1,757 عدد المشاهدات
الكاتب: سعد بن عبد الله الحافي
تمهيد:
يكثر في النصوص الشعرية القديمة اختلاف الروايات بين المصادر، سواء في عدد أبيات النص أو اختلاف الجمل والمفردات داخل الأبيات، وعند التحقيق والتمحيص عادة ما تشير النتائج إلى الراوي أو الناسخ للمخطوط الذي يعطي الحقَّ لنفسه باختيار أبيات دون أخرى، والتعديل على المفردات أو على جمل كاملة نتيجة قصور فهم أو مزاجية، ولو أنَّ كلَّ ناسخ راعى الأمانة في النقل واكتفى برسم المفردة غير المفهومة، لاختصر على المحقِّق جهداً كبيراً.
والنصُّ محلُّ الدراسة، كما سيتبيَّن معنا، خير مثال على ذلك.
النص:
زار الخيال خيال قاصي المنزلِ
وهناً وقد خفق السماك المنزل1
متهوداً ضاق الهروج وقد هدى
خالي الحشا في نومه واستثقلي2
وأحبه من طارش لو أنه
لو انجلى طيب الكرى لم ينجلِ3
حيّيته فأصد عني معرضاً
بالنوم واليقظ كذلك يفعلي4
متدللاً تيهاً على كماله
حبه بقلبي قط ما هو ينجلي5
يا نافلاً بالزين كل مقنّع
لم يخط سهم مقلتيك المقتلي6
أسقمتني عمداً بغير جنيه
فإلى متى عني صدودك ينجلي7
إن كان يعجبك الصدود فإنني
راضٍ عدلت بحكمك إن لم تعدلِ8
ارفق عليَّ فإنني بك راضٍ
من عشق لا يأنف ولا يتزعّلِ9
من عشق مثلك درة مصيونه
مثل الغزال الزيجان الأكحلِ10
فلهي الموافق عزاه مفارقاً
بالنوم واليقظ طيب ترحل11ِ
ما واجباً منك أن تهين مكرماً
بعد الصبابة في هواك معذلِ12
مايشتكي إلا إليك ولا له
أحد سواك فبئس ما بي تفعلي13
أنت الخلي وأنا المصاب المبتلي
ليس المصاب المبتلي مثل الخلي14
وأنا أسأل الله حيث بليتني
ببليةٍ إن يبتليك المبتلي15
ما لا يلين له وتطمع أنه
عزق الصبابة وأن لطفك أحملِ16
ما واجباً منك أن تهين مكرماً
في قومه سمح الوجوه المبجلي17
المصطلين الحروب لهيبها
الضاربين الغليظ وسط الجحفلي18
الثابتين إلى القلوب تراجفت
وقت تفر عن الحروب الزملي19
لا هايبين ولا ضعاف عزايم
لو داسهم غبر الزمان وكلكلي20
وقتاً تجاورهم تجاور سادة
فطنين في وكم الخصيم المدعلي21
وتقول خدني أميمة من بعد ما
نظرت ساوي سيرة المترحلي22
جداً على مثلي المزاح يغيظها
عسري وأيسار اللئام البخلي23
انتم غبوككم القراح وغيركم
يعتل من لبن البكار الحفلي24
فوكمتها لما سمعت حديثها
خطل وقلت لها رويدك اعقلي25
لا تكرهي عدم الكريم من الغنى
والسيل حرباً بالمكان المعتلي26
يهفي عن الرعن الطويل تمامه
ويحل بالخفض العميق الأسفلي27
فإن كان قل اليوم ما ملكت يدي
فالدن أحياناً يغيض ويمتلي28
ظل البكاء ينهل من مطروفها
غرفاً وظل الفيض ماها جدولي29
ينهل من بين الجفون كأنه
منحور عينيها يفيض ويذملي30
كي ما كففت سربها حشبت به
لكنها مكحوله بقرنفلي31
انشت إلى بناشد قد أبصرت
لنظاير دمن السوام وتعقلِ32
من ذا تريد ومن تزور ولم تكن
دوماً بزوارٍ ولا مستحفلِ33
قلت الشريف ابن الشريف أزوره
ابن الرسول ابن البتول ابن الولي34
فانحيت من حول العيينه ضمرا
يرفلن أرفال النعام الجفّلِ35
متمهات من مصدن عوامداً
وعسى بعد ورودهن لا نحمل36ِ
كبش بن منصور بن جماز الذي
