2,859 عدد المشاهدات
الكاتب: د. شهاب غانم
يعدُّ المحامي محمد علي إبراهيم لقمان، وهو جدي لأمي، الرائد الأول للصحافة المستقلة في عدن وجنوب الجزيرة، بل في كل اليمن، كما كان أوَّل من تخرَّج في المحاماة من أبناء عدن وأول من نشر رواية في اليمن. ولد في عدن في 6 نوفمبر 1898م وتوفي أثناء أداء فريضة الحج في الديار المقدسة في 22 مارس 1966م، ودفن بمقبرة المعلاة بمكة وكان في الرحلة برفقة زوج ابنته الشاعر د. محمد عبده غانم وزوجتيهما.
وكان والده علي إبراهيم لقمان رئيس الإدارة العربية في الدولة، ويحمل لقب خان بهادر، وكان رجلاً متعلماً ومثقفاً ويجيد العربية والإنجليزية، كما كان مفتش ضرائب الدخل في المستعمرة البريطانية. وهو من ذرية القاضي العلَّامة أحمد بن ناصر عبد الحق المخلافي الهمداني من قادة الذين ثاروا على الإمام المهدي صاحب المواهب محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم في اليمن؛ إذ حوَّل الإمامة إلى أبهة الملك، فنقم عليه العلماء لسفك الدماء. وفرَّ أحمد بن ناصر لفترة إلى الهند، وعندما عاد إلى اليمن تمكَّن الإمام من القبض عليه وسجنه في سجن جزيرة صيرة، ودفن في تلك الجزيرة عام 1116 هجرية.
كان محمد علي لقمان الابن الأكبر، ومن إخوانه محمود مؤسِّس مجلة الأفكار وفيما بعد قاضي القضاة بعدن، والمؤرخ حمزة والسفير علي. ومن أبنائه الشاعر المعروف علي أول خريج في الصحافة من عدن، وعبد الرحيم (أستاذي في اللغة الإنجليزية في المدرسة المتوسطة) الذي صار فيما بعد مديراً للمعارف بعدن، وإبراهيم (أستاذي في العلوم في المدرسة المتوسطة)، والأستاذ حامد، وفضل مدير المعهد الفني ولاحقاً خبير اليونسكو، والصحفي فاروق، والمهندس شوقي، والطبيب حافظ، والمهندس ماهر. وبعض بناته الأربع خريجات.
وقد تعلَّم لقمان الأدب العربي على يد والده، ودرس القرآن والحديث والقانون المحمدي منذ سن العاشرة على يد السيد عبد الله بن حامد الصافي، والفقه على يد الشيخ عبد الله الحضرمي، واللغة العربية على يد الشيخ عمر الزبيدي وكان كفيفاً. ثمَّ درس المرحلة الابتدائية بالمدرسة الحكومية الوحيدة في مدينة كريتر، ثمَّ انتقل إلى مدينة التواهي للالتحاق بمدرسة للرهبان للمرحلة الثانوية، وكان يقطع المسافة إلى المدرسة بين كريتر والتواهي على ظهر حمار أو مشياً على الأقدام، ثمَّ في مرحلة لاحقة على ظهر حصان، وكان أول عربي من عدن يحصل على شهادة السينير كامبردج الثانوية.
وعمل مديراً للمدرسة الثانوية الحكومية بعدن بعد حصوله على الثانوية لفترة خمسة أعوام حتى 1924، ثمَّ استقال ونشر بعدها في الهند كتيباً من 60 صفحة بالإنجليزية عن النظام التعليمي في الهند بعنوان “هل هذه قصاصة من ورق”. وتعيَّش من العمل ككاتب عرض حالات ومساعدة التجار في ملء الاستمارات والتصاريح. ثمَّ عمل في شركة كلايتون غالب مسؤولاً عن قسم الواردات وتجارة الترانزيت في البن والجلود. ثمَّ افتتح دكاناً وزاول التجارة بنجاح لفترة، ولكن توفيت زوجته الأولى أم علي عام 1928، وتوفي بعد ذلك أخاه عبد المنان مدير أعماله عام 1930 بصدمة كهربائية في دكانه كما تعرَّض الدكان للسرقة فأغلقه.
ثمَّ عمل لدى شركة أنطوني بس، التي كانت أكبر الشركات التجارية في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا مديراً لفرعها في الصومال البريطاني في بربرة وما يتبعها من فروع في الصومال الإيطالي وذلك في تجارة الأرز والسكر والصابون والمنتجات البترولية كالكيروسين، وفي الأغنام وجلودها … إلخ بين 1930 و1935 وكان خلال تلك السنوات يلقي محاضرات ثقافية عن أهمية التعليم والتمسك بالدين … إلخ، بل وأصدر صحيفة مخطوطة هناك بعنوان “شمسان” وهو اسم أعلى جبل في عدن، وكان يرسل نسخة مخطوطة منها لنادي الإصلاح في عدن. وفي أثناء إقامته ببربرة في الصومال كتب كتاباً بعنوان “بماذا تقدم الغربيون؟” طبع في القاهرة وأصدره والده الذي كان قد تقاعد وفتح مكتبة لبيع الكتب، وصدر الكتاب بتمهيد كتبه الأمير شكيب أرسلان الذي أوصى هو والشيخ محمد بن عقيل الحضرمي الإمام يحي بن محمد حميد الدين إمام اليمن، بتعيين محمد علي لقمان وزيراً له في صنعاء، وبالفعل كتب الإمام طالباً من لقمان الذهاب إلى صنعاء، ولكن لقمان تردد في القفز إلى المجهول، وفي نفس تلك الأيام غرق محمد ابن الإمام أمير الحديدة وهو يحاول إنقاذ شاب كان يسبح، وقد رثى أمير الشعراء أحمد شوقي ذلك الأمير.
