4,163 عدد المشاهدات
الكاتب : خليل البري
وثَّق القرآن الكريم فكرة الانتقال من مكان إلى آخر، وأعطانا تعريفاً بالحدود والمنافذ في قصة النبي يوسف، عليه السلام، حيث أرسل نبي الله يعقوب، عليه السلام، أبناءه إلى مصر في سنوات المجاعة، وأوصاهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة إلى المدينة، حتى لا تثير هيئتهم الشكوك في نفوس أهل المدينة، ويدخلوا آمنين.
وحتى ظهور عصر النهضة في أوروبا في القرن الرابع عشر، لم يكن الإنسان الأوروبي يحتاج إلى وثائق تعريفية، أو (جواز سفر) للتنقُّل بين منطقة وأخرى عبر منافذ متعارف عليها، إلى أن تطوَّر الوضع، وأصبح جواز السفر وثيقة رسمية لا يمكن التنقُّل من دونها بين حدود الدول الأوروبية.
وعلى صعيد المنطقة العربية، فقد تأخَّر ظهور تلك الوثائق التعريفية الشخصية إلى مطلع القرن الماضي.
وثائق السفر تاريخيًّا
تاريخيًّا..يعدُّ الإنجيل من أقدم المراجع التي أوردت ذكر وثائق تشبه جوازات السفر في عصرنا الحديث. وتعود القصة إلى العام 450 قبل الميلاد، حين أراد خادم الملك أردشير آخوس، أحد ملوك الفرس، أخذ الإذن منه للسفر إلى مملكة يهوذا في فلسطين، لإعادة بناء أسوار القدس، فوافق الملك، وأعطى خادمه “نحميا” رسالة إلى الحاكم خلف الأنهار (بلاد الرافدين) يطلب فيها الأمان عند مروره بأراضيهم.
حسب المراجع التاريخية، ليس هناك أي ذكر رسمي لوثائق السفر حتى بدايات عصر النهضة في أوروبا. ووفقاً لمقال بحثي نشره الدبلوماسي الروسي السابق الكسندر ياكوفينكو بدأت الحقبة الجديدة في تاريخ جوازات السفر والتأشيرات في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث كان التجار يسافرون إلى بلدان أجنبية، الأمر الذي يتطلب منهم إعداد وثائق خاصة بالسفر لتسهيل عبور الحدود.
ولم تقتصر المعلومات التي وفرتها تلك الوثائق على اسم وكنية حاملها، بل تضمنت أيضاً لون الشعر والعينين، وحتى شكل الأنف.
ومنذ القرن الخامس عشر، بدأت دول مثل إنجلترا بإصدار جوازات السفر التي لم تقتصر على مواطنيها المسافرين إلى الخارج فحسب، بل أيضاً للأجانب القادمين إليها، وبالتالي تمكينهم من التنقل بحرية في أنحاء البلاد.
نشوء مصطلح جواز سفر
وتشير مراجع تاريخيَّة إلى أنَّ للملك الفرنسي لويس الرابع عشر دوراً مهماً في ترسيخ استخدام جوازات السفر والتأشيرات، فمعظم رعاياه الذين رغبوا في السفر إلى خارج فرنسا عن طريق الموانئ البحرية، تطلَّب منهم حمل وثائق تتيح لهم العبور من خلال أحد الموانئ (باسبورت)، باللغة الفرنسية، ومن هنا حصلت وثيقة السفر على اسمها الأجنبي “عبر الميناء” باعتبار أنَّ معظم عمليات التنقل كانت تتم عبر الموانئ، في وقت لم تكن فيه الوثائق مستخدمة على المعابر البرية.
وفي بريطانيا، أصبح منح وثائق السفر منذ العام 1540 م، من اختصاص المجلس الخاص التابع للملك في بريطانيا. وغدا مصطلح «جواز السفر» دارجاً، ويعود المصطلح إلى تاريخ 18 يونيو 1641م، مذيل بتوقيع الملك (تشارلز الأول) موجوداً حتى يومنا هذا.
وتمت كتابة أحرف الوثيقة الإنجليزية للعبور الآمن باللغتين اللاتينية والإنجليزية في بداية المطاف، لكن الحكومة قررت في عام 1772م استخدام لغة دولية ذات قيمة مالية ودبلوماسية عالية هي الفرنسية.
جواز السفر بشكله الحالي
في العام 1915 م ابتكر البريطانيون جواز السفر بشكله الحالي، وهو عبارة عن كتيب صغير في غلاف من الورق المقوى الأزرق الداكن، يحتوي معلومات عن حامله مع صورة شخصية. وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، كانت بلدان أوروبا قد اعتمدت النموذج الإنجليزي لجواز السفر، بما فيها روسيا.
