1,355 عدد المشاهدات
الكاتب : جمال ن حويرب
كنتُ كلما مررت وأنا صغير على منطقة «هور العنز»، وهي منطقة مشهورة في دبي تقع بين الحمرية والخبيصي؛ أضحك من هذا الاسم وتجول في عقلي صورة واحدة وهو أنّ هذا المكان كانت فيه عنز ترعى وأتخيل أنّها ثمينة وغالية عند أصحابها ولهذا سموا هذه المنطقة باسمها، وقد سألت بعد ذلك بعض العامة عن سبب هذه التسمية فكانوا يجيبوني بنفس الجواب الذي تخيلته في صغري، ولكن لم ترُق لي أجوبتهم بسبب مشاكهتها (مشابهتها) للصورة المضحكة القديمة المرسومة في مخيلتي.
وبعد أن قرأت كثيراً في كتُب المعاجم الجغرافية الإسلامية القديمة منها والحديثة، وعلمتُ أنّ العرب قد يطلقون أسماء عجيبة ومضحكة على أراضيهم، قلتُ لا يمكن أن نستبعد أيّ اشتقاق إذا كان قريب المعنى مقبولاً، ولكن هل يصحُّ هذا الأمر في إمارتنا وقد رأينا الشيوخ الكرام من آل مكتوم لا يطلقون إلا أجمل الأسماء على المناطق الجديدة وقاموا أيضاً بتغيير بعض الأسماء إلى أسماء أفضل من الأولى، ما يجعلنا نبعد هذا المعنى ونبحث عن معنى آخر يمكن أن يكون قريباً وصحيحاً.
إذا استبعدنا «العنز» التي تعني أنثى المعز وهو أول معنى يتبادر إلى الأذهان، فقد يسأل سائل بماذا يمكننا أن نفسّر هذا الاسم؟ قلتُ: هناك بعض التفسيرات القريبة والتي يمكن أن نستحسنها ونقول إنها أقرب ما تكون للصحة، وأولها ما أخبرني به الكريم بطي بن حميد بن بشر، رحمه الله: أنّ «هور العنز» سميّت على فرس للشيخ راشد بن مكتوم، رحمه الله، حاكم دبي (1886 – 1894)، أصيبت هناك في إحدى الحروب فسمي المكان الذي ماتت فيه على اسمها.
قلتُ: «العنز» من أسماء الخيل المعروفة قديماً إلى وقت ليس بالبعيد يقول الشاعر:
دَلَفْتُ لهُ بِصَدْرِ «العَنْزِ» لَمَّا
تَحامَتْهُ الفَوارِسُ والرِّجالُ
وقد ذكر ابن رزيق العماني في معرض مدحه للسيد سالم بن سلطان البوسعيدي (ت: 1820) وذكر فرسه «العنز» عدة مرات في مدائحه. وإذا عرفنا أنّ العرب تطلق اسم «العنز» على أفراسها قديماً وحديثاً، فإني أقدّم رواية الراحل بطي بن بشر وأجعلها أقرب الاشتقاقات إلى الصحة، خاصة أن آل مكتوم فرسان يتوارثون الفروسية منذ القدم.
أما الاشتقاق الثاني لاسم «العنز» فهو بمعنى أنثى الظباء في اللغة الفصحى وفي لهجتنا العامية أيضاً، يقول الشاعر الفصيح:
يا جارتيّ وقـد أرى شِـبْهـيكـما
بالـجـزعِ مـن تـثـلـيثَ أو بِـيَبَـنمْــا
«عنزين» بينهما غزالٌ شـادنٌ
رشأٌ منَ الـغـزلانِ لم يكُ تـــوأما
وقد وردت كثيراً في الشعر العامي ومنه قول الشاعر الكبير بندر بن سرور العتيبي رحمه الله:
روس الطوال اللي ورا حد طحنون
يا ما بهن من «عنز» ريمٍ فريدِ
وعلى هذا قد يصح وجود «العنز» من الظباء في هذه البقعة فصار الاسم عَلَماً عليها مع تكراره، ولا أردُّ هذا الاشتقاق لأن عاصمتنا الغالية «أبوظبي» تحمل اسم الظبي أيضاً، ولكني أجعله بعد تفسير بن بشر قوةً.
هناك أيضاً مناطق أخرى في الجزيرة العربية تحمل اسم «العنز» ومشتقة بمعنى أنثى المعز أو الظباء أو لمعنى الحزن، لأن «العنز» اسم يُطلق على الأرض التي فيها حزونة وغلظة وتطلق أيضاً على الأكمة (التل) السوداء، يقول ياقوت الحموي في معجمه: عنز بلفظ العنز من الشاة؛ موضعٌ بناحية نجد بين اليمامة وضريّة، وموضع آخر جاء في شعر الراعي حديث قال:
بأعلام مـركـوزٍ «فَعـنـزٍ» فغربٍ
مغاني أم الوبر إذ هي ما هِيا
قلتُ: إذا كانت العرب تسمّي بهذا الاسم قديماً فلا عجب أن نجد هذا الاسم في إمارتنا العربية دبي.
أما «الهور» فهو المنخفض من بين الكثبان الرملية وهو محرّف من مفردةٍ عربيةٍ فصيحةٍ وهي «تيهور» بمعنى ما ينهار من الرمل ويكون في آخر الكثيب الرملي من أسفله بالمشاهدة والعامية فيها تحريف كثير عن الأصل الفصيح، قال ابن منظور في لسان العرب: «شاهدُ تَيْهورٍ للرمل المُنْهارِ قول العجاج: (إِلى أَراطٍ ونَقاً تَيْهُورِ) وزنه تَفْعُول». والله أعلم.