32,976 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لو أمعنَّا النظرَ قليلاً حولَ كلِّ ما يحيطُ بنا مِن مُسمَّياتِ الأشياءِ والأعلامِ المعتادةِ لدينا، لرأينا أنَّها غامضةُ المعاني، صعبةُ التفسيرِ، ومغيَّبةُ الأصلِ والمنشأ، وككثيرٍ مِن المسمَّيات نجدُ اسمَ “موزة” الشهير من بين المفردات التي ينتابُها الغموض، والتي لا نكادُ نعلمُ عنها فقط، أنها من أجملِ وأحبِّ أسماءِ النِّساء في دولِ الخليجِ العربيّ، فما أصلُ اسمِ موزة؟ وهل يُكْتَبُ موزا أم موزة؟ ومَنْ أشهرُ النِّساءِ اللاتي سُمِّينَ بهذا الاسم؟
موزة اسمٌ عربيٌّ فصيحٌ، يُكْتَبُ بالتاء المربوطة في آخره، موجود في القواميس العربية، وليس كما يدَّعي البعضُ أنَّه اسمٌ أعجميٌّ. يزعمُ كذلك معجمُ المعاني، الموجود على الإنترنت، أنَّ اسم موزة ذو أصل هندي ويعني صاحبةَ القدِّ الممشوق، وهذا خطأٌ لا أصلَ له مِن الصِّحة، بل يوجدُ عند الهنودِ اسمُ مازة وله معاني أخرى في قواميسهم.
أيضاً عُرِفَ عند العربِ الموزجُ، جمعُ موازج وهو الخف، أصله في الفارسية موزة بضم الميم، ولكن إذا علمنا أنَّ الموزجَ ذا الأصلِ العربيِّ الذي يعني الخف، والخف باللغة الفارسية هو موزة، هل تظنُّون أنَّ العربَ سيسمُّون بناتهم بهذا الاسم؟
طبعاً لا، وعلى هذا فإنَّ اسمَ موزة هو اسمٌ عربيٌّ فصيحٌ له جذورُه في اللغة العربية، ومِن العجيبِ أيضاً أنَّ اسمَ موزة يشتهرُ به الكثيرُ من العائلات في العالم، وهو اسمٌ للرجالِ والنِّساءِ والعوائل. وحسب إحصائيات الأسماء، فإنَّ الإماراتِ العربيَّةَ المتحدةَ هي أكثرُ الدُّولِ تسميةً لهذا الاسم، وتليها الولايات المتحدة الأمريكية، فيما قد يستغرب الكثيرون لماذا هو منتشرٌ عَبْرَ العالم، ومنشرٌ أيضاً بكثرةٍ في رومانيا.
من خلالِ بحثِنا في أصلِ تسميةِ الرِّجالِ بهذا الاسم، هو وجودُه في التوراةِ لابن كالب يهودا ولابن وزمري، وعندما بحثنا عن معنى موزة في التوراة، وجدنا أنَّه يعني النافورة، وهو أيضاً نفسُ معنى موسى، وهو سببُ تسميةِ الرِّجالِ به منذ القديم.
يبقى انتشارُ اسمِ موزة للنِّساء في أمريكا، وأمريكا اللاتينية، وإسبانيا وغيرها من بلدان أوروبا بكثرة؛ إذ إنَّ موزة في الإسبانية تعني البنتَ الجذَّابةَ والبنتَ الجميلة، وهذا ما يفسِّرُ انتشارَه في هذه الدُّول.
الباحثُ عن اسمِ موزة يجدُ أنَّ هذا الاسمَ منتشرٌ كذلِكَ في الخليجِ العربيِّ انتشاراً واسعاً، أمَّا عن معناه فقد شرحَ بعضُهم معنى موزة وقال: إنه اللؤلؤُ النَّفيسُ، مثل اسميْ حصة وحصباء، وهذا التأويلُ غيرُ صحيح، كما يشيعُ في الشِّعر الشَّعبي تشبيهُ المرأةِ بعود الموز، والغريب أنَّ أغلبَ الشُّعراءِ القدامى لم يشاهدوا شجرةَ الموز في حياتهم، ويقولُ الشاعر في قصيدته الشهيرة التي غنتها ماري سعيد:
يا غصن موز في بساتينه
ومنين ما هب الهوى مالي
ويقولُ أحدُ الشُّعراء:
ياعود موز حلو مطلوع لا تكون لي
فالوصل مناع ماخد من الأريام مدموع
وَرَبْطُ اسمِ موزة بعود الموز، لم يَرُقْ لي أنا كشاعر، فهل تعتقدون مثلاً أنَّ العربَ يُسمُّونَ بناتِهم على شجرةِ الموز أو التفاحة أو الإجاص؟
ونستمرُّ في البحثِ، ونجدُ أيضاً في اللهجة المصرية “المزة” هي البنتُ الجميلة، وهي كلمةٌ موجودةٌ في قواميس اللغة العربيَّة وتعني الخمرَ طيِّبَةَ الطّعمِ، وكانت هذه الخمرُ طيِّبَةً في زمانِها، كما سمَّاها أصحابُها في أيَّامِ الجاهليَّة، وموزة في اللهجةِ المصريَّةِ تغيَّرت وأصبحت “مزة” وذلك عن طريقِ الإشباع، وهو أَنْ تشبعَ الضَّمة حتى تُصبح واواً، وذلك مثل برقوع وهو برقع وأنظور وهو انظر، وعلى هذا فإنَّ اسمَ “مزة”، الذي يعني الخمرَ، أُشْبِعَ وأصبحَ موزة.
وقد اُشْتُهِرَ هذا الاسمُ بعد نهايةِ القرنِ السادسِ الهجريِّ، وأكثر من ذلك بعد نهايةِ القرنِ الثامنِ الهجريِّ؛ إذْ كانت هناك امرأةٌ اسمُها موزة بنت عجلان بنت أمير المدينة، تزوَّجها الشريف حسن بن عجلان، وأنجب منها الشريف بركات بن حسن بن عجلان المشهور جد أشراف مكة، وكان يلقَّبُ بابنِ موزة، وأنجبَ هذا الأخيرُ بنتاً سمَّاها باسمِ والدته، ومن ذلك الوقت انتشر الاسمُ واشتهر. ومِن النِّساءِ المشهوراتِ بهذا الاسمِ، السيِّدةُ الكريمةُ الفضلى في عُمَان، موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدية، المولودة في القرن الثامن عشر الميلادي، وهكذا انتشرَ الاسمُ في الخليجِ العربيِّ، وخاصةً في الإمارات وعُمَان، وأصبحَ من الأسماءِ المحبوبةِ التي لا تزالُ العائلاتُ تُسمِّي بها بناتِها إلى يومِنا هذا.