ومع نشوء (عصبة الأمم) في العام 1919م، وفي أعقاب الاتفاق الذي توصلت إليه لإصدار جواز سفر موحد، تم اعتماد اللون «الأزرق الداكن» في العام 1920م ، مثل جواز السفر البريطاني، الذي تطور بدوره ليصبح 32 صفحة، وتمَّ عمل بعض التعديلات على مدة صلاحية الجواز، وإضافة بعض المزايا الأمنية، كما تمَّ ابتكار نوع من جوازات السفر الخاصة ببعض الشعوب التي لاتملك أيَّ جنسية، تحت إشراف لجنة اللاجئين التابعة لعصبة الأمم عام 1922م، أطلق عليه اسم (جواز سفر نانسين).
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ازدادت الصرامة والتقيُّد باستخدام أذونات السفر في أوروبا ومعظم أنحاء العالم، وذلك لشمول الحرب العالمية الثانية معظم بلدان العالم. وبعد انتهاء الحرب، ونشوء هيئة الأمم المتحدة في أكتوبر 1945م، تمَّ وضع خطوط إرشادية معيارية لتصميم جوازات السفر على المستوى العالمي.
أنواع جوازات السفر
تنقسم جوازات السفر إلى أقسام عدة، يتمُّ تصنيفها وفق فئات مستخدميها، وذلك حسب ظروفهم ووضعهم السياسي أو الاجتماعي أو الدولي. ومنح جواز السفر من عدمه إجراء مرهون بالتغيرات الطارئة لكل دولة؛ فالقوانين متغيرة بتغير الأزمنة، وتغير المناطق والأقاليم والولايات، وقد تتغيَّر حسب التركيبة السكانية والديمغرافية.
ولجواز السفر أنواع عدة منها: الجوازات التي تعطى لمعظم المدنيين، وجوازات السفر الدبلوماسية، وجواز السفر الخاص الذي يصدر لأصحاب المراتب العليا في الدولة ومساعديهم كوسيلة رسمية لضمان إعفائهم من متطلبات التأشيرة.
ويصدر نوع آخر من جوازات السفر يُسمَّى جواز السفر الطارئ أو العاجل، يُعطَى للأشخاص الذين فقدوا جواز سفرهم الأصلي، أو سُرِقَ منهم، ويريدون السفر سريعاً. وهناك جواز سفر رجال الأعمال، وهو جواز سفر بأوراق إضافية، يتمُّ إصداره للأشخاص الذين يسافرون بوتيرة كبيرة. وكذلك جواز السفر العائلي، الذي قد يتضمن أكثر من شخص، ويصدر لأفراد العائلة الواحدة مثل الأب والأم وأولادهما.
«البروة» في الخليج
قبل نيِّف وخمسين عاماً كان سكان هذه المنطقة «الإمارات»، يلجؤون إلى الحاكم «الشيخ» للحصول على موافقته، من خلال «البروة»، إذا ما أراد أحدهم السفر إلى الهند أو إفريقيا للتجارة أو الاستشفاء.
و«البروة» عبارة عن رسالة يحصل عليها المواطن من حاكم الإمارة، موجَّهة إلى مكتب المندوب السامي البريطاني، الذي كان مقيماً – آنذاك- في البحرين، وكانت منطقة الخليج العربي، خاضعة للانتداب البريطاني، الذي كان مندوبه يتخذ من المنامة مقراً له، كي يحصل المواطن «حامل البروة» على إذن بالدخول إلى هذا البلد، أو ذاك، وكلها خاضعة للتاج البريطاني، الذي كانت «لا تغيب عنه الشمس».
الباحث الإماراتي راشد بن هاشم، يحوز في أرشيفه الخاص وثائق من «البروة»، كان المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ سعيد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، أصدرها لعدد من المواطنين، بغية السفر إلى الهند وكينيا أو أثيوبيا، بقصد التجارة، أو العلاج من أمراضٍ لا يتوافر علاجها في البلاد.
ونص وثيقة «البروة» هو: «من سعيد بن مكتوم آل حشر..إلى من يهمّه الأمر..
إنَّ حامل كتابنا هذا..من رعايانا، ومتوجِّه إلى…. بقصد الزيارة. إننا نرجو أن تبذل له مساعدة الدخول».
ويقول ابن هاشم: يمكن القول بأن مسيرة جواز السفر الإماراتي، مرَّت بثلاث مراحل؛
أولاها: «البروة»، وقد أتينا على ذكرها.
ثانيها: جواز السفر المحلي، الذي كانت كل إمارة تصدره لمن يطلبه من مواطنيها بغية السفر إلى خارج الإمارة. وقد توقَّف إصدار هذا النوع من الجوازات، بعد قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وحلَّ جواز السفر الاتحادي محله.
الثالثة: جواز السفر الاتحادي، الذي احتل اليوم الصدارة العالمية وهي الرتبة 1، وخلال أقل من نصف قرن على قيام الدولة، على يد القائد المؤسِّس، المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه حكَّام الإمارات، رحمهم الله جميعاً، ويتيح لحامليه إمكانية السفر من دون تأشيرة إلى معظم دول العالم.
