زايد والاتحاد 7 إمارات تحت راية الازدهار

مجلة مدارات ونقوش – العدد 10

 3,138 عدد المشاهدات

الكاتب: خليل البري

لقد كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يبني آمالاً كبيرة، ويحلم ببناء مجتمع جديد تختفي منه المعاناة، مجتمع فيه المدرسة، والعيادة، والسكن النظيف والكهرباء والماء النقي، وكان يتأمل أبناء البدو والمزارعين والصيادين  ويتخيل بينهم الطبيب والمهندس  المدرس والضابط.

كان زايد يرسم في ذهنه صورة مجتمع تضيئه شمس الحضارة، وتغمره الرفاهية ، حتى قبل أن يتدفق النفط من جوف الأرض، وكان يحلم بجيل ينهل من العلم حتى الارتواء، وهكذا بدأت فكرة الاتحاد.


في السادس من أغسطس 1966م، تولى الشيخ زايد، رحمه الله ، مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، وقدر لموارد البلاد في عهده أن تسجل معدلات قياسية في النمو. فماذا يريد حاكم في الدنيا أكثر من ذلك؟ الحكم والثروة.
ولكن الشيخ زايد لم يكن رجلاً عادياً، ولم يكن من ذلك الطراز من الحكام الذين يقنعون بواقعهم، ولكنه يضم جوانحه على نفس كريمة متطلعة إلى آفاق لا حدود لها، نفس جوادة، جبلت على البذل والعطاء، وقلب كبير تتجاوز نبضاته حدود «أبوظبي»، وتحتضن خفقاته المنطقة كلها.
وكما توقعت أسرة آل نهيان، يوم سلمته الراية، وحملته الأمانة، واختارته للموعد المرتقب مع القدر، فإن يوم السادس من أغسطس، لم يكن في الحقيقة نقطة انطلاق نحو خلق مستقبل جديد لهذا البلد، فحسب، بل كان بداية تحول في تاريخ المنطقة بأسرها. فقد امتدّت يد زايد الحانية إلى إخوانه في الإمارات، وأعطى المنطقة كلها مشاعره، وعاش معها أفراحها وأحزانها، وساهم بكل أحاسيسه في قضاياها، وألزم نفسه بالمشاركة الإيجابية في تطويرها ، متحملاً هذه المسؤولية بروح وإقدام الرجل ، وعزيمة الرواد الأفذاذ ، الذين يؤثرون إنكار الذات.
لم يحبس الثروة، بل قدّم الأموال في صورة مشروعات لكل الإمارات، وهو ينظر في حقيقة الأمر إلى ثلاثة اتجاهات دفعة واحدة هي: إمارة أبوظبي، إمارات ساحل الخليج وعمان، والوطن العربي كله. كان يقول «لقد بدأنا في تعمير بيتنا، وهو واجب علينا، لكن يجب ألاّ ننسى في الوقت ذاته أن ننظر حولنا ، إلى إخواننا في الساحل والخليج ، وإخواننا في بقية البلاد العربية، لأننا جزء من الوطن الكبير».
وقال، رحمه الله ، «البعض يتهمني أنني وحدوي ، وهذه تهمة لا أنفيها، أنا وحدوي، ولكنني لا أفرض الوحدة على أحد».

