2,787 عدد المشاهدات
من سنابات جمال بن حويرب
ولهذا إذا سألتهم عن أصلها لا يستطيعون أن يخبروك بشيء غير أنها متوارثة من قديم الزمن، ولا لوم عليهم فأكثرهم لا يعرف القراءة والكتابة فكيف سيسألون عن اشتقاق مفردة تُعدُّ أشهر من نارٍ على علَمٍ (جبل) في أوانها مثل «الطوّاش» الذي كان أهل البحر ينتظرونه ليشتري منهم ما غنموه من غوصهم في أعماق بحر الخليج.
قلتُ: تشيع في زمنٍ من الأزمان مفرداتٌ ومصطلحاتٌ وأمثالٌ، ثمَّ تبقى بعد فترة انتشارها معروفة ومفهومة عند أهلها، ولكن بسبب بعد العهد بها لا يُدرى من هو مخترعها أو الناطق بها أول مرة؛ لأنّ المصطلح أو المفردة التي لم تكن موجودة من قبل لا بدَّ أن ينطق بها شخص واحد، ثمَّ تنتشر بعد ذلك أو يتم الاتفاق عليها من قبل دواوين الخلفاء والسلاطين أو أهل الحرف والتجارة والعلوم، ثمَّ تصبح مشهورة من بعدهم، وهكذا تزيد المفردات والمصطلحات بين الناس في أي لغة من لغات العالم.
الطوش خفة العقل والمطل في الدين والتسويف كما تقول المعاجم القديمة، وقد يكون لكثرة تنقلاته في البحر للبحث عن اللآلئ النادرة كأنه خفيف العقل، وكذلك مطل تاجر اللؤلؤ وعدم سداده أهل اللؤلؤ أموالهم بعد الشراء هو السبب في تسميته بهذا اللقب، ولكن قد يعترض معترض ويقول: وهل يكون التاجر خفيفَ عقلٍ؟!
فلو كان لما أصبح تاجراً! وهذا الاعتراض يسقط المعنى الأول لهذه المفردة، أمَّا عدم الدفع والمطل فهذا لم يكن معروفاً في عصور بيع اللؤلؤ؛ فقد كان «الطوّاش» حاضر المال ليشتري وينافس غيره من «الطواويش» التجار، وهذا يضعف المعنى الثاني بل يلغيه أيضاً.
ثالثاً: كلمة «الطواشي»:
الطواشي مفردة تركية تعني الخادم الخصي، وهو لقبٌ شاع في زمن الأتراك، والمماليك في مصر يطلقونه على خدمهم المقربين. وكان هؤلاء الطواشية يتولون كثيراً من المهام الخاصة للملوك والأمراء وقد يصلون إلى درجة الإمارة، ومن أشهرهم الطواشي قراقوش المشهور الذي كان يعمل في خدمة الفاتح صلاح الدين الأيوبي.
وهؤلاء كانوا يتحكّمون في أموال السلاطين، ويدخلون عليهم القصور، كما كانوا مقربين من نساء القصر، ولهذا كانت لهم حظوة وأموال، وربما انتقل هذا اللقب إلى هذه المنطقة بسبب حضور هؤلاء إلى الخليج العربي في عهد المماليك لشراء اللؤلؤ للأميرات، ثمَّ لمَّا انقطعوا وانتهت الطواشية في مصر وغيرها من المدن، صار اللقب لصيقاً بكل من يعمل في تجارة اللؤلؤ، يقول ابن خلدون شارحاً هذا البيت:
والقيدُ باقٍ والطواشي صبيح
قلتُ: لا أتمنّى أن يكون الاشتقاق الأخير هو الصواب؛ لأنه مشتق من لغة غير عربية وله معنى قبيح وهناك اشتقاقات أخرى يذكرونها ولم أجد فيها معنى صحيحاً، هذا والله أعلم.