وقد مرَّ جواز السفر الاتحادي بمرحلتين؛ الأولى: جواز السفر المؤقت، الذي رافق الفترة الانتقالية من عمر الدولة واستمرَّ حتى العام 1996م.
والثانية: بدأت منذ ذلك العام، حيث أصبح للدولة دستورها الدائم، وكذلك جواز سفرها، موضوع حديثنا التالي:
رفاهية
ولعلي لا أبالغ إذا قلت: إنَّ مسيرة الشموخ لجواز السفر الإماراتي ما كانت لتتحقَّق لولا جهود القيادة الرشيدة التي تسعى للوصول بمواطنيها إلى قمَّة الرفاهية والسعادة، وإلى المرتبة الأولى في العالم، وفق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله؛ إذ أكَّدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي أنَّ المواطن الإماراتي يمثِّل الأولوية الرئيسة في اهتمامات القيادة الرشيدة، التي تعمل دوماً على توفير مقومات العيش الكريم والرفاهية له، ولا شكَّ أنَّ السماح لمواطني دولة الإمارات بدخول دول العالم من دون تأشيرة مسبقة، لهو أمر ينطوي على مردودات إيجابية عدة لتلك الدول على أكثر من مستوى؛ للسياحة والاستثمار والعلاج، وهذا بدوره يعمِّق لدى المواطن الإماراتي قيم الانتماء إلى الوطن، والولاء للقيادة؛ لأنهم على قناعة بأنَّ جهود التنمية في الإمارات ومكتسباتها تستهدف تحقيق الرفاهية للمواطن، ليس فقط داخل الدولة بل وفي الخارج أيضاً.
وبات جواز السفر الإماراتي يعكس الوجه الحضاري للدولة، وما تحظى به من احترام وتقدير على الصعيدين الإقليمي والدولي، والتي تقف وراءه سياسة حكيمة وقيادة رشيدة، عملت بجد واقتدار على بناء صورتها الناصعة في الخارج، حتى أصبحت الإمارات عنواناً للحكمة والاعتدال والتعايش والسلام، وفي الوقت ذاته رمزاً للإنجازات والتفوق والتميز على المستوى العالمي حسب رؤية وتطلعات حكومة دولة الإمارات لعام 2021.
خدمات متميزة
يقول السفير أحمد الهام الظاهري، الوكيل المساعد للشؤون القنصلية في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، إنَّ الوزارة قطعت شوطاً كبيراً في جهودها الدبلوماسية والقنصلية من أجل تعزيز مكانة الدولة على المستوى العالمي، مؤكداً التزامها بتوقيع مذكرات تفاهم بشأن الإعفاء من التأشيرات مع المزيد من دول العالم، والذي يأتي من حرصها على تقديم خدمات قنصلية متميزة لمواطني الدولة، لتسهيل سفرهم إلى دول العالم من جهة، وتوطيد العلاقات الثنائية مع جميع الدول، من خلال تعزيز التعاون في المجالات السياحية والاقتصادية والاستثمارية من جهة أخرى.
ووفق مؤشر باسبورت إندكس المختص في السفر والهجرة وتصنيف جوازات السفر حول العالم، في أحدث تصنيفاته الخاصة بترتيب جوازات السفر العالمية (2018)، إن جواز السفر الإماراتي هو الأول عالمياً.
ومن بين جوازات السفر العربية، يعد الجواز الإماراتي الأقوى والأفضل.
ويحظى المؤشر باعتراف واسع، باعتباره من أكثر المؤشرات موثوقية؛ إذ يستند إلى بيانات دقيقة.
وجرى تعزيز المؤشر، بمجموعة مكثفة من الأبحاث الداخلية، ويستند إلى بيانات من الاتحاد الدولي للنقل الجوي «إياتا» والذي يمتلك أكبر وأهم قاعدة بيانات لمعلومات السفر في العالم.
مستقبل جوازات السفر
لاشك في أن التطور التقني والابتكار في مختلف المجالات له تأثيره في جوازات السفر، فالعالم اليوم بصدد اعتماد الجوازات المقروءة آليًّا، لاسيما أنَّ المنظمة الدولية للطيران المدني (إيكاو) ألزمت جميع البلدان بإصدار جوازات السفر المقروءة آليًّا.
وقد طلبت المنظمة في العام 1995م من جميع الدول الأعضاء، دمج مجموعة محددة من المزايا الأمنية والإلكترونية في جوازات السفر المقروءة آليًّا. وتنص مذكرة المنظمة على أنَّ صلاحية جميع جوازات السفر غير المقروءة آليًّا، ينبغي أن تنتهي قبل 24 نوفمبر 2015م.
وتتيح مزايا جوازات السفر المقروءة آليًّا لمأموري الجوازات في المنافذ البرية والبحرية والجوية، إنجاز إجراءات المسافرين بصورة أسرع، وموثوقية أكبر مقارنة مع عملية التدقيق اليدوي لجوازات السفر السابقة.