2,690 عدد المشاهدات
مدارات ونقوش – دبي
الحداء معروف عند العرب منذ أزمان بعيدة، وقد نسج العرب بعض الأساطير حول بداية الحداء وزعموا بأن أوَّلَ من حدا رجلٌ من مضر، وقيل مضر بن نزار نفسه، وقد روي في الحديث عن عبدالله بن عباس، رضي الله عنه، كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في سفرٍ فسمع صوتَ حادٍ يحدو فقال: مِيلوا بنا إليه، فقال: ممَّنِ القومُ؟ قالوا: من مُضر، قال: وأنا من مُضَر، قالوا: إنَّا أوَّل مَن حدا، قال: وكيف قال: كان غلامٌ لنا ومعه إبلٌ فنام فتفرَّقتِ الإبلُ عنه فجاء صاحبُه فضرَبه على يدِه فجعَل يقول: وايداه وايداه فجعَلَتِ الإبلُ تجتَمِعُ إليه.
هذا الحديث، إن صحَّ سنده، فيه دلالة على أنَّ أوَّل من حدا الإبل من مُضر، وسكت عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ما قد يدلُّ على صحة القصة التي كان يتناقلها المضريون في ذلك الوقت. وقد أثبتها علماء التاريخ الإسلامي في القرون الأولى، ومن العجب أني كنت أستمع إلى بعضٍ من حداء البدو في الجزيرة العربية واليمن، فكأني أسمعهم يحدون «وايداه وايداه» كما فعل ذلك المضري، وكأنها لم تتوقَّف العادة منذ القرون الماضية حتى اليوم إلى أن يشاء الله.
أصل التسمية
يقول المؤرخون، إنَّ أصل الغناء العربي بدأ من الحداء، وهذه المادة (ح د ا) كما يقول المعجميون أصلٌ واحد، وهو السَّوق. يقال حدا بإبله: زجَر بها وغَنَّى لها، وواحده أحديّة وأحدوّة، وهذا يدل على أنَّ الحداء جمع، ويقال أيضاً للسهم إذا مرَّ: حداه رِيشُه، ويقال حدوته على كذا أي سقته وبعثته إليه، وريح الشمال يسميها العرب حدواء؛ لأنها تحدو السحاب، أي تسوقه، والتحدي المباراة والمنازعة تقول للخصم أنا حديّاك، وعلى هذا الحداء أصله الزجر والمنازعة والسوق وهو الذي اشتق منه معنى الغناء للإبل، من أجل حثها على السير وعدم تعبها أو ترغيبها في ورد الماء. وفي ذلك يقول كشاجم:
إن كنتَ تنكر أنّ في
الألحان فائدةً ونفعا
فانظر إلى الإبل التي
هي ويك أغلظ منك طبعا
تصغي لأصوات الحداةِ
فتقطع الفلواتِ قطعا
ومن العجائب أنهمْ
يضمونها خمساً وربعا
فإذا تورّدت الحياض
وحاولت في الماء كرعا
وتشوقت للصوت من
حاد تصيخ إليه سمعا
ذهلت عن الماء الذي
تلتذه برداً ونقعا
ومن الحداء القديم ما يروى عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله:
يا حبذا السير بأرض الكوفة
أرض سواء سهلة معروفه
تعرفها جمالنا المعروفة
ويروى عن حادٍ من عمان يحدو إبله ويقول:
كأنما أصواتها في الوادي
أصوات حج من عُمان عادي
بحر الرجز
والحداء يكون على بحر الرجز، الذي لم يعده العرب في الجاهلية وأوَّل الإسلام من الشعر، حتى ظهر كبار الرجّازين العرب من أمثال أبو النجم العجلي، والعجّاج وابنه رؤبة ورفعوا من شأنه.
