2,232 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن جويرب
بين الإنصاف والجور والعلم والجهل والعالم المحقق وحاطب الليل في العلوم مسافة كبرى لا يعرفها إلا من غاص في بحار المعرفة وأخرج منها اللآلئ الثمينة التي أيضا لا يعرف قيمتها إلا غواص ماهر مثله ، لأن العلم لؤلؤ مكنون والفكر الثاقب مع أدوات البحث السليمة والخبرة المتراكمة هو من يستطيع استخراجها لا كما يظن المستعجلون في الوصول إلى المراتب العليا والمدعون بغير علم ولا تحقيق ولا آلات وما هم إلا كما قال أبو حيان الأندلسي:
يَظُنُّ الْغُمْرَ أَنَّ الْكُتْبَ تَهْدِي
أَخَا فَهْمٍ لإدراكِ الْعُلُومِ
وَمَا يَدْرِي الْجَهُولُ بأنَّ فِيْها
غوامضَ حَيَّرَتْ عَقْل الْفَهِيْمِ
وهذا الأمر الذي أعنيه من حقيقة المعرفة وادعائها هو ما رأيته في سير الأعلام قديما وحديثا من عرب وأوروبيين وغيرهم فداءُ الادعاء عام على البشرية إلا من رحم الله وجعله من زمرة المنصفين فعرف قدره ولم يتحلّ بما ليس فيه، ولهذا أنا أصنف صاحب العلم غير المنصف والجاهل سواء فلو نفعه علمه لكان الإنصاف بين عينية لأنه من مخرجات العلم ومن هؤلاء المنصفين العلماء من الأوروبيين رجل من نوابغ عصره ومن أعلام دولته الكبار صنف أروع المؤلفات وبهر بفكره زعماء عصره ومن بعدهم هذا الذي لا يسميه بغير “العلامة” مترجم أعماله العلمية إلى العربية المترجم الأديب الكبير عادل زعيتر لأنه غاص في أعماق كتبه ونقلها إلى العربية بأبهى حلة وأجمل ترجمة بل أعاد كثيرا مما استشهد به غوستاف لوبون بالفرنسية من كتب الحديث والأدب والعلم والفلسفة العربية إلى أصلها العربي وهذا مما يتعب المترجم جدا ويأخذ منه وقتا طويلا في البحث ولهذا استحق عادل زعيتر ما قالته عنه الأستاذة عائشة عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ : “وإنما حسبي أن أقرر أنه (أي عادل زعيتر) الذي رد إلى الترجمة اعتبارها بعد أن هبط بها المرتزقة والمأجورون وصنائع الاستعمار الفكري وأنه الذي وقف في غمرة الظلمة الداجية يحمل المشعل بيديه الكريمة ليضيء لقومه العرب طريق الحق والخير والعزة”، وإني لأظن زعيتر كاد يطير سعادة وهو يقرأ هذا التقريض الصادق من فاضلة عالمة كبيرة، وسأخصص لكم عن الأستاذ عادل زعيتر مقالات أخرى لننبه على فضله وعلو مكانته إن شاء الله.
وأقول نحن العرب محظوظون جدا إذ قيض الله لنا رجلا منصفا محققا ليس على ديننا ولا من بني جلدتنا لكي يزيل غبار الحقد الغربي من المدعين العلم غير المنصفين من الأوروبيين الذين أولهم سرقوا نتاج علمائنا الأوائل ورفعوا بها علومهم واختراعاتهم وانتهزوها لبناء حضارتهم ثم جاء آخرهم فكتموا الحق وحسدونا بسبب ضعفنا وتفرق شملنا، وأننا وقعنا تحت سطوتهم في ظل احتلال مقيت فأنفوا أن ينسبوا لنا الفضل حقدا وحسدا وهؤلاء لا يزالون يكررون مثل ما قال أسلافهم ولكن الشمس لا تغطى بغربال وسيظهر الله الحق فكان غوستاف لوبون هذا الناطق الأمين والمنصف الذي سبق الناس بكتاب كل صفحة تنطق بالثناء والتقدير والإنصاف للعرب ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام وإلى كل ما قدمه المسلمون من معارف خالدة ما بقيت الدنيا.
فمن هو غوستاف لوبون ؟ وما هي آثاره العلمية وتأثيره العالمي ؟ ومكانته ؟
غوستاف لوبون
ولد غوستاف في نوجينت لو روترو عام ١٩٤١ ، وتخرج طبييا في جامعة باريس عام 1866. ولكنه قرر عدم ممارسة الطب ، بل بدأ مسيرته الكتابية في نفس العام الذي تخرج فيه، فنشر عددًا من المقالات والكتب الطبية قبل انضمامه إلى الجيش الفرنسي بعد اندلاع الحرب الفرنسية البروسية لكن هزيمة فرنسا في الحرب والثورة الفرنسية الرابعة عام 1871 التي تسمى كمونة باريس شكلت بقوة نظرة لوبون العالمية.
سافر غوستاف إلى بلدان كثيرة وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا. وقام بتحليل الشعوب والحضارات التي زارها تحت مظلة علم الإنسان (الانثربولوجيا) ، ووجد طريقة لتأسيس نظرياته الجوهرية للإنسانية.
في تسعينيات القرن التاسع عشر بدأ لوبون يهتم كثيرا بعلم النفس وعلم الاجتماع ، وفي هذه السنوات أصدر أنجح مؤلفاته ثم ابتكر نظرياته النفسية والاجتماعية وقد قام بتجارب فيزيائية ونشر كتبًا شهيرة حولها ، ومن عجائبه قوله بتكافؤ الكتلة والطاقة وتنبئه بعصر الذرة.
وبقي هكذا يصدر مؤلفاته ذائعة الصيت المفيدة والمؤثرة في شخصيات عالمية فمنهم من استفاد منهم إيجابًا ومنهم من استخدمها سلبا وكل له مآربه من مؤلفاته.
هذا وقد توفي غوستاف لوبون عام ١٩٣١ مخلفا وراءه ثروة علمية ضخمة اعتنى بنقلها إلى العربية الأديب عادل زعيتر ومنها هذا الكتاب المنصف للعرب الذي نحن بصدد الحديث عنه “حضارة العرب.”
وللمقالة بقية غدا إن شاء الله
تقرأون غدا
• مآخذ العلماء العرب والغربيين على كتاب حضارة العرب.
• هل أثرت ثقافة لوبون الغربية في نظرته إلى الإسلام بشكل سلبي .