رحلة البشت الحساوي من الخليج إلى الوطن العربي

الخليج العربي الكتاب مجلة مدارات ونقوش - العدد 34 - 35 محتويات المجلة

 2,801 عدد المشاهدات

بقلم: أحمد علي الأمير


الإتقان والسمعة اللامعة للبشت الحساوي والوفرة في إنتاجه، شجَّعت أهل الأحساء من قديم الزمان على نقله إلى دول الخليج، ومنها إلى الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان، حيث يسرد لنا المؤرخ الراحل الشيخ جواد الرمضان، رحمه الله، (1938م-2018م)، الذي تقاعد عن صياغة البشت واتجه إلى صناعة التاريخ، تاركاً الإبرة متقلداً القلمَ في توثيق وحفظ تاريخ الأحساء، ليخبرنا قصة تلك العوائل الأحسائية مع البشت الذي نما وتربى معهم في تلك الدول، متبحراً في تاريخهم، حيث نقلت بعض الأسر الأحسائية البشت الحساوي إلى الكويت -وأبرزهم البغلي والشواف والأمير وبوخمسين والسليمان وبوحمد والقطان- منذُ القدم، وبعضهم من فترة حكم الشيخ جابر عبد الله آل صباح، رحمه الله، (1814-1859) الذي كان كرمه مضرب المثل، فلقبه الكويتيون بجابر العيش، حيث كان الشيخ جابر يذبح الجُزر ويفرش البواري (الموائد) عند قصره وينثر عليها العيش واللحم.

مشبك البشت
وكان شيوخ آل صباح يلبسون بشتاً حساوياً له مشبك من ناحية الصدر يسمّى شماس (نيشان)، حيث يمتد هذا النيشان من طرفي الكرمك(1) بشكل أفقي من أعلى الصدر، بحيث إذا ركبوا خيولهم يكون البشت ملتحفاً صدر فارسه، وهذا النوع من البشوت الأحسائية كان يصنع فقط لشيوخ آل صباح وعُرِفَ بالبشت الصباحي، وتظهر صور الشيخ أحمد الجابر الصباح والشيخ عبد الله الجابر الصباح ذلك الشماس على بشوتهما بشكل واضح.

الشيخ عبدالله الجابر الصباح
الشيخ أحمد الجابر الصباح

أمان وازدهار
كما نقلت بعض الأسر الأحسائية البشت الحساوي إلى إمارات الساحل المتصالح منذ القدم، وأبرزهم أسرة الأمير وبوحليقة، حيث أسَّست تلك الأسر دكاكين في الشارقة ودبي واستقطبت الكثير من الأحسائيين من مختلف العوائل للعمل لصالحها بعقود سنوية لصياغة(2) البشت الحساوي هناك، وذلك لما تشهده إمارات الساحل المتصالح من انفتاح وأمان وازدهار وظهور حالة من الترف النسبي بمقياس ذلك الزمن، منها في عهد الشيخ خليفة بن شخبوط الذي حكم في الفترة (1833-1845) وعهد الشيخ سعيد بن طحنون الذي حكم من 1845م إلى 1855م، ومن بعده الشيخ زايد الكبير بن خليفة الذي امتد حكمه أعواماً مديدة، وذلك من 1855م إلى 1909م، وفي عهد الشيخ سلطان بن صقر القاسمي (ت 1866م)، حيث اشتهرت فترة حكمهم بالقوة والحكمة والأمان والازدهار، فنمت البلاد وعمَّ الرخاء وكانت تجارتهم اللؤلؤ(4)، وتوسَّع أهلها في المأكل والطيب والملابس الفاخرة، وتحلَّت النساء بالذهب المطعَّم باللؤلؤ ولبسن الحرير والجوخ، وجلبت من الهند صناديق السيسم (السمسم) وغرف النوم الخشبية، التي كما روى المؤرخ الكبير الشيخ جواد الرمضان، رحمه الله، تصل بعض غرف النوم إلى 700 قطعة خشبية وبعضها 1000 قطعة تُركَّب في بعضها.
كما برز هذا الازدهار الاقتصادي في إمارة دبي في عهد الشيخ مكتوم بن حشر عام 1902م عندما تحوَّل مركز التجارة في الخليج إلى دبي على أثر فرض زيادة في الرسوم الجمركية في ميناء لنجة، بينما ألغى الشيخ مكتوم بن حشر الرسوم الجمركية، واستقطب التجار ورحَّب بهم، وأصبحت دبي في مدة وجيزة مركز الخليج لإعادة التصدير، وسرعان ما انتقل عدد كبير من تجار الخليج إلى دبي(5).

الانتشار في البحرين
كما نقل أهل الأحساء البشت الحساوي إلى البحرين منذ حكم شيوخ آل خليفة(6) للبحرين في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، التي صاحبها ازدهار في الاقتصاد جذب أصحاب الحرف بتسويق منتجاتهم والاستيطان فيها من مختلف العوائل الأحسائية، منهم من قدم من الأحساء مباشرة، ومنهم قدم من البصرة ممَّن كان له هجرات قديمة في البصرة، حيث كان للأحسائيين هجرات قديمة إلى العراق بمختلف المهن والحرف أبرزها صياغة البشوت في البصرة والزبير وسوق الشيوخ، ثم امتدت إلى الكاظمية في بغداد، ثم انتقل الأحسائيون بالبشت الحساوي إلى سوريا ولبنان على إثر الشراكة بين الحاج عبد الله إبراهيم بوحليقة والتاجر الدمشقي نبيه حمد الله، حيث وصل عدد الأحسائيين في دمشق إلى مائة عائلة، قفلوا إلى الأحساء من الستينيات والسبعينيات الميلادية بعد أن أسَّسوا تلك الحرفة في تلك البلدان.
كما اغترب بعض الأحسائيين في بوشهر ولنجة من بلاد فارس وعملوا البشوت لحكامها وبعض الوجهاء فيها، ومنهم أسرة آل بوحمد وأسرة آل الرمضان والخرس وغيرهم(7).

تجارة الحج
كما كان يصل البشت الحساوي إلى الحجاز منذ القدم عن طريق الحجاج من الأحسائيين، حيث سفرهم بالجمال آنذاك، فيأخذون معهم بعض البشوت الحساوية للمتاجرة فيها، فقد ازدهرت صياغة البشوت في الأحساء منذُ زمن بعيد، حيث أشار المؤرخ اليمني يحيى بن الحسين بن قاسم بن محمد (ت: بعد 1100هـ-1688) إلى أنَّ تُجَّار الأحساء كانوا يبيعون البشوت الحساوية في مكةَ المكرَّمة واليمن.

المراجع:

[1]- الكرمك هو الإطار العريض المذهب بخيوط الزري في البشت.

[2]- الخياطة في البشوت تعبير مجازي، وإنما هي صياغة.

[3]- مجلة مدارات ونقوش، العدد (3) السنة الأولى إبريل 2018م، ص16.

[4]- آل مكتوم، الشيخ محمد بن راشد. قصتي، 50 قصة في خمسين عاماً، إكسبلورر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ديسمبر 2018م، ص48.

[5]- البقشي، أحمد بن حسن. من الذاكرة الأحسائية، الطبعة الأولى 2018م، جداول للنشر والتوزيع، لبنان، ج4، ص163.

[6]- الحجي، سلمان بن حسين. أمالي بقلم سلمان، الطبعة الأولى 1434هـ، ص273.

[7]- الصيخان، علي بن سالم. الحياة العلمية في الأحساء في عهد إمارة بني خالد 1669م-1793م، الطبعة الأولى 1440هـ-2019م، دار الرياحين، ص49.