زايد في ذاكرة الصحافة التركية

الكتاب مجلة مدارات ونقوش – العدد 4

 2,187 عدد المشاهدات

إعداد: محمد زاهد غول

كانت حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- طيَّب الله ثراه- حافلة بالعمل الدؤوب وبناء الإمارات العربية المتحدة، لتكون دولة تنتمي لعصر الحداثة منذ ولادتها، وتؤسِّس حضارة تشهد لها أمم وشعوب الحاضر والمستقبل. وقد استطاع رحمه الله، بفضل حنكته السياسية، التوفيق بين السياسة الداخلية والخارجية، والدوافع الإنسانية النبيلة التي عزَّزت علاقات بلاده مع الكثير من الدول، ومن بينها علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة مع الدولة التركية؛ إذ تعود جذور العلاقات بينهما إلى عهد الدولة العثمانية، فقد وَثِقَت الإمبراطورية العثمانية بآل نهيان وأكَّد ذلك المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في حواره مع صالح أوزجان (صاحب مجلة هلال التركية):

 

“وعلى ضوء هذه الثقة والتعاون القديم بينهما، تجدَّدت علاقات البلدين مع إعلان بريطانيا جلاءها عن المنطقة بشكل رسمي عام 1971، وقيام الدولة الاتحادية وانضمامها إلى عضوية الأمم المتحدة.

 

وتحدَّث الممثِّل الشخصي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمتحدث الرسمي لدولة الإمارات أحمد خليفة السويدي، في حواره إلى جريدة الترجمان التركية في 13 نوفمبر عام 1985 عن تلك العلاقات قائلاً: “قبل حوالي 10 سنوات تقريباً كنت في زيارة خاصة وسرية إلى تركيا من دون تأشيرة دخول، وبعد فترة وبمساعدة السيد محمود قرا دومان، التقيت مسؤولين أتراك وقامت بيننا صداقات تحوَّلت فيما بعد إلى علاقات بين البلدين إلى أن جمعت رئيسيْ الدولتين”.

 

 

ثمَّ عقب مثنياً على رجل الأعمال التركي محمود قرا دومان، بأنه أرسى أوصال هذه الصداقة، وقال فيه: “إنه دبلوماسي رهيب”، وأضاف أنه مهما يكن حجم هذه الجهود فستبقى الرغبة الجادة للأطراف السياسية عاملاً أساسيًّا في تحريك العلاقات الرسمية بين البلدين وتكليلها بالنجاح، إلى ذلك أشار محمود قرا دومان قائلاً: “في نظري لم تتكلَّل هذه العلاقات بالنجاح، إلا بفضل مساعٍ عقلانية وشجاعة للأطراف”. وكانت المبادرة الطيبة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بزيارته أنقرة تلبية لدعوة الرئيس كنعان إيفرين.

 
 

 

وفي حديثه إلى جريدة ملييت في العاشر من سبتمبر عام 1987 حيث قال: “تتبوَّأ تركيا مكانة مميزة من شأنها أن تلعب دوراً مهمًّا في توحيد العالم الإسلامي، والتصدي صفًّا واحداً لأعداء الدول الإسلامية، وإني لأرغب في أن تتصدَّر تركيا زعامة العالم الإسلامي”.

لم تكن نظرته هذه، رحمه الله، إلى تركيا نظرة عابرة، ولَّدتها لحظات انبهار أو حماس، بل كانت نظرة متجذِّرة فيه؛ فهو الحاكم المحنَّك الذي استطاع أن يوحِّد الإمارات والمشيخات المتبعثِرة في ظلِّ دولة اتحادية، وحماها من أمواج المكائد المتلاطمة، وحوَّل صحراءها  القاحلة إلى جنان تبهر زائريها، ورفع دخْلَ مواطنيها فأوصلهم إلى مستوى الرفاه الذي يحظى به المواطن الغربي. لقد أراد، رحمه الله، أن ينقل تجربته هذه في الإمارات إلى العالم الإسلامي؛ فوجد مبتغاه في تركيا الدولة الإسلامية الصاعدة؛ إذ كانت تمتلك من المؤهلات ما تجعلها تتحمَّل أعباء هذه الأمانة العظيمة، كيف لا وهو القائل إلى رئيس الجمهورية التركية كنعان إيفرين: “في الأمس افتخرنا بكم، وما زلنا كذلك، وأنا على يقين بأننا سنعتزُّ بكم غداً”. هذا ما رواه رئيس المحكمة الشرعية في دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ أحمد عبد العزيز بن مبارك، في حوار صحفي مع جريدة ترجمان بتاريخ 14 نوفمبر 1985، عندما كان الشيخ زايد في زيارة رسمية لتركيا في نفس الفترة.