وكذلك حداء الخيل، وهو فنٌّ تعارف عليه الناس في البادية العربية منذ قرون، ويكون أيضاً على وزن الرجز وغالباً ما يكون من فرسان لم يُعْرَفوا بقرض الأشعار، ويعنّ لنا سؤال:
*هل عرف العرب الأوائل حداء الخيل؟
** الجواب: بعد بحث طويل وجدت أنه لم يُرْوَ عن العرب الأوائل أنَّ الحداء يكون للخيل، ولهذا لم يرد قط في شعرهم ولا في نثرهم، ولم يثبته علماء عصور التدوين الأولى، وإنما كان مقصوراً على الإبل وهذا ما يجعلنا نتوقّف قليلاً ونتساءل: كيف شاع هذا الاستعمال عند العرب المتأخرين من الحاضرة والبادية خاصة في الجزيرة العربية، فأطلقوا الحداء على أشعار فرسانهم التي تتكوّن من بيتين وثلاثة بيوت وقد تزيد قليلاً، وأكثرهم لم يكونوا يُعْرَفون بالشعر، إنما يقولون البيت والبيتين في ساحات الحروب لبثِّ الحماس في نفوس المقاتلين ويجمعونها على حداوي، وربما كان حداء الخيل موجوداً ولكن لم يهتم العلماء بأخباره؛ لأنه قليل، وهذا أستبعده لأنهم لم يتركوا شيئاً إلا وقيّدوه. وقد يكون الفرسان أخذوا يحدون خيلهم بأشعارهم وأصواتهم الندية كما كان العرب يفعلون بإبلهم فشاع بين المتأخرين، وهذا أيضاً أستبعده لأنَّ الفرسان العرب منذ آلاف السنين يركبون الإبل والخيل ولم يُرْوَ عنهم أنهم حدوا بخيلهم، ولهذا قد يكون الاشتقاق من التحدي، وهو من مادة الحدا نفسها وفي معناها كما ذكرت سابقاً، ويؤكد ذلك أنَّ حداوي الخيل بدأ ينشدها الفرسان الأبطال في الحروب، لحثِّ نفوسهم وقومهم للنصر أو الموت دون شرفهم.
دليل الأنساب
يقول الدكتور سعد الصويان في مقدمة كتاب حداء الخيل لمؤلفه تركي العتيبي:
«الحداوي جنس متميز من أجناس الشعر قد يحتلُّ مركزاً ثانوياً من حيث قيمته الفنية والأدبية لكنه يستمد أهميته من أهمية الأحداث التي تخلده، وهي غالباً ما تكون من الأحداث القبلية الكبرى كما يستمد أهميته من أهمية قائليه. ولذا فإنَّ شعر الحداوي يعدُّ وثائق شفهية لا يستغني عنه من يريد دراسة التاريخ القبلي في الجزيرة». ويضيف الصويان: «والحداوي أيضاً لها أهمية خاصة لمن لهم عناية بدراسة أنساب الخيل، وغالباً ما يقولها الفرسان وهم يمتطون صهوات الجياد في الطريق إلى المعركة أو بعد العودة منها، ولذا تزخر الحداوي بذكر الخيل ونعتها ونعت سلالتها وطرق استنسالها وتدريبها والعناية بها».
ويقول عنها ابن خميس في كتابه النفيس الأب الشعبي: «فن الحداوي خاص بصهوات الجياد.. وهو لا يكون إلا في الفخر والحماسة، حيث الكر والفر».
وللأحديات موضوعات شتى؛ فمنها لوصف الخيل ومنها للنصيحة وفي القتال والنزول على مياه الخصوم أو تخليد لمقتل فارس له شهرة بين القبائل، وتقال أيضاً في الغزل ومخاطبة الشيوخ. ونحن يعنينا هنا ما جاء في وصف الخيل، يقول الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه:
الغوج رديته بتال الخيل
يوم ادبحن الخيل بالفرسانِ
لعيون من ريحه زباد وهيل
شامت عن الجاهل تبي الشيبانِ
وقول : مناحي الهيضل:
لي مهرةٍ فيها دحم
تلحق بعرقٍ فيه ريش
وقول جرمان بن محيا:
يا ليتني حضرتهم يوم الصياح
ليلة يلمون الجرود
من فوق غوجٍ توعديه فاح
يمرق ولا فوقه شرود
وإن كان ما قدمي خصيمي طاح
ولا انذروا غض النهود
وقد يكون «التشوليب» عندنا في الإمارات هو الحداوي نفسه المعروف، وهو شعر يُؤَدَّى على ظهور الخيل. ومن الأشعار المشهورة في هذا الفن أبيات الشيخ بطي بن سهيل حاكم دبي، رحمه الله، ورد الشيخ سلطان بن زايد الأول حاكم أبو ظبي، رحمه الله، عليها. وفي مقال ربدان في هذا العدد من المجلة تفصيل لأبيات الشيخ بطي وقصتها وهو على نفس وزن الأحدية وأسلوبها وموضوعها.
مؤلفات في حداء الخيل:
-
الحداوي للأمير محمد الأحمد السديري
-
حداء الخيل للدكتور سعد الصويان
-
حداء الخيل للأستاذ أحمد العريفي
-
حداء الخيل عند قبيلة عتيبة للأستاذ تركي بن مطلق العتيبي
-
أحديات وألقاب من قبيلة حرب للأستاذ فائز البدراني