1,638 عدد المشاهدات
مركز جمال بن حويرب للدراسات
قال المهندس رشاد بوخش ، رئيس جمعية التراث العمراني في دولة الإمارات ، وعضو المجلس الوطني الاتحادي ، سابقاً ، ومدير إدارة التراث العمراني في بلدية دبي ، سابقاً : يوجد في الدولة نحو 3250 معلماً أثرياً ، جرى ترميم قسم منها ، والعمل جارٍ على ترميم أجزاء أخرى ، تباعاً حسب الحاجة والأهمية ، وأن الإمارات تسعى إلى أن تجعل من السياحة رافداً مهماً للدخل بعد النفط والتجارة، وأكد أنه بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، نائب رئيس الدولة ، رئيس مجلس الوزراء ، حاكم دبي ، رعاه الله، ستكون منطقة الشندغة التراثية ، أكبر متحف مفتوح في العالم ، وأن إجراءات تنفيذ التوجيهات السامية مستمرة منذ أكثر من عام ، وقريباً سنشهد افتتاح المنطقة التي ظلت مغلقة طيلة فترة الصيانة والترميم ، والتي من المتوقع أن تجلب ملايين السياح سنوياً.
جاء ذلك في جلسة مسائية نظمها ” مركز جمال بن حويرب للدراسات ” ، في موقعه الجديد في منطقة الجميرا ، تحت عنوان :” التراث العمراني في الإمارات “، حضرها الباحث والكاتب عبد الغفار حسين ، اسماعيل الحمادي ، من وزارة الثقافة ، سلطان الشامسي ، عضو المجلس الوطني الاتحادي ، سابقاً عن إمارة عجمان ، والدكتور خالد الوزني ، المستشار في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، وجمع من المهتمين والاختصاصيين ، ومندوبو الصحف المحلية والإعلام .
بدأ الأمسية جمال بن حويرب ، المدير التنفيذي لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ، رئيس المركز ، مرحباً بالمحاضر والضيوف ، قائلاً : لاشك أن موضوع التراث العمراني ، والمحافظة على الآثار ، مهم جداً ، وقد أمضى الأستاذ رشاد بوخش ، رئيس جمعية التراث العمراني في الدولة ، معظم حياته في البحث والدراسات ، في مجال التراث العمراني ، والمحافظة على الآثار ، وله جهود عظيمة في ترميمها وإعادة الحياة إليها ، والمساهمة في تسجيلها في الهيئات العالمية المعنية بشؤون التراث العمراني والآثار .
وأضاف بن حويرب ..لقد اطلعت على جزء من العرض الذي سيلقيه على مسامعنا الأستاذ رشاد ، فوجدت أن الأمر يحتاج إلى ساعات طويلة ، ليعطيه حقه ، لكنه سيعمل على اختصار الموضوع ، حول الأهم ، ثم المهم .
هويتنا فخرنا
بدأ المهندس رشاد بوخش حديثه بقوله ، بناءً على ما تفضل به الأستاذ جمال ، فإني سأختصر ثمانية آلاف عام من تاريخ التراث العمراني ، بخمسة وأربعين دقيقة ، راجياً أن أوفق بالعرض الذي آمل أن يعجبكم ، وأن أعطي الموضوع حقه ، لما يستحقه ، من الأهمية .
واستطرد.. بما أننا نعيش عام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، عطر الله ثراه ، فإن من نافلة القول أن أبدأ حديثي بمقولة شهيرة له ” من لا ماضي له ، لا حاضر له ، ولا مستقبل”.
ولنا أن نتعلم من هذه ” المقولة – الحكمة” ، بأن علينا أن نستفيد من تراث الماضي ، من أجل بناء حاضرنا ومستقبلنا.
وأضاف .. ولعل في مقولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان ، رئيس الدولة ، حفظه الله ، ” من لا هوية له ، لا وجود له في الحاضر ، ولا مكان له في المستقبل”. تأكيد لما قاله المغفور له بإذن الله الشيخ زايد .
وقال بوخش : كما أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، نائب رئيس الدولة ، رئيس مجلس الوزراء ، حاكم دبي ، رعاه الله ، رسم لنا خارطة طريق بقوله : ” نعتز بأمسنا ، ونفخر بحاضرنا ، ونمضي إلى غدنا بيقين ، ووعي وعزم أكيد ، وإرادة لاتعرف التردد ، وهمة لا تعرف التلكؤ” .