مكتب التطوير
وقد أكّد الشيخ زايد، فور تسلّمه سدّة الحكم في السادس من أغسطس عام 1966م بإمارة أبوظبي مدى أهمية الاتحاد، وقال معلّقاً: «نستطيع بالتعاون وبنوع من الاتحاد، اتباع نموذج الدول الأخرى النامية». لقد نمت أهمية الاتحاد والحاجة إلى العمل في التعاون مع الإمارات الأخرى، وترعرعت في فكر الشيخ زايد منذ البداية. ورغم إدراكه التام بأنّ الاتحاد كان مجرّد مفهوم حديث في المنطقة، إلاّ أنّ اعتقاده بإمكانيّة تنفيذه على أسس الروابط المشتركة التي تربط بين مختلف الإمارات، إضافة إلى تاريخ وتراث أبنائها الذين عاشوه معاً لعدة قرون، كان ثابتاً. لقد عمل الشيخ زايد على ترجمة مبادئه وأفكاره عن الاتحاد والتعاون والمساندة المتبادلة إلى أفعال، وذلك بتخصيص جزءٍ كبير من دخل إمارته من النفط لصندوق تطوير الإمارات المتصالحة قبل بداية دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية.
ومكتب حكومة أبوظبي ساهم في توفير العيش الكريم لأبناء المناطق الشمالية، وعن تلك الجهود الحثيثة لزايد، ذكر، عبد الرحمن أمين الشرفا، وهو من الرعيل الأول الذي عاصر مراحل تكوين الدولة على يدي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعايش الحلم الإماراتي وتحققه على أرض الواقع، أن ما تم الآن في الدولة من منجزات حضارية وعمرانية جاءت بفضل من الله وبجهد القائد ومؤسس الدولة الذي غرس الحب والعطاء في زمن قسوة ظروف الحياة وفتح مجالات أرحب برؤية ثاقبة.
ويذكر عبد الرحمن أمين الشرفاء بأن زايد قام بإنشاء مكتب أبوظبي في إمارة الشارقة عام 1968 ليختص بشؤون المناطق الشمالية، ويقدم المساعدات والعون لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، ويعمل في هذا المكتب شخصان من كل من الشارقة، عجمان، أم القيوين، الفجيرة، ورأس الخيمة، ومن خلال العمل في المكتب يتم التنسيق مع حكومة أبوظبي في تشغيل الشباب المواطن ضمن دواوين حكومة أبوظبي مع ظهور شركات البترول التي فتحت آفاقاً جديدة للمواطنين الذين كان أغلبهم يعمل في البحر في مهنة الصيد والتجارة والأسفار لجلب البضائع المختلفة واغترب عدد منهم للعمل في السعودية والكويت والبحرين.
وكما فعل زايد في العين وفي أبوظبي، بدأ يسأل الناس عن احتياجاتهم، ويوفر لهم الآلات والمعدات اللازمة، ويشجعهم على الزراعة والري، كما كان من وقت إلى آخر يقوم بنفسه بزيارات إلى المناطق الشمالية، لتفقد شؤون حياتهم في ظل شح الموارد في ذلك الوقت، فأرسى بذلك معاني الاتحاد مبكراً ولم الشمل.
مكتب المناطق الشمالية أداره عتيبة بن عبدالله العتيبة وكان نائبه محمد بن خليفة السويدي، وساهم المكتب في توفير العيش الكريم للمواطنين وتلبية متطلبات الحياة، وكان زايد يبدي اهتماماً كبيراً بكل تفاصيل حياة الناس من مزارعين وعمال وشباب ويفتح آفاقاً جديدة لهم للعمل، ويحرص على زيارة هذه الإمارات أكثر من مرتين في العام، ويستقبل الجميع في قصره في منطقة الذيد.

الانسحاب البريطاني
وكانت الحكومة البريطانية قد عانت من ضغوط الظروف الاقتصادية المعاكسة، نتج عنها إنهاء كافة المعاهدات لحماية الإمارات المتصالحة عام 1968م، وانسحابها من الخليج نهاية العام 1971م. ومع أنّ هذا القرار المفاجئ كان يهدّد بخلق فراغٍ عسكري وسياسي في المنطقة، لكنّه ساعد -أيضاً – على تقليل العقبات والصعوبات التي كانت عائقاً في طريق المحاولات الأولى لاتحاد الإمارات.
لقد أطلق التوقّع الكبير لإنهاء العلاقة الخاصة القائمة بين بريطانيا والإمارات المتصالحة لفترة 150 عاماً الإشارةَ إلى نوع ما من الترابط الذي يتسمّ بالطابع الرسمي الأكثر قوّةً مما كان مقدّماً من مجلس الإمارات المتصالحة؛ ونتيجةً لهذه القوى الجديدة العاملة اتّخذ، المغفور لهما بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي، الخطوةَ الأولى نحو إنشاء الاتحاد. وكان يقصد بهذا الاتحاد أن يكون نواةً للوحدة العربية، وحماية الساحل -المتوقّع فيه ثروة النفط –  من مطامع الدول المجاورة الأكثر قوة.