حاز الثنا وعذاره لم يكملِ37
نعرت قريشاً كلها وخيارها
وسنانها الصعب الذي ما ذللِ38
يا كبش إنك العروق ضوارباً
من آل جماز معا ونحولِ39
أنت الحجا نعم الحجا لمن التجا
وأنت الربيع لذي الزمان الممحلِ40
وأنت الذي تحمل سجايتك العدا
نقم ولا السوال غريب مسملِ41
يا ابن من لقحت مطية ضيفه
واستر تابعها وهو لم يسألِ42
ما أنا بأول سيد وسحت به
لنظا إلى ملك نبيل ويجزلِ43
نوختهن نوادما ولربما
يرجلن إلا مقيمات المرجلِ44
قلايصا بلغن فيك حقايقا
إن يرفلن مع النعام المهملِ45
يعفن من شد الرحال جزاً لما
بلغن فيك مع السعود المقبلِ46
وأنا حليف أبصار وجهك راجياً
إن النحوس بنور وجهك تنجلي47
ثمَّ الصلاة على النبي محمد
ما لاح برق في السحاب المهطل48
نسب الشاعر:
جاء في مخطوط (مجموع شعر نبطي) لجامع مجهول أن اسمه (أبوحمزة شفيع)، كما جاء بنفس الاسم في مخطوط سليمان الدخيل (كتاب البحث عن أعراب نجد)، وجاء عند ابن شدقم في تحفة الأزهار أن اسمه (حمزة العقيلي)، وسماه الحاتم (أبوحمزة العامري)، وباستقراء قصائد الشاعر نجده قد عرَّف بنفسه في هذه الأبيات:
أنا أبوحمزة والذي يدنى له
من خيل نجدٍ مهرةٍ شعواءِ
إني أبوحمزة ذوابة عامر
وكذلك ممَّا يدلُّ على أنَّ ابنه يسمَّى حمزة، هذا البيت من القصيدة التي نظمَّها يوصي ابنه على أخواته عندما أحسَّ بدنوّ أجله:
أوصيك يا حمزة بها هي وأختها
كسلا ولا يعطى الوصاة علولا
وكذلك نجد أنَّ الشاعر ذكر قومه شبانة مفتخراً في هذا البيت:
قومي شبانة ذو المفاخر والعلى
والعود ينبت في مكانه عودا
كما ذكر أبناء عمومته بني سنان في هذه الأبيات:
فأنشد سراة بني سنان حيث إنهم
بيض الوجيه طعانة الأعداءِ
ومما سبق نقول: إنَّ بني عمومته هم بنو سنان بن غفيلة بن شبانة بن قديمة بن شبانة، وبالتالي يمكن أن نجمع بين هذه المعلومات التي لا تتعارض مع حقيقة أنَّ الشاعر هو أبوحمزة شفيع من بني شبانة بن قديمة بن شبانة بن عامر بن عوف بن مالك بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
عصر الشاعر:
نجد دلالة قوية على عصر الشاعر تثبت من خلال مدح الشاعر للأمير كبش بن الأمير أبي عامر منصور، الذي تولى إمارة المدينة سنة 725هـ وقيل 727ه،ـ وقتل في نهاية شهر رجب من عام 729هـ؛ وبالتالي فالنصُّ قيل على يقين قبل 729هـ. ومن ذلك نخلص إلى أنَّ شاعرنا من مواليد النصف الأخير من القرن السابع الهجري، ولم يتجاوز على الأرجح النصف الأول من القرن الثامن الهجري.
مناسبة القصيدة:
جاء عند ابن شدقم “أنَّ الأمير حمزة العقيلي كان سخيًّا كريماً مفرطاً، وكانت زوجته تمنعه من ذلك، فلطمها ذات يوم لتعرضها له، فهجرته لقلة ما في يده، فرحل قاصداً كبش بهذه الأبيات، وكانت ركابه التي رحل عليها سبعة عشر بعيراً وذكرها في هذه القصيدة”. وبالنظر في الأبيات لم أجد أيَّ دلالة على أنَّ الشاعر لطم زوجته، ومن جانب آخر مهم يجيّر للشعر الشعبي الذي كان سجلاً صادقاً لفترات زمنية تكاد تكون مجهولة بأحداثها وشخوصها، فقد بقي هذا النص شاهداً وحيداً على مآثر الأمير كبش.
