2,435 عدد المشاهدات
الكاتب: محمد التداوي – باحث في التاريخ
القلعة أو الحصن، نظام دفاعي استخدمته معظم الشعوب منذ أقدم العصور، متدرجة في التطوُّر عبر القرون، وحتى بدايات القرن السابق. وهذا النظام البنائي عبارة عن حيلة دفاعية طواها الزمن وتقدمه، حيث أصبحت القلاع والحصون لا تجدي نفعاً أمام وسائل الهجوم الحديثة وما أكثرها، خاصة الجوية منها، ومن ثمَّ أهملت كنموذج فعَّال للدفاع عن الأرض، وتحولت الشعوب إلى نظم دفاعية حديثة، وما أكثرها أيضاً، وتحولت القلاع والحصون إلى تراث من الماضي يحكي قصصاً من النضال والصمود ضد كل معتدٍ أثيمٍ حاول أن يحتلَّ أرضاً أو أن يقهرَ شعباً.
في شبه جزيرة العرب، اهتم العرب كغيرهم من الشعوب ببناء القلاع والحصون اللازمة للدفاع عن الأرض، وما يليها من عرض، ومؤن، وثروات، حتى وإن كانت محدودة أو لنقل متفاوتة من منطقة لأخرى. هذا الاهتمام إضافة إلى تطور طرق الهجوم، أدى إلى تطور العقل الدفاعي، وبالتالي تطور بنيته الدفاعية بحسب الحاجة، فبنى ساحة أوسع داخل الحصن حينما تطلب زيادة عدد السكان ذلك. وبنى أبراجاً متفرقة، حينما ألهمته خبرته وتجاربه تفادي الهجمات الفجائية ببناء أبراج لغرض الرصد والمراقبة، لتعطيه ميزة التجهز للخطر قبل وقوعه. واستفاد جيرانه من تجربته، واستفاد هو أيضاً من تجاربهم، لتطوير منظومته الدفاعية المتمثلة في القلعة أو الحصن أو البرج، وبالتالي تشابهت القلاع في مناطق وتباينت في مناطق أخرى، بحسب الحاجة وحسب مواد الطبيعة المتوافرة، فالمناطق الجبلية ليست كالسهلية.
في مقالي هذا أودُّ أن أعطيَ فكرة سريعة عن قلاع وحصون جزيرة العرب، والبداية من دولة الإمارات العربية المتحدة، تحديداً إمارة الفجيرة، وهي إحدى الإمارات السبع المكونة لدولة الاتحاد؛ أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، رأس الخيمة، والفجيرة. وبالطبع مثلها مثل كل البلاد التي كتبت عنها، زرتها وتحقَّقت من قصصها وتواريخها، وكانت رحلتي إلى إمارة الفجيرة بهدف الزيارة ومن ثمَّ دراسة قلاعها وحصونها كبداية لطريق طويل أتحدث وأصف فيه قلاع وحصون العرب.
قلاع الفجيرة
الفجيرة هي الإمارة الوحيدة من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تقع بكاملها على خليج عمان، وكغيرها من الإمارات الأخرى، بَنَتْ قلاعاً وحصوناً وأبراجاً حسب الحاجة للدفاع والذود عن الأرض والعرض، والثروات، وتأتي قلعة الفجيرة على رأس هذه القلاع من حيث الأهمية، حيث إنَّ بها التجمع الأهم والأكبر للسكان، والمقر الرئيس لحكامها حتى عهد قريب.