وأسهم لقمان عام 1927 في تأسيس النادي الأدبي العربي بعدن، بتشجيع من رجل النهضة التونسي عبد العزيز الثعالبي، وكان لقمان أوَّل مدير له. ثم أنشأ نادياً للإصلاح الاجتماعي بعد ذلك بعامين بكريتر، وكان من روَّاد النادي ومن أقرب أصدقائه الشاعر الحضرمي المصري علي أحمد باكثير في الفترة 1930-1931 التي قضاها في عدن.
كما أسهم لقمان في تأسيس ناد للإصلاح الاجتماعي بالشيخ عثمان الذي رأسه أحمد الأصنج. وفي التواهي أسس وترأس جدي السيد عبده غانم نادي الإصلاح العربي في 1930. وبعد عودة لقمان من بربرة عام 1935 التقى عبد الكريم فضل العبدلي سلطان لحج في النادي الأدبي العربي بعدن، وكان السلطان عبد الكريم راعياً للنادي وأخبر لقمان عن مرض زوجته الثانية أم فضل في لحج (وكان قد تزوجها في لحج بعد وفاة أم علي) وسمح له بزيارتها بعد أن كان ممنوعاً من دخول لحج بأمر السلطان لاختلاف بينهما، ولكنه عندما وصل وجدها قد فارقت الحياة. وطلب لقمان من الثعالبي أن يساعده في الحصول من الملك غازي على عشر منح لأبناء عدن في العراق، ونجح في ذلك وأرسل ابنه عبد الرحيم ضمن العشرة. كما تمكَّن لقمان من الحصول على عشر منح لأبناء عدن من الملك فاروق في مصر.
والتقى لقمان المهاتما غاندي في عدن عام 1931، وكان غاندي في طريقه لحضور مؤتمر المائدة المستديرة في لندن لبحث استقلال الهند. ونشأت بينهما صداقة وقد ترجم لقمان خطاباً ألقاه غاندي في حفل. ونصح غاندي لقمان بدراسة القانون وإنشاء صحيفة. وبالفعل التحق لقمان بجامعة بمباي عام 1936 وتخرج في المحاماة عام 1938، وساعدته معرفته السابقة بالشريعة والقانون واجتهاده في سرعة التخرج. كما أنشأ أول صحيفة عربية مستقلة في عدن بل في اليمن بعنوان فتاة الجزيرة وصدر العدد الأول في أول يناير 1940 في بدايات الحرب العالمية الثانية، وكان هدفها نشر الثقافة العربية والنهضة والوحدة والتقدم الاقتصادي والحكم الذاتي وخير الجزيرة العربية. وقد استمرت حتى أغلقها الحكم الشمولي في نوفمبر 1967، وكان يرأس تحريرها عند إغلاقها الصحفي المعروف فاروق لقمان ابن المؤسِّس من زوجته الثالثة والأخيرة (والذي صار فيما بعد رئيساً لتحرير أراب نيوز في السعودية)؛ إذ كان لقمان قد توفي عام 1966. كما أنشأ لقمان أول صحيفة إنجليزية مستقلة في عدن واليمن عام 1953 بعنوان “أيدن كرونكل” أغلقت هي الأخرى تحت رئاسة تحرير فاروق مع “فتاة الجزيرة”.
وفي عام 1939 نشر لقمان أول رواية في اليمن بعنوان “سعيد”، كما نشر رواية أخرى بعنوان “كمالا ديفي” وعدداً من كتب الرحلات والكتب السياسية، وكان أول من كتب مذكراته في اليمن في القرن العشرين في صحيفة إيدن كرونكل ونشرت عام 2009 في مجلد باللغتين. وأنشأ في 1939 “مخيم أبي الطيب” الثقافي، و”الجمعية العدنية” في 1949 كجمعية أو حزب سياسي يدافع عن حقوق أبناء عدن. وقد لعبت صحف آل لقمان دوراً كبيرا في نهضة عدن واليمن، وتجمَّع حولها أحرار الشطر الشمالي أمثال القاضي محمد محمود الزبيري، والأستاذ أحمد محمد نعمان (الذي تدرب على الصحافة في فتاة الجزيرة)، والشاعر أحمد بن محمد الشامي، والشهيد الشاعر زيد الموشكي وغيرهم. وقد كتب المؤرخ العدني سلطان ناجي كتاباً عن دور جريدة فتاة الجزيرة في أحداث سنة 1948 بصنعاء. وأسهم لقمان في صياغة الدستور اليمني في تلك الفترة، ويكفي أن نعرف أنه غادر في آخر طائرة غادرت صنعاء في مارس 1948 قبل سقوطها بيد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الذي أعدم كثيراً من الأحرار.
بعد وفاة لقمان، رحمه الله، أعيدت تسمية شارع الإسبلانيد الرئيس باسمه، ولكن عندما جاء الحكم الشمولي غيَّر الاسم إلى اسم واحد من مقاتليه، ثمَّ بعد حرب الوحدة ومحاولة الانفصال سمي شارع الصحافة، ولكن في عام 2007 أقيمت ندوة علمية عن لقمان في جامعة عدن وأعيدت تسمية الشارع من جديد باسم “محمد علي لقمان”.