3,377 عدد المشاهدات
الكاتب : جمال بن حويرب – مؤرخ من الامارات
الشعر ديوان العرب الذي يحوي كثيراً من أخبارهم وتواريخهم التي لم تسجّل في كتب المؤرخين، وقد استفاد الباحثون من الشعر لتسجيل أحداث لم يهتدوا إليها من خلال المؤلفات التاريخية، وخاصة تاريخ الجزيرة العربية الذي يفتقر إلى التدوين منذ قرون.
ولولا الشعر المحفوظ الذي تناقلته الرواة جيلاً بعد جيل، وحفظ بعضه في دواوين شعرية مخطوطة لأصبح تاريخنا حلقات مفقودة في صحراء مقفرة. ولو لم يكن للشعر من مزية إلا تسجيل هذه الأحداث لوجب علينا الاهتمام به وتنقيحه وإخراجه من صحف المخطوطات إلى عالم الطباعة الحديثة ليستفيد منه العلماء والباحثون. نقف معكم اليوم أمام نص أدبي رائع وُجِدَ في مخطوطة قديمة من مملكة البحرين الشقيقة يعود تاريخها إلى سنة 1911م، أهداها لنا الأستاذ الأديب مبارك العماري الدوسري حفظه الله، وهذه المخطوطة عبارة عن مجموعة من القصائد كتبت باقتراح من المرحوم عبدالله بن جبر الدوسري الذي كان يعمل عند الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، رحمه الله، حاكم البحرين (1932-1942م) وكان ذلك إبان ولايته للعهد.
وقد أكّد لنا الأستاذ العماري أنَّ جامع هذه الأشعار المسمّاة «ديوان الأكارم في مدح أهل الشيم والمكارم»، هو الشاعر مبارك بن مسعود الذي كان أيضاً من شعراء الشيخ حمد بن عيسى. جاء في المخطوطة أنَّ الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وكان ولياً للعهد حينذاك، أهدى حصاناً يسمى «شويمان» إلى الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان، رحمه الله، حاكم أبوظبي (1855-1909م) وأرسل معه أبياتاً تدلُّ على عمق العلاقات الأخوية بين البلدين حيث يقول فيها:
الغوج مبذولٍ إلى عاد تبغيه
يا شيخ يا حامي حدور التوالي
يلّى إلى من ضيّع السمت تشريه
«زايد» إللى عدّت علوم الرجالي
الغوج ما طاري لنا دوم نجزيه
إلّا لشخصك يا حميد الفعالي
هاذاك لك واللى غلا منه نفديه
الحال مبذولٍ فكيف الحلالي
فما كان من الشيخ زايد، رحمه الله، إلا أن أرسل رداً شعرياً لا يقلُّ عنه جزالة، ونحن لم نقف قبل هذه المخطوطة على أي قصيدة تنسب إلى الشيخ زايد مع أنَّ آل نهيان نشأ فيهم شعراء كبار من أمثال والده الشيخ خليفة بن شخبوط آل نهيان حاكم أبوظبي، رحمه الله، (1833-1845م) وولده الشيخ سلطان حاكم أبوظبي، رحمه الله، (1922-1926م)، والشعر في آل نهيان متأصل منذ أجيالهم القديمة فلا غرو إذا كتب الشيخ زايد الشعر، وإن لم نعثر عليه إلا في هذه المخطوطة، يقول الشيخ زايد:
حي الكتاب اللي لفاني وهاديه
به مرحباً وأهلاً بردّ السؤالي
اعداد ما برقٍ مزونٍ تشابيه
واعداد ما نسنس هبوب الشمالي
فكّيت برشامه وأحطنا معانيه
في الغوج لى كامل جميع الخصالي
ساعة لفى (شويمان) غزر النظر فيه
مقبول من شيخٍ جزاه وهدى لي
هاذي عوايد من «حمد» والسخا فيه
يا الله تكفا له صروف الليالي
حالك جميل وفضل جودك يكفّيه
والفرق معدومٍ إلى أتلى التوالي
ومن المعلوم أنَّ بني ياس وشيوخها أهل الخيل منذ القدم، وقد مدحوا كثيراً بالخيل العراب، وكان الشيخ زايد، رحمه الله، يقتني كثيراً منها؛ فهذا الرحّالة الألماني هيرمان بورخارت الذي زار أبوظبي سنة 1904م، وصف خيل الشيخ زايد وأخذ صوراً فوتوغرافية لها، وذكر في ملاحظاته أنَّ الشريف عون شريف مكة، أهدى الشيخ زايد الأول فرساً ذكرها الشاعر مبارك العقيلي في قصيدته يمدح الشيخ زايد الأول عندما زاره برفقة نجله الشيخ حمدان بن زايد فقال:
إمام يطيعه حضرها والبوادي
وهاداه من يدعى بمكه أميرها
وقد كانت الهدايا تصل إلى الشيخ زايد من كلِّ مكان بسبب ما كان يتمتّع به من احترام كل الدول المجاورة آنذاك، ولم يكن هذا الجواد هو الهدية الوحيدة من شيوخ البحرين؛ فقد جاء أيضاً في الوثائق البريطانية أنَّ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والد الشيخ حمد أهدى الشيخ زايد الأول جوادين استلمهما نجله الشيخ خليفة بن زايد الأول في عام 1880-1881، إذ كان زايد تلك السنة في الحجاز لأداء مناسك الحج.
الشيخ حمد ين عيسى آل ثاني
وما قصيدة ابن عديم الرواحي (1921م) المشهورة إلّا دلالة على عشق بني ياس للخيل يقول فيها:
وما رجاءُ بني ياس على خطأٍ
فإنما القومُ أعوانٌ وإخوانُ
قوم على صهواتِ الخيل طفلهمُ
يربو له من دمِ الأبطالِ ألبانُ
إلى آخر هذه القصيدة البليغة.
وكذلك يقول سالم السيابي في كتابه «إسعاف الأعيان» عندما ذكر قبيلة بني ياس: «وتلتف عليهم قبائل عدة، تتعلق بهم في مهماتها أمم، وبنو ياس هم الصميم فيهم، أهلاً ببني ياس بن عامر، أهل الخيل والخيول، ولهم الفضل الذي لا ينكر».