قررت زيارة هذه القلاع، ثمَّ زرتها جميعاً وتعرَّفت إلى تفاصيلها، ثمَّ عاودت الزيارة مرة لبعض القلاع وأكثر من مرة لقلاع أخرى، ربما لأنني ارتبطت بها بسبب ذكرى أو موقف أو قصة تاريخية. من بين ست قلاع كانت قلعة الفجيرة في المرتبة الأولى لأسباب عدة، كما ذكرت، وأيضاً لأنها تقع في منطقة سهلة الزيارة. وبسبب هذه السهولة تكررت زياراتي لها أكثر من مرة وفي مواعيد مختلفة، حتى عندما كنت أمر بها في طريقي إلى مناطق أخرى، كنت لا أتوانى عن التوقف على الأقل لنصف ساعة أستحضر فيها قصصاً وحكايات ومواقف تعلقت أحداثها بالقلعة، مثل مذكرات البرتغالي ألفريد بوكيرك مثلاً، وربط سير الأحداث ببعض المناطق والقلاع. ومازلت أتذكر أول مرة صعدت الدرج المؤدي إليها، تذكرت تفحصي الرسوم الهندسية على بوابتها الرئيسة، وراجعت ذاكرتي ساعتها رسومات لشعوب وقبائل مختلفة، لعلّي أجد رابطاً ما بينها وبين رسوم في مناطق أخرى لشعوب جارة وشقيقة أو شعوب تعيش في نفس البيئات الصحراوية هناك في إفريقيا أو حتى في قارة آسيا نفسها، بالطبع تركت هذه الرسوم بطابعها المصبوغ ببداوته علامة في ذاكرتي، وانضمت إلى أرشيف طويل من مشاهد كثيرة من مناطق أخرى زرتها حول العالم.
وهنا أحدثكم بترتيب مختصر عمّا رمم وأصبح متاحاً للزيارة في أي وقت من العام، وخاصة أنَّ المنطقة تتمتّع بجو جميل خاصة في فصل الشتاء، وأهم شيء في اختيار القلعة أو البرج أو الحصن هو اختيار أفضل مكان استراتيجي في المنطقة، وبالتالي تسمح للزائر بزاوية رؤية مفتوحة للمنطقة التي تتوسطها وتطل عليها، كما كانت تسمح بالسيطرة والمراقبة قديماً، لقلاع مثل، قلعة الفجيرة، قلعة مسافي، قلعة البثنة، حصن ومربعة الحيل، قلعة أوحلة، وأبراج البدية.
القلعة، الحصن، البرج، المربعة، صور متعددة لمبانٍ تركها لنا الأجداد بتفاصيلها الدقيقة لتعطينا فكرة عن هويتهم، وفنونهم البيئية، والمحلية الخالصة في غالب أحوالها، فشكل القلعة الخارجي وتكوينها الداخلي، ما هما إلا نتاج خليط من الخبرات المتراكمة التي تعلَّم وعلَّم فيها أجدادنا جيلاً بعد جيل فنون البناء في البيئة الصحراوية والجبلية، خاصة بناء القلاع والحصون.
تاريخ وظروف
أظهر الأجداد مهارة كبيرة في إخراج البناء في صورته النهائية من مواد استخلصها ساكن الأرض من محيطه، فاستخدم الحجر والرمل والحصى، ومزجها معاً، وأضاف لها مكونات أخرى، مكوناً خليطاً مقاوماً لعوامل الهدم والتعرية، وبقايا أعشاب جافة، واستخدم جذوع الأشجار، وسعف النخيل، وغصون الشجر، في بناء وتكوين القلاع لتكون ملاذه الآمن ضد الاعتداءات التي توالت على أرضنا المسالمة منذ عصور بعيدة.
عادت أوروبا لمحاولة السيطرة على أراضي الشرق بداية بالحضور البرتغالي في القرن السادس عشر والسابع عشر، وبدؤوا بتدوين وحفظ الرسائل والمعلومات عن الشرق والغرب، وهنا يعود التاريخ ليذكر أسماء بعينها لمدن وموانئ وقلاع وأسواق كانت لها شهرتها ولبضائعها رواجها الذي جعلها ملء السمع والبصر في ذلك الزمان، ما جعلها مادة لمذكرات قائد أسطول أو بحار رسى على شواطئها قديماً.
