3,005 عدد المشاهدات
الكاتب: د.علي بن ذيب الأكلبي – جامعة الملك سعود
الحجُّ رحلةُ العمر يسعى كلُّ مسلم لها جاهداً استجابةً لنداء نبي الله إبراهيم: “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)” سورة الحج
وقد فرض الله الحجَّ في السنة التاسعة للهجرة، وتكتنف رحلة الحجِّ الكثير من المتاعب والصعاب خاصة لمن كان نائي الدار وشاسع المحل؛ فالخوف من قُطّاع الطرق، وصعوبة الرحلة، ووعورة الطريق، وكلفة الزاد والمتاع، وعدوى الأمراض، وطول المدة التي يغيب فيها الحاج عن أهله وذويه، جميعها مخاطر تنتظر كلُّ من يهم بالحج من الأقطار الإسلامية، وقد كانت العرب تعدُّ الحجَّ موسماً عظيماً قبل الإسلام، وتفتخر قريش بخدمة الحجيج، وتقدِّم السقاية لهم والوفادة، إيماناً منهم بأهمية خدمة ضيوف الرحمن.
ومنذ شرع الحجُّ في الإسلام صار كلُّ من أراد الحجَّ يسعى إلى امتثال التوجيه الربّاني الكريم: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)” البقرة.
ولأنَّ الحجَّ أحد أركان الإسلام؛ فالجميع يسعى للقيام به. ولقد عانى الحجيج طيلة السنين الماضية، منذ شرع الحج وحتى وقت قريب، من مصاعب كثيرة تواجههم في رحلتهم السنوية الى الحج، إلا أنَّ المملكة العربية السعودية، ومنذ تأسيسها، أَوْلَت كلَّ عناية وبذلت كلَّ جهد في سبيل تسهيل رحلة الحج سنة بعد سنة، وتذليل الصعوبات عاماً بعد عام، حتى أصبحت رحلةُ الحجِّ اليومَ رحلةَ عبادة وسعادة، ولا يواجه فيها الحاجُّ أيَّ مشقّة ولله الحمد، وهذه محاولة للتعريج على بعض مظاهر الخدمات الرقمية في الحج التي تسمح مساحة المقال بها؛ فقد استثمرت البحوث العلمية ومستجدات الذكاء الاصطناعي، وتمَّ تسخير أبحاث التطوير في كافة المجالات لخدمة الحاج، ومن ذلك اعتماد وزارة الحج والعمرة في المملكة العربية السعودية التحوّل الرقمي. ومن مظاهر ذلك التحوّل تطبيق الإسوارة الإلكترونية على الحجاج، وبها شريحة ذكية تشتمل على معلومات تعريفية للحاج تساعد على التعرُّف إلى الحجاج، وقراءة بياناتهم إلكترونياً، خاصة الذين لا يتحدثون العربية، كما يمكن من خلالها التعرُّف إلى الأشخاص الذين هم في حالة إغماء أو عدم قدرة على الكلام، كما يمكن من خلالها مساعدة الحاج في الوصول إلى مقر سكنه عندما يحتاج إلى إرشاد، وتشتمل الإسوارة الإلكترونية على الرقم الحدودي، ورقم التأشيرة، ورقم جواز السفر، وغيرها من البيانات التي يمكن استخدامها في قواعد بيانات الوزارة، وتشمل كذلك صورة الحاج والبيانات الأساسية له، وبيانات السكن بمكة المكرمة، والمدينة المنورة، والمشاعر المقدسة، وهواتف المعنيين بخدمة الحاج.
وهذا يسرّع في خدمة الحجيج وفق أعلى معايير الجودة، مع تسريع معدلات الإنجاز في العمليات التشغيلية لحج هذا العام.
وبدأت وزارة الحج والعمرة السعودية التواصل مع الجهات الحكومية بإرسال واستقبال المعاملات إلكترونياً، والاستغناء عن الطرق التقليدية الورقية بعد اكتمال متطلبات التحوّل للتعاملات الإلكترونية مع برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية (يسّر)، ما يخفّض النفقات، ويحسّن الأداء، ويرفع مستوى الإنتاجية لتعزيز التحوّل الرقمي وفق رؤية 2030 عبر مبادرة “حج ذكي” التي يمكن الوصول إليها عبر البوابة السعودية للتعاملات الإلكترونية الحكومية “سعودي”، وهذا ييسِّر على الحجاج تأدية مناسكهم.