اتفاقية الاتحاد
كانت نتيجة المبادرة المتّخذة من حاكمَي الإمارتين الرائدتين، عقد اجتماع في الثامن عشر من فبراير 1968م في السميح، على الحدود بين أبوظبي ودبي، وقد وافق الشيخ زايد والشيخ راشد في ذلك اللقاء التاريخي بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على دمج إمارتَيهما في اتحاد واحد، والمشاركة معاً في أداء الشؤون الخارجية والدفاع، والأمن والخدمات الاجتماعية، وتبنّي سياسة مشتركة لشؤون الهجرة. وقد تُركت باقي المسائل الإدارية إلى سلطة الحكومة المحلية لكلّ إمارة. وعُرفت تلك الاتفاقية المهمة بـ«اتفاقية الاتحاد»، ويمكن اعتبارها الخطوة الأولى نحو توحيد الساحل المتصالح كلّه. وزيادةً في تعزيز الاتحاد؛ ولاهتمام الشيخ زايد والشيخ راشد بتقويته، قاما بدعوة حكّام الإمارات الخمس المتصالحة الأخرى، إضافة إلى البحرين، وقطر، للمشاركة في مفاوضات تكوين الاتحاد.
وفي الفترة من 25 إلى 27 فبراير 1968م، عقد حكّام تلك الإمارات التسع مؤتمراً دستوريًّا في دبي. وبقيت تلك الاتفاقية المكوّنة من أحد عشر بنداً، والتي بدأت في دبي، مدة ثلاث سنوا ت قاعدةً للجهود المكثّفة لتشكيل الهيكل الدستوري والشرعي لـ«اتحاد الإمارات العربية» هذا، والذي يتكوّن من تلك الإمارات التسع الأعضاء فيه، وعُقدت في تلك الفترة اجتماعات عدّة على مستويات مختلفة من السلطة، والاتفاق على القضايا الرئيسة في اجتماعات المجلس الأعلى للحكّام، الذي يتكوّن من رؤساء الإمارات التسع. كذلك أجرى نوّاب الحكّام إضافة إلى لجان أخرى مختلفة، مناقشاتٍ رسميةً تتعلّق بتعيين الإداريين من تلك الإمارات ومستشارين من الخارج.
وفي صيف عام 1971م أصبح من الواضح أنّه لم يعد لإيران أية مطالب في البحرين، فأعلن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة استقلالَ الجزيرة في 15 أغسطس 1971م، تبعتها قطر في 3 سبتمبر 1971م.
وعملت السلطات في الإمارات السبع المتصالحة على وضع بديلٍ لاتحاد الإمارات العربية. وفي اجتماعٍ عُقد في دبي في 18 يوليو 1971م، قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، هي: أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، والفجيرة، تكوين اتحاد الإمارات العربية المتحدة، وكانت رأس الخيمة، وهي الإمارة السابعة، في حالة من التردّد. وفي 2 ديسمبر 1971م أُعلن رسميًّا تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة، وبعد ذلك، أي في 10 فبراير 1972م، انضمّت رأس الخيمة إلى الاتحاد، فأصبح الاتحاد متكاملاً باشتماله على الإمارات السبع.

قيام الدولة
وخرج من قاعة الاجتماع أحمد خليفة السويدي الذي كان يشغل آنذاك وزير شؤون الرئاسة في أبوظبي؛ ليعلن إلى العالم في بيان تاريخي مولد الدولة الجديدة، واهتزت أسلاك البرق في كل أنحاء الدنيا معلنة الحدث الكبير.
وكان نص البيان التاريخي الذي أذاعه أحمد خليفة السويدي، ما يلي:
«بسم الله الرحمن الرحيم – وبعونه تعالى – واستجابة لرغبة شعبنا العربي، فقد قررنا نحن حكام إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، إقامة دولة اتحادية باسم الإمارات العربية المتحدة، وإذ نزفّ هذه البشرى السارة إلى الشعب العربي الكريم، نرجو الله تعالى أن يكون هذا الاتحاد نواة لاتحاد شامل، يضم باقي أفراد الأسرة من الإمارات الشقيقة، التي لم تمكنها ظروفها الخاصة من التوقيع على هذا الدستور».
ويشير البيان بعد ذلك إلى إرسال وفود إلى الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة من أجل شرح أهداف الخطوات المباركة، والحصول على دعمها.
وعلى امتداد الشهور الخمسة التي تلت التوقيع على الدستور المؤقت قامت أبوظبي، مفوضة عن حكام دولة الإمارات العربية المتحدة، بأكبر تحرك سياسي عربي، يستهدف إلقاء الضوء على الأوضاع والتطورات التي مهدت وأدت إلى قيام الدولة الجديدة، واتخاذ الخطوات الخاصة بإعلان وثيقة الاستقلال.
وكان الشيخ زايد يوجه هذا التحرك السياسي النشيط ويقوده بنفسه، وقام عدد من الوزراء بالسفر إلى مختلف العواصم، وهم يحملون رسائل الشيخ زايد لإخطار رؤساء وملوك الدول العربية بقيام الاتحاد، وأوفد الشيخ مبارك بن محمد الذي كان يشغل حينذاك وزير الداخلية إلى المملكة العربية السعودية، كما أوفد الشيخ أحمد بن حامد الذي كان وزير الإعلام والسياحة إلى دول منطقة الخليج، وعدد من الدول العربية، وأوفد أحمد خليفة السويدي الذي كان وزير شؤون الرئاسة إلى مصر ودول المغرب العربي.
وأنهت الوفود كلها مهمتها على أكمل وجه، وعادت لتقدم إلى الشيخ زايد – طيب الله ثراه – تقاريرها بنتائج اتصالاتها في الدول العربية كلها، وكلها تحمل تأييد وترحيب الدول العربية بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ومساندتها لها في كل المجالات والميادين.
وفي 2 ديسمبر/ كانون الأول سنة 1971م عقد حكام الإمارات الست اجتماعاً، وأعلنوا سريان مفعول الدستور المؤقت وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة مستقلة ذات سيادة وجزءاً من الوطن العربي الكبير، تستهدف الحفاظ على استقلالها، وسيادتها، وعلى أمنها واستقرارها، ودفع كل عدوان عن كيانها أو كيان الإمارات الأعضاء فيها وحماية حقوق وحريات شعبها، وترمي إلى تحقيق التعاون الوثيق فيما بين إماراتها لصالحها المشترك من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في المجالات كافة، وتوفير الحياة الفُضْلى لجميع المواطنين، ونصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية، وتعمل على توثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس مبادئ ميثاق الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة، والأخلاق الدولية المثلى.
وفي اليوم نفسه تقرر انتخاب الشيخ زايد، طيب الله ثراه، رئيساً للدولة لمدة خمس سنوات، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، نائباً للرئيس للمدة ذاتها. وفي اجتماع عُقد في 20 مايو 1996م، وافق المجلس الأعلى للاتحاد على نصّ معدّل للدستور، جعل من دستور البلاد المؤقّت، الدستور الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعُيّنت أبوظبي عاصمة الدولة.

