2,665 عدد المشاهدات
الكاتب: خليل البري
يظلُّ المسكن الصحي المناسب في مقدمة الاحتياجات الرئيسة لكل مواطن كي يعيشَ حياةً آمنةً مطمئنةً يستطيع فيها أن ينصرفَ إلى عمله بذهن صاف ونفسية متفائلة.
وقد وضع مؤسِّسا دولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في سلَّم أولوياتهما، توفير السكن المناسب لكل مواطن في الدولة.
ومن أجل تنفيذ هذا الهدف الأسمى للدولة التي نقلت مواطنيها إلى واحة الأمن والازدهار والاستقرار، التي لا يتمتَّع بها سوى شعوب قليلة على وجه هذه المعمورة، استحدثت الإمارات مجموعة من المؤسَّسات والهيئات التي تعنى بتوفير المسكن الملائم الذي يوفِّر كلَّ احتياجات المواطن الاجتماعية والصحية والخدمية، منها على سبيل المثال: برنامج الشيخ زايد للإسكان، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للإسكان، هيئة أبوظبي للإسكان، ودائرة الإسكان في الشارقة.
وكان قبلها يوجد «مجلس الإعمار» في دبي.
وقد أنفقت الدولة من خلال هذه المنظومة الإسكانية مئات المليارات من الدراهم، بَنَت من خلالها عشرات الآلاف من المساكن للمواطنين في أنحاء الدولة كافة، أو قدَّمت قروضاً ومنحاً وقطع أراض للبناء لآلاف المستفيدين من المواطنين. ولعلَّ آخرها، وقبيل عيد الفطر، ما وجَّه به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، بتخصيص 3000 قطعة أرض، وقروض سكنية للمواطنين، بإجمالي 5.6 مليارات درهم، وذلك في إطار حرص سموه على توفير مختلف الضمانات التي تكفل للأسرة الإماراتية السعادة والاستقرار، وتهيئة الظروف، لمنح المواطن وأسرته المسكن الملائم، الذي يلبي احتياجاتهم، ويكفل لهم الحياة الكريمة، التي لا تدخر دولة الإمارات جهداً في توفيرها، وترسيخ دعائمها، وفق أفضل المعايير العالمية.
وكذلك ما قدمته حكومة أبوظبي عبر «هيئة أبوظبي للإسكان» في شهر مايو الماضي، من مساكن جاهزة وقطع أراضٍ للمواطنين إلى جانب قروض سكنية بقيمة 15.5 مليار درهم في عام واحد، وتحديداً من نهاية مايو 2019 إلى 19 مايو 2020. وقد استفاد منها نحو 11 ألف مواطن في أبوظبي بصورة قروض سكنية وتوزيع مساكن وأراض سكنية.
راشد والسكن المناسب
في تحقيق نشرته «أخبار دبي» للزميل إلياس مصلح في إبريل من العام 1977، سلَّطت فيه الضوء على مسيرة «توفير السكن المناسب لكل مواطن»، التي وضع أسسها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، باني مسيرة دبي الحديثة، والذي وجَّه بتلبية احتياجات المواطنين من المساكن، بحيث ترضي أذواقهم وفق عاداتهم وتقاليدهم وتلبي احتياجات الحياة العصرية.
جاء في التحقيق: «لعلَّ هذا المسكن كان دائماً حلم الكثيرين، فقد عاش المواطن هنا في مساكن متنوعة ومتواضعة بناها بعرق جبينه مستعيناً ببعض الطين والحجارة، أو سعف النخل وقطع الأخشاب، غايته من ذلك الحصول على ملجأ بسيط بالوسائل المتوافرة له، يقيه حرارة الشمس وبرد الشتاء.
وإيماناً من صاحب السمو الشيخ راشد بأهمية توفير احتياجات المواطنين من المساكن الحديثة، طرح سموه العديد من المشاريع الإنمائية، فكان مجلس الإعمار، الذي تملَّك بموجبه المواطنون مئات، بل آلاف الشقق الحديثة المشيدة وفقاً لأحدث التصميمات.
وأخيراً وليس آخراً وضع خطة طموحة تهدف إلى بناء المساكن الشعبية التي تلبي احتياجات المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وتتناسب مع عاداتنا العربية، وفي الوقت نفسه تحقِّق متطلبات العصر.
وقد بدأت لجنة المساكن الشعبية بالبلدية والمشكَّلة من السادة: محمد بن ظاهر، حمد بن سوقات، خلفان بن قمبر بتسليم الدفعة الأولى من هذه المساكن، وعددها 845 مسكناً شعبياً، إلى أصحابها في مناطق متعددة من دبي، ابتداءً من العشرين من مارس الماضي.
كما تواصل اللجنة اجتماعاتها للبتّ في الطلبات المقدمة من المواطنين للحصول على بقية المساكن، أو إدخال إضافات جديدة على المساكن التي يقيمون فيها حالياً، وسوف تباشر اللجنة كافة اختصاصاتها للتأكد من أحقية المواطنين المرشحين للحصول على المساكن الشعبية وفقاً لتوجيهات صاحب السمو نائب رئيس الدولة حاكم دبي.
أين تقع المساكن الجديدة؟
يقول السيد محمد بن ظاهر عضو لجنة المساكن الشعبية ومدير مكتب الشحن البحري بديرة: إنَّ المساكن التي تمَّ تشطيبها وتوزيعها على المواطنين من دون مقابل ومن ذوي الدخل المحدود تتوزع كالآتي:
280 مسكناً في حي الجميرا، 65 مسكناً في الراشدية بديرة وند راشد، 200 مسكن في منطقة القصيص و300 مسكن في منطقة الحمرية.