وفي يومنا هذا يصدق على ما وصلت إليه خدمات الحج من تطوّر كبير إلى التسمية بالحجّ الرقميّ، حيث أصبح الكثير من التطبيقات الرقمية الذكية في متناول الحاج لخدمته وتسهيل رحلته وتمكينه من الحج بأفضل وأيسر وأسرع طريق، وهذه عينة من التطبيقات التي تقدّمها الجهات الخدمية السعودية لصالح الحاج بكل جنس ولون:
تطبيق المقصد: وهو تطبيق تقدّمه الرئاسة العامة لشؤون الحرمين يساعد الحجاج والمعتمرين، عبر نظام للملاحة الإلكترونية داخل المسجد الحرام، على تحديد مواقعهم بدقة داخل أروقة المسجد، ومعرفة طريقهم إلى أي وجهة يريدونها، ويعمل من دون اتصال بالإنترنت، فلا يحتاج إلى الاتصال بالشبكة.
تطبيق أسعفني: وهو تطبيق مقدَّم من هيئة الهلال الأحمر السعودي، يساعد في حالات الطوارئ وإمكانية الإبلاغ عن الحالات الإسعافية، وإرسال استغاثة عاجلة في حالات الطوارئ القصوى لكل من الهلال الأحمر والأشخاص المقرّبين للحاج عن طريق خدمة الرسائل القصيرة، كما يساعد هذا التطبيق على دعم فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من الصمّ والبكم لتقديم البلاغات، وتسجيل تفاصيل تاريخ الحاج الطبي للتعرُّف إلى الحالة بأسرع وقت، كما يعرّف المستخدم بالمواقع الخاصة بالمنشآت الطبية القريبة من المبلّغ والعديد من الميزات الأخرى.
تطبيق محدد الحج والعمرة الملاحي: الذي أطلقه البريد السعودي ليزوّد الحاج والمعتمر وبقية المستخدمين بالخرائط الرقمية لمنطقة المشاعر المقدسة والمواقع الإسلامية في المدينة المنورة.
ويقدِّم التطبيقُ خدماتٍ أخرى مثل التعريف بمكاتب الطوافة والخدمات والمرافق، ويساعد على تحديد مواقيت الصلاة وحالة الطقس في منطقة المشاعر المقدسة.
تطبيق صحة: وهو من إنشاء وزارة الصحة السعودية، ويعدُّ عيادة طبية متنقلة، ويمكِّن المستخدم من التحدث مع مجموعة كبيرة من الأطباء في تخصصات مختلفة، واستشارتهم بشأن الحالة الصحية، وفيه خاصية المحادثة المرئية وإمكانية تقديم بعض الإرشادات والتشخيص المبدئي للحالات العادية والتوجيه للحالات الأخرى.
تطبيق مناسكنا: يساعد على تحديد الحدود المكانية الشرعية للحرم والمشاعر المقدّسة بدقة، كما يساعد على تحديد الأماكن ذات الأهمية العامة، مثل أقرب المساجد والمطاعم والحمامات ومراكز التسوق، والبحث عن أقصر طريق ممكن من موقعك الحالي، وهو خاص بقاصدي الأماكن المقدّسة في مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة.
وتستمر الجهود للتطوير التقني لخدمة الحجيج، حيث أطلق اتحاد الأمن السيبراني السعودي هذا العام 2018 «هاكاثون الحج» الذي نظمّه الاتحاد استشعاراً منه بأهمية استثمار تقنية المعلومات لتطوير خدمات هذا الموسم، حيث يقوم أكثر من مليوني شخص من شتى أنحاء العالم كلَّ عام، بالتوجّه إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء مناسك الحج، حيث شملت مجالات المنافسة المجالات المتعلقة بتحسين خدمة توفير الأغذية والمشروبات والمواصلات وإدارة الحشود، والتحكّم في حركة المرور، وترتيبات السفر والإقامة، وخدمات الصحة العامة وأعمال إدارة النفايات، وخدمات التسكين، وحلول التواصل والحلول المالية، والتي تمَّ تنظيم النسخة الأولى من المسابقة لهذا العام 2018 من «هاكاثون الحج» في مدينة جدة، حيث شارك فيها مطوِّرون من الجنسين من مختلف الدول بما فيها المملكة العربية السعودية ودول الخليج والعالم، وقدّم المشاركون العديد من الابتكارات التقنية التي هي في طريقها للتطبيق بما يعزّز ويطوّر من خدمات الحج الرقمي.
تقبّل الله من الحجاج، ووفّق بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية التي لم تتوانَ في كلّ ما من شأنه تسهيل الحج وخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، وما زالت عجلة التطوير مستمرة في الارتقاء بتجربة الحج، ونحن اليوم في واقع الحج الرقمي.