الصائغ بين الذهب والبشت الحساوي

الخليج العربي الكتاب مجلة مدارات ونقوش - العدد 32 - 33

 3,135 عدد المشاهدات

الكاتب : أحمد علي الأمير

استهجن طبيب الإرسالية الأمريكية في البحرين الدكتور بول هاريسون، أثناء زيارته للأحساء عام 1919م، مصطلح (خيّاط) على من يعمل البشت بقوله: «كثير من الحرفيين في الأحساء يضعون في أعمالهم الروح الحقيقية للفنان، منها التطريز الذي يزخرف ملابس الرجال (البشت) والنساء (الجناع – السويعية)، ومن الأفضل إطلاق اسم مطرّزين بدلاً من خياطين؛ لأنَّ حوافَّ العباءة يجب أن تطرَّزَ بخيوط ذهبية وقرمزية».

كتاب يؤرخ مسيرة الطبيب

وحتماً فإنَّ مصطلح (تطريز) أفضل من (خياطة)؛ حيث إنَّ إطلاق خياطة على البشت هو إجحاف لهذا الفن، لكن التطريز هو تزيين الشيء بخيوط ملوَّنة لتشكيل زخارف ورسوم بالخيط، أمّا الصياغة فهي تشكيل الشيء على نحو معين بمنتهى الدقة والإتقان باستخدام عنصري الذهب والفضة، حيث كان إنتاج البشت في الأحساء من ضمن مجالات الصاغة. ويُقال: إنَّ البشوت كانت تُزيَّن بخيوط معدنية، وذلك قبل التطور العلمي الذي أتاح صناعة (الزري)، وهي خيوط قطنية مطلية بالذهب والفضة. لذلك فمن الأفضل أن يُطلَقَ على هذا الفن «صياغة البشوت».

الدكتور بول هاريسون

بين الضروريات والكماليات

والجدير بالذكر أنَّ الصائغ في الأحساء كان يتأرجح بين صياغة الذهب وبين صياغة البشوت في الزمن القديم تبعاً للحالة الاقتصادية؛ فإذا كان هناك كساد عام عزف الناس عن الكماليات كالذهب، وذهبوا إلى الضروريات كالبشت؛ لأنَّ لبس البشت كان من أعراف المجتمع السابق، ولا فرق في ذلك بين الفقراء أو الأغنياء، حيث كان من المعيب في الأحساء خروج الرجل منذُ سن العاشرة من منزله دون لبس البشت، سواء في الذهاب إلى المسجد أو السوق، كما تشترك بعض أجزاء الحلي في حرفة صياغة الذهب في التسمية مع أجزاء البشت مثل الكَرّمَك([1])، في الذهب يعده الصائغ بخيوط مفتولة مع بعضها من ذهب، وفي البشت يعده من خيوط مطلية من الذهب.

إتقان مبكِّر

والإتقان  المزدوج بين الحرفتين يرجع إلى تعليم أولاد صاغة الذهب لصياغة البشوت منذُ سن السابعة أو الثامنة من عمرهم، وذلك بعد أن يختموا القرآن الكريم عند المطوع، حيث أوضح المؤرخ الأحسائي الراحل الحاج محمد بن حسين الرمضان، أنَّ صائغ الذهب يتعامل مع دوّه (نار) ومواد قد تكون خطرة على الصبي مثل الشناضر والماء الحار، لذلك يتعلَّم الصبي صياغة البشوت إلى أن يبلغَ سنَّ الخامسة عشرة أو الثامنة عشرة من عمره، ثمَّ يتَّجه إلى حرفة صياغة الذهب التي تتطلَّب دقةً فائقةً وعدم هدر في المادة الخام، لذلك كان هناك علاقة وثيقة بين صائغ الذهب والبشوت.

ولعلَّ تأسيس أرضية الكرمك في البشت بخياطة بطانة قطنية ذات لون أصفر على قماش البشت، وعمل بعض أجزاء الخياطة مثل الخبانة التي تستغرق فقط بضع ساعات، هي ما أكسبت صائغ البشوت صفة الخياط، بينما صياغة خيوط الذهب (الزري) في كرمك البشت قد تستغرق أكثر من أسبوعين، لذا فإنَّ مصطلح (خياطة) في البشت تعبير مجازي، إنما هو صياغة البشت.


[1]– الكرمك في البشت هو الجزء العريض المذهب بالزري.