785 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
لم يخطر على قلبي بأني سأكتب مقالا في وصف سيدنا عمر بن الخطّاب، (رضي الله عنه)، لأنّ كتب العلماء السابقين قد ملئت بأخباره وصفاته وماذا سأزيد على ما نقلوه من الروايات الصحيحة عنه وفنّدوا صوابها من محالها، ولولا هذا “المسلسل” الذي ابتلينا به لما سألني هذا السائل عن صفة خَلْقه! وما أظنُّ السائل إلا اختلط عليه الأمر وتخيّل أنّ صورة عمر تشبه الممثل سامر إسماعيل الذي اختير ليقوم بتمثيل دور الفاروق، ولم يُعرف من قبل في هذا العمل وإنما كما زعموا أنّ من أفتاهم بجواز تمثيل الخليفة الراشد شرط عليهم أن يكون وجها جديدا لم يمثّل من قبل وكذلك يجب أن لا يقوم بالتمثيل لمدة خمس سنوات قادمة، ولعمر الله إني لا أدري إن صحّ ما نقل عنهم على من أعجب بل أجعل هذه الفتوى من الطُرف؟ أعلى المستفتي أم المفتي؟
أيها السائل: لم يكن عمر بن الخطاب* رضي الله عنه إلا رجلاً عربياً من قريش ومن أحفاد عدي بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك، وأُمه حَنْتمة بنت هاشم بن المُغيرة من مخزوم القرشي، ولن تكون صفته إلا من صفات قريش التي لا تزيد بشيء عن صفات العرب الخُلّص في القديم والحديث، خاصة في جزيرة العرب التي لم يختلط أهل باديتها إلا قليلا مع غيرهم، وإنّ ما تراه اليوم من أشكال وألوان العرب الأقحاح هو نفسه ما كان عليه العرب في زمن عمر رضي الله عنه، ففيهم الأبيض وفيهم دون ذلك ومن ألوانهم السمرة والأُدمة وهو سواد اللون أو شدة الأُدمة ولم يكن عيباً وقد كانوا يسمون الرجل إذا اشتدت أدمته أخضر وهي نفس التسمية التي نستعملها اليوم في لهجتنا العامية.
وإن قلتَ لي أخبرني وصف عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الذي جاءت به الروايات الصحيحة لأجعل من وصفك له صورة قريبة في مخيّلتي، وأمحو صورة الممثل هذا وأردُّ على من وصف الفاروق بأوصافٍ شنيعةٍ، قلتُ: قال العلامة الحافظ الصادق أبو الحسن علي بن محمد المدائني (توفي 244) هـ فيما رواه عن ابن عبد ربه ـ وكان المدائني عجبا في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب مُصدّقا فيما ينقله عالي الإسناد ذكر ذلك الذهبي في سيره ولهذا اخترت لكم قوله – يقول: كان عمر: “رجلاً آدم (أسمر) مشرباً بحمرةٍ، طويلاً ، أصلع، له حفافان(شعر في ناحيتي الرأس)، حسن الخدين، والأنف، والعينين، غليظ القدمين والكفين، حسن الخَلْق، ضخم الكراديس (الأعضاء)، أعسر يسرا (يعمل بيديه جميعا اليمنى واليسرى)، إذا مشى كأنه راكب”.
وقد اختلف الرواة في لونه، فالكوفيون يقولون إنه آدم شديد الأدمة أي السواد، والحجازيون يقولون: إنه أبيض مشرب حمرة وقد أخرج ابن سعد في طبقاته عن القاسم بن محمد قال: سمعت بن عمر يصف عمر يقول: “كان رجلا أبيض تعلوه حمرة طوالا أصلع أشيب”.
ولا شك أن الحجازيين أدرى بوصف عمر من غيرهم وكذلك يكفينا وصف ابنه له، وقد يكون الخبر الذي ساقه الواقدي صحيحا حيث قال:”كان عمر أبيض أمهق، تعلوه حمرة، يصفر لحيته وإنما تغير لونه عام الرمادة لأنه أكثر أكل الزيت، وحرّم على نفسه السمن واللبن حتى يخصب الناس فتغير لونه، ولا يُعرف عندنا أنّ عمر كان آدم إلا أن يكون (من وصفه بذلك) رآه عام الرمادة”.
وإذا صحّ أنّ عمر كان شديد الأُدمة وأنا استبعده فلن يكون لونا غريبا على قرشيٍّ صريحِ النسب مثله، لأن علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما كانا يوصفان بشدة أُدمتهما وغيرهما من سائر العرب، وكذلك من جاء من بعد عليٍّ من نسله كموسى الجون فقد سمّي كذلك لشدة سواده، وقد كان الفضل بن العباس بن عتبة شديد الأدمة أيضا، وغيرهم كثير لا يسعني أن أحصرهم لكم في هذه المقالة وإنما سقت لكم هذه الأمثلة لتعرفوا حقيقة الأمر.
هذا ولم يكن عمر رضي الله عنه دميما أو أحول، أو غير ذلك مما يرويه من لا خلاق له بل كان حسن الخلق مهيبا بهي الطلعة، وزاد صلعه مع تقدم سنه، وليس هذا بعيب ومعظم الناس على هذا الشكل. رضي الله عن عمر بن الخطّاب وحشرنا الله في زمرتهم وتوفانا على حبه وحب صحابة نبيه الأمين آمين.