 

 

وقد احتفت الصحف التركية بهذه الخطوات فنقلتها إلى صفحاتها الأولى، ومن ذلك ما نشرته جريدة حرِّيت في 12 أغسطس 1984 بعنوان: “تشييد دورٍ لرعاية المسنين.. أيادٍ بيضاء للشيخ زايد”، جاء فيه: “امتدت الأيادي البيضاء لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الفيّاضة بمشاعر الدفء إلى المسنين في بلادنا… فعمد إلى تشييد دورٍ لرعاية المسنين الذين يتوقون إلى منازل تؤويهم في أسرع ما يمكن، لم ينتظر العودة إلى بلاده، حيث وجَّه تعليماته إلى وفده المرافق له بتشييد مركز تجاري وثقافي وترفيهي يصرف ريعه إلى دورٍ لرعاية المسنين… لم يكن الأطفال أقلَّ حظًّا من المسنين لدى صاحب السمو الشيخ زايد، حيث أنشأ لهم صندوق الإغاثة، وطلب من وزيره للشؤون الخارجية الشيخ راشد عبد الله، الذي رافقه في زيارته، الإسراع في تنفيذ المشروع. وقد أفادت المصادر المقربة من الحكومة التركية تعاون المسؤولين الأتراك لإنجاح المشروع، وتتمحور خطوات المشروع حول اختيار المدينة والموقع، ثُمَّ عرض هذه المعلومات على دولة الإمارات العربية المتحدة”.  

 

 

ومن جانبها نشرت جريدة جمهوريت في 21 يونيو/ حزيران من عام 1990 بعنوان: “دار للأيتام من الإمارات العربية المتحدة” كتبت فيه: “أقيم أمس حفل افتتاح مأوى الأيتام الذي بني من قِبَل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في منطقة باكير كوي – باهجلي أفلار في اسطنبول، وقد ألقى وزير الدولة السيد جميل جيجاك كلمة افتتاحية أشاد فيها بالعلاقات التركية الإماراتية الحميمة، وذكر أنَّ بناء هذا المأوى ما هو إلا ثمرة لهذه العلاقات”.
 

نشرت كذلك جريدة مللييت 10/9/1987 خبراً عن دعم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لأهالي بلدة داريجا وجاء فيه ما يلي: “أحببت هذه البلدة وساكنيها، رأيت فيها بعض العوز، فارتأيت أن أقدم إليهم هدية بسيطة، فأرجوكم ألا تحسبوها مساعدةً، اعتبروها ذكرى من أخٍ لأخيه، فلو كان عندي متسع من الوقت لأقمت مأدبةً في منزلي في داريجا ودعوت إليها وجهاء البلدة، سألتقي بهم في مجيئي القادم بإذن الله…”، وقد بلغ حجم الدعم 8 مليارات دولار. 

 

ولقد وقفت الإمارات العربية المتحدة إلى جانب تركيا في الأزمات التي تعرضت لها وخاصة في الزلزال المدمر الذي تعرضت له عام 1999، قد فاقت إجمالي مساعداتها النقدية  400 ألف

دولار، إضافة المساعدات العينية، وحين قام السفير التركي في دبي السيد أرجان أوزار ليجدد شكره لدولة الإمارات العربية المتحدة أجابه سمو الشيخ عبد الله بن زايد وزير الإعلام والثقافة الإماراتي قائلاً: “لا… نحن عائلة واحدة، ما قمنا به كان عن طيب نية وبداعي روابط الصداقة بيننا، لا داعي للشكر…”، وقد جاء هذا نقلاً عن جريدة حرييت في 16 نوفمبر 1999 بعنوان: “بلاد الأحلام للشيخ زايد”.