وقد تمَّ بالفعل إنجاز هذه المساكن، وتسلَّمها أصحابها، وباشروا بتهيئتها لسكناهم مع عوائلهم بعد أن تمَّ توصيل التيار الكهربائي إليها، كما أنَّ هناك 150 طلباً مقدماً من المواطنين لإدخال بعض الإضافات والتعديلات على مساكن قديمة يمتلكونها وبحاجة ماسة إلى الترميم أو التوسيع كي تستطيعَ استيعابهم مع أفراد أسرهم. وسوف يقام بالقرب من هذه المساكن بتعليمات من الشيخ راشد مسجد ومدرسة ومحلات تجارية لتأمين احتياجات هذه التجمعات السكنية، وجعلها أحياءً نموذجيَّةً في دبي.
قواعد لمستحقي المساكن
سألته: هل هناك قواعد معينة لتحديد الأشخاص الذين يستحقون هذه المساكن؟
– في الحقيقة، راعى الشيخ راشد أكثر من اعتبار حين أمر بإنشاء هذه المساكن قبل عامين تقريباً؛ فبعض المواطنين لا يملكون أرضاً لاستثمارها في البناء كما تنصُّ قوانين الإعمار، وبعضهم الآخر من المواطنين من ذوي الدخل المحدود يعيلون أسراً كبيرة من عشرة أشخاص أو أكثر، ولا يمتلكون مسكناً مناسباً، كما أنَّ بعضهم الآخر كان يعاني من الإقامة في بيوت غير صحية على الإطلاق، وهذه الأمور مجتمعة جعلت سموه يسارع ببناء هذه المساكن النموذجية ويوزعها على أصحابها من المستحقين؛ كي ينهي شكاوى المواطنين فيما يتعلَّق بمشكلة السكن.
وأضاف: على كل مواطن يفكر بالحصول على مسكن شعبي أن يتقدَّمَ للجنة المساكن الشعبية بالبلدية بطلب خطي مرفق بالوثائق التي تثبت أنه من أبناء هذا البلد، ولا يمتلك أيَّ منزل في دبي، وأنه يعول أسرة يذكر في طلبه عدد أفرادها، ويبيِّن أيضاً مصدر دخله وكم يدخله شهرياً من الدراهم.
تصاميم تراثية عصرية
سألته: وماذا عن تصميم المساكن الشعبية الجديدة؟ ومن الذي يتولى تنفيذها؟
ـ إنَّ لجنة المساكن الشعبية ومعها كبار مهندسي البلدية اهتموا بأن تأتي التصميمات لتلبي احتياجات المواطنين وترضي أذواقهم وفق عاداتهم وتقاليدهم، وفي الوقت ذاته تلبي احتياجات الحياة العصرية؛ فالذي يزور هذه المساكن يخيَّل إليه وهو ينظر إليها من الخارج أنها مبنية على الطراز العربي القديم مئة في المئة من حيث ارتفاع السور المحيط بالمساكن ووجود مساحة واسعة من الأرض في باحة المنزل يمكن استثمارها في أغراض عدة، كما أنَّ المجلس والدرايش «النوافذ» والأقواس من المميزات الرئيسة للنظام الهندسي المتبع قديماً في البناء، ولكن الزائر لا يلبث أن يفاجأ حين يعبر من الباب الخارجي بالغرف الأنيقة وسخانات المياه ووسائل الإضاءة، إلى جانب المرافق العامة المشيدة لكل غرفة من هذه الغرف المبنية على الطراز الأوروبي.
بحيث يمكن لأسرة صغيرة العيش فيها بسهولة ويسر، لاحتوائها على كلِّ ما يلزمها من المرافق والخدمات. وقد صممت هذه المساكن على ثلاثة طرز رئيسة؛ فهناك مسكن يتكوَّن من ثلاث غرف ومستودع ومجلس، ومسكن آخر من غرفتين ومجلس، والطراز الثالث يتكوَّن من غرفة واحدة مع المرافق الملحقة بها، ويتمُّ توزيع وتصنيف هذه المساكن تبعاً لعدد أفراد الأسرة التي تنوي الإقامة فيها.
أما الجهات المسؤولة عن تنفيذ المساكن فهي شركة دبي للإنشاءات ومؤسِّساها عبد الله الموسى وسالم الموسى.
سألته: وهل يجوز لأي من مستحقي هذه المساكن الانتفاع بمسكنه كتأجيره مثلاً؟
أعتقد أنَّ الجواب سيكون حتماً بالنفي؛ لأنَّ سمو الشيخ راشد حين أمر بإنشاء هذه المساكن كان يريد تلبية احتياجات فئة محددة من مواطنينا، تعاني من مشكلة السكن أو قلة الدخل، وعليه فإنه يفترض في الشخص الذي سيحصل على المسكن أن يحتفظَ به لنفسه ولأولاده من بعده، ويتمتعَ بكافة حقوق الملكية بشرط عدم تأجيره لأحد أو إدخال أي إضافات عليه قبل الحصول على إذن بذلك من الجهات المختصة.
وأودُّ أن أقولَ في النهاية، بالنيابة عن كل الذين حصلوا على مساكن شعبية أو في طريقهم إلى ذلك: «شكراً لصاحب السمو الشيخ راشد، الذي يعرف كيف يحيط أبناءه من المواطنين بالعطف والرعاية، وهذا سرٌّ من أسرار شخصيته العظيمة».