دراسة النص:
وردت القصيدة عند ابن شدقم في تحفة الأزهار وتبلغ ثمانية وأربعين بيتاً، ووردت في مخطوط (مجموع شعر نبطي لجامع مجهول) وتبلغ ستة وستين بيتاً، ولكون ابن شدقم دوَّنها في القرن الحادي عشر الهجري، بينما (مخطوط مجموع شعر نبطي) لجامع مجهول يرجَّح أنه كُتِبَ في القرن الثالث عشر الهجري. وعليه، فقد اعتمدت ما جاء عند ابن شدقم كأساس، والإشارة إلى الاختلاف مع ما جاء عند جامع مجهول كما يلي:
1- مطلع القصيدة عند جامع مجهول:
زار الخليل خليل قاصي المنزلي
يحدى إلى خفق السماك الأعزلي
ويشير محقق تحفة الأزهار إلى أنَّ أحد النسخ من مخطوط ابن شدقم جاء فيها (الخليل)، وتختلف الصورة بين زيارة الخليل وزيارة الخيال، وبالتالي يختلف البيت التالي لهما، حيث نجد الشاعر في المخطوط يصور حبيبته قادمة في هودجها لتحل ربع خالٍ في جوفه، بينما عند ابن شدقم يكون الخيال (طارش) مسافر يذهب مع ذهاب النوم، والأصحُّ ما جاء عند جامع مجهول لجلاء المعنى في البيت ككل.
2- (متهودا) مصحفه عن (متهودجاً)، (ضاق) مصحفة عن (صافي)، وعند جامع مجهول:
متهودجٍ زين الهروج وقد هدا
ريف الضمير وحل ربعٍ مختلي
والأصح ما جاء عند ابن شدقم مع تصحيح التصحيف لاتساق المعنى.
3- (واحبه) تصحيف (وا حيه): يقصد الترحيب، والبيت جاء عند جامع مجهول:
وا حلوها من زورةٍ لو أنها
لو انجلا صبح الدجى ما تنجلي
والأصح معنى ما جاء عند ابن شدقم.
4- جاء عند جامع مجهول:
فابديت صبر ٍ واشتكيت لمن غدا
يطفي لظاي وكل ما شاء يفعلي
بادرت شوقي بالتحية بعدما
لي بان من شوقي صباحٍ اكملي
5- كماله: مصحفة عن جماله لدلالة السياق المعنوي وجاء عند جامع مجهول:
متدللٍ تيهٍ على جماله
6- جاء عند جامع مجهول:
يا نافلٍ بالزين كل مدلل
لم يخط سهمك مقتلي المقتلي
والأصح معنى هو ما جاء عند ابن شدقم.
7- جاء عند جامع مجهول:
اشقيتني عمد بغير جنيه
فلا متى عني تشيح وتبخلي
وهو الأصح معنى.
8- جاء عند جامع مجهول مع اختلاف ترتيبه في القصيدة:
فإن كان يرضيك الصدود فإنني
راضٍ وحكمك شفت مابه تعدلي
الأصحُّ معنى ما جاء عند ابن شدقم.
9- جاء عند جامع مجهول:
ارفق بمفجوعٍ تركت ضميره
يغلي من الليعات غلي المرجلي
10- لم يرد عند جامع مجهول.
11- المعنى غير واضح ولم يرد عند جامع مجهول.
12- جاء عند جامع مجهول:
ما هوب واجب أن يهان مكرم
13- لم يرد عند جامع مجهول.
14- لم يرد عند جامع مجهول.
15- جاء عند جامع مجهول:
فسأل إلهي حين ما بك لي بلا
بمحبةٍ ان يبتليك المبتلي
والأصحُّ معنى هو ما جاء عند ابن شدقم.
16- لم يرد عند جامع مجهول وهو متسق المعنى مع البيت الذي قبله وبعده.
17-21: لم ترد الأبيات عند جامع مجهول، والسياق المعنوي للقصيدة عند ابن شدقم يثبت الأبيات، حيث يتحدث الشاعر عن مكانته الرفيعة في بني قومه الذين هم أصحاب قوة ومنعة وسيادة، مبرراً رفضه أن تتحدث إليه بما يحتمل الإهانة، بينما عند جامع مجهول أخذت جانباً عاطفيًّا يتحدث فيه الشاعر عن تضحياته في سبيل كسب ود الحبيبة وما يلاقيه من صدود، وبالتالي لا يتنافى ذلك مع أنها تالية لما جاء عند ابن شدقم.