 
 

وأضافت جريدة جمهوريت في صفحاتها الصادرة صباح السابع من أغسطس 1984 مقالاً تحت عنوان: “زايد بن سلطان آل نهيان يزور أنقرة غداً، ويلتقي خلالها بالرئيس الجمهورية كنعان إيفرين”، وجاء ذلك على إثر تلبية دعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية لرئيس الجمهورية كنعان إيفرين المتحدة، تبدأ زيارته الرسمية غداً الخميس إلى أنقرة وتستمر خمسة أيام.
كما كتبت في 9 أغسطس 1984 تحت عنوان: “آل نهيان يصل أنقرة”، وجاء في الخبر:
 
“ترأس فخامة رئيس الجمهورية كنعان إيفرين مراسيم استقبال رسمي نُظِّم على شرف صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة أمس لدى وصوله أنقرة، وقد أعرب الزعيم الضيف عن تمنياته القلبية في أن تشكِّل هذه الزيارة مرحلةً مهمَّة في المساعي المشتركة للدولتين في تحقيق السلام الإقليمي والعالمي، هذا وسينهي الزعيم الضيف والوفد المرافق له جانب زياراته الخاصة في اسطنبول وإزمير غداً السبت، وبعد اللقاءات الرسمية اليوم في قصر جانكايا سيوقع الجانبان التركي والإماراتي اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني.
 
فيما تسابقت الصحافة التركية لإجراء مقابلات مع الشيخ زايد بن سلطان سواء أثناء زيارته إلى تركيا، وهذه بعض المقتطفات منها:

أجرى سلامي تونجال مراسل جريدة ترجمان يوم الاثنين 13 أغسطس 1984 لقاءً مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لكن المقابلة كانت صعبة بسبب تدخُّل السلطات الأمنية التي منعتنا من لقائه، إلا أنَّ الشيخ زايد قال لهم: “دعوه.. دعوه.. إنه أخي”، وقد تحقَّق ذلك اللقاء به بعد طول انتظار دام 9 ساعات في بهو فندق الشيراتون.

 

وصلنا الفندق في الساعة الثانية عشرة ونصف ظهراً وبعد ساعات انتظارٍ مؤرق استطعنا لقاء الشيخ زايد الذي نزل إلى بهو الفندق، قلنا ها هي الفرصة حالفتنا فاقتربنا منه وقدمنا أنفسنا، حاول شرطي حمايته منَّا، غير أنَّ الشيخ أبعده قائلاً له: “دعه إنه أخي”، وأجْلسَنا إلى جانبه، فسألنا الشيخ زايد عن انطباعاته في تركيا، فقال: “أحبُّ تركيا والشعب التركي، إنكم تملكون تاريخاً وثقافة كبيرة ومتجذرة، رحبتم بنا بتحية الإسلام الذي يجمعنا، وإنه لمن كبير السعادة أن يعيش المرء في إسطنبول المملوءة بنماذج فريدة من الحضارة الإسلامية وثقافتها”. 

 

وقد شَكَرْنا الشيخ زايد بن سلطان على حسن استضافته لنا، وقبل أن نغادر وصف لنا صحيفة الترجمان بعد أن اطَّلع عليها: “شيء جميل، إنها صحيفة متلألأة”.

كما أجرى الكاتب الصحفي يانار سوسوي في جريدة ملليت لقاءً خاصاً مع الشيخ زايد بن سلطان، وقد بدأ الشيخ زايد بن سلطان حديثه قائلاً: “إنَّ تعرُّفي إلى أخي وصديقي كنعان إيفرين منحني فرصة التعرُّف إلى الشعب التركي عن قرب، وإنه لتغمرني سعادةٌ كبيرةٌ حين أزور تركيا، حيث أشعر وكأنني في بيتي”.

 ثمَّ تابع الشيخ زايد حديثه مؤكداً ودية التقارب التركي الإماراتي فقال: “هناك تقارب كبير بين العالم العربي وتركيا، ففي كل زيارة لي إلى هذا البلد ألاحظ تطورات إيجابية أكثر من ذي قبل، بدأنا نلامس نماذجها، ونرى الساسة الأتراك الذين يزورون بلادنا ورجال الأعمال يبذلون قصارى جهدهم للتعريف بتركيا أكثر فأكثر، ويسعون إلى تحقيق تقارب بيننا”.
إنها محطات حافلة بالإنجازات الإنسانية والسياسية في حياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، مع الشقيقة تركيا، والتي وثَّقها الكثير من الصحف والجهات الإعلامية التركية آنذاك، والتي هي اليوم أيضاً مرجعية تاريخية وشاهد حي على إنجازات هذا الرجل الاستثناني في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، وتاريخ العرب كافة.