للقلعة أو الحصن مكونات لا غنى عنها تبدأ بالبئر أو مصدر الماء وهو أهم شروط الحصن أو القلعة، كي يتحصن بها إنسان ضد الأخطار المحدقة، حيث تمثل المياه المصدر الرئيس للبقاء. والقلاع عادة تتكون من ساحة داخلية تتسع بما فيه الكفاية للسكان، وأيضاً عدد من الحجرات كافية للأغراض المختلفة، ومنها ما يُستخدم كمخازن للمؤن الغذائية، ومنها كحجرات للاستضافة أو للنوم ومنها «مدابس» تعطينا فكرة عن ارتباط الأجداد بمحصولهم الأهم، التمور، والتي كانت تمثل ثروات في تجارة المنطقة على مر العصور، وتعرضت قوافل بل وبلدان للهجمات من المعتدين للحصول على مخزون بلد منه، وبالتالي لزم أن يكون في القلعة أو الحصن أسلحة ومعدات للحرب والدفاع بما فيه الكفاية لصد أي هجوم محتمل، وأصبح لا غنى للساكن الذي اتخذ هذه الأرض سكناً إلا أن يدافع عنها بحياته، ويدافع عن حياته بتحصنه في القلاع، والتي حولها في أوقات الدفاع لفريق عمل متكامل، هناك من يراقب وهناك من يحرس ومن يعمل ومن يدافع وهناك من يجهز الطعام من السيدات اللواتي عملن في صمت، إلى جانب الرجل وكن مصدره الدائم للطعام المطبوخ والشهي حتى في أصعب الأوقات، وبالتالي كانت لهن ثقافتهن في الطهي وكانت لهن أطباقهن التي توارثنها جيلاً بعد جيل.
قلعة الفجيرة حصن الشرقيين
هي أكبر وأهم بناء في الإمارة، وكانت مقراً للحكم حتى بعد بدايات القرن الماضي، وهي موجودة إلى الداخل، على بعد كيلومترين من الساحل، بنيت فوق ربوة صغيرة ترتفع نحو 20 متراً تقريباً، ما يعطيها ميزة دفاعية، حيث تزيد تلك الربوة من ارتفاعها الكلي. وأرجعها تحليل “كربون 14” لأساسات البناء للفترة بين 1500 و1550م، وبالتالي تحتفظ لنفسها بتاريخ يعود لأكثر من خمسمائة عام شاهدة على تمسك الأجداد بأرضهم منذ زمن طويل، وقابلوا فيها العديد من المحن من شعوب معتدية من الشرق والغرب. تعرضت فيها لهجمات وثّقتها مذكرات البرتغاليين المكتوبة. صمدت مرة وتعرضت لبعض الدمار مرة وأعيد بناؤها ما بين 1650 و1700 ميلادية. وخلال عهد محمد بن مطر الشرقي الذي حكم بين الفترة (1803م/1808م) شهدت بعض الإصلاحات والإضافات، وخاصة أنَّ العيون والأطماع توجهت صوب الخليج وشبه جزيرة العرب كلياً منذ بدايات القرن التاسع عشر، منذ أن بدأت تفصح الصحراء عما في باطنها من كنوز.
وتُعدُّ القلعة أكبر بناء في المحيط، وتقع بجلال فوق ربوة، تظهر منها أبراجها الثلاثة، إضافة إلى برج رابع مستطيل الشكل يمثل جزءاً مهماً من أجزاء القلعة ككل، فأسفله السجن وفي أحد جوانبه المدبسة، وبه غرف علوية كانت تستخدم في أغراض إدارية للأسرة الحاكمة، وكانت تشهد تلك الغرفة أهم اجتماعات حاكم الإمارة ومن أجل الدخول واعتلاء القلعة من أحد أبراجها لا بدَّ من المرور من مدخلها الرئيس والوحيد، والواقع في ناحيتها الجنوبية، بعد درج صاعد من الحجر المتوسط والصغير تتبعه صالة للاستقبال ومنها إلى صحن القلعة، حيث تظهر الغرف الداخلية ومداخل الأبراج الدائرية الثلاثة، والمبنى المستطيل الظاهر في جانب القلعة الجنوبي الشرقي أسفله سجن ومدبسة، ثمَّ الجزء العلوي للمراقبة والدفاع. الأبراج الثلاثة عادة كانت تستخدم في الفترات السابقة كسكن للجنود، واستخدمت في بنائها مواد بيئية مثل الطين، والصاروج، والطوب، والتول، وهو يشبه الطابوك، إلا أنه مصنوع من الطين، إضافة إلى الصخور التي استخدمت في الأساسات، وكذلك استخدم النخيل بكل مشتقاته، وجزوع الأشجار خاصة الدعون.