22- جاء عند جامع مجهول:
تقول لي خدني اميمٍ بعد ما
شافت سواي سيرة المترحلي
وهو الأصحُّ لانضباط الوزن، وليس هناك اختلاف يذكر في المعنى.
23- لم يرد عند جامع مجهول وهو متسق مع السياق المعنوي للقصيدة عند ابن شدقم.
24- جاء عند جامع مجهول:
أنتم غبوقكم القراح وغيركم
يعل من البان البكار وينهلي
الغبوق هو الحليب الذي يشرب في وقت المساء، وهنا تلمزه بفقره وأنه لا يجد إلا الماء بدل الحليب، و(البكار الحفلي) كما جاءت عند ابن شدقم أصح معنى.
25- جاء عند جامع مجهول:
فكفيتها لما سمعت حديثها
قاسي وقلت لها رويدك اعقلي
نلاحظ أن معنى البيت هنا أكثر لطفاً، حيث اكتفى الشاعر بردها بينما عند ابن شدقم قام بلطمها، وأرجح ما جاء عند جامع مجهول؛ لأنَّ الحدث لا يحتمل لطم الزوجة.
26- عند جامع مجهول:
لا تكرهي عدم الكريم من الملا
فالسيل حربٍ للمكان المعتلي
27- عند جامع مجهول:
يهفي عن الرعن الطويل بمايه
ويقر بالغمض الوطي الأسفلي
28- عند جامع مجهول:
فإن كان قل اليوم ما ملكت يديني
فالدلو أحيان يغيض ويمتلي
29-31: لم ترد عند جامع مجهول.
32- البيت مرتبك المعنى ولم يرد عند جامع مجهول.
33-جاء عند جامع مجهول:
ماذا تريد ومن تكون تزوره
لا أنت زوار ٍ ولا متحيلي
34- جاء عند جامع مجهول:
قلت الشريف ابن الشريف أزوره
ابن المطهرة البتول ابن الولي
ويلاحظ أنه اتبع هذا البيت ببيت يوضح فيه الدعوة التي تلقاها من الممدوح من أجل الزيارة، ولم يورده ابن شدقم ويقول فيه:
بعث الكتاب وقال في عنوانه
حنا لغيرك بالتحية نبخلي
35- جاء عند جامع مجهول:
فانحن من جوا (…) ضمر
يرقلن ارقال النعام الجفلي
ما بين القوسين مطموس.
وجاء بعده بهذا البيت الذي يصف إرهاق الركائب، ولم يورده ابن شدقم:
افنى عرايكهن تطاويح السرى
عليه من بعد السلام تحملي
وعند الجمع بين الروايتين يكون الأصح (فانحيت) بمعنى ذهبت مولياً وهنا يكون المتحدث عن نفسه، بينما الشاعر يتحدث عن الركائب فالأصح (فانحن)، و(يرفلن ارفال) لا يتسق معناها مع سياق البيت، بينما (يرقلن ارقال) هو الأصح، حيث يشبه سرعة انطلاقتهن بسرعة النعام المذعور.
فانحن من جو العيينه ضمر
يرقلن ارقال النعام الجفلي
36- البيت مرتبك المعنى، ولم يرد عند جامع مجهول.
37- جاء عند جامع مجهول:
كبش منصور ابن جماز ومن
حاش المروه قبل عقله يكملي
38- جاء عند جامع مجهول:
ذروة قريش كلها وخيارها
واسقامها الصعب الذي ما ذللي
39- لم يرد عند جامع مجهول.
40- لم يرد عند جامع مجهول.
41- لم يرد عند جامع مجهول.
42- جاء عند جامع مجهول:
يا ابن من لحقت مطية ضيفه
واستن تابعها وهو ما يسألي
43- جاء عند جامع مجهول:
ما ناب أول واحدٍ هجت به
قود إلى ملك بنيله يجزلي
44- جاء عند جامع مجهول:
نوخن في رحبة ذراك فربما
يرجع هواي بضد حكي المرجلي
45- جاء عند جامع مجهول:
قلايصٍ ودننيك حقايق
أن يرتعن مع النعام الجفلي
(ودننيك) بمعنى حملنني إليك.
46- جاء عند جامع مجهول:
يعفين من عن شد الرحيل جزاً لما
بلغن لك مع السعود المقبلي
47- جاء عند جامع مجهول:
وأنا خلاف ابصار وجهك راجي
إن النحوس خلاف شوفك تنجلي
48- جاء عند جامع مجهول:
ثمَّ الصلاة على النبي محمد
ما ناض برق في سحاب وشعلي