دخل عبد الإله عبد القادر كعنصر جديد في مسرح الشارقة الوطني، ومثلت مرحلته مرحلة جديدة في مسيرة المسرح، ولأنَّ الرولة قد توقَّفت حوالي ثلاثة أعوام، لذا فكر الشيخ أحمد القاسمي بإناطة المجلة بالعنصر الجديد الذي فتح أبواباً عدة أمام حركة المسرح، لا في الفرقة وحدها فحسب، بل وبتاريخ مسرح الإمارات، وهذا ما يقوله جميع المسرحيين في تلك الفترة.
قبلت دعوت الشيخ أحمد القاسمي، وقمت باختيار المجموعة التي ستتعاون معي، وأصبحت هذه التجربة هي المرحلة الثالثة والأخيرة في حياة الرولة، ومع بقاء كل من الشيخ أحمد القاسمي رئيساً للتحرير، وعبد الواحد الإمبابي مديرا،ً فقد أنيطت سكرتارية التحرير بي «عبد الإله عبد القادر» وهيئة التحرير ماجد بو شليبي، ود. محمد يوسف، وخولني الشيخ أحمد- رحمه الله- بصلاحيات كاملة لإصدارها دون الرجوع حتى إلى مدير التحرير، وكانت تجربة غنية جداً، وكنت قد اخترت صديقي الفنان محمد فهمي مشرفاً فنيّاً على المجلة، وقمت بتبويب المجلة بأبواب تعتمد على معرفتي الدقيقة بفن المسرح وأدبه، والدراسات التي يمكن أن تحتويها المجلة، واستفدت بشكل ملموس وسريع من أصدقائي الفنانين العرب في مصر وسوريا والعراق، وكذلك الزملاء في دولة الإمارات، الذين سرعان ما جهزوا لي موادَّ متميزة بتميزهم، وكانوا فعلاً أعلاماً في المسرح ومازالوا حتى بعد رحيلهم، وحاولت مع زميلي محمد فهمي أن نجعلها تضاهي المجلات العربية المشهورة، وأن ننافسها بالشكل والصورة واللون والمادة والتنوع، بل وكان أحد أبوابها نشر مسرحية كاملة، وأعددنا ملفات متخصصة لكل عدد، وكلفت مجموعة من المسرحيين بكتابتها، وبالتالي استطاعت مجلة الرولة بمرحلتها الثالثة كسب دهشة معظم المسرحيين العرب؛ فدخلت مناهج أكاديميات ومعاهد المسرح المتخصصة، مثلما وُزِّعَت تقريباً في كل البلدان العربية حتى وقعت في يد الفنان دريد لحام، لوضعها في خلفية أحد أفلامه إعجاباً بها، و«الرولة» غطت جميع المهرجانات المسرحية التي نظمت في تلك الفترة، وكنا نرسل مندوبين عن المجلة لهذه المهرجانات لتغطيتها؛ مثل مهرجان بغداد المسرحي، ودمشق، وقرطاج والقاهرة، كما أجرت المجلة حوارات مهمة جدّاً مع العديد من المسرحيين العرب والإماراتيين، بل عقدت مؤتمراً متخصصاً عن المسرح في الإمارات.
استمرت المجلة في تطورها ومكانتها عند المسرحيين العرب رافعة راية الإمارات، وسفيرة للكلمة والمسرح والثقافة، وصدر منها خمسة أعداد، ثمَّ توقفت فجأة وهي في قمة مرحلتها الذهبية لأسباب مادية، بعد توقُّف مسرح الشارقة عن تمويلها، على الرغم من انخفاض التكلفة الإجمالية لطباعتها وإصدارها.
لا شكَّ أنَّ العمل في مثل هذه التجربة الرائدة ممتع، إلا أنَّ الأكثر متعة حينما يتحوَّل أيضاً إلى مغامرة محسوبة النجاح، فتحمل في طياتها التحدِّي، وهنا لا بدَّ أن نذكر جريدة الرولة المسرحية التي كانت لسان الدورة الثانية لأيام الشارقة المسرحية يوم قررنا، في مسرح الشارقة الوطني، إصدار جريدة مسرحية يومية طيلة أيام المهرجان، وهي بادرة لم يكن أحد يجازف بتحملها.
أولاً: اتفقنا مع مدير مطبعة بن دسمال السيد حسان دكروب بأن يفتح أبواب المطبعة في الحادية عشرة ليلاً، على أن يكلف أحد العمال بالقيام بصف المادة التي ستكون محور الجريدة اليومية، ووافق حسان دكروب، وكانت المطبعة في مكانها القديم مقابل قيادة شرطة دبي، وتمَّ اختيار الأشخاص المسؤولين عن إصدارها، كما تمَّ وضع الخطة الخاصة بإصدارها.
كان الشيخ أحمد القاسمي يبارك هذه المبادرة، ويشجعنا بروحه المتفائلة وثقته التي يمنحها لنا، وكان فريق العمل يتشكَّل مني (عبد الإله عبد القادر) كمسؤول رئيس، والمرحوم محمد عبد الله للتصحيح اللغوي، أما القضايا اللوجستية فقد كلف بها د. محمد يوسف، وماجد بوشليبي، وكلف سيف الغانم بتصوير المهرجان، وهي مهمة كانت صعبة إلا أن أبو (غنوم) نجح فيها.
كانت الخطة كالتالي: نغادر أنا ومحمد عبد الله المهرجان الساعة الحادية عشرة مساءً إلى المطبعة، لدينا بعض المواد القليلة جدّاً، ثمَّ أجلس بالمطبعة وأكتب مادة الجريدة بشكل كامل وأعطيها تباعاً إلى الصفيف الذي يكمل صف المادة ويسلمها إلى محمد عبد الله ليصححها لغوياً، ويعيدها للصفيف الذي يقوم بالتصحيح ويصدر الصورة النهائية للمواضيع، وكان هذا العمل يمتد حتى الخامسة صباحاً، حيث نعود إلى بيوتنا في الشارقة، بعد أن يطبعها على ورق خاص يسمى بوقتها «برومايد» وكانت هذه الطريقة هي الأحدث في الطباعة، وبداية دخول الحاسوب للطباعة، وصف الحروف، ورق «البرومايد» مطبوعاً عليه المادة بالكامل، ونسلمها إلى محمد فهمي في الساعة الثامنة صباحاً، حيث يقوم بإخراجها وإلصاقها بالشمع على «الماكيت» الذي أعد مسبقاً للجريدة، ويكون سيف الغانم قد استكمل إظهار الصور ليسلمها أيضاً إلى محمد فهمي الذي ينتهي عمله في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة قبل الظهر، ويحمل «الماكيت» إلى المطبعة، حيث يسلمها إلى أحد العاملين واسمه غسان على ما أذكر ويقوم بالمونتاج وإعداد الألواح الخاصة بالطباعة، على أن تنتهي الطباعة الساعة الخامسة مساءً، حيث ترسل الجريدة مطبوعة إلى قاعة أفريقيا، المكان الوحيد للمهرجان، وتوزع على المسرحيين والمشاهدين.
كانت تجربة لذيذة ومغامرة محسوبة وناجحة، وبذلك استطعنا بهذا الفريق قليل العدد، أن يسجل لنفسه ريادة في أيام الشارقة المسرحية وفي الصحافة الفنية، وحتى الآن لم يستطع أحد أن يتجاوز هذه التجربة الرائدة في الصحافة والمسرحية، وهي باعتقادي تجربة لعشَّاق المسرح والأدب المسرحي.
تلك بعض الشذرات لتلك الأيام الجميلة من النشاط الذي لم يرتبط وقتها بالماديات، بل تعدى ذلك إلى المبادرة التي ترتبط بالتحدي، وبتقديم الخدمة لوطن جميل اسمه الإمارات ومسرحها الذي أعتز بأنني كنت ولا أزال أحد الراكبين في لوائه وتجلياته حتى اليوم.