إرادة وحدوية
وقدّم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في جهوده لإقامة الاتحاد، للدول العربية نموذجاً عملياً، أثبت إمكانية قيام الاتحاد أو الوحدة، إذا ما ملك الساعون لتحقيقها إرادة قوية وتوجهاً خالصاً لوجه الله والوطن.
وأصبحت الدولة الاتحادية المؤسسة حديثاً، تُعرف رسمياً «بدولة الإمارات العربية المتحدة»، وتم الاتفاق على وضع دستور مؤقت يعتمد على نسخة معدلة من نص الدستور السابق لإمارات الخليج التسع، كما تم تحديد المصلحة العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة على أنه الهدف الأعلى لها.
كان الدستور المؤقت يتضمن 152 مادة، مكوناً من مقدمة وعشرة أقسام، ويعمل على تحديد القوى المتعلقة بالمؤسسات الاتحادية ، بينما ظلّت المواد الأخرى تحافظ على حقّ امتياز الحكومات المحلية لكلّ إمارة من الإمارات، والسلطات المركزية الخمس المحدّدة في الدستور هي :
– -المجلس الأعلى، ويتكوّن من حكّام الإمارات السبع؛ وهو أرفع سلطة دستورية في الدولة، ويقرّ التشريعات الاتحادية فيها، وأعلى المؤسسات التي ترسم سياستها العامة.
-الرئيس ونائب الرئيس في الدولة الاتحادية
. -مجلس الوزراء
– -المجلس الوطني الاتحادي؛ وهو مجلس استشاري يتكوّن من 40 عضواً يتمّ اختيارهم من مختلف الإمارات وفق عدد السكان في كلّ منها، وهناك ثمانية مندوبين من كلّ من إمارة أبوظبي ودبي، وستة من كلّ من الشارقة ورأس الخيمة، وأربعة من كلّ من الفجيرة وعجمان وأم القيوين.
-السلطة التشريعية أو القضائية؛ وتتكوّن من عدد من المحاكم، على رأسها المحكمة الاتحادية العليا.
وانسجاماً مع سياسة الانفتاح على العالم، وضرورة الارتباط بركب حركة التعاون الدولي، سارع الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بمجرد قيام الاتحاد بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة، بميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة، طالباً انضمامها إلى المنظمة الدولية، وقد وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على هذا الطلب، وأصبحت دولة الإمارات العضو الثاني والثلاثين بعد المئة في هيئة الأمم المتحدة.

