1,581 عدد المشاهدات
الكاتب: جمال بن حويرب
سألت الأعزاء، أمس، في مقهى «تويتر» عن عباس بن فرناس العالم الأندلسي الشهير، فجاءتني أجوبةٌ مختلفة وتحمل نفس الجواب الذي كنت أعتقد به، وأضحك منه، بل كان يثير السخرية عند كثير من أبناء جيلنا عندما نذكره، فهو العالم الذي حاول الطيران ولكنه سقط ومات وماتت معه أحلام الطيران في الفضاء حتى جاء الأخوان رايت وقاما بالطيران في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقيل قبل ذلك، حيث إنّ كلاً يدعي المجد له في هذا العلم العظيم الذي غير من شكل الاقتصاد والسياحة والحرب والسلم.
الحقيقة أننا ظلمنا العباس بن فرناس كثيراً، ونسبنا له غير متعمدين أمراً لا يليق به وهو العالم المخترع المكتشف الذي كان من أهم علماء قرطبة، بل من أهم علماء العالم في وقته، وأكثرهم إنتاجاً مع تميز في الأدب والأشعار والعلوم الفكرية، يقول الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات:
أبو القاسم العباس بن فرناس المغربي؛ قال حرقوص: كان شاعراً مفلقاً وفحلاً مجوداً مطبوعاً مقتدراً كثير الإبداع حسن التوليد مليح المعاني بعيد الغور رقيق الذهن، له شخص إنسي وفطنة جني، وكان متفلسفاً في غير ما جنس من الصناعات. ويقال إنه أول من فكّ في بلادنا العروض وفتح مقفله وأوضح للناس ملتبسه، وكان أبصر الناس بالنجوم وأعلمهم بدقائقها وأعرفهم بالفلك ومجاريه، وكان أقلّ الناس سرقة من شعر غيره. انتهي كلام الصفدي.
قلتُ: العباس إنسي وذكاؤه كالجنِّ، كما وصفه العلماء المؤرخون، فأين هو من مناهجنا ومن معلوماتنا التي تزداد جهلاً عن أعلامنا أصحاب المخترعات والاكتشافات الأولى في العالم، وعن ابن فرناس أيضاً يحدثنا ابن المقري في كتابه العظيم «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» فيقول:
من حكاياتهم في الذكاء واستخراج العلوم واستنباطها، أنّ أبا القاسم عباس بن فرناس، حكيم الأندلس، أوّل من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فكّ بها كتاب العروض للخليل، وأول من فكّ الموسيقى، وصنع الآلة المعروفة بالميقاتة ليعرف الأوقات على غير رسم ومثال، واحتال في تطيير جثمانه، وكسا نفسه الريش، ومدّ له جناحين، وطار في الجو مسافة بعيدةً، ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه، فتأذى في مؤخره، ولم يدر أنّ الطائر إنما يقع على زمكه (ذيله) ولم يعمل له ذنباً. انتهى كلام المقري.
قلتُ: ذكرت مصادر أخرى أنه طار من أعلى مكانٍ من الرصافة في قرطبة، وقد جمع مجموعة من الناس ليريهم اختراعه وقد تجاوز 65 سنة، وكما تعلمون أنّ لكل محاولة نجاحات وفشل فقد فشل في بعضها ولكنه نجح بالطيران في أخرى، ولهذا شاهدٌ من الشعر أنشده المقري نفسه فيقول:
وفيه قال مؤمنُ بن سعيد الشاعر من أبيات:
يطمُّ على العنقـاءِ في طـيرانها
إذا ما كسا جثمانهُ ريشَ قشعمِ
قلتُ: وفي هذا البيت شاهد على أنّ الرجل طار ونجح في طيرانه، وإلا لما قال الشاعر هذه الأبيات، وقال إنه يطمُّ أي يزيد ويربو على الطائر الخرافي العنقاء.
وإذا تحققنا أنّ الطيران الناجح كان صحيحاً فكيف طار بجناحين، لأنّ يده محالٌ أن تساعده على الطيران، ولكنّ إذا فكرنا قليلاً علمنا أنه اخترع طائرة ترفعه كمثل ما نراه اليوم من الطائرات الشراعية ولا أشكُّ في هذا أبداً.
هذا وللعالم المخترع ابن فرناس كثير من المخترعات كان يهديها للخليفة كل سنة ومن ذلك يقول المقري عنه:
وصنع في بيته هيئة السماء (القبة الفضائية)، وخُيّل للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود. انتهى كلام المقري.
هذا وتوفي العالم المخترع العباس بن فرناس سنة 887 ميلادية، وقد تجاوز الثمانين من عمره، رحمه الله تعالى.
بتاريخ: 22 فبراير 2012