وأضاف ..وهنا يحضرني قول الشاعر أبو يعلى عبد الباقي المعري، حفيد أخ للشاعر المعروف أبي العلاء المعري، وقد مر يوماً بقرية يُقال لها «سِياث» من أعمال معرّة النعمان (جنوب إدلب في سوريا) فوجد أناسا يهدمون مبانيها القديمة، ويكسرونها بالمعاول ليخف عليهم حملها، حيث كان الناس يستسهلون اقتلاع أحجار المباني الأثرية القديمة واستغلالها في بناء مبانيهم بدلاً من اجتلاب أحجار جديدة وتهذيبها، فهاله ما رأى، ووقف متأسفاً، وقال هذه الأبيات التي تدل على وعي صاحبها بقيمة التراث، وتعبر عن موقف الطبقة الواعية المستنيرة، من المخّلفات الحضارية ومفهوم الحفاظ على التراث وحمايته. يقول الشاعر:
مررت بربع من «سياث» فراعني
به زجل الأحجار تحت المعاول
تناولها عبل الذراع كأنما
جنى الحقد فيما بينهم حرب وائل
أتتلفها؟ شّلت يمينك! خّلها
لمعتبر، أو زائر، أو مسائل
منازل قوم حدثتنا حديثهم
ولم أر أحلى من حديث المنازل
ونفهم من هذا ، المبررات القوية، والحيثيات المنطقية للحفاظ على التراث ومخلفاته المادية، وهي أنها موضع الاعتبار والاتعاظ، وأنها جديرة بالسياحة والزيارة والتأمل والمتعة، وكذلك كونها مجال للبحث والتساؤل والدراسات التاريخية والعلمية، وأضاف في نهاية هذه الأبيات الهامة، حساً وجدانياً آخر يضاف إلى ما فيها من قيم، كونها تاريخ ناطق بحياة قوم قد رحلوا ، وتركوها خلفهم لتحدثنا عنهم.
المعالم الأثرية
استطرد المهندس رشاد…تبين لنا من خلال البحث والدراسة ، على مدى أربعين عاماً الماضية، أن دولة الإمارات تذخر بما يزيد على 3250 موقعاً ومعلماً أثرياً ، ولعل الكثير منا يفاجأ بهذه المعلومة المهمة ، ما يؤكد أن بلادنا كانت مهداً لحضارات قديمة ، تمتد إلى عمق يقرب من ثمانية آلاف عامٍ مضت ، منها على سبيل المثال حضارة جزيرتي مروح وأم النار في أبوظبي ، حيث تعود الأولى إلى نحو 3500 ق.م ، والثانية إلى حوالي 2600- 2000 ق. م
وهناك آثار ” هيلي وجبل حفيت ” في مدينة العين ، التي يرجع تاريخها إلى نحو 3000- 1000 ق.م
وفي دبي ، لدينا موقع ساروق الحديد ، الذي أصبح موقعاً عالمياً ” 1600- 600″ ق.م. ويضم آثاراً تعود إلى العصر الحجري ، في وسط الصحراء، وقد اكتشفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ، عندما كان في طائرة عمودية ، ولاحظ وجود قطع فخارية ، في الموقع ، ما يشير إلى وجود آثار ، فأمر سموه بالحفر في المكان ، وعلى عمق ثمانية أمتار تم اكتشاف مايزيد على 23 ألف قطعة أثرية ، تشكل نحو 5- 10 % من موجودات الموقع . ولاحظنا وجود صور لأفاعي على قطع الفخار ، ما يشير إلى أن سكان تلك المنطقة في تلك الحقبة من الزمن ، كانوا يتخذون من ذلك تعويذة ، كي لا تضرهم الأفاعي ، التي ربما كانت تنتشر بكثرة ، آنذاك.
وأضاف المهندس رشاد ..إضافة إلى ذلك لدينا موقع القصيص ، الذي يضم 47 مدفناً ، تعود إلى الفترة ذاتها ، وهو يبعد عن ساروق الحديد بنحو 70 كيلو متراً.
وهناك موقع ” الجميرا الإسلامي ” ، ويمتد من نهاية الفترة الأموية حتى بداية الفترة العباسية، ” من 9-10 ” ميلادي
وفي الشارقة لدينا مواقع كثيرة من أهمها منطقة مليحة ، التي تعود إلى القرن 12 ق.م .
وفي أم القيوين هناك موقعان هما : موقع الدور ، ” معبد الشمس” ، ويعود إلى الألف الأول ق.م ، وموقع تل أبرق ، بين الشارقة وأم القيوين ” الألف الرابع ق.م”.
وفي رأس الخيمة هناك كثير من المواقع الأثرية ، منها في منطقتي شمل وشعم ، وكذلك قلعة ضاية .
وفي الفجيرة لدينا كثير من الآثار التي تعود إلى الوجود البرتغالي ، إضافة إلى آثار منطقة البدية. وقد طبعت وزارة الثقافة كتاباً عن الآثار في دولة الإمارات ، ضمنته كل هذه الآثار.
الإنجليز والآثار
وبفضل هذه الخرائط بحثنا عن أسوار دبي التاريخية ، وبخاصة حصن الفهيدي ، في بر دبي . كما تم تحديد أماكن الأبراج والقلاع .
العمارة التقليدية
قال المهندس رشاد بوخش : تعددت أنماط العمارة التقليدية في الدولة ، وتنوعت لتشمل المباني الدفاعية والسكنية والخدمية والتجارية والدينية ، كان لجميعها الفضل في التعريف بثقافة وتراث المجتمع المحلي . وقد كان البيت التقليدي يتضمن أبراجاً للهواء ” البراجيل” ، والأسواق التقليدية ذات التنظيم الطولي النابضة بالحياة ، ومساجد الأحياء الصغيرة المتواضعة المنتشرة في المناطق كافة ، تعبيراً واضحاً لتنوع وغنى العمارة التقليدية التي تعكس تاريخ وتراث وحياة المجتمع المحلي ، من خلال نسيجها العمراني المتواجد في أزقة أحيائها وساحاتها، وطابعها المعماري الذي يميز مبانيها على اختلاف أنماطها ، ومن خلال مبانيها الدفاعية المتمثلة في القلاع والأبراج المحصنة.