طريق الازدهار

شكل الاتحاد، كما آمن المغفور له الشيخ زايد، فرصة هيأها الله سبحانه وتعالى لجميع حكام الإمارات، من خلال وجودهم في مكان واحد، وقلوبهم جميعاً عامرة بالإيمان بمبدأ الوحدة فجعلوا من اجتماعهم محطة تاريخية لتحقيق الأمل المنشود، فتحقيق الرخاء والازدهار والعيش الحر لشعب الإمارات ووجود صرح الاتحاد، كل ذلك نتيجة فكر الشيخ زايد وجهده وتفانيه وتخطيطه ونظرته وحبه وطموحه وتنفيذه، وتلك أوصاف وأمور حقيقية فيه لا مراء ولا شك ولا مبالغة فيها ويعرفها القريب والبعيد على حد سواء.

وكان فكر زايد منذ البداية وحدوياً، وقال وقتها: «إن الاتحاد هو طريق القوة وطريق العزة والخير المشترك، وإن الفرقة، لا ينتج عنها إلا الضعف، وإن الكيانات الهزيلة، لا مكان لها في العالم اليوم، فتلك هي عبر التاريخ على امتداد عصوره»، ومنذ اللحظات الأولى لتأسيس الاتحاد؛ انطلقت عجلة العمل بواحدة من أضخم عمليات التنمية التي شهدتها المنطقة، ونذر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، نفسه، وكرس وقته لخدمة الوطن والمواطن، وأعلن منذ الأيام الأولى لتوليه مقاليد الحكم تسخير الثروات من أجل تقدم الوطن، ورفعة مستوى المواطنين، فتحولت الإمارات خلال سنوات قلائل من قيام اتحادها الشامخ، إلى دولة عصرية مزدهرة بفضل القيادة الحكيمة، والعطاء السخي لزايد، حيث ارتبط الاتحاد منذ بداية مسيرته بتنفيذ برامج طموحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة على مستوى الوطن. ومع زايد أصبح هدير الآلات في كل مكان وانتقل آلاف الأهالي من منازل العريش والطين إلى البيوت الصحية النظيفة وامتدت الطرق الحديثة فوق الرمال ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت وانتقل التعليم من نظام الكتاتيب إلى المدارس العصرية. وظلت سياسة المجلس المفتوح التي اتبعها رغم مشاغله ومسؤولياته المتزايدة ثابتة لم تتغير مطلقاً على مر السنين، ورغم تزايد الأعباء كانت لقاءات زايد بالشعب مبدأً أساسياً من مبادئه في الحكم.
هدوء الشيخ زايد ودماثة خلقه وإحساسه بالمسؤولية ورجاحة العقل والفكر وبعد النظر، سمات ميزته في قيادة التحدي وتحقيق المستحيل، فقد أيقن زايد، ومع السنوات الأولى لنشأة الاتحاد دور العناصر البشرية في المشاركة بمسيرة تنمية الدولة، فكان الإنسان محور اهتمامه، ولو تمعنت النظر في التسجيلات الصوتية والمصورة له خلال زياراته العديدة في أرجاء الوطن لأدركت ذلك، عدم تقيده بالبروتوكول الرسمي للاستماع إلى الناس والتشاور معهم، النصائح التي يوجهها لهم بمحبة وهو يجلس معهم بأريحية وبساطة، تسجيلات عدة موثقة يمكن للمرء أن يعيد رؤيتها وسماعها مرات عدة، دون أن يمل مع معين الحكمة الذي قدمته مدرسة زايد.
ارتدى زايد ثوب الطموح، وتسلح بالإصرار، وحرث الصحراء علماً وعملاً، وزرع في ثنايا الوطن أملاً وطموحاً، فأنبت إمارات الخير موطن التعايش وبلد العطاء.. زايد الذي رحل صامتاً رغم ضخامة إنجازاته رحمه الله، كان أيقن الاتحاد بروحه وعمل لأبناء وطنه بفطرته، قبل الاتحاد أعلن في نهجه الوحدة.. قبل الاتحاد أقام للوطن كياناً من الأخوّة، يشدُّ بعضه بعضاً ويتحد في النظر إلى المستقبل الذي نعيش اليوم.. مستقبل الأمن والأمان والحب والوئام.. مستقبل التسامح والسعادة.. مستقبل الابتكار والإبهار في قادم الأيام.. زايد ولد بروح الاتحاد ونشأ على حب الاتحاد.. عاش ومات ليبقى الاتحاد؛ من أجل الإنسان.
ستظل روحه حية وخالدة في ذاكرة ووجدان الوطن والمواطنين وقلوب ونفوس الأمة العربية والإسلامية بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء، نذر خلالها نفسه وكرس كل جهده وعمل بتفان وإخلاص لخدمة وطنه وشعبه وأمته العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء. رحمك الله يا زايد.