3,349 عدد المشاهدات
الكاتب: د. شهاب غانم
الترجمة العلمية:
تتطلب الترجمة العلمية أن يتطابقَ النصُّ المترجم مع النصِّ الأصلي دون تعديل أو إضافة، كما يجب ألا تُهْمَلَ أيُّ كلمة في النص الأصلي؛ لأنها على سبيل المثال صعبت على المترجم، وحتى لو شعر المترجم بأنَّ الترجمة ليست سَلِسَة؛ فالأولوية هنا للدقة في نقل المعنى كاملاً؛ أي يجب الالتزام بالأمانة العلمية، كما ينبغي أيضاً محاولة الالتزام بالترتيب الموجود في النصِّ الأصلي. ولكن يجب أن يكونَ المترجمُ على دراية جيدة بالمجال العلمي الذي يترجم منه، ومضطلعاً اضطلاعاً واسعاً على المصطلحات العلمية في المجال الذي يترجم منه، أو على الأقل يستطيع الوصول بسهولة من خلال القواميس المتخصصة إلى المقابل لكل مصطلح علمي في النص، سواء كان ذلك في مجال القانون أو الاقتصاد أو الهندسة أو الطب أو غير ذلك.
وفي حال عدم وجود مقابل في القواميس المتخصصة، فعلى المترجم- في رأيي- تعريب المصطلح حرفيًّا، ويمكنه أيضاً شرح ذلك المصطلح في الهامش، إن لزم الأمر.
الترجمة أم التعريب:
هذا يقودنا إلى موضوع هل الأفضل تعريب المصطلحات أم ترجمتها؟ وهل يكون التعريب حرفيًّا أم تعريباً يأخذ بعين الاعتبار خصائص اللغة العربية كأوزان الكلمات وقابليتها للاشتقاق؟
في زمننا الحالي أصبحت المخترعات والمبتكرات الجديدة تظهر بكثرة يوميًّا، وكذلك المواد الجديدة والمركبات الكيماوية والأدوية، بشكل أصبح من غير الممكن استحداث مصطلحات مقابلة لكل ذلك من خلال الترجمة.
لا شكَّ أنَّ المجامعَ اللغوية وُفِّقَت في الماضي، في بعض الحالات، في نحت مصطلحات مناسبة في رأيي، كالسيارة والحاسوب والمذياع والهاتف، كما لم تنجح في مصطلحات مثل المسرة والحاكي، ولكن المجامع اللغوية تتحرك ببطء شديد بالنسبة إلى التدفُّق المتزايد لما ينتج من الجديد لدى الغرب. كما أنَّ المجامع نفسها تحتاج إلى توحيد المصطلحات التي تستحدثها. أمَّا اذا تركنا ترجمة المصطلحات لاجتهاد الأفراد، فستحدث فوضى. ولذلك أرى أنه بجانب ترجمة المصطلحات للمخترعات الجديدة الرئيسة، من قِبَل المجامع اللغوية، فليس هناك مناص من التعريب الحرفي لما يستجدُّ من مواد ومركبات كيماوية وأدوية… إلخ. كما أنَّ أصحابَ مثل هذه المستجدات أحقُّ أن تبقى أسماؤها بلغتهم في مختلف اللغات الأخرى، بما فيها العربية، كما بقيت أسماء عربية استحدثها العرب في علم الفلك في القرون الوسطى إلى يومنا هذا في بعض اللغات الأجنبية.
الترجمة الأدبية:
أمَّا في الترجمة الأدبية فينبغي أن يكونَ المترجمُ متمكِّناً من اللغة التي ينقل منها، والتي ينقل إليها، كما ينبغي عليه أن يكونَ مضطلعاً على ثقافة أصحاب تلك اللغة، وتاريخهم، وحضارتهم، وإنجازاتهم، وبيئة أو ظروف النصِّ الذي ينقله.
كما ينبغي للمترجم أن يمتلك الموهبة الأدبيَّة في الكتابة، بحيث يكون قادراً على صياغة النصِّ الذي يترجمه بطريقة سَلِسَة. كما يجب أن يكونَ المترجمُ أميناً في نقل النصِّ، فلا يُقَوِّلُ الأديبَ الأجنبيَّ ما لم يَقُلْه. وتختلف الترجمة الأدبية باختلاف الجنس الأدبي الخاضع للترجمة؛ فترجمة الخطاب تختلف عن ترجمة القصة أو الرواية أو المسرحية أو القصيدة، ولا شكَّ أنَّ ترجمة الشعر هي الأصعب.
وترجمة النصوص العربية البليغة- كما نجد في كثير من النصوص الكلاسيكية مثلاً- قد تحتاج عند الترجمة إلى تخفيف البلاغة عند ترجمتها إلى لغة كالإنجليزية. وقد يضطر المترجم إلى بعض التصرُّف ليبقى النصُّ المترجم مشرقاً. فالترجمة الأدبية تحتاج إلى موهبة وأن يكون المترجمُ أديباً.
ترجمة الشعر:
وفي ترجمة الشعر هناك لغة مجازية، والمترجم في الواقع يبدعُ نصًّا موازياً وليس مطابقاً للأصل، ونسمع أحياناً تهمة توجَّه لمترجمي الشعر بالخيانة، والمسألة في نظري ليست خيانة في كثير من الأحوال، ولكن محاولة لتقديم نصٍّ إبداعيٍّ موازٍ قد ينجح كثيراً أو قليلاً. والمهم أن يحاول المترجم أن يبقى قريباً من الأصل قدر الإمكان، ولا يتقوَّل على كاتب الأصل. والحقيقة أنَّ المترجمَ المتمكِّنَ المبدعَ، يستمتع كثيراً بالقيام بالترجمة، على الرغم من مشقتها. ولا يخفى على القارئ أنه من الممكن أن تكون هناك ترجماتٌ شعريَّةٌ كثيرةٌ للقصيدة نفسها، مختلفة باختلاف المترجمين، وقد تستعمل أوزاناً مختلفة، كما يمكن أن تكونَ هناك أكثرُ من ترجمة نثرية؛ بل إنَّ المترجمَ نفسَه قد يقوم بأكثرَ من ترجمة شعرية أو نثرية، تختلف حسب مزاجه وتفاعله مع النص في وقت قيامه بالترجمة. وأنا شخصيًّا أرى أنَّ مترجمَ الشِّعرِ ينبغي أن يكونَ شاعراً.
وفي الختام يمكن أن نقول: إنَّ الترجمةَ العلميَّةَ بشكل عام أقلُّ صعوبة من الترجمة الأدبية، وإنني لم أتطرَّق إلى أنواع أخرى من الترجمة، كالترجمة الفورية التي هي من أصعب أنواع الترجمة، لحاجتها إلى السرعة والتركيز الشديد.