فالحصون بنيت في أغلبها مستطيلة ، ويتجسد ذلك في قصر الحصن في أبوظبي الذي كان سكناً لأسرة آل نهيان ، وحصن الفهيدي ، لأسرة آل مكتوم ، التي انتقلت من أبوظبي إلى دبي في العام 1833 ، وأسست حصن الفهيدي ، وفي العام 1861 انتقلت إلى منطقة الشندغة .
وكذلك حصون في الشارقة ، رأس الخيمة ، أم القيوين وعجمان ، وفي منطقة العين هناك العديد من الحصون وأبراج المراقبة لحماية بساتين النخيل والأفلاج ، التي تبرز نظم الري التقليدية القديمة ، المكبقة في أماكن كثيرة في منطقة الخليج العربي .
أما الأبراج والمربعات ، فقد بنيت لأغراض دفاعية ورقابية . ويوجد مئات الأبراج في الإمارات ، منها 60 برجاً في رأس الخيمة ، معظمها بحاجة إلى ترميم . وفي دبي هناك 12- 13 برجاً ، تم ترميمها جميعاً . منها مربعة أم الريول ” أم الأرجل” ، شيدت في العام 1906 ، وأطلق عليها هذا الإسم نظراً لتعدد الأعمدة الحاملة ، وعددها سبعة ، وفي منطقة حتا هناك برجان ، تم بناؤهما بصورة دائرية ، العام 1860 ، ويقعان على جبلين مرتفعين .
البيوت السكنية والمساجد
في البوادي ، كان البدو الرحل يبنون بيوت الشعر ، لكن البيوت السكنية ، فقد شكلت الغالبية العظمى في المدن والتجمعات الحضرية التقليدية في دولة الإمارات التي تميزت بألفة مقياسها الإنساني ، وعفوية إنشائها ، واعتمادها على المواد المحلية المتوفرة ، مثل سعف النخيل ، والمعروفة ببيوت العريش . وهناك 18 نوعاً منها ، إضافة إلى البيوت الطينية ، كما في حتا والذيد ومسافي ، والبيوت القفل المقامة من الحجر والأشجار . أما البيوت الكبيرة فقد بنيت من من حجر البحر والصدف والجص ، وهي كثيرة ، ومنتشرة في جميع أنحاء الإمارات .
أما بالنسبة للمساجد ، هناك نوعان : المسجد الجامع الكبير ن المكون من 54 قبة ، وقد بنى الشيخ بطي بن سهيل مسجداً جامعاً في العام 1908 ، وأمر أن تكون العبرة من ديرة إلى بر دبي ، وبالعكس يوم الجمعة مجاناً ليتمكن المواطنون من أداء الصلاة الصلاة في الجامع الكبير
وتحدث المحاضر عن المباني التعليمية ن كالمدرسة الأحمدية الأقدم في دبي ” 1912″ ، ومدرسة الفلاح ثم الشعب والسعادة وخولة ، ومدرسة السعيد. وتطرق إلى المباني الإدارية ، ومواد البناء والزخارف ، واستخدام ” البراجيل ” ، من أجل التهوية .
الحفاظ على التراث
ودعا بوخش إلى أهمية الحفاظ على التراث العمراني ، لأهداف عدة منها :
– تنمية وترسيخ الهوية الوطنية .
– نشر الوعي ، والحفاظ على التراث العمراني لتوظيفه في مجالات السياحة ” السياحة التراثية” .
– الاستفادة من التراث من أجل الحاضر والمستقبل.
– تسجيل التراث الإماراتي في الهيئات الدولية ، المعنية بهذا الأمر ، لوضع تراثنا على الخارطة العالمية ، سياحياً ، تنموياً و اقتصادياً.
وتطرق إلى إنشاء جمعية التراث العمراني ، في العام 2003 ، حيث أصبحت تضم اليوم حوالي 1450 عضواً ، يسعون إلى تحقيق أهداف الجمعية ، السلبق ذكرها .
وفي نهاية المحاضرة ، شكر جمال بن حويرب المحاضر والحضور ، داعياً إلى ضرورة وضع تشريع لحماية تراثنا من الهدم والعبث ، وإلى أهمية مشاركة القطاع الخاص بالدولة ، بمشروعات الحفاظ على التراث العمراني في الإمارات ، أسوة بما هو موجود في مملكة البحرين الشقيقة ،حيث يساهم التجار في ترميم الآثار ، بمبادرات شخصية منهم ، انطلاقاً من شعورهم بالمسؤولية تجاه الوطن ، والتاريخ.
واختتمت الأمسية بمشاركات بعض الحضور في الأسئلة والنقاش.