قلعة البثنة
قلعة كبيرة يجذبك شكلها ببرجيها الكبيرين، وبنائها القوي المتماسك، ولربما بنيت حول صخرة كبيرة، لأنَّ الجزء الأوسط منها مرتفع عن باقي البناء وبالتالي يصل الداخل مباشرة إلى أعلى، حيث صحن القلعة، تقع البثنة غرب الفجيرة بنحو 13 كلم تقريباً، وهي واحدة من القرى المطلة على وادي حام الممتد من الفجيرة وحتى وادي السيجي عبر سلسلة جبال الحجر.
يعود تاريخ القلعة للعام 1735م، تقريباً، وكغيرها من القلاع والحصون الأخرى، اكتشفت في محيطها مواقع وشواهد أثرية تعود للألفين الثانية والأولى قبل الميلاد، كذلك اكتشفت مواقع أخرى تدل على العصور الإسلامية، أهمها موقع القلعة نفسه، ذهبت إلى القلعة ولفتت نظري الحجرة الخارجية التي كانت تستعمل مدبسةً، على يمينها مباشرة بعد درجات ثلاث مدخل القلعة الوحيد، والذي يؤدي إلى غرفة استقبال خلفها مباشرة درج للصعود إلى صحن القلعة المرتفع والمرجح بناؤه فوق صخرة كما أسلفت. والسطح موزع بين البرجين ومصاطب للمراقبة والدفاع، وحجرتان كبيرتان، وأسوار تتخللها عشرات الفتحات كانت تستخدم في المراقبة وتمرير فوهات البنادق لتصويبها باتجاه الأعداء المهاجمين، ومن نفس الفتحات تشاهد منظر الوادي ونخيله وأشجاره الوارفة التي تتمتع بها حدائق البثنة منذ أقدم العصور، وهو ما كشفته البعثات الأجنبية الفرنسية فالسويسرية، والتي اكتشفت مواقع أثرية تعود بالبثنة للألف الثالثة قبل الميلاد.
قلعة مسافي
قلعة الأفلاج المائية، هكذا ارتبطت في مخيلتي، وهي القلعة الوحيدة من بين القلاع التي ضمَّ سورها الخارجي فلجاً طبيعياً قديماً، وليس بئراً. والأفلاج لمن لا يعرفها من غير سكان الخليج، هي نظام ري قديم، خاصة في الخليج العربي خاصة المناطق الشرقية منه، وهو عبارة عن شبكة من القنوات تحت الأرضية تفادياً للتعرض لشمس الصحراء القوية، ومن ثمَّ تفادي التبخر السريع. وتتميز أيضاً بوجود مسجد ملاصق للسور، مبني بنفس المواد البيئية، وله مدخل منفصل عن القلعة من الداخل. ومسافي تقع على مسافة 30 كلم، غرب أحد الطرق المؤدية لدبي، وترجح الدراسات الأثرية عمر القلعة بنحو 500 عام، لكن وجود الأفلاج يعطي احتمالية أكثر قدماً، ولربما بنيت فوق أطلال قلعة أقدم وهذا ما سيثبته أو ينفيه المنقبون الأثريون فقط من خلال اكتشاف أسفل القلعة أو في الجوار المهم والمثمر، حيث المنطقة الاستراتيجية على وادي حام الغني بغطاء نباتي وإنتاج زراعي أدى إلى توطن وسكن، وتكوين مجتمع مسالم سعى على مر الزمن للتحصن دفاعاً عن ثرواته.
وتتكون القلعة من برج واحد دائري الشكل، وحجرتين داخليتين على امتداد نفس السور، وارتفاعات السورين الخارجي والداخلي، لا تعلو عن باقي البناء بكثير، وأعتقد من ملاحظتي لطبيعة البناء أنها كانت قلعة ثانوية، أو حصناً ومسكناً للجنود بغرض الدفاع عن مصادر المياه المتمثلة في الأفلاج.
قلعة أوحلة
قلعة صغيرة، ببرج واحد أيضاً، يعدُّ أعلى وأأمن مكان في القلعة ككل، لها سور خارجي مميز عن باقي القلاع، باتساعه، ووجود فتحات للبنادق والمراقبة في الجانب المقابل للمدخل الرئيس، وهي من القلاع التي يشاهد بها أساسات قلعة من العصر الحديدي في ساحتها، وهذا دليل أكثر من كافٍ على أنَّ أوحلة كانت موجودة منذ آلاف السنين، ومكان القلعة لم يختره أهله مصادفة، إنما استمرارية لاختيار الأجداد بعد تجاربهم المديدة لاختيار الموقع الأمثل للقلعة حتى يستطيعون التحكم في الوادي الواقع خلفها.
اسم أوحلة يعود إلى صفة المكان الرطبة والسبخية، حيث يزداد سقوط الأمطار في المناطق المتاخمة لعمان من الإمارات العربية ككل، وتتحول معظم المناطق إلى مسرح لمياه الأمطار التي تجعل محاولة السير صعبة بسبب التوحل الحاصل باختلاط الماء بالتربة السبخية.. وهي تبعد عن الفجيرة بنحو 25 كلم، تقريباً، باتجاه الجنوب، وهناك طريقان للوصول إليها، أولهما طريق الفجيرة الحيل، والثاني هو طريق كلباء.
والأثر الأهم في هذه القلعة هو بقايا الأساسات القديمة لقلعة كانت في نفس المكان في العصر الحجري، ثم المجلس الخارجي وهو مبنى كامل مرمم حديثاً، يختلف عن باقي حجرات وأقسام القلعة بميزة القدم، وأنه الوحيد الخارج عن سور القلعة، ومدخله من خارج بوابة صحن القلعة الجانبية، والمجلس الخارجي كان يتم فيه استقبال الضيوف، ويرجح أنه نفسه يعود إلى فترة إسلامية قريبة ويتميَّز ببعض الملاط والرسوم الهندسية التي تزين جدرانه الداخلية.
وبنيت القلعة بنفس المواد البيئية التي بنيت بها القلاع الأخرى، الحصى، الرمل المخلوط بماء وما أكثره في هذه المنطقة، النخيل بمشتقاته، جذوع الأشجار الأخرى، وفوقهم تجربة السنين لتحسين وضع كل قلعة، وكل حصن بما هو مستطاع وما هو مناسب، فالتهديدات التي تواجهها بلدة مثل أوحلة لن تكون مثل التهديدات التي تواجهها الفجيرة المدينة الأكبر مثلاً، لذلك لا ندخل في مقارنات الحجم وخلافه، لأن ساكن أوحلة على مر السنين، بنى كغيره من أشقائه وجيرانه بما هو مستطاع، لما تتطلبه الظروف والأوضاع.
حصن ومربعة الحيل
يبعد حصن ومربعة الحيل، نحو 15 كيلومتراً جنوب غرب الفجيرة، حيث تقع الحيل وواديها الشهير والمسمي بنفس الاسم، وكانت بالنسبة لي واحدة من التجارب التي أنصح بها من يودون زيارة مكان تتشابك فيه الطبيعة بالتاريخ، المكان تعزله الجبال كصدفة تعزل لؤلؤتها، والمكان في الحقيقة له من العزلة ما يجعله عالماً من الأحلام، ذهبت في الفجر وشاهدت الشروق الساحر، كما ذهبت عصراً مرات أخرى لأتابع الغروب الرائع، والواقع أنَّ الحالين بهما من السحر ما قد يجعلك من محبي الحيل وحصنها الذي يرتفع 15 متراً فوق أعلى بروز جبلي، مبنية كمثيلاتها على مستويات ثلاث تمر من أسفلهما لأعلاهما حتى تصل للسطح، حيث لا شيء يحجب الرؤية سوى حالة الجو إن كانت ضبابية. والوادي في الأسفل تحيطه الحدائق والمزارع وبعض البيوت المتفرقة، على مسافة ليست بعيدة وعلى نفس طريق الوصول سد لتخزين مياه الأمطار ترعى في محيط خزانه الفارغ بعض الحمر البرية.
ترى أيضاً بعض المواقع الأثرية والتي مازالت تنتظر تنقيباً وبحثاً لتدلي بقصتها وقصة ساكنها. أما أهم مبنى في الجوار فهو بيت ومربعة الحاكم، والذي يرجع للعام 1830 ميلادية، وهو مكون من ساحة يحيط بها سور وبها حصن أو لنقل برج مستطيل الشكل على شاكلة الحصن في أعلى التلة، وبه مجموعة من الغرف التي كانت تستخدم لسكن الأسرة وبعض أعمال الحكم.
أبراج ومسجد البدية
الأبراج من المباني التاريخية التي تركها الأجداد، إضافة إلى القلاع والحصون، وهي تختلف أولاً في بنائها خارج النطاق السكني، ودورها الأهم تحذيري، وليست بنفس كبر القلاع والحصون بل ربما مثل برج من أبراج قلعة أو حصن، وتختلف في مهامها الدفاعية عموماً، وتتكون عادة من غرفة واحدة على مستويات، بحسب الارتفاع، يربط بينه حجراتها سلم، والسطح هو الجزء الأهم، حيث يتمُّ من خلاله رصد أيِّ تحركات على مرمى البصر وبالتالي أخذ الاحتياطات بحسب تفسير التحركات المشاهدة عن بعد. في وقت الخطر تُطلق الأصوات التحذيرية، ثمَّ جاء اختراع البارود فبُدلت الأصوات بطلقات من بنادق أو مدافع صغيرة، تعطي رسالة بحسب عددها، كما كانت النار في الزمن القديم تعطي نفس الرسائل بحسب تفسير شكل النار ودخانها المنبعث من أحد الأبراج.
وعلى مسافة 7 كيلومترات شمال خورفكان تقع قرية لها من التاريخ ما أفصحت عنه من خلال مواقعها الأثرية التي تغطي فترات كبيرة من التاريخ، موقعها الأهم أو لنقل الأشهر هو مسجد البدية، والذي كان يحمل حتى هذا العام لافتة أقدم مساجد الدولة قاطبة، لكن اكتشافاً آخر على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة، تحديداً مدينة العين، حيث اكتشفت فيها أساسات مسجد أقدم بكثير من مسجد البدية، يعود كما رجح العلماء لفترة الحكم العباسي، أكثر من ألف عام كتاريخ مبدئي، فيما يعود مسجد البدية لخمسة قرون على أقصى تقدير.
والمسجد إضافة إلى برجين تبقيا من عدد من الأبراج التي كانت تحرس وتراقب الشاطئ الشرقي من ناحية وأودية الجبال من ناحية أخرى. هناك فوق التلة الحجرية، والتي كانت مستخدمة حتى في العصور الحجرية وتُرى بوضوح بقايا مستوطنات هذه العصور على بعد أمتار قليلة خلف البرجين، اللذين بنيا كباقي المباني الدفاعية في كل المنطقة الشرقية بما هو متاح من موارد الطبيعة، والتي يعطيها الحجر ميزة الصلابة على خلاف مواد أكثر هشاشة، لذلك صمد وقام بدوره المطلوب، وبقيت بعض هذه المباني لتحكي لنا بعضاً من قصص النضال دفاعاً عن الأرض، وتحمل للأجيال القادمة أمانة الوطن؛ الإمارات.. وما أغلاها أمانة.