بدأت رحلة الكتابة في الإعدادية

جمال بن حويرب مقالات

 954 عدد المشاهدات

حوار: إيمان عبدالله

ولد كبيراً عاشقاً للحرف والكلمة، متأملاً في بطون الكتب، حافظاً للشعر والمتون العلمية، حتى أصبح مصدر إزعاج لمدرسيه، جمال بن حويرب العضو المنتدب بمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم والمؤرخ والأديب وصاحب تجربة ثرية في توثيق الحركة الثقافية، تأثر كثيراً بجده رحمه الله ووالده، فلم يجد مساحة كافية للعب في طفولته لانشغاله الكبير بطلب العلم، لينقل جزءاً منه لأبنائه، وتشغله كثيراً قضايا المعرفة، إلا أنه يعتبر الرياضة واجباً يومياً . التقيناه وكان هذا الحوار:

* مؤرخ وأديب متخصص وصاحب تجربة مهمة في توثيق الحركة الثقافية، هل شكلت بيئة الطفولة هذا الوعي الثقافي الكبير؟

– ولدت في جميرا، ونشأت في أسرة متعلمة تحفظ الشعر والأدب، والدي شاعر وصاحب تجارة ورجل عصامي، بنى نفسه بنفسه، وأصبح صناعياً في فترة لاحقة، فهو من أوائل من أسس مصنعاً في منطقة جبل علي، رخصته رقم ،5 ومن أوائل الإماراتيين الذين عملوا خارج الدولة، وفتح مؤسسة في أمستردام في السبعينات، وصاحب خط جميل، وشعر جيد، واطلاع واسع، وجدي رحمه الله صاحب علم غزير وحافظ للمتون العلمية، وأول من حثني على العلم والاهتمام باللغة العربية، ففي طفولتي عندما كان يختبرني كنت أقول إنه كبير في السن ولا ألتفت للأمر، ولكن بمجرد أن كبرت قليلاً وفهمت العربية كنت أرد على أسئلته بإجابات علمية وأنجح في اختباراته التي لا تنتهي، وهذه الأجواء التي عشتها في طفولتي مع والدي وجدي أثرت فيّ بشكل كبير، فالطفل عندما ينشأ في بيئة علمية ينشأ على حب العلم والمعرفة، ودائماً يجد الرغبة في الاستزادة من المعرفة .

* هل نشأتك في بيت علم جعلك تختار طريق التعلق بالكتاب؟

– بيوتنا سابقاً كانت صغيرة، وكنت غالباً أنام عند والدي، وأصحو على كتاب “صيد الخاطر” لابن جوزي وبطبعة قديمة من سنة ،1929 احتفظ والدي بهذا الكتاب من خاله، واحتفظت به من والدي، والمشهد المألوف لنظري في الصغر المجلات والكتب، وهذا أثر فيّ بشكل كبير، وجعلني أتعلق بالكتاب، وأيضاً أختي الأكبر تعلقها كبير بالكتاب، ونشعر بالطمأنينة مع الكتاب، فهذا الطريق الذي وجدت نفسي فيه، وجميع إخوتي متميزون بمجالهم وفي أعمالهم وفي جانب من حياتهم، ولكن أنا وأختي الأكبر الأقرب إلى الاهتمام باللغة العربية وشديدي الاهتمام بالفصحى

* وهل وجدت مساحة للعب في طفولتك في ظل ولعك الكبير بالمعرفة؟

– لم ألعب كثيراً، ولا أذكر أني لعبت مع الأطفال إلا قليلاً، ولا أذكر أني اهتممت بالأطفال أساساً، قلت الشعر باكراً، وحفظت المتون العلمية باكراً، وكنت مصدر إزعاج لأساتذتي الذين درسوني، فكنت أحفظ أكثر عنهم وأفقه المتون العملية بدرجة أكبر منهم، وأذكر في سنة دراسية كنا في رحلة مدرسية، وكنت أجلس مع الناظر والمدرسين، فيقول الناظر لي اذهب والعب مع أصدقائك، وكنت أقول هؤلاء أطفال، وكان يضحك ويقول لي أنت أيضاً طفل، فطفولتي كانت عاقلة واستمتعت بها في تعلم اللغة العربية وحفظ المتون، وأرى أن العربية تزيد في العقل، وإتقانها له أثر كبير في زيادة عقلي وجعلتني متقدماً على كثير من أبناء عمري، فالجميع كان ينظر لي على أني أكبر من عمري، وأرى أن الاهتمام بالعربية في المدارس سيجعل من الطالب أكثر وعياً وعقلاً لأنها لغة ساحرة، ولها تأثير كبير في تنمية مهارات الطفل .

* عاشق للغة العربية، ووالدك صاحب خط جميل، فهل تجيد فنون الخط العربي؟

– خطي غير جميل، وركزت على الحفظ أكثر من تعلم فنون الخط العربي، وحاولت تعلم أصول الخط العربي، ولكني سئمت ذلك، ومازال خطي غير منظم إلى اليوم، ولا يقرأه غيري، وفي فترة من عمري تعلمت الخط الكوفي المغربي، وبدا خطي جميلاً حيث تعلمت على يد أساتذة من المغرب، وتعجبت من أن خطي في النسخ والرقعة غير جيد، واكتشفت أن المعلم الأول أثر في خطي حيث كان خطه عير جميل وقلدته ليبقى خطي كذلك إلى اليوم، رغم أن أجدادنا وآباءنا كثيرو الاهتمام بالخط العربي، فالجيل الماضي حريص على التفنن بالخط العربي .

* من العناصر الأدبية النشطة على ساحة العمل الثقافي المحلية والإقليمية، هل انتقل هذا الاهتمام بالعلم والكتب إلى المنزل وأبنائك؟

– أبنائي نشأوا بين الكتب، لأني أحتفظ بجميع كتبي وأوراقي منذ صغري، فنشأوا بين آلاف الكتب القيمة، ولكن لا أستطيع إجبار أحدهم على العلم والقراءة، وإحدى بناتي مهتمة كثيراً بمجال التاريخ وتحب القراءة، وأخرى مهتمة في مجال الأنساب، فالرغبة الداخلية تدفع للإقبال على القراءة، وابني البكر لا يقرأ كثيراً ولكنه يستقي العلم والمعرفة من خلال المشاهدة، فهذا الجيل قد ينظر إلى أن العلم المشاهد أفضل من العلم المقروء، ولكني أرى أن القراءة الوسيلة الناجحة للوصول للعلم، وابن أخي يمشي على نهجي في حبه الكبير للقراءة، رغم أن والده محمد مهتم بعالم البرمجيات ويعد من أهم المبرمجين العرب في الشرق الأوسط، وحالياً أصبح لدي أكثر من 10 آلاف كتاب، و2000 كتاب من الكتب النادرة، وأبنائي لديهم كتب خاصة بهم كل في المجال الذي يستهويه .

* ما الأسلوب الذي تعتمده في تربية أبنائك؟

– المصارحة والصدق، وعدم الإسراف، والنظر إلى الأمور بعقلانية، والصداقة، ولا أتدخل في قراراتهم الشخصية ولكني أوجههم .

* متى بدأت أولى تجاربك في الكتابة؟

– من الصغر وأنا أكتب، لدي قصاصات وأنا في الإعدادية، وكل ما أسمعه وأراه أكتبه، وأحتفظ بقصاصات الجرائد وأسجل الأشعار، وأصبح لدي عدد كبير من القصاصات، فمنذ بداية حياتي أسجل وأؤرخ، وفي البداية كنت كثير الاهتمام بالأنساب ومن ثم التاريخ وتخصصت في الجانب الخليجي وجمعت الخرائط والمخطوطات، واستغرقت فترة طويلة من عمري أبحث في هذا المجال، وفي عام 1998 بدأت إعداد صفحة تاريخية في جريدة البيان “باب المعارف”، وثم قدمت برنامج الراوي لنقل المعرفة إلى الجمهور، خاصة جيل الشباب الذي يفضل متابعة البرامج على القراءة .

* ما الذي دفعك لتقديم برنامج الراوي؟

– نقل المعرفة إلى الشباب والمجتمع، والحفاظ على الموروث الخليجي والإماراتي، فالراوي مشروع توثيقي تاريخي للإمارات والخليج، ويعرف الأجيال الناشئة عن ماضيها، وأردت أن يكون فيها الأدب والشعر ورسائل مهمة للشباب والآباء للحفاظ على موروثنا، واستطعنا الوصول للشباب عن طريق الشاشة، فأبنائي يشاهدون الراوي أكثر مما يسألوني في التاريخ .

* هل أثرت التكنولوجيا في علاقتك بالكتاب والعلم؟

– مشغوف لدرجة كبيرة بالتكنولوجيا والإلكترونيات، وفي الثمانينات أخي محمد تولع بدراسة البرمجيات بسبب جهاز أشتريته، فعند سفري للخارج وقع الجهاز في يده ليبدأ رحلة دخوله في عالم البرمجيات، وتلقى عرضاً للعمل في مايكرسوفت في أمريكا، ولكن والدي رفض، واعتبرت ذلك قراراً غير صائب لأنه كان سيفيد الدولة ويستفيد هو أيضاً، ويأتي بعلم جديد وكبير، ولكن خوف الآباء على الأبناء يزيد أحياناً على الحد الطبيعي .

* هل تخاف على أبنائك بالطريقة نفسها؟

– لا أمنع أبنائي، خوفي عليهم من ألا يتعلموا ولا يصلون لدرجة عالية من العلم، سافرت وأنا صغير لأطلب العلم وأتعلم من المشايخ، وأرى أن السفر طريقة جيدة لجمع العلم .

* كيف تقضي وقت فراغك؟

– وليس لدي وقت فراغ، من العمل إلى العمل، ولم أعط نفسي إجازة منذ فترة طويلة، وإن كنت في إجازة أكتب مقالات وكتباً، ولكن لا يعني ذلك أني لا أذهب للأسواق والمطاعم، والأسرة ربما تشتكي، ولكن أقضي وقتاً معهم وأسافر بصحبتهم، ولكن أرى الانشغال لابد منه، فالإنسان يجب أن يعطي ويكتب ويسافر ويبحث، إضافة إلى ذلك أهتم بالرياضة، لدي مساعد يتابع معي الرياضة، وأعتبرها واجباً يومياً لابد من تأديته .

* ما القضايا التي تشغلك؟
– المعرفة، أريد لمجتمعي الاتجاه إلى المعرفة والابتكار، حكومتنا الرشيدة وفرت كل شيء ودعمت المعرفة، ولكن التجاوب مع البرامج المعرفية ضعيفة نوعاً ما، ونريد من المواطنين الاهتمام بالمعرفة والابتكار فهذا مستقبل الإمارات، واللغة العربية أيضاً من أكبر اهتماماتي، وطغيان غير العربية عليها أمر مقلق .

شخصيات مؤثرة

يقول ابن حويرب عن أهم الشخصيات التي أثرت فيه: “أول شخصية تأثرت بها جدي رحمه الله، التواضع والظرف والعلم والصوت الجميل سماته، ووالدي الشخصية العصامية الخلوقة أثرت فيّ بشكل كبير، ووالدتي التي تميزت شخصيتها بمساعدة الآخرين وكرمها الكبير، وفي حياتي العملية تأثرت بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، علمنا ووجهنا وغرس فينا الروح الإيجابية وحب الوطن والتفاني في خدمته، أما الشخصيات التاريخية تأثرت بالشاعر حمد خليفة بوشهاب أعطانا من وقته وعلمه، إضافة إلى عدد كبير من الأساتذة الذين تعلمت عندهم، فهم أكثر من 50 عالماً، وأفكر في إصدار كتاب في سيرة هؤلاء العظماء سواء في مجال الفقه والحديث والتاريخ واللغة العربية والقرآن، وأكثر شخص تأثرت به في كتابة المقالات أنيس منصور حيث كنت أقرأ